• ×

دراسة هامة حول موقف الإمام الذهبي من الدولة العبيدية نسباً ومعتقداً

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
دراسة هامة حول موقف الإمام الذهبي من الدولة العبيدية نسباً ومعتقداً

نُشرت بمجلة علمية محكّمة ( مجلة جامعة أم القرى ) في عددها الأخير ربيع الأول من هذه السنة 1423هـ .


د. سعد بن موسى الموسى
أستاذ مساعد بكلية الشريعة بجامعة أم القرى


ملخص البحث




الإمام الذهبي إمام واسع الثقافة برع في علوم عديدة منها الحديث والسيرة والتاريخ، وله في التاريخ كتب هامة لا يستغني عنها باحث في التاريخ، وله وقفات عند حوادث التاريخ ، ومنها موقفه من الدولة العبيدية حيث تعرض لها في كتبه من نواحي متعددة، واخترت من هذه الجوانب النسب والمعتقد .

ومن النتائج التي توصلت إليها :

1- سعة علم الإمام الذهبي ودقة أحكامه.

2- الإجماع على كذب الدول العبيدية في انتسابها إلى آل البيت.

3- إجماع علماء الأمة المعتبرين على كفر وردة بني عبيد.



* * *

مقدمة :
الذهبي إمام من أئمة الإسلام الكبار له في كل علم مشاركة واهتمام، وقد كان له في التاريخ وقفات هامة تنم عن دراسة عميقة متأنية أنتجت موقفا واضحا من العبيديين أو من عرفوا عند بعض المؤرخين بالفاطميين. والعبيديون كتب عنهم المؤرخون قديماً وحديثاً كتابات كثيرة، وكان لبعضهم موقف في الدفاع عنهم وعن كيانهم، ويبدو أن ذلك الموقف سببه التقليد لمن سبقهم أو الإعجاب وحب المخالفة، مع أن بعض من كتب عنهم يتبرأ من معتقداتهم.([1])

وبالغ بعضهم في الدفاع عنهم، حتى عد من يقدح فيهم أنه يقدح في الدين الإسلامي.([2])

وهذا البحث محاولة لتتبع بعض ماجاء في كتابات الإمام الذهبي حول هذه الدولة نسبا، ثم جمعاً للعقائد التي كان يعتقدها بنو عبيد في الله والرسل والصحابة وغيرها من عقائد الإسلام، ولم ينفرد الذهبي بهذه المعلومات عنهم وقد وجدت عدداً من المؤلفات القديمة والحديثة توافق الذهبي وتدعم أراءه حول هذه الدولة المنبثقة عن فرقة الإسماعيلية.

نبذة عن الإمام الذهبي:
هو الإمام شمس الدين محمد بن أحمد الذهبي، ولد في شهر ربيع الآخر سنة 673هـ وتوفي سنة 748هـ نشأ وترعرع في بيئة علمية وكان والده يعمل في الذهب المدقوق، ولذا سمي بالذهبي.

ابتدأ طلب العلم وهو في سن الثامنة عشرة، وأهتم بعلم القراءات حتى أصبح على معرفة جيدة بالقراءات، وبأصولها ومسائلها، وهو لما يزل فتى لم يتعد العشرين من عمره. وترقى به الحال حتى صار شيخ الحلقة في الجامع الأموي
عام 693هـ. أما في الحديث فقد اجتهد في طلب الحديث فسمع مالا يحصى كثرة من الكتب والأجزاء. ولم تكن القراءات والحديث هما دراسته فقط بل درس النحو والتاريخ وعلم الرجال. ومع مشاركته في كثير من العلوم إلا أن مكانته العلمية وبراعته تظهر مشرقة متألقة عند دراسته محدثا ومؤرخا وناقداً. مع أنه عاش في بيئة غلب عليها الجمود والنقل والتلخيص، ولكنه تخلص من كثير من ذلك. ولم يقتصر في تأليفه على عصر معين بل درس العصور التاريخية حتى عصره. ([3])

وتمثل طريقته في عرض التاريخ في كتابيه تاريخ الإسلام والعبر أسلوبا جديداً لايعرض التاريخ السياسي فقط كما هو الحال في كثير من كتب التاريخ السياسي، ولا يعرض تراجم الرجال فقط كما في كتب التراجم؛ بل يلخص الأحداث السياسية ثم يتوسع في تراجم الرجال حيث يعطي صورة عن الأمة بأجمعها وبكل نواحي الحياة.

وقد بلغ مكانة علمية عالية جعلت الإمام ابن حجر العسقلاني عندما يشرب من ماء زمزم يسأل الله أن يصل إلى مرتبة الذهبي.([4])

وقد ارتبط تكوين الذهبي الفكري بالحديث والمحدثين فأثر ذلك تأثيراً واضحاً في منهجه التاريخي حيث ربطه بالحديث وعلومه، واهتم بالتاريخ فسمع على شيوخه الكثير من كتب المغازي، والسير، والتاريخ العام، والمشيخات. وقد زادت مؤلفاته عن المائتين مصنف في شتى العلوم. منها في التاريخ والتراجم ست وسبعون كتاباً ورسالة.

من شيوخه أبو الحجاج يوسف بن عبدالرحمن المزي ت742هـ وشيخ الإسلام ابن تيمية ت728هـ وعلم الدين أبو محمد القاسم بن محمد البرزالي ت789هـ . وقد اختصر الذهبي مايزيد على خمسين كتاباً ولم تكن اختصاراته عادية يغلب عليها الجمود بل في هذه الاختصارات إضافات كثيرة وتعليقات نفيسة، واستدراكات بارعة، وتصحيحات وتصويبات، ومقارنات تدل على معرفته وتبحره. ([5])

قال عنه تلميذه الصفدي: »حافظ لايجارى ولافظ لايُبارى، أتقن الحديث ورجاله، ونظر عللهُ وأحواله، وعرف تراجم الناس، وأزال الإبهام في تواريخهم، لم أجد عنده جمود المحدثين ولا كودنة النقلة بل هو فقيه النظر، له دربة بأقوال الناس، ومذاهب الأئمة من السلف وأرباب المقالات«.([6])

وقال عنه التاج السبكي: كأنما جمعت الأمة في صعيد واحد فنظرها ثم أخذ يُعبَّر عنها إخبار من حضرها.([7]) وقال عنه السخاوي:» وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجال«.([8])

ومن درس علم التاريخ لاتخفى عليه مكانة هذا الإمام الجهبذ الذي له من اسمه نصيب حيث يجد الباحث لديه العمق ومحاولة التحقق من الأحداث والعدل في الأحكام مع السعة المكانية والزمانية

