• ×

اعتقاد أشراف الحجاز في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
 
اعتقاد أشراف الحجاز في صحابة النبي صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي خلق فسوى والذي قدر فهدا، والصلاة والسلام على النبي المجتبى وعلى آله وأصحابه النجبا. وبعــــــد:
بالسؤال عن معتقد آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في أصحابه، أجبت السائل بأننا أهل بيت ورثنا حب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيوت آبائنا التي نشأنا فيها قبل أن ندرك ذلك بعقولنا وتعليمنا، واستقيناه مما تواتر عليه آباؤنا حتى أجدادنا الأعلون- الذين رفع الله منزلتهم بصحبة رسوله الأكرم فنالوا شرف الصحبة مع النسب الشريف الطاهر كالإمام علي وابنيه الحسن والحسين وفاطمة بنت رسول الله، وجعفر، وعقيل، وحمزة، والعباس، وأبي سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب، ومن جاء بعدهم من العترة الطاهرة رضوان الله عنهم أجمعين.
وقد تضافر ما ورثناه عن آبائنا من حب لأصحاب المصطفى عليه الصلاة والسلام مع النصوص الشرعية والأدلة والبراهين العقلية.
فنحن نحب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كل من ثبتت له صحبة ولا ندع حب أحد منهم كل على قدر قربه من رسول الله وحبه له فالصحبة لا تعدلها حسنة-، ونحب من يحب أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام لنفوز بشمولية قوله تعالى:  وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ [الحشر:10]، وحذرًا من اتخاذ الصحابة غرضًا وتحقيقًا لنهي النبي عليه الصلاة والسلام في قوله: «لا تسبوا أحدًا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مدَّ أحدهم ولا نصيفه«(1)، وغيره من الأحاديث في معناه.
ومع حبنا لهم لا نبغض أحدًا منهم ولا نعاديه كما ورثنا ذلك عن آبائنا إذ لم نسمع أحدًا منهم يسب أو يلعن أحدًا من السلف بدءًا من الصحابة ومن بعدهم ونحن على هذه الملة إن شاء الله وسيرثها من بعدنا أبناؤنا ونوصيهم بها فهي النجاة في الدنيا ويوم لقاء الله.
وعندنا أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم غير معصومين من الخطأ والنسيان كحال بني أدم إلا الأنبياء والرسل، كالذي وقع من حاطب بن أبي بلتعة وقول غلامه: والله ليدخلن حاطب النار، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «كذبت إنه شهد بدرًا والحديبية«(2)، وما وقع من عبدالله بن سعد بن أبي السرح وتوبته بالرجوع إلى الإسلام.
وقد وقع بين بعض الصحابة اختلاف وحسابهم فيه على الله تعالى هو الذي يفصل بين عباده فيما اختلفوا فيه كما حدث لسعد بن عبادة ومن معه من الأنصار يوم السقيفة وقوله لمن هاجر «منا أمير ومنكم أمير«، وكقصة سعد بن معاذ -رضي الله عنه- وقوله لرسول الله صلى الله عليه وسلم في من بلغه أذاه في أهله في قصة الإفك «نحن نعذرك فيه إن كان من الأوس ضربنا عنقه، وإن كان من أصحابنا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك، فقام سعد بن عبادة فقال: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله؛ فقام أسيد بن حضير فقال كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين«، وكادت تثور فتنة بين الأوس والخزرج.
وأشد منه ما وقع من مسطح وحسان وحمنة في قصة الإفك المفتراة، وبالجملة فلسنا بمكلفين بالخوض فيما شجر بينهم وخاصة فيما ليس من حصيلته إلا الفتن وافتراق الأمة.
