الدكتور الشريف إبراهيم الأقصم: كتابي «صيدلية المراهق» أشغل الفكر التربوي
بدأ مكتبته بـ»90» كتابًا.. ويحلم بسقف الـ(5000)
بدأ مكتبته بـ»90» كتابًا.. ويحلم بسقف الـ(5000)
مساران أكاديميان انطلقت فيهما خطا اهتمامات الدكتور إبراهيم بن يوسف الأقصم؛ التاريخ التربية.. مضى في التاريخ بحثًا وتنقيبًا ودراسة ليظفر بدرجة الدكتوراه.. واكتفى بدرجة الدبلوم العالي في مجال التربية، مضيفًا إليهما حصوله على «الإجازة» في علم الحديث.. كل مجال من هذه المجالات استوجب أن تكون له مراجعه الخاصة، والكتب الدالة عليه، مضاف إليها إسهاماته في مجال الكتابة عن التربية والتعليم بحسب عمله الإداري بها.. والمحصلة أن الأقصم استطاع أن يجمع مكتبة متنوعة وثرية، وضع لها نهجًا محددًا في التقسيم، ويرسم لها حلمًا يصل بعدد محتوياتها إلى الخمسة آلاف كتاب..
من 90 إلى 5000
بين بداية تكوين هذه المكتبة وحلم الخمسة آلاف محطات يقول عنها الأقصم: بدأت مكتبتي بتسعين كتابا فقط عام 1406هـ، ومع مرور الأيام كنت أقتني المزيد مما أحتاجه من الكتب والمراجع، ليصل عدد الكتب فيها حتى الآن إلى 3000 كتاب وكتيب، غير أني أطمح في إيصالها لـ(5000) كتاب.. بل إلى عدد أكثر من ذلك؛ لكن ظروف الحياة تجبرني على الاقتصاد، كما أن تقنية الإنترنت وخدمات موقع القوقل بطأت عملية الشراء، كما أني أجد البديل في مكتبة موسوعة مكة والمدينة التي أعمل بها في المساء، فهذا المكان احتضنني وفرج همي؛ بعد أن أغلقت الجامعات الطريق في وجهي بحجج عدم الحاجة، بينما يتم التجديد للمتقاعدين باستمرار.. أعمل في الموسوعة في المساء كباحث غير متفرغ مدة 8 سنوات تقريبًا أنجزت فيها 130 بحثًا أو مقالاً علميًا، نشرت كلها في خمس مجلدات.
اتجاهات ثلاث
ويتابع الأقصم: في مكتبتي ثمة ثلاث اتجاهات أولها إجباري، والآخر تجديدي، والثالث وظيفي.. فالاتجاه الأول (الإجباري) مخصص لكتب السيرة والتاريخ والتراجم وما إلى ذلك مما يعين على الدرس والبحث الأكاديمي الصرف.. أما الاتجاه التجديدي، فعملت من خلال محتوياته على الربط بين مدرسة المحدثين ومدرسة المؤرخين، من واقع أني ميّال إلى كتب الجرح والتعديل وأصول الحديث. لأنها تنمي فلسفة النقد والتحقيق لدي، وهناك كتب الاتجاه الوظيفي، وهو ما يتعلق بالتربية والتعليم والتدريب وهذا يمثل الحب والعشق الذي عشته 27 سنة وظيفتي التي أحببتها وأحبتني معلمًا ومشرفًا ومدربًا، كما أني أولي الجانب الأسري والاجتماعي والثقافي قدرًا من الاهتمام أيضًا، حيث إني أركز فيه على اقتناء الأشرطة السمعية بالإضافة إلى الكتب.
صيدلية المراهق
وينتقل الأقصم بالحديث من مكتبته إلى مؤلفاته وبحوثه التي عمل ويعمل عليها، قائلاً: عندما تركت العمل الإداري، وسلاسله الذهبية، شعرت بالحرية؛ فنمت عندي القدرة على التجديد والإبداع ، فدخلت عالم الدورات والتطوير الذاتي، واكتشفت مواهبي وذكاءاتي، فتبنيت نظرية الذكاءات المتعددة لقاردنر، ووجهت بوصلتي نحو الطريق الذي رسمته، فكانت بداية الإبداع في كتاب «صيدلية المراهق»، الذي أشغل الفكر التربوي، بمسماه، حتى إن أحد الكُتّاب في «مجلة اقرأ» كتب عنه متندرًا تحت عنوان «مشرف تربوي يتحول إلى صيدلي»، في هذا الكتاب طرحت مجموعة من مشاكل المراهقين وقدمت لها بعض الحلول؛ لكن المشكلة تكمن في طريقة تفكير بعض الآباء في حل مشكلات المراهق، وأنا أقول مقولة ماسلو عالم النفس الأمريكي: «الذي يُحسن استخدام المطرقة يرى الناس مسامير»، فبعض الآباء يرى الابن المراهق كالمسمار يريد أن يطرقه باستمرار، وأرى أن الحل يكون في إقامة الدورات للآباء والأمهات، هو أكثر الوسائل المناسبة لمواجهة مشكلات المراهقين، حتى يتم إدارة الصراع بنجاح، كما أشير إلى أن الذوبان ونسيان الهوية واللهث وراء التغيير السريع وضعف الاتصال بالماضي كلها تمثل أخطارا فتاكة تهدد الجيل القادم، ومن هذا الباب كان اهتمامي بالأسرة وما يتصل بها من شؤون عبر ما أقدمه على موقع «إعفاف»، ففي هذا الموقع أكثر من 900 استشارة أسرية. جلها يبين أن الأسرة تعاني:
- ضعف الحوار الأسري.