نبذة عن الدولة العبيدية:
الدولة العبيدية أو ما تسمى بالدولة الفاطمية أُسست في تونس سنة 297هـ وانتقلت إلى مصر سنة 362هـ واستقرت بها وامتدت إلى أجزاء هامة من العالم الإسلامي، حيث شمل سلطانها الشام، والجزيرة العربية، وحاولت الوصول إلى بغداد، وكان عهد هذه الدولة عهد اضطراب، وفتن، وإيذاء لأهل السنة، وتمكين لأهل الذمة، وتخلل هذه الفترة أوضاع اقتصادية سيئة مثل الشدة العظمى زمن المستنصر التي أكل الناس فيها الكلاب والبشر، وإحراق القاهرة زمن الحاكم، والمصادرات التي كانت تتم على فترات متفرقة، والتعاون مع الصليبيين على المسلمين، والمتأمل في تاريخ هذه الدولة ينتابه العجب مما يرى من الاختلاف في حال هذه الدولة وكثرة الكتابات حولها حيث انقسم الكتاب حولها إلى قسمين:

القسم الأول: ذام شاتم بل مكفر لها وهو موقف غالبية المؤرخين والأئمة مثل الباقلاني، وأبو حامد الغزالي، وابن خلكان، وعبدالجبار الهمذاني، وابن ظافر الأزدي، وأبو شامة، والذهبي، وابن كثير، وابن تيمية، وابن تغري بردي، وابن حجر، والسيوطي.

القسم الثاني: مادح ممجد لها مصحح لنسبها معتذر لها مثل ابن خلدون، والمقريزي وهو موقف عجيب وخاصة موقف الأخير؛ حيث يصحح النسب مع أنه يتتبع مخازي وأخبار الدولة.([9]) ويحاول بكل ما أوتى من جهد الدفاع عنها وتصحيح نسبها.

ويتبع القسم الثاني غالبية المؤرخين المحدثين والذين يصححون نسب هذه الدولة، وبعضهم يفخر بإنجازاتها وأحيانا بانحرافاتها وهذا الموقف صعب التفسير، وصعب القبول.

ومن أشهر أهل القسم الأول - والذين لهم اعتبار ولكلمتهم معنى ووزن - الإمام الذهبي: الذي كان واضحا كل الوضوح في موقفه من هذه الدولة ونسب حكامها، وملتهم، ومذهبهم وأعتمدت في هذا البحث من كتب الذهبي على تاريخ الإسلام، وسير أعلام النبلاء، ودول الإسلام، والعبر في خبر من غبر وهذا عرض مفصل لأقواله وأحكامه من خلال هذه المراجع الأساسية:-

موقف الذهبي من نسب الدولة العبيدية:
من الأمور المشكلة في التاريخ الإسلامي والتي صارت أحد مجالات الخلاف في العصر الحديث نسب الدولة العبيدية، وقد تحدث الذهبي عن هذا الأمر كثيراً كلما مر ذكر هذه الدولة أو مر ذكر حاكم من حكامها، ويلاحظ أن حديثه حديث الواثق من المعلومات ونظراً لعلو علم مكانة الذهبي وسعة إطلاعه ودقته في إيراد الأخبار كان لقوله مكان الصدارة. فهو يقول عن المهدي أول حكامها:» وفي نسب المهدي أقوالٌ: حاصِلُها أنَّه ليس بهاشميٍّ ولا فاطميٍّ« ([10])وقال أيضاً:» وادعى هذا المدبر، أَنَّهُ فاطميُّ من ذُرِّية جعفر الصادق«([11])

وقال مبينا رأى كثير من العلماء حول عبيدالله المهدي:« وادعى أنه علوي فاطمي فكذَّبوه».([12])

وقال عن استقراء لأقوال العلماء: وأهل العلم بالأنساب والمحقّقين يُنكِرون دعواه في النَّسبِ.([13])

ومما يدل على أنه يرى أن لانسب لهم ولاعلاقة تربطهم بآل البيت إيراده لأقوال العلماء التي تؤكد أنهم أدعياء مثل قوله عن عبيد الله: والمحقِّقون على أنه دَعيُّ ([14]) وقال عنه أيضا: والمحققون متفقون على أنه ليس بحسيني.([15]) ومما قاله: فإن جدهم دعي في بني فاطمة بلا خلاف.([16]) ثم أورد ما قاله أحد العلماء المحققين: وقد صنف ابن البَاقِلاَّني وغيرُهُ من الأئِمةِ في هَتْكِ مقالات العبيدية، وبطلان نسبهم([17])

ثم فصل ماقاله القاضي أبو بكر بن الباقلاني (عن عبيدالله) من أن أصله مجوسي وبعد دخوله المغرب ادعى النسب العلوى الذي لم يعرفه أحد من علماء النسب.([18])

ونقل عن أبي شامة- الذي كتب عن هذه الدولة كتاب كشف ماكان عليه بنو عبيد من الكفر والكذب والمكر والكيد - قوله: »يدعون الشرف ونسبتهم إلى مجوسي أو يهودي حتى اشتهر لهم ذلك وقيل الدولة العلوية والدولة الفاطمية وإنما هي الدولة اليهوديــة أو المجوسيـة الملحدة الباطنية. ثم قال ذكر ذلك جماعة من العلماء الأكابر وأن نسبهم غير صحيح بل المعروف أنهم بنو عبيد وكان والد عبيد من نسل القداح المجوسي الملحد وقال عن عبيدالله: وادعى نسبا ذكر بطلانه جماعة من علماء الأنساب«.([19])

وأورد عن القاضي عبدالجبار بن أحمد بن عبدالجبار البصري مايفيد بأن المهدي من أصل يهودي وادعى أن له نسباً.([20])

ثم ذكر عن الوزير القفطي([21]) الخبر المروي عن تشكيك أبي عبدالله الشيعي مشايخ كتامة في الإمام.([22]) وأبو عبدالله الشيعي هو الذي مهد وسلم الأمر لعبيدالله المهدي فحين يشكك في المهدي فهو أعرف بمن أختاره ولذا سارع المهدي لقتله وأخيه!.

