• ×

الصبغة الإيمانية في أشعار بعض شعراء الحجاز في القرن الثالث عشر الهجري

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

الصبغة الإيمانية في أشعار بعض شعراء
الحجاز في القرن الثالث عشر الهجري
كتبه لكم حامد محمد الشريف
ربيع الاول 1433هـ

لأن الشعر ديوان العرب ، فقد احتفظ في طياته وخزن جميع الأنشطة والفعاليات التي كانت تعكس صورا شتى عن ذلك المجتمع ، وكان الشعر يعكس صورة المجتمع في طيات القصائد بكل صدق وعفويه ، فما من شاردة ولا واردة إلا ودونها الشعراء في قصائدهم ، ووصفوا بدقة كل ما كان يجري في تلك المجتمعات وما يدور فيها ، وأوصلوها لنا بكل شفافية ، كما أن لغة الشعراء التي كانوا يكتبون بها ، والأفكار التي يطرحونها ، كانت تعبر بصدق عن طبيعة ما كان عليه المجتمع الذي تحدثوا عنه وله وبلسانه أحيانا . ومن يتتبع قصائد شعراء الحجاز في القرن الثالث عشر وما بعده ، يجد أن المجتمع من خلال قصائدهم لم يكن يرسف في أغلال الشرك والشركيات ، وإن كانت هناك فئة صغيرة في المجتمع ، شأنها شأن كل المجتمعات العربية والإسلامية في تلك الفترة ، تمارس مثل تلك الشركيات ربما بجهل في الأغلب الأعم ، مثل بناء القباب على القبور والتبرك بها وإقامة الموالد والتوسل بالأموات وغيرها من الشركيات ، ولكن المجتمع بشكل عام كان مجتمعا مسلما مؤمنا ، تكثر المساجد في أحيائه وقراه ، وتقام الصلوات فيها بانتظام ، وتصلى الجمع والأعياد في احتفالية اسلامية حميمة . ويمكننا من تتبع شعر بعض
الشعراء الذين عايشوا تلك الفترة ، ودونوا في أشعارهم الكثير من مظاهر الحياة والأحداث والوقائع ، تلمس أحوال الناس وما كانوا عليه من تدين واتباع للسنة النبوية الشريفة ، بل أكاد أجزم أنه لا توجد قصيدة نبطية تشتم منها رائحة الشرك
بشكل واضح مفضوح . إن أغلب شعراء تلك الفترة كانوا يحاولون جاهدين أن تكون مطالع قصائدهم متوجهة إلى تمجيد وحمد الذات الإلهية والإعتراف بربوبية الخالق وأنه هو المستحق للعبادة دونا عن ما سواه ، كما تجد أن أغلب قصائدهم إن لم تكن كلها تنتهي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دونما تطرف أو مبالغة .
وسنستعرض نماذج من شعر أولئك الشعراء مبتدئين بشاعر الحجاز الكبير بديوي الوقداني ، ففي أحدى قصائده يقول :
أول استبداي باسمك ياحنون .... يا كريما ما تخالفه الظنون
أمرك المحفوظ في كافٍ ونون .... وانت لي في كل مغوايه دليل
فهو اتبع في مطلع قصيدته حديث الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم
الذي قال فيه : "كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أبتر " الحديث . ثم يمجد الله بأحد أسمائه وهو الكريم في أدب جم ، وتظهر الثقافة الإسلامية التي تربى عليها في قوله أمرك المحفوظ في كاف ونون تصديقا لما جاء في سورة «يس»: "إنّما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون" . وفي ثنايا هذه القصيدة الكثير من الإيماءات الإيمانية مثل قوله
ألقضا مكتوب ، ما يفوت العمر قدام القضا ، وهو اعتراف بالقضاء والقدر ، وقوله خل عنك الكبر فالله الكبير ، واعلم ان الأمر لله الخبير ، ثم وكعادة الشعراء في تلك المرحلة ختمها بالصلاة على الحبيب حيث قال :
والف صلوا ما سجع بالإشتراك ..... ساجع القمري على غصن الأراك
تبلغ المختار والصحب النجوم ..... ما سعى أو طاف بالبيت القدوم
وفي قصيدة أخرى يستهلها بهذا البيت الإيماني الرائع :
ربّ السموات يا محصي كواكبها ..... يا مجري السفن في لجات الاهوال
وينهيها بهذا البيت :
وازكى صلاة على المختار نوهبها ..... شفيعنا يوم حشرٍ فيه الاهوال
قمة الإيمان بيوم القيامة وبشفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم ،وهذه ليست معتقدات مشركين بأي حالٍ من الأحوال . وفي قصيدة أخرى يقول :