وإن سيرة آل البيت وإمامهم الإمام علي رضوا ن الله عنه- كانت تزخر بحب الأصحاب كما كانوا يحبونه ويجلونه ويعرفون علو مكانه وفضله ومنزلته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وعلى رغم ما وقع له يوم الجمل فإنه حمل أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بعد أن جهزها وأمر لها بكل ما تحتاجه وسير معها أولاده وهي في طريقها إلى المدينة المنورة، وكان قد طاف على القتلى لا يميز بين من قتل معه أو مع غيره، يصلى عليهم ويدفنهم حتى وقف على طلحة بن عبيدالله فقال: «لهفي عليك يا أبا محمد إنا لله وإنا إليه راجعون، والله لقد كنت أكره أن أرى قريشًا صرعى«.
وعندما استأذن حاجبه لابن جرموز قال: ائذن له وبشره بالنار لأنه قاتل الزبير رضي الله عنه-، وقد أحضر سيفه عند علي، فقال: «طالما جلى به الكرب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم« يعني سيف الزبير حواري رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومن مواقف آل البيت موقف العباس بن عبدالمطلب من أبي سفيان يوم فتح مكة وكان عمر بن الخطاب حريصًا على قتل مثل أبي سفيان لشدة عداوته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان العباس يحميه وحمله على دابته حتى بلغ به رسول الله واستأمنه حتى أمنه، بل وجعل الآمان لمن دخل داره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن«(3)؛ وإليك ما قالته هند بنت عتبة زوج أبي سفيان وأم معاوية: «يا رسول الله ، ما كان على ظهر الأرض من أهل خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ، ثم أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك«(4)، ومن المشهور أن معاوية وصى يزيد برعاية حق الحسين وتعظيم قدره، وحكى السدي فقال: نزلت بكربلاء ومعي طعام للتجارة، فنزلنا على رجل فتعشينا عنده وتذاكرنا قتل الحسين، وقلنا ما شارك أحد في قتل الحسين إلا مات اقبح ميتة، فقال الرجل ما أكذبكم أنا شاركت في دمه وكنت ممن قتله وما أصابني شيء، قال: فلما كان من آخر الليل إذا أنا بصائح، قلنا: ما الخبر؟ قالوا قام الرجل يصلح المصباح فاحترقت إصبعه ثم دب الحريق إلى جسده فاحترق. ثم قال السدي: فأنا والله رأيته وهو حمة سوداء.
وعلى جُبر الحجاج بن يوسف الثقفي وفتكه وتسلطه لم يؤثر عنه أنه قتل هاشميًا واحدًا فيما نعلم بل إن عبدالملك أرسل إليه يقول له: إياك وبني هاشم أن تتعرض لهم فقد رأيت بني حرب لما تعرضوا للحسين أصابهم ما أصابهم.
والكلام في مثل هذا يطول، وإنما أردت أن أذكر نماذج في تعايش الناس مع آل بيت النبوة سلفًا وخلفًا، ومن حاد عن طريق المؤمنين فإنما يوليه الله ما تولى وحسابه على ربنا.
ولا يصلح لنا آل البيت أن نجهل أو نغضب كلما جهل أحد علينا وكيف نفعل هذا وربنا يقول: وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا   وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا  [الفرقان: 63، 72]، وإن جدنا وأعظمنا وأعظم الخلق سيدنا محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام قد لقي من العنت والأذى ما لم نلقه من بعده جميعًا، فصبر على ما أوذي، ولم يعاقب، ولم يعنف عن عزة وكرامة، لا ضعف وذل كما حدث له من ذي الخويصرة وغيره، -والله المستعان- ورسوله عليه الصلاة والسلام إمامنا وقدوتنا.
والله الهادي والقادر على جمع هذه الأمة على كلمة سواء.

وكتبها
الدكتور الشريف نايف بن هاشم الدعيس البركاتي الحسني
أستاذ علم الحديث النبوي في الجامعة الإسلامية بالمدينة النبوية
وعضو مجلس الشورى سابقًا
الثلاثاء 11/9/1430هـ



____________
(1) الحديث في «صحيح مسلم» (2541).
(2) الحديث في «صحيح مسلم» (2495).
(3) الحديث في «صحيح مسلم» (1780).
(4) الحديث في «صحيح البخاري» (3825ـ 7161، 6641).


بواسطة : hashim
 0  0  2118
التعليقات ( 0 )

-->