وذكر الذهبي أن المعز لما سأله السيد ابن طباطبا عن نسبه قال: غدا أخرجه لك، ثم أصبح وقد ألقى عرمة من الذهب، ثم جذب نصف سيفه من غِمْدِهِ، فقال: هذا نسبي، وأمرهُم بنهبِ الذهب، وقال: هذا حسبي.([23]) وابن طباطبا هذا ذكر بعض المؤرخين أنه توفي قبل دخول المعز، ويبدو أنه أحد أبناءه، أو هو الشريف أبو جعفر مسلم بن عبيدالله الحسيني، أو الشريف أبو إسماعيل إبراهيم بن أحمد الحسيني الرسي.([24])

ونقل ماذكره المؤيد الحموي في تاريخه حول نسبة عبيد الله المهدي إما إلى اليهود أو المجوس.([25]) وعندما تحدث عن وفاة العزيز العبيدي أورد رسالة الأموي صاحب الأندلس التي فيها: أما بعد، فإنك قد عرفتنا فهجوتنا، ولوعرفناك لأجبناك كما ذكر كلام ابن خلكان وغيره: » أكثر أهل العلم لايُصحِّحون نَسبَ المهدي جد خلفاء مصر، حتى إنَّ العزيز في أول ولايته صَعِدَ المنبر يوم جمعة، فوجد هناك رقعة فيها([26]):


إنا سمعنا نسباً منكراً =يتلى على المنبر في الجامع
إن كنت فيما تدعي صادقاً = فانسب لنا نفسك كالطائع
وإن ترد تحقيق ماقلته = فاذكر أبا بعد الأب الرابع
أو لا دع الأنساب مستورةً = وادخل بنا في النسب الواسع
فإن أنساب بني هاشمٍ = يقصر عنها طمع الطامع


ونقل ماذكره ابن خلكان أيضاً من الاختلاف في نسبه ثم قوله: »وأهل العلم بالأنساب والمحققين يُنكرون دعواه في النسب«.([27])

وقال في ترجمة الظاهر :» العبيدي المصري، ولا أستحلُّ أن أقول العلوي الفاطمي لما وقر في نفسي من أنه دعي«.([28])

وقال الذهبي عن العاضد :« المدعي هو وأجداده، أنهم فاطميون».([29])

وقال:« ونسبهم إلى علي t غير صحيح».([30])

وكذلك اهتم الذهبي بمحاضر بغداد التي كتبها عدد من كبار العلماء، ففي ربيع الأول من سنة 402هـ كُتِبَ مِن الديوان ديوان الخليفة- محضر في معنى الخلفاء الذين بمصر والقَدْح في أنسابهم وعقائدهم. وقُرِئت النَّسخةُ ببغداد. وأُخِذَت فيها خطوط القُضاة والأئمة والأشراف بما عندهم من العلم والمعرفة بنسب الدَيْصَانية،«وهم منسوبون إلى دَيْصَان بن سعيد الخُرّميّ إخوان الكافرين، ونُطَف الشياطين، شهادةً يتقرَّبُ بها إلى الله. ومعتقد ماأوجب الله تعالى على العلماء أن يبيّنوه للنّاس، وشهدوا جميعاً أن الناجم بمصر وهو منصور بن نزار الملَقَّب بالحاكم حكم الله عليه بالبوار، والخزْي والنّكال، بن معد بن إسماعيل بن عبدالرحمن بن سعيد، لا أسعده الله، فإنه لما صار سعيد إلى بلاد الغرب تَسَمّى بعبيد الله وتلقَّب بالمهدي.

وهو ومن تقدَّم من سلفه الأرجاس الأنجاس، عليه وعليهم اللّعنة، أدعياء خوارج لانسب لهم في ولد عليّ بن أبي طالب t. وأنّ ذلك باطل وزُور. وأنتم لاتعلمون أن أحدا من الطالبيين توقَّف عن إطلاق القول في هؤلاء الخوارج أنهم أدعياء.

وقد كان هذا الانكار شائعا بالحرمين، وفي أول أمرهم بالمغرب، منتشراً انتشارا يمنع من أن يدلس على أحد كذبهم، أو يذهب وهم إلى تصديقهم.

وممن وقع على هذا المحضر الشريف المرتضى، وأخوه الرضي، وجماعة من كبار العلوية، والقاضي أبو محمد بن الأكفاني، والامام أبو محمد الإسفراييني، والامام أبو الحسين القدوري.([31])

قال: «وفي سنة (444هـ) عُمِل محضر كبير ببغداد، يتضمن القَدْح في نسب بني عُبَيْد، الخارجين بالمغرب ومصر، وأن أصلهم من اليهود، وأنهم كاذبون في انتسابهم إلى جعفر بن محمد الصادق رحمه الله، فكتب فيه خلق من الأشراف والشيعة والسنة وأولي الخبرة».([32])

قال محمد عبدالله عنان معلقا على محاضر بغداد:»هذه الوثائق العباسية بالرغم مما يشوبها من كدر الخصومة السياسية من خلافة كانت تشعر بخطر الخلافة الشيعية الجديدة على سلطانها الروحي والزمني، فإنها مع ذلك تحمل من التوقيعات أسماء لها مكانتها الرفيعة من العلم والدين، مثل: القاضي أبي بكر الباقلاني، وأبي حامد الاسفراييني، وأبي الحسن القدوري، والأبيوردي وغيرهم. ومن ثم فإنها تجعلنا نشعر أنها لم تكن فقط مزاعم بلاط موتور، وأنما هي فوق ذلك وثائق لها قيمتها التاريخية فيما ذهبت إليه«.([33])

وقال عنان أيضا :»ولاشك أن هذه ((القضية)) تتجاوز حدود مؤامرة دبرتها حاشية القادر ضد منافسه بالقاهرة، أو سجل ادعاء النسب الذي شهد به فقهاء سنيون أجِلاء من المتزلفين أو أصحاب المصالح، أو لمجرد رد فعل المذهب السني على البدعة الشيعية الظافرة«.([34])

ويقول رحمه الله :« فأما نَسَبهم فأئمة النّسَب مُجْمِعُون على أنهم ليسوا من ولد عليّ رضوان الله عليه، بل ولا من قُريشٍ أصلاً».([35])

ومما يؤكد أن لانسب لهم قول أحد أتباعهم الذي أختلف معهم فأكد هذه الحقيقة وهو الحسن ابن الأعصم القرمطي الذي حارب المعز ولعنه على منبر دمشق وراسله فقال:«هؤلاء من ولد القداح ، كذابون ممخرقون ، أعداء الإسلام ونحن أعلم بهم ، ومن عندنا خرج القداح».([36])

وكذلك ماحصل من عضد الدولة البويهي الشيعي أنه سأل الأشراف ببغداد قائلاً:» هذا الذي بمصر يقول:إنه علوي منكم، فقالوا: ليس هو منا. فقال لهم: ضعوا خطوطكم، فوضعوا خطوطهم بأنه ليس بعلوي، ولا من ولد أبي طالب، ثم أنفذ إلى نزار بن معد رسولاً يقول له: نريد أن نعرف ممن أنت؟ فعظم ذلك عليه، فذكر أن قاضيه ابن النعمان ساس الأمر لأنه كان يلي أمر الدعوة والمكاتبة في أمرها، فنسب نزاراً إلى آبائه، وكتب نسبه، وأمر به أن يقرأ على المنابر، فقرىء على منبر جامع دمشق صدر الكتاب، ثم قال: نزار العزيز بالله بن معد بن المعز لدين الله بن إسماعيل المنصور بالله بن محمد القائم بأمر الله بن عبيد الله المهـدي بالله بن الأئمة الممتحنـين، أو قال: المسـتضعفين- وقطع.« ([37])