يالله ياللي على الأمّه رقيبي ..... يا غافر الزّلات تمحي الذنوب اللي عليّه
قمّة الإيمان بأن الله هو الرقيب والحسيب وهو من يغفر الذنوب
وفي قصيدة ينصح فيها ابنه عبد العزيز بقصيدة فيها الكثير من الحكم ، مطلعها :
سرى بارق في سد بارق يلوح لي .... وانا شاقني برق يلوح اسْناه
يقول فيها مخاطبا ابنه عبد العزيز :
واحذرك من حلف اليمين المضره ..... تلزّم بحبل الله ولا تنساه
ترى الدين يقطع كل عصبه قويه ..... ومن يتقي الله ما يخيب ارْجاه
وصلوا على المختار ما هبّت الصبا ..... وما حج من فجّ بعيد امْداه
هكذا تحدث لنا بديوي الوقداني بلسان مواطني زمانه ، كلمات تمجد الذات الإلية وتوحد الله وتعرف بأنه الخالق الرازق المحيي المميت ، وتحب رسوله وتثني عليه بما هو أهل له دون خلو أو تفريط .
وفي قصيدة من عيون الشعر في نفس الفترة يقول الشاعر الكبير الشريف بركات مفتتحا قصيدته التي ينصح فيها ابنه مالك :
يالله ياللي كل الامات ترجيك .... يا واحد ما خاب حيٍّ ترجّاك
يا رب عبدٍ ما مشى في معاصيك ..... ولا يمشي الا في محبتك ورْضاك
قمّة العبودية لله ، والتوسل إليه ببركة اتباع تعاليمه والابتعاد عن معاصيه ، فهو ينقل لنل صورة عن جيله المحافظ على الطاعات والبعد عن المعاصي ، ويقول فيهاناصحا ابنه مالك بلزوم دروب الطاعة :
أوصيك بالتقوى عسى الله يهديك ..... لها وتدركها بتوفيق مولاك
الله برب اجدادك الغرّ يعطيك ...... مرضاته مع ما تمنّى من امناك
ويقول شاعر حجازي آخر هو الشاعر أحمد الوديود الحميدي الثقفي والمتوفى عام 1300 من الهجرة الشريفة :
يالله طلبتك عافنا واعف عنا ... يا خالقي يا رازقي يا ربنّا
وفي قصيدة أخرى يقول :
يالله يا مطلوب طالبك من هو ... موثق بحبلك يا وثيق العراوي
يا رب لا تقطع رجا من ترجّوا ..... غضلك ولا خيّبت فيك الرجاوي
إلى أن يقول فيها :
روّح من الطايف عصر بعد صلّوا ..... عطا مع الحلقه وذيك الملاوي
ويختمها ب:
واختم بذكر النبي ألفين صلّوا ...... إللي عرج به لين أعلى سماوي
أبيات تصور لنا مجتمعا يقيم الصلاة ويؤمن بالقدر وبالإسراء والمعراج
ويكثرون من الصلاة على حبيب الأمة وشفيعها في أغلب قصائده .
ويقول عواض بن بخيت عندما استفتاه أحدهم عندما دخل السجن في عام 1301
من الهجرة الشريفة ردا عليه :
يصلّي وهو مشغول بالغانياتِ .. وفي البال تحثير
دخل قلبه الوسواس والفرض فاتِ ..... وجافيه تنكير
ليا وسوس المؤمن يعيد الصلاةِ ..... سجودا وتكبير
فهو ينقل لنا صورة عن مجتمع مؤمن يحافظ على صلواته ويهتم بالقيام بها بشكل صحيح يؤدي إلى قبولها من قبل الخالق .
ويقول شاعر حجازي آخر ولد في الطائف عام 1308 من الهجرة هو ناصر بن محمد العدواني في قصيدة جميلة له :
يالله يا منشي هبوب الذراري ..... ياللي دعى موسى ولبّى مناجيه
ويختمها كعادة أهل زمانه حبا وقربى للنبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
واختم كلامي عد طلع الثماري ...... بصْلاة تغشى الهاشمي لين ترضيه
وهكذا ينقل شعراء الحجاز بكل صدق وعفوية طبيعة المجتمع الحجازي آنذاك المتمسك بدينه وكتابه والمحافظ على كل التكاليف الشرعية خلاف ما يحاول البعض نقله بصورة مشوهة وغير صحيحة .


بواسطة : hashim
 2  0  2637
التعليقات ( 2 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    24-03-33 06:44 مساءً الشريف هاشم الشنبري :
    الأستاذ حامد بن محمد الشريف

    بارك الله فيك على هذا البحث المهم وشكراً لكم على المجهود الوافر
  • #2
    25-03-33 11:58 مساءً أبو وجود الشريف :
    الأديب الفاضل حامد الشريف سلمت لنا على هذا الموضوع القيم وجعله الله في ميزان حسنات أعمالكم

    وتقبلوا تحياتي
-->