الأسس التي يبنى عليها المقال
خالد عبد الله الجودي
خالد عبد الله الجودي
تعريف المقال :
عرفه كثير من النقاد بتعريفات مختلفة، ولعل ذلك الاختلاف راجع إلى نقد المقال كعمل فني داخل في دائرة الأدب ،والمراحلِ الزمنية التي مر بها المقال في تطوره .
بيد أن أفضل ما عرف به المقال ما يلي :
" فكرة محددة تتناول موضوعاً بالبحث يجمع الكاتب عناصره ويرتبها ويستدل عليها بحيث يؤدي إلى نتيجة معينة ".
بناء على الأسباب التالية :
1- كون هذا التعريف الأسهل تدريساً فتدريباً ثم تقويماً .
2- تناسبه وعناصر بناء المقال
3- إتاحته تعريفاً مستقلاً للخاطرة عن المقال لا سيما وأن الخاطرة أفردت في مقرر الإنشاء كمهارة مستقلة .
4- مسايرته نوعي الكتابة الأدبية والعلمية ؛ لذا نجد الدكتور محمد صالح الشنطي في كتابه " فن التحرير العربي " أدرج المقالة تحت عنوان "بين الإبداعي والوظيفي" .
أجزاء المقال ( عناصر بنائه) :
أ- المقدمة : لتهيئة الأذهان ، وتكون موجزة ومركزة ومشوقة ، وتشكل مدخلاً له صلة وثيقة بموضوع المقال .
ب - العرض : وهو صلب المقال ، ويكون في عدة فقرات كل فقرة تتناول فكرة جزئية معينة ، وتكون الأفكار متسلسلة ومترابطة بحيث يستدل عليها بالأدلة النقلية والعقلية المناسبة ، على أن يغلفها الكاتب بانطباعاته الشخصية ووجهة نظره الخاصة .3.الخاتمة : وهي ثمرة المقال ونهايتها ، فلا بد من أن تكون نتيجة طبيعية للمقدمة والعرض ، واضحة ، صريحة ، ملخصة للعناصر الرئيسة المراد إثباتها ، حازمة تدل على اقتناع ويقين ، لا تحتاج إلى شيء آخر لم يرد في المقال .
موضوعاته :
تكتسب المقال موضوعاتها بحسب طبيعة فكرتها ؛ فهناك الديني والاجتماعي والسياسي والاقتصادي...
أقسامه :
ليس للمقال أقسام محددة متفق عليها عند الباحثين والمهتمين بها ؛ فمنهم من يقسمه إلى : ذاتي وموضوعي ، ومنهم من يقسمه إلى صحفي وغير صحفي .وسوف يتمركز حديثنا حول التقسيم الأول :
المقال الذاتي :
ويتميز بالآتي :
1- ظهور شخصية الكاتب .
2-تدفق عاطفته .
3- الإيقاع الموسيقي .
4- التصوير الخيالي .
ومن أنواعه:
أولاً : مقال الصورة الشخصية : وهو يعبر عن تجارب الكاتب الذاتية وانطباعاته ومشاهداته الخاصة .
ثانياً : المقال الاجتماعي : ويهدف إلى نقد المجتمع وما يظهر فيه من عادات دخيلة.
ثالثاً : المقال الوصفي : وغايته تصوير الطبيعة كما تنعكس في وجدان الكاتب .
رابعاً : المقال التأملي : وموضوعه خطرات النفس الإنسانية ومشكلات الحياة والكون .
خامساً : مقال السيرة : وموضوعه رسم صورة حية لأي شخصية إنسانية .
المقال الموضوعي:
وفيه تختفي شخصية الكاتب ويبرز الموضوع ويلتزم فيه كاتبه بالمنهج العلمي .
ومن أنواعه : المقال العلمي ، والتاريخي، والنقدي، والسياسي ، والفلسفي ، والاقتصادي
طريقة كتابة المقال :
أ- اختيار موضوع المقال : وعلى الكاتب أن يختار موضوعاً يعرف عنه قدراً كافياً من المعلومات ، وأن يكون الموضوع مقبولاً من جانب القراء الذين يكتب لهم.
ب - تحديد الهدف من المقال : وهذا مرتبط بالظروف التي أملت على الكاتب اختيار موضوعه . فقد يكون الهدف توضيح مقولة ما ، أو تزويد القارئ بمعلومات معينة حول مكان أو فكرة أو مسألة خلافية أو كشفاً عن حقيقة غائبة.
ج - اختيار العنوان : وله أهمية كبرى ؛ فهو المنفذ الذي تقع عليه عين القارئ ليتعرف على مضمون المقال . ومن ناحية أخرى يساعد على تحديد موضوع المقال . لذا ينبغي أن يكون العنوان محدداً ، ولا يتحقق ذلك إلا عندما يكون الهدف واضحاً في ذهن الكاتب . وكلما كان الموضوع طويلاً كلما وجب التدبر لاختيار العنوان .4.التصور النظري : ويعني ذلك رسم المعالم الرئيسة وترتيبها في الذهن قبل المباشرة في الكتابة وفق خطة مدروسة تساعد الكاتب على تكثيف جهده وتركيزه في طرح منظم مؤثر .
د - خطوات التنفيذ : ويقوم الكاتب ببسط أفكاره في ضوء الأجزاء المذكورة سابقاً .
وإليكم نموذجين للمقال الاجتماعي والوصفي :
نموذج للمقال الاجتماعي :
( للمنفلوطي تحت عنوان "قتيلة الجوع )
" قرأت في بعض الصحف منذ أيام أن رجال الشرطة عثروا بجثة امرأة في جبل المقطم فظنوها قتيلة أو منتحرة حتى حضر الطبيب ففحص أمرها وقرر أنها ماتت جوعاً .