ويصم الذهبي من يسميهم فاطميين بأنه من العوام.([38]) ويقول:« نسبهم مطعون فيه».([39]) وأخيرا يقول:« المحققون متفقون على أن عبيدالله المهدي ليس بعلوي».([40])

ولم يكن الذهبي الوحيد في موقفه من الطعن في نسبهم بل شاركه كثير من أهل العلم منهم: عبدالقاهر البغدادي، ومحمد بن مالك اليماني، وابن حزم الأندلسي، والأسفراييني صاحب التبصير في أصول الدين، وابن واصل، وابن الجوزي، وابن تغري بردي، والنويري، والقلقشندي، والسخاوي، والسيوطي، وابن حجر في رفع الاصر، وابن عذاري في البيان. ومن المستشرقين دي غويه، ونيكلسون، ودوزي، وبراون.([41])

موقفه من الدولة العبيدية من حيث المعتقد
إن جادل بعض المؤرخين عن نسب بني عبيد فلن يجادلوا عن معتقداتهم ومذهبهم حيث اشتهر عنهم معتقدات باطلة مثل: ادعاء علم الغيب، وادعاء النبوة والألوهية، وطلب السجود من رعاياهم وأتباعهم، وسب الصحابة. وكثرة الإنفاق على الاحتفالات المبتدعة والتي أرجعها أحد المؤرخين:« لإلهاء الرعية من أهل السنة عن أمور السياسة، ومايقال من الطعن في نسبهم وأحقيتهم في الخلافة».([42]) ولم أتطرق إلى جوانب الخلاف الفقهي لأن الخلاف في الفقه سهل ويسير، ويتسع المجال لذلك حسب فهم الأدلة الشرعية.

v ذكر الإمام الذهبي في كثير من مؤلفاته أن بني عبيد يدعون الألوهية والربوبية فعندما أراد أبو يزيد مخلد بن كيداد الخارجي([43]) حرب بني عبيد لم يتردد العلماء في المسير معه فـ: «تسارع الفقهاء والعباد في أهبة كاملة بالطبول والبنود وخطبهم في الجمعة أحمد ابن أبي الوليد وحرضهم وقال:جاهدوا من كفر بالله وزعم أنه رب من دون الله،... وقال: اللهم إن هذا القرمطي الكافر المعروف بابن عبيد الله المدعي الربوبية جاحد لنعمتك كافر بربوبيتك طاعن على رسلك مكذب بمحمد نبيك سافك للدماء فالعنه لعنا وبيلا وأخزه خزيا طويلا واغضب عليه بكرة وأصيلا. ثم نزل فصلى بهم الجمعة».([44])

وقيل في سنة تسع وتسعين ومائتين: إن عبيدالله المهدي الزنديق سمح لأتباعه أن يغرقوا في كفرهم حتى ألَّهوه فقد كانت أيمانهم المغلظة : « وحق عالم الغيب والشهادة، مولانا الذي برقادة ».([45])

كان بعض دعاة بني عبيد يقول عن المهدي هو الخالق الرازق.([46])

قال الشاعر القيرواني أبو القاسم الغماري ت345هـ عن بني عبيد([47]):


عبدوا ملوكَهُمُ، وظنُّوا أنّهم = نالُوا بهم سبب النجاة عُموما


قال الذهبي: « و في سنة ستين وثلاث مئة، وجد بالسُّوق قماش قد نُسِجَ فيه: المُعِزُّ عَزَّ وجَلَّ، فأُحضر النَّسَّاج إلى جوهر، فأنكر ذلك، وصُلِبَ النَّساجُ ثم أُطلق».([48])

ورد في مخطوط عقيدة الإسماعيلية الذي نشره المستشرق جويار عن تأليه المعز لدين الله.([49])

وقال حسن إبراهيم حسن : « وقد بالغ ابن هانيء في غلوه فنسب لمولاه (المعز) بعض صفات النبوة والألوهية وبـهذا مهد السبيل لمن جاء بعده من الشعراء. يدل على ذلك القصيدة الطويلة التي أنشدها في حضرة المعز والتي منها:


هو علة الدنيا ومن خُلقت له = ولعلـــة ماكانــت الأشياءُ
ولك الجواري المنشآتُ مواخر = تجري بأمرك والرياح رخاء
فَعَنَتْ لك الأبصارُ وانقادت لك الــ= أقدارُ واســتحيت لك الأنواء
لاتسـألن عن الزمـــــان فإنه = في راحتيك يــدور حيث تشاء

وقال : «ولم يفتر ابن هانيء عن مواصلة مدحه للمعز؛ ولكنا نراه يُغرق فيجعله في منـزلة عيسى ومحمد ، بل ينسب إليه بعض صفات الألوهية، كما يتضح ذلك في قصيدة أخرى حيث يقول:


ندعوه منتقماً عزيزاً قادراً= غفارَ موبقة الذنوب صفوحا
أقسمتُ لولا أن دعيتَ خليفةً = لدعيتَ من بعد المسيح مسيحا
شهدتْ بمفخرك السموات العلى = وتنـزَّل القرآن فيك مسيحا

وفي قصيدة أخرى يبالغ ابن هانيء في مدح المعز فيشبهه بالخالق سبحانه وبالنبي r. ويشبه أشياعه بأنصار النبي حيث يقول([50]):


ماشئت لا ماشـاءت الأقدار= فاحكم فأنت الواحد القهار
وكأنما أنــــت النبيُّ محمدٌ= وكأنــما أنصـارك الأنصار
هذا الذي تُجدي شفاعته غداً=حقاً وتَخْمُدُ ان تراه النار

وممن كان يدعي الربوبية والإلهية الحاكم العبيدي حيث قال عنه الذهبي : «الإسماعيلي الزنديق المدعي الربوبية».([51])

وقال عنه أيضا:« يقال إنه أراد أن يدّعي الإلهية، وشرع في ذلك فكلّمه أعيان دولته وخوَّفوه بخروج النّاس كلهم عليه، فانتهى».([52])

وممن حرض الحاكم على هذا الادعاء حمزة بن علي قال الذهبي : «وقد قُتل الدرزي الزنديق لادعائه ربوبية الحاكم. وكان قوم من جهلة الغوغاء إذا رأوا الحاكم يقولون يا واحد يا أحد يا محيي يا مميت».([53])

ومما جاء في محضر بغداد الذي عقد سنة 402هـ : وأن هذا الناجم بمصر وسلفه وادعوا الربوبية.([54])

ومما ورد في المحضر أيضاً: وأن هذا الناجم بمصر هو وسيلة كفار وفساق فجار زنادقة. ولمذهب الثنوية والمجوسية معتقدون، قد عطلوا الحدود، وأباحوا الفروج، وسفكوا الدماء، وسبوا الأنبياء، ولعنوا السلف، وادعوا الربوبية».([55])

قال حسن إبراهيم حسن: وعقيدة تأليه الحاكم أثارت سخط الأهلين وأمثالها، إذا كان لايزال هناك كثيرون يناوئون سياسة الفاطميين، فقد كتب أحد الشعراء بيتين من الشعر في ورقة على المنبر، فوقعت في يد العزيز وقرأها فإذا فيها([56]):


بالظلم والجور قد رضينا= وليس بالكــفر والحماقـــة
إن كنت أُعطيتَ علمَ غيبٍ= فقل لنا كاتبَ البطاقـــــة

قال الذهبي : «قرأت في تاريخ صُنِّف على السنين في مجلد صنفه بعض الفُضَلاء سنة بضع وثلاثين وستمائة، قدمه لصاحب مصر الملك الصالح: في سنة سبع وستين قال: وكانت الفِعْلة (القضاء على الدولة العبيدية) من أشرف أفعاله (صلاح الدين)، فَلَنِعْمَ مافعل، فإنّ هؤلاء كانوا باطنية زنادقة، دعوا إلى مذهب التناسخ، واعتقاد حلول الجزء الإلهي في أشباحهم.

