في وصف الحالة السورية
عند وصف الحالة ( المعاناة )السورية ستمتلئ الكلمات وهي تمر في عرباتها بالدموع. وستذوب كالملح في ماء الحزن فهي لا تجيد السباحة. فإن قلتُ إن المآذن في حمص مذبوحة وتنزف بالأذان، ستفيض نافورة الدمع من العيون وتغرق الكلمات. عندها سيدلني قارئ جديد لا يعرفني جيدا إلى حل: غط كلماتك بقماشة من المجاز الكثيف لتمر الكلمات من دون بلل. وابتعد عما يوجع من وصفك الجريء مثل: يثقب مراقب عربي بطريقة غير مباشرة طبعا قلب طفل يركض خائفا في سكة ضيقة في الحي القديم، لأن المراقب تلكأ في الانسحاب من بعثة المراقبين العرب. لكن قل ساخرا: إن الطفل تعثر في حجر ومات، فقد كان يشكو من هشاشة العظام لأنه لا يشرب الحليب كل صباح.
وإن قلتُ: إن الحياة مشنوقة في حماة بالدخان على باب المدينة. قد يمر بي قارئ آخر لينصحني بترك المجاز: ابرد كلماتك المربعة ذات الزوايا الحادة بالدبلوماسية لتصير دائرية إلى حد ما، فالحياة مصالح والكل يخطئ والصلح خير. سأشكره طبعا لأن النصيحة بنت التجربة، لكنني سوف أمضي على مهل إلى مقهى قريب لأنظم خرز الكلمات من جديد. وقد يمر بي مزارع بعربة مملوءة بالبرتقال تصرصر عجلاتها وأنا أقول: إن الذي تبقى من الياسمين في البلاد تحشو به الأمهات جراح الصغار المفتوحة كفم السمكة. سيقول المزارع: سمعتُ ما قلتَ، لكنني أمر بعربتي هذه وأنا أبكي على ما أراه من قتل كل يوم في الصحافة والتلفزيون؛ والبرتقال في عربتي لا يذوب، لذلك لا أستطيع فهم مشكلتك. فإن تركني وشأني بدأت في سن كلماتي بالتفاعيل حتى تصير مدببة كالسكاكين وطويلة كرمح إفريقي، استعدادا لوصف آخر. لكن قد يمر بي رقيب نحيل على الأرجح هو يقرأ هذه الكلمات الآن ليقول لي: غير العربة، فأنت محتاج إلى مدرعة. فالحالة السورية مملوءة بمدافع الهاون والقناصة، فإن مرت كلماتك من مقصي فهل ستمر من الآلة العسكرية؟ لكنني غالبا سأمضي لأعبئ كلماتي بالقوافي هكذا: يمر الكلام على موت طفل كبسملة الأم والفاتحةْ / يمر كرمح طويل تسدده دعوة صالحةْ/ وينزل بين العيون دموعا ولا لون فيه ولا رائحةْ. عندها سيطوي هذه الصحيفة ناقد متوسط الحجم، ويقول: سأسأله إن التقيته، من أين لشعرك كل هذا النمش؟
د. زياد بن عبدالعزيز آل الشيخ
صيحفة الأيام
http://www.ayyam.org/arabic/p=8988
يا حي يا قيوم