تلك أول مرة أسمع فيها بمثل هذه الميتة الشنعاء في مصر، وهذا أول يوم سجلت فيه يد الدهر في جريدة مصائبنا ورزاياها هذا الشقاء الجديد .
لم تمت هذه المسكينة في مغارة منقطعة أو بيداء مجهل ؛ فنفزع في أمرها إلى قضاء الله وقدره كما نفعل في جميع حوادث الكون التي لا حول لنا فيها ولا حيلة ، بل ماتت بين سمع الناس وبصرهم ، وفي ملتقى غاديهم برائحهم ، ولا بد أنها مرت قبل موتها بكثير من المنازل تطرقها فلم تجد من يمد إليها يده بلقمة واحدة تسد بها جوعتها ، فما أقسى قلب الإنسان ، وما أبعد الرحمة من فؤاده ، وما أقدره على الوقوف موقف الثبات والصبر أمام مشاهد البؤس ومواقف الشقاء .
لم ذهبت البائسة المسكينة إلى جبل المقطم في ساعتها الأخيرة ؟ لعلها ظنت أن الصخر ألين من الإنسان فذهبت إليه تبثه شكواها ، أو أن الوحش أقرب منه رحمة فجاءته تستجديه فضلة طعامه "
نموذج للمقال الوصفي :
(الرافعي تحت عنوان " موت أم)
"رجعت من الجنازة بعد أن غبرت قدمي ساعة في الطريق التي ترابها تراب وأشعة . وكانت في النعش لؤلؤة آدمية محطمة ، هي زوجة صديق طحطحتها الأمراض ، ففرقته بن علل الموت . وكان قلبها يحييها ، فأخذ يهلكها حتى دنا أن يقضى عليها ، وحمها الله فقضى فيها قضاءه . ومن ذا الذي مات له مريض بالقلب ولم يره من قلبه في علة ، كالعصفورة التي تهتلك تحت عيني ثعبان سلط عليها سموم عينيه.
كانت المسكينة في الهامسة والعشرين من سنها ، أما في قلبها ففي الثمانين ، أو يفوق ذلك . هي في سن الشباب وهو متهدم في سن الموت.
وكانت فاضلة تقية صالحة ، لم تتعلم ولكن علمتها التقوى الفضيلة ، وأكمل النساء عندي ليست هي التي ملأت عينيها من الكتب . فهي تنظر إلى الحياة نظرات تحل مشاكل وتخلق مشاكل ، ولكنها تلك التي تنظر إلى الدنيا بعين متلألئة بنور الإيمان ، تقرأ في كل شيء معناه السماوي ، فتؤمن بأحزانها وأفراحها معاً ، وتأخذ ما تعطي من يد خالقها رحمة معروفة ، أو رحمة مجهولة ، وهذه عندي امرأة وتكون الزوجة ، ومعناها القوة المسعدة . وتصير الأم ومعناها التكملة الإلهية لصغارها وزوجها ونفسها".
نموذج أخير للمقال
( أحمد حسن الزيات تحت عنوان " الإسلام دين القوة )
"الإسلام دين القوة . وهل في ذلك شك ؟ شارعه هو الجبار ذو القوة المتين ، ومبلغه هو الجبار ذو القوة المتين ، ومبلغه محمد الصبار ذو العزيمة الأمين ، وكتابه هو القرآن الذي تحدى كل لسان وأعجز، ولسانه هو العربي الذي أخرس كل لسان وأبان ، وقواده الخالديون هم الذين أخضعوا لسيوفهم رقاب كسرى وقيصر ، وخلفاؤه العمريون هم الذين رفعوا عروشهم على نواصي الشرق والغرب . فمن لم يكن قوي البأس ، قوي النفس ، قوي الإرادة ،قوي العدة كان مسلماً من غير إسلام ، وعربياً من غير عروبة .
الإسلام قوة في الرأس ، وقوة في اللسان ، وقوة في اليد، وقوة في الروح.
هو قوة في الرأس ؛ لأنه يفرض على العقل توحيد الله بالحجة ، وتصحيح الشرع بالدليل ، وتوسيع النص بالرأي ، وتعميق الإيمان بالتفكر .
وهو قوة في اللسان ؛ لأن البلاغة هي معجزته وأداته . والبلاغة قوة في الفكرة، وقوة في العاطفة ، وقوة في العبارة .
وهو قوة في اليد ؛ لأن موحيه ـ وهو الحكيم الخبيرـ قد علم أن العقل بسلطانه واللسان ببيانه لا يغنيان عن الحق شيئاً إذا أظلم الحس، وتحكمت النفس ، وعميت البصيرة. فجعل من قوة العضل ذائداً عن كلمته ، وداعياً إلى حقه ، ومنفذاً لحكمه ، ومؤيداً لشرعه . كتب على المسلمين القتال في سبيل دنيهم ودينه ، وفرض عليهم إعداد العدة والخيل إرهاباً لعدوهم وعدوه ، وأمرهم أن يقابلوا اعتداء المعتدين بمثله . ولكن القوة التي يأمر بها الإسلام هي قوة الحكمة والرحمة والعدل ، لا قوة السفه والقسوة أو الجور ، فهي قوة فيها قوتان قوة تهاجم البغي والعدوان في الناس، وقوة تدافع الأثرة والطغيان في النفس.
والإسلام بعد ذلك قوة في الروح ؛ لأنه يمحص جوهرها بالصيام والتأمل.
خالد عبد الله الجودي
ونتمنى منكم المزيد من المشاركات المفيدة