وقال الذهبي: أن الحاكم قال لداعيه: كم في جريدتك؟

قال: ستة عشر ألفاً يعتقدون أنّك الإله.

قال شاعرهم:


ماشئت لا ماشاءت الأقدار= فاحكم فأنت الواحد القهار

فلعن الله المادح والممدوح، فليس هذا في القبح إلا كقول فرعون أنا ربكم الأعلى.

وقال بعض شُعرائهم في المهديّ برَقّادة:


حلّ برقـــــادة المسيحُ = حــل بــها آدمُ ونوحُ
حل بــها الله في عُـــلاهُ= فما ســوى الله فهو ريحُ

قال: وهذا أعظم كُفراً من النّصارى، لأن النّصارى يزعمون أن الجزء الإلهيّ حلّ بناسوت عيسى فقط، وهؤلاء يعتقدون حُلُوله في جسد آدم ونوح والأنبياء وجميع الأئمة.

هذا اعتقادهم لعنهم الله».([57])

v ومع ادعائهم الربوبية والألوهية كانوا يدعون النبوة أيضاً: حتى عوتب بعض العلماء في الخروج مع أبي يزيد الخارجي فقال: وكيف لا أخرج وقد سمعت الكفر بأذني، حضرت عقداً فيه جمع من سنة ومشارقة وفيهم أبو قضاعة الداعي فجاء رئيس فقال كبير منهم: إلى هنا يا سيدي ارتفع إلى جانب رسول الله يعني أبا قضاعة فما نطق أحد.([58])

وكان بعض دعاة بني عبيد يقول عن المهدي : هو رسول الله.([59]) ويُرْمىَ عبيدالله بأنه قتل جماعة من العلماء السنيين لم يعترفوا بأنه رسول الله.([60])

فعندما ادعى عبيدالله الرسالة أحضر فقيهين من فقهاء القيروان وهو جالس على كرسي ملكه وأوعز إلى أحد خدمه فقال للشيخين: أتشهدا أن هذا رسول الله؟ فقالا: والله لو جاءنا هذا والشمس عن يمينه والقمر عن يساره يقولان: إنه رسول الله، ماقلنا ذلك. فأمر بذبحهما.([61])

وكان عبيدالله المهدي يسخر من النبي r ومن موسى u -في رسالة بعثها إلى داعيه أبي طاهر القرمطي-فيقول: ولاتكن كصاحب الأمة المنكوسة حين سألوه عن الروح فقال: «الروح من أمر ربي» لما لم يعلم ولم يحضره جواب المسألة، ولاتكن كموسى في دعواه التي لم يكن له عليها برهان سوى المخرقة بحسن الحيلة والشعبذة.([62])

وكان لعن الأنبياء من شعائرهم فقد ذكر القاضي عبد الجبار المتكلم: أن القائم أظهر سب الأنبياء وكان مناديه يصيح العنوا الغار وما حوى.([63]) وذكر الهمذاني أيضا أن القائم جاهر بشتم الأنبياء وكان يلعنهم جميعاً.([64])

كما ذكر بعض أهل التاريخ: أن المعز أراد ادعاء النبوة ولكنه خاف من الرعية فقد ذكر الخبر ابن عذاري أنه وقع في المغرب حيث أذن مؤذنه فوق صومعة جامع القيروان بـ: أشهد أن معداً رسول الله فارتج البلد لذلك.([65])

أما صاحب الاعتصام([66])فيذكر أن معداً من العبيدية الذين ملكوا إفريقية، فقد حكى عنه أَنه جعل المؤذن يقول: أشهد أن معدًا رسول الله، عوضا عن كلمة الحق (( أشهد أن محمداً رسول الله )) فهم المسلمون بقتله ثم رفعوه إلى معد ليروا هل هذا عن أمره؟ فلما انتهى كلامهم إليه، قال : « أردد عليهم أَذانهم لعنهم الله».

v ومن عقائدهم ادعاء علم الغيب ورد في حوار بين أبي عبدالله الشيعي وبين قبيلة كتامة أنه قال لهم : « أن تَدِينوا بإمامٍ معصوم يعلم الغيب».([67])

قال ابن خَلكان : « وذلك لأنهم ادَّعوا علم المغيبات. ولهم في ذلك أخبار مشهورة».([68])

v و كان يُسجد لهم و يأمرون الناس بالسجود لهم، قال الذهبي: «ففي سنة 396هـ خطب بالحرمين لصاحب مصر الحاكم، وأُمَر الناس عند ذكره بالقيام وأن يسجدوا له، فإنا لله وإنا إليه راجعون».([69])

وكان إذا ذُكِر (الحاكم) «قاموا وسجدوا في السُّوق، وفي مواضع الاجتماع، فإنّا لله وإنّا إليه راجعون، فلقد كان هؤلاء العُبَيْدِيُّون شرّاً على الإسلام وأهله من الشرّ».([70])

v وكان الحاكم يسخر من النار حيث: « أنشأ دارا كبيرة ملأها قيودا وأغلالا وجعل لها سبعة أبواب وسماها جهنم فكان من سخط عليه أسكنه فيها».([71])

v وكانوا يبيحون المحظورات فقد نقل الذهبي قول ابن النديم([72])- الذي أطلع على أحد كتب الباطنية-:« قد قرأته فرأيت فيه أمراً عظيماً من إباحة المحظورات، والوضع من الشرائع وأصحابـها».([73])

قال ابن خلكان:« استفتى (صلاح الدين) الفقهاء فأفتوا بجواز خلع (العاضد) ([74])لما هو من انحلال العقيدة والاستهتار فكان أكثرهم مبالغة في الفتيا الشيخ نجم الدين الخبوشاني فإنه عدد مساوئ هؤلاء وسلب عنهم الإيمان».([75])

v وكانوا يقتلون العلماء ممن لايقول بقولهم: قال أبو الحسن القابسي صاحب الملخص : « إن الذين قتلهم عبيد الله وبنوه أربعة آلاف في دار النحر في العذاب من عالم وعابد ليردهم عن الترضي عن الصحابة».([76])

