المعجم المثالي .. للقارئ العربي
شايع بن هذال الوقيان
شايع بن هذال الوقيان
المعجم المثالي هو مجموعة من المفاهيم والكلمات التي تقال بدون تصديق ضمني واقعي بها. إنها مجرد شعارات أو دوال لا مداليل حية تحيل عليها. أو لنقل هي آمال وأحلام لم تتحقق بسبب «مثاليتها» أي بعدها عن الواقع ولن تتحقق مادامت مثالية تستعصي على الشرط التاريخي. هاك بعضا منها:
أولا: الوطن والوطنية والمواطنة.. الكل يغني ويغرد ويطرب لهذه الكلمات، ولكن لو سئل المرء ما يريد بها أو ما يريد منها لما أحار جوابا. مما يثير استغرابي أن دولا تعتبر من أرقى الدول وحضارات وصلت إلى غاية التقدم التاريخي تكاد تخلو من كلمة وطن ووطنية ومواطنة وليس عندهم آلاف الأغاني الوطنية كما عندنا من تلك التي تعمد لاستفزاز مشاعرنا وإثارة نار التعصب الشوفيني فينا. في تلك الحضارات الأمر بسيط جدا؛ لقد تم حسم هذه المسألة من زمان، وما هو قار ثابت فإن الناس لا يتحدثون عنه. في أمريكا ، مثلا ، لا أحد يتكلم عن «المواطنة» لأن المسألة منتهية منذ أمد بعيد، وليست هناك خطط ومنهجيات لتحديد من هو المواطن من غيره، المسألة ليست معقدة كما نتصور، فكل من هو أمريكي فهو مواطن رضي من رضي وأبى من أبى، وليس المرء ملزما أن يثبت وطنيته في كل سكنة وحركة. وحديث العرب المثالي والمستمر عن الوطنية مؤشر لغيابها، كما أن الشروط المفروضة لكي تكون مواطنا تعتبر مثالية؛ أي معقدة ويصعب تحقيقها. لي أن أقول ليس شرطا أن تكون رجلا صالحا لكي تكون مواطنا، فالمجرم مواطن أيضا وله كل الحقوق التي تمنح للمواطن الصالح، وعلينا أن ندافع عن حقه القانوني والإنساني بشكل مساو تماما لغيره، وإلا فلن تكون هناك سوى «وطنية مثالية وهمية».
ثانيا: التضامن الإسلامي والأمة الإسلامية الواحدة.. هذا المفهوم برز قبيل وبعيد سقوط الخلافة التركية. وكان معقولا الحديث عنها وقتذاك. أما اليوم فقد انتهى عصر الإمبراطوريات وحل محله التنوع الثقافي. لا يمكن أن تجعل ثلث العالم دولة واحدة ما لم تكن مثاليا.
ثالثا: الوحدة العربية والأخوة العربية والشعب العربي الواحد من المحيط إلى الخليج «لقد صمت أذني من هذه العبارة»... أقول: ينبغي أن نتخلى عن هذا الوهم المثالي أيضا. فليس من الضروري أن نكون تحت مظلة دولة واحدة لكي نبقى «إخوة» و «أحباب» هل نحن كذلك حقا؟ أنا شخصيا لا يهمني أن نكون إخوة بقدر ما نكون شركاء. أتذكر أن طه حسين أشار إلى أن العامل الاقتصادي هو أكثر جدوى للوحدة أو الاتحاد من العامل اللغوي أو الديني. وهذا صحيح.. فكل «اتحاد» أو «فدرالية» أو «كونفدرالية» تمت حتى الآن لم تقم إلا على العامل الاقتصادي؛ الاتحاد الأوروبي والفرانكفوني والولايات المتحدة وغيرها. أما العوامل الأخرى فهي مثالية. تذكروا أن ما هو مثالي فهو غير واقعي وغير متحقق بل مجرد حلم.
رابعا: اللغة العربية الفصحى.. هو وهم مضحك يظن أصحابه أن هناك إمكانية لعودة العرب إلى اللغة الواحدة «الفصحى» .. وهو وهم لأنه لم يكن هناك أبدا «لهجة عربية واحدة»، بل لهجة رسمية سادت وهي لهجة قريش وأخريات توارت في الظل كلهجات تميم وطي وحمير وهذيل والأزد ونحوها. كما أن اللغة كائن حي يتأثر بالجغرافيا والموروث الثقافي.. أيها السادة الواهمون، إن اللغات التي تتكلمون بها عربية أصيلة وليست تركية أو فارسية أو فرنسية. وكل عارف بالتاريخ يدرك أن اللغة العربية لم تكن على لهجة واحدة من قبل الإسلام وأثنائه وبعده..
هذه بعض المفاهيم والتصورات المثالية التي لا يمكن أن تتحقق بكل صيغها العربية السائدة، وهناك الكثير منها.. ويكفي لكي تعرفها أن تلاحظ أولا «كثرة تردادها» ، وثانيا «وعدم وجودها الواقعي» ، وثالثا «عدم الرغبة الجادة في تحقيقها».. فلنكن واقعيين لتتحقق أحلامنا.
صحيفة عكاظ الأحد 15- 6- 1433
ياسر بن زيد الفعر