- عدم القدرة على ضبط ميزانية الأسرة بسبب المبالغات والمجاملات الاجتماعية.
- ضعف الثقافة الجنسية (فقه الجنس) خاصة النساء بسبب القيود الوهمية والخلط بين الخجل والحياء.
أول عيادة تربوية
ويتابع الأقصم حديثه حول جهوده في مجال الأسرة قائلاً: كذلك كانت لي فكرة تدشين أول عيادة تربوية، فقد أدركت أن الناس ينجذبون إلى المسميات المثيرة، فعندما قام الدنماركي بنشر صوره المسيئة تلك عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم، وجدتها فرصة لاستغلال غضب الناس لتوجيههم لقراءة السيرة، وتوجيه أبنائهم نحوها للتعرف على عظمة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، فوضعت عنوان «الأربعون العسجدية في السيرة النبوية»، وهو عبارة عن أربعين درسا في السيرة، ختمت كل درس بأسئلة واستفسارات مثيرة للتفكير، ومسابقات ثقافية.. لكن العديد من القراء انشغل بمسمى العسجدية، فكنت أوجههم لقراءة المقدمة، وعندما كنا نعمل في مخيم البحر الصيفي «قدمنا فكرة العيادة التربوية» لإثارة الزائرين، واستجلاب فضولهم فتحقق المراد، فكانوا يزوروننا ويستفسرون عن مشاكل الأبناء، وكان معي فريق من التربويين الأفاضل يقدمون استشارات ناضجة، نتج عن ذلك ظهور عنوان مثير في الصحافة السعودية: «تدشين أول عيادة تربوية بالمملكة».
بين التخطيط والبحث
ويمضي الأقصم في حديثه مضيفًا: بين التخطيط والبحث تمضي حياتي الآن، في محاولة للجمع بينهما بصورة توافقية، فسرّ نجاح المبدعين يكمن في إدارة الوقت وإدارة الأولويات، ومع ذلك أجد نفسي في البحث العلمي، خاصة وأني أفرغ له نفسي كل خميس جمعة من بعد الفجر وحتى الساعة العاشرة صباحًا. أما الدورات التي أقوم بها فقد قسمتها إلى ملفات وبطاقات وقصاصات ووضعتها في حافظات كبيرة، فأصبحت مرجعًا ومادة ثرية أعود إليها في أسرع وقت، ولا أجد أي مشقة في التحضير الذهني بسبب التخطيط المسبق لهذه البرامج..
وجديدي في مجال البحث التاريخي يتمثل في نشر رسالة الدكتوراه عن طريق صرح علمي عالمي، وهو مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية. فنشر الرسالة التي عنوانها: «أثر الأحاديث النبوية الواردة في خلفاء الدولة الأموية في الكتابة التاريخية دراسة تاريخية حديثيّة تحليليّة مقارنة»، فهذا الكتاب يمثّل الجمع بين منهجين؛ منهج المحدثين ومنهج المؤرخين. وأثبت فيها حقائق دامغة في تزوير الكتابة التاريخية عند فئة من الطائفيين، بسبب الأحاديث الموضوعة والضعيفة.. كذلك أسعى حاليًا إلى تسهيل المعرفة ونشرها بين الطبقات الأقل ثقافة، فأنا أعمل الآن على تقديم كتيبات صغيرة بعنوان القوانين، تم نشر الكتاب الأول يتعلق بالسنن والقوانين الخاصة بالدول، وسيصدر قريبًا عنوان «قوانين تربوية أسرية»، أسأل الله أن ييسر إخراجه.
واقع مؤسف
الأقصم ينظر بأسف لواقع الفكر والبحث في الوقت الراهن، ويجسد ذلك بقوله: الواقع مؤسف وهذه الحقيقة مرة، فعلى سبيل المثال تجد الجامعات خالية أو شبه خالية من الطلاب الذين يدرسون في أقسام التاريخ والحضارة، حيث أن الاتجاه حاليًا نحو تخصصات التقنية. وهذا الجفاء له آثاره المستقبلية على ثقافة الأمة والوطن. في جامعات أوروبا يهتمون بالدراسات التاريخية والحضارية، ويدعمون أقسامها. وبالعموم هناك هوس نحو التقنية، وعزوف عن قراءة كتب الثقافة بدليل أنك تجد أن كثيرًا من ملاك المكتبات يرفضون طباعة بعض الكتب الثقافية أو تبنيها، لأنهم يقولون بلسان الحال «ما تأكل عيش» وهم معذورون.
مزيد من الحوافز
ويرى الدكتور إبراهيم أن المعلم يمثل حجر الزاوية في عملية الارتقاء بالتعليم، داعيًا إلى تأهيله والعناية