والغرض من قتلهم العلماء -كما قال الذهبي عن عبيد الله- :« أعدم العلماء والفقهاء ليتمكن من إغواء الخلق».([77])

v وشاركوا القرامطة جرائمهم : « ففي أيام المهدي عاثت القرامطة بالبحرين وأخذوا الحجيج وقتلوا وسبوا واستباحوا حرم الله وقلعوا الحجر الأسود وكان عبيد الله يكاتبهم ويحرضهم قاتله الله».([78])

وذكر القاضي عبد الجبار المتكلم: أن القائم أباد عدة من العلماء وكان يراسل قرامطة البحرين ويأمرهم بإحراق المساجد والمصاحف.([79])

ومن عقائد بني عبيد أنـهم :« قلبوا الإسلام وأعلنوا بالرفض وأبطنوا مذهب الإسماعيلية».([80])

وقال الذهبي : «وأما العبيديون الباطنية فأعداء الله ورسوله».([81]) وقال أيضاً : «لايوصف ماقلب هؤلاء العبيديون الدين ظهراً لبطن ». ([82])

وقال عن عبيدالله :«كان يُظهر الرَّفض ويُبطن الزندقة».([83]) وقال أيضا: «وياحبذا لو كان رافضياً، ولكنه زنديق».([84])

أما أبوعبدالله الشيعي فكان يقول: إن لظواهر الآيات والأحاديث بواطن هي كاللب والظاهر كالقشر. وقال: لكل آية ظهر وبطن، فمن وقف على علم الباطن فقد ارتقى عن رتبة التكاليف.([85])

وقال عن جوهر الصقلي بعد أن ذكر عقله وشجاعته وحسن سيرته أنه:«على نحلة بني عبيد التي ظاهرها الرفض وباطنها الانحلال».([86])

وكانت نظرة علماء المغرب لبني عبيد واضحة بينة قال الذهبي:« وقد أجمع علماء المغرب على محاربة آل عبيد لما أشهروه من الكفر الصراح الذي لا حيلة فيه وقد رأيت في ذلك تواريخ عدة يصدق بعضها بعضا».([87])

وهذا قول لأحد الأئمة بأفريقية يرى فيه أن الخوارج مع انحرفاهم هم من أهل القبلة بعكس بني عبيد قال الذهبي: وخرج أبو إسحاق الفقيه مع أبي يزيد، وقال: هُمْ أهل القْبِلة، وأولئك ليسوا أهل قِبْلَةٍ، وهم بنو عَدوِّ اللهِ، فإن ظفرنا بهم، لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد، لأنه خارجيٌ.([88])

قال القاضي عياض: قال أبو يوسف الرعيني : « أجمع العلماء بالقيروان أن حال بني عبيد حال المرتدين والزنادقة».([89])

ومما يؤكد ضلالهم أنه وجد بخط فقيه قال: في رجب سنة 331هـ قام المكوكب يقذف الصحابة ويطعن على النبي r وعلقت رؤوس حمير وكباش على الحوانيت كتب عليها أنها رؤوس صحابة.([90])

وقال عن المنصور العبيدي : « وفيه إسلام في الجملة وعقل بخلاف أبيه الزنديق».([91])

وفي أيامه (العزيز) أُظهر سبُّ الصحابةِ جِهَاراً.([92])

فقد أمر بكَتْب سَبّ الصّحابة على أبواب المساجد والشّوارع، وأمر العمال بالسب في سنة خمسٍ وتسعين وثلاث مئة.([93])

وقال في السير: وكان سَبُ الصحابة فاشيا في أيامه (المستنصر) والسنة غريبة مكتومة.([94])

وكان لليهود والنصارى حظوة ومكانة عند بني عبيد ، فقد كانوا يقدمون اليهود على المسلمين. فمن اليهود الذين عملوا معهم يعقوب بن كلس، ومنشا، وبلغ اليهود المكانة العالية وتسلطوا حتى قال الشاعر:


العز فيهم والمال عندهم =ومنهم المســــتشار والملكُ
ياأهل مصر إني قد نصحت لكم= تـهوَّدوا، قد تـــهود الملك

أما النصارى فمنهم فهد بن إبراهيم، وأبو سعيد التستري، وأم المستنصر كانت مولاة للتستري، وصدقة بن يوسف الفلاحي، وأبو نصر التستري، عيسى بن نسطورس، وسهل بن معَشر النصراني طبيب الحاكم، ومنصور بن عبدون وزير الحاكم سنة 400هـ، وزرعة بن نسطورس، وأبو نجاح الراهب ت523هـ، وبهرام الأرمني ت535هـ، وقد حزن عليه بنو عبيد. ووالي قوص الباساك. قال رجل يوم الجمعة مبينا تمكن النصـارى في رقاب الناس: ياأهل مصر ! انظروا عدل مولانا الآمر في تمكينه النصراني من الناس.([95])

وقال الشاعر يوضح مابلغ النصارى في هذا العهد([96]):


إذا حكم النصارى في الفروج = وغالوا بالبغـــال وبالسروج
وذلت دولة الإســـلام طراً= وصار الأمر في أيدي العلوج
فقل للأعـور الدجــال هذا = زمانك إن عزمت على الخروج

قال قاسم عبده قاسم: ويعتبر العصر الفاطمي هو العصر الذهبي لأهل الذمة. والغريب أن الدولة الفاطمية لم تتبع سياسة التسامح الديني إزاء المصريين المسلمين أتباع المذهب السني في الوقت الذي حظي فيه أهل الذمة بمثل هذه الحريات.

قال الذهبي في ترجمة الشاعر عمارة اليمني : وله بيتٌ كَيِّس في العبُيديين:




أفاعيلُهُم في الجودِ أفعالُ سُنَّةٍ =وإن خالَفُوني في اعتقادِ التَّشَيُّعِ

ثم قال: ياليته تَشَيُّعٌ فقط، بل ياليته ترفُّض، وإنما يُقال: هو انحلالٌ وزَنْدقة.([97])

ويصح قول حسن إبراهيم حسن: ذهب السنيون إلى أن عبيدالله كان يعمل على هدم الإسلام متستراً بالتشيع.([98])

ومن العجيب أنك لاتجد واحداً من خلفاء الدولة العبيدية أدى فريضة الحج رغم التبجح بخلافة النبي r وعلي بن أبي طالب t.([99]) ولذا قال حسن إبراهيم حسن : « يرى الإسماعيلية أن مذهبهم إنما قام ليحل محل الإسلام. وقال أيضا: ولا يبعد أن يكون كثير مما ذهب إليه السنيون (في وصف المذهب الإسماعيلي) صحيحاً».([100])

ومع هذه النصوص الواضحة في انحراف العبيدية نجد مؤرخاً من المعاصرين لايزال مغتراً بـهم حيث يقول : « أقاموا دولة إسلامية على أسس إسلامية واضحة، وخلَّفوا حضارة يعتز بـها المسلمون إلى الآن ».([101])


نتائج البحث:
1. الإمام الذهبي إمام واسع الإطلاع في التاريخ والتراجم.

2. أجـمع من يعتد به من العلماء على عدم صحة انتساب بني عبيد إلى آل البيت.

3. أجمع من يعتد به من علماء الإسلام على كفر وردة بني عبيد.

4. عدد من أهل التاريخ في العصر الحديث يحاولون بصور شتى التقليل من شأن علماء الأمة الأعلام وتسفيههم ووصفهم بالتعصب السنى والمذهبي.

5. الإمام الذهبي نموذج من نماذج علماء الأمة الذين أظهروا عوار بني عبيد ولم يكن الوحيد فقد شاركه أغلبية أئمة التاريخ.

6. أحكام الإمام الذهبي مبنية على قراءة واسعة في كتب كثيرة مع عقلية ناقدة.

--------------------------------------------------------------------------------


الحواشي والتعليقات



([1]) مثل ابن خلدون الذي وصفهم في المقدمة ص22 ط/دار الشعب بمصر- »بأنهم كانوا على إلحاد في الدين وتعمق في الرفض. وقال: وليس إثبات منتسبهم بالذي يغني عنهم من الله شيئاً في كفرهم« والمقريزي حيث يقول:وقد جهل أكثر الناس اليوم معتقدهم فأحببت أن أبَيِّن ذلك على ماوَقَّفْتُ عليه في كتبهم المصنَّفـَة في ذلك متبرئًا منه. الخطـط ص9. و يقول: فرحات الدشراوي في كتابه الدولة الفاطمية بالمغرب ص17: إلا أنني ربما حابيت الفاطميين أكثر من اللازم، بل اتخذت موقفاً يكاد يكون مواليا لهم. وإني لا أخفي تعاطفي مع أولئك الملوك الشيعيين الجديرين بذلك، رغم أني أبريء نفسي من العدوى بمذهبهم والتأثر بدعوتهم«.

([2]) قال إبراهيم شعوط في كتابه أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ص358:» هذا التشكيك في نسب الفاطميين نوع من العداوة الخبيثة للإسلام والمسلمين«.

([3]) بشار عواد معروف، الذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام ص467.

([4]) نفسه ص118.

([5]) وأغلب التعريف من بشار عواد معروف، مقدمة سير أعلام النبلاء والذهبي ومنهجه في كتابه تاريخ الإسلام(بتصرف)..

([6]) الوافي بالوفيات 2/163.والكودنة: البلادة.

([7]) عبدالوهاب بن علي السبكي ت771هـ، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق محمود الطناحي وعبدالفتاح الحلو، عيسى البابي الحلبي،ط/1. 9/101.

([8]) الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ ص722.

([9]) انظر مثلا المقريزي، الخطط ط/الفرقان، ص104-105، اتعاظ الحنفا 2/137. فسر موقف ابن خلدون من قبل ابن حجر بأنه كان منحرفا عن آل البيت ولذا نسبهم إليهم بني عبيد لما اشتهر عنهم من سوء المعتقد.(نقل ذلك السخاوي، في التوبيخ لمن ذم التاريخ) أما المقريزي فهو ينتسب إلى بني عبيد.

([10]) السير، 15/151.

([11]) السير، 15/141.

([12]) دول الإسلام 1/261،1/294.

([13]) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330 ص23.

([14]) السير، 15/142.

([15]) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330 ص108.

([16]) العبر، 2/424.

([17]) السير، 15/143.

([18]) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 22.

([19]) السير، 15/213، الروضتين 1/216.

([20]) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 22، تثبيت دلائل النبوة ص597.

([21]) هو الوزير الأكرم جمال الدين علي بن يوسف الشيباني ، وزير حلب، صاحب التصانيف والتواريخ، جمع من الكتب على اختلاف أنواعها مالايُوصَف، وكان ذا غرامٍ مُفْرطِ بها حتى أنه لم يتزوج ولم يمتلك داراً. انظر الذهبي، العبر حوادث سنة 646هـ، وابن رجب الحنبلي، شذرات الذهب 5/236.

([22]) السير، 15/145-146، التاريخ حوادث سنة 321-330 ص109. الشيعي هو داعية الدولة العبيدية أصله من صنعاء قتله المهدي سنة 298هـ. كتامة: قبيلة من قبائل البربر تسكن الجبال بالمغرب، كانت معقلا للدعوة الباطنية وناصرت الدولة العبيدية.

([23]) السير، 15/142.

([24]) ابن خلكان، وفيات الأعيان 3/83 .

([25]) السير، 15/147-148، المختصر في أخبار البشر 2/64-65.

([26]) السير، 15/168-169و في السير الأب السابع بدل الأب الرابع والصحيح أنهم أربعة كما في وفيات الأعيان 5/373 حيث أن أباء العزيز هم المعز- المنصور والقائم- والمهدي. والخليفة الطائع هو الخليفة العباسي الرابع والعشرون بويع له يوم خلع أبيه وأقام سبع عشرة سنة وتسعة أشهر وخلع نفسه سنة 381هـ ومات سنة 393هـ.ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب 3/143.

([27]) الذهبي، التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 23.

([28]) السير 15/184، التاريخ،حوادث 381-400 ص130-131.

([29]) السير، 15/207.

([30]) نفسه، 16/181.

([31]) تاريخ الإسلام حوادث سنة 401-410ص 11، دول الإسلام 1/353، العبر 2/200. ومابين الأقواس من نص المحضر.

([32]) العبر 2/284.

([33]) محمد عبدالله عنان، الحاكم بأمر الله ص 56.

([34]) المرجع السابق ص 61.

([35]) التاريخ، حوداث سنة 561-570 ص274-281.

([36]) ثابت بن قرة، أخبار القرامطة، تحقيق سهيل زكار ص73.

(33) المقريزي، اتعاظ الحنفا 1/35،36.

([38]) تاريخ الإسلام حوادث سنة 569 ص275، أما السيوطي، في تاريخ الخلفاء ص4. فيقول: وإنما سمتهم فاطميين جَهَلَةُ العوام. وقال: وسماهم جهلة الناس الفاطميين.

([39]) السير 23/271.

([40]) السيوطي، تاريخ الخلفاء ص5.

([41]) احسان إلهي ظهير، الإسماعيلية ص184-185.

([42]) حسن خضـيري أحمد، علاقات الفاطميين في مصر بدول المغرب (362-567هـ) ص269.

([43]) الخارجي هو مخلد بن كيداد رجل كبير السن حتى أنه لم يستطع ركوب الخيل فركب حماراً فسمى بصاحب الحمار، كان على مذهب الخوارج وثار على بني عبيد فاجتمع عليه الناس وهَزم بني عبيد وحاصرهم في المهدية ومات القائم والمدينة محاصرة وجعل مخلد أهل السنة في المقدمة لغلبة الخارجية عليه، وانسحب عنهم فحلت الهزيمة، وقتل عدد من العلماء، والصلحاء، والعباد، وقتل قادته ثم قبض عليه المنصور وقتله سنة 336هـ.تاريخ الإسلام ص32-37، ابن العماد الحنبلي، شذرات الذهب 5/236.

([44]) السير 15/155.

([45]) علي محمد الصـلابي، الدولة العبيدية في ليبيا ص86. ونسبه للذهبي، السير 15/215 ولم أجده.

([46]) التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 22.

([47]) اليعلاوي، ابن هانيء الأندلسي ص250.

([48]) السير 15/165.

([49]) انظر حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية ص329.والمقصود بالمخطوط هو أجزاء عن عقائد الإسماعيلية جمعه ونشره المستشرق جويار.

([50]) المرجع السابق ص348.

([51]) السير 15/173.

([52]) تاريخ الإسلام حوادث سنة 411ص 289، السير 15/176.

([53]) السير 15/180-181.حمزة بن علي الزوزني من دعاة تأليه الحاكم ومؤسس المذهب الدرزي ببلاد الشام.

([54]) تاريخ الإســلام حوادث سنة 401-410ص 11، دول الإسـلام 1/353، العبر 2/200.

([55]) تاريخ الإسـلام حوادث سنة 401-410ص 11، دول الإســلام 1/353، العبر 2/200.

([56])حسن إبراهيم حسن ، تاريخ الدولة الفاطمية ص 349، وانظر ابن خلكان، وفيات الأعيان 2/200، الذهبي، السير 15/169.

([57]) التاريخ، حوداث سنة 561-570 ص274-281.

([58]) السير 15/154.والمقصود بالسنة أهل السنة أما المشارقة فلقب يطلق على الباطنية لأنهم من أهل المشرق.

([59]) التاريخ حوادث سنة 321-330، ص 22.

([60]) حسن إبراهيم حسن، تاريخ الدولة الفاطمية ص328.

([61]) السير 14/217.

([62]) عبدالقاهر البغــدادي، الفرق بين الفرق ص296.وانظر إحسان إلهي ظهير، الإسماعيلية ص117.

([63]) السير 15/152. والقائم هو الإمام الإسماعيلي الثاني من حكام الدولة العبيدية في المغرب حكم من 322 إلى سنة 334هـ وقد وسوس وأختل عقله.قال الذهبي: كان مَهيباً شُجَاعاً، قليلَ الخير، فاسِد العقيدة وكان شيطاناً مريداً يتـزَنْدَق. السير 15/153،العبر 2/49.

([64]) أخبار القرامطة، جمع سهيل زكار ص181،163.

([65]) البيان المغرب 1/282.

([66]) الشاطبي 2/97.

([67]) التاريخ حوادث سنة291-300 ص135.

([68]) وفيات الاعيان 5/373-374، الذهبي، السير 15/169.

([69]) دول الإسلام 1/350.

([70]) التاريخ،حوادث 381-400 ص234.

([71]) السير 15/177.

([72]) الفهرست،ص 400.

([73]) السير 15/144.

([74]) هو أبو محمد عبدالله بن يوسف بن الحافظ لدين الله عبدالمجيد بن محمد المستنصر بن الظاهر بن الحاكم العبيدي المصري الرافضي، خاتمة خلفاء الباطنية. وُلدَ في أوّل سنة ستِ وأربعين وخمس مئة، وأقامه الصالح بن رزّيك بعد هلاك الفائز. وفي أيامه قدم حسين بن نزار بن المُسْتَنْصر العُبَيْدي في جموع من المغرب. فلما قرب غَدَر به أصحابُه وقبضوا عليه وحملوه إلى العاضد فذبحه صبراً. ووَرَدَ أنَّ موت العاضد كان بإسهال مُفْرط. وقيل مات غمًّا لمَّا سمع بقطع خطبته. وقيل بل كان له خاتم مسمومٌ فامتصّه وخسر نفسه. وعاش إحدى وعشرين سنة. الذهبي، العبر 3/ 50-51

([75]) السير 15/212، نجم الدين الخُبوشاني محمد بن الموفق الصوفي الزاهد الفقيه الشافعي. تفقه على ابن يحيى. وكان يستحضر كتاب المحيط ويحفظه. وألف كتاب تحقيق المحيط في ستّة عشر مجلّداً. روى عن هبة الرحمن القُشَيْريّ، وقدم مصر وسكن بتربة الشافعي، ودرّس وأفتى، وكان كالسكّة المحماة في الذمّ لبني عُبَيْد. ولما تهيب صلاح الدين من الإقدام على قطع خطبةِ العاضد وقف الخبوشاني قدّام المنبر وأمر الخطيب أن يخْطَب الخطبة لبني العبّاس. ففعل ولم يتم إلاّ الخير.توفي سنة 587هـ. الذهبي، العبر 3/95.

([76]) السير 15/145.

([77]) التاريخ،حوادث 321-330 ص23.

([78]) السير 15/147.

([79]) السير 15/152.

([80]) السير 15/141.

([81]) السير 15/373.

([82]) السير 16/149.

([83]) العبر 2/17.

([84]) التاريخ حوادث سـنة 321-330، ص 23، بشار عواد معروف، الذهبي ومنهجه، ص337.

([85]) السير 15/149.

([86]) السير 16/468.

([87]) السير 15/154.

([88]) السير 15/155.

([89]) ترتيب المدارك 4/720، الذهبي، السير 15/151.التاريخ حوادث سنة 401-420 ص512. والمقصود بالعلـماء كما في الكتــاب الأول هم : أبو محمد بن الكراني، وأبو الحسن القابسي، وأبو القاسم بن شبلون، وأبو علي بن خلدون، وأبوبكر الطبني، وأبو بكر بن عذرة.

([90]) السير 15/154.والمكوكب أحد الدعاة للمذهب الباطني.

([91]) السير 15/157.

([92]) السير 15/170.

([93]) تاريخ الإسلام حوادث سنة 395ص 283.

([94]) السير 15/196.

([95]) انظر حسن إبراهيم حسن، الدولة الفاطمية ص202-216 .

([96]) انظر قاسم عبده قاسم، أهل الذمة في العصور الوسطى ص 53.

([97]) السير 20/596.

([98]) تاريخ الدولة الفاطمية ص327.

([99]) أيمن السيد، الدولة الفاطمية ص17، محمد اليعلاوي، ابن هانيء ص155.

([100]) تاريخ الدولة الفاطمية ص328.

([101]) إبراهيم شعوط، أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ص348.


بواسطة : hashim
 1  0  11060
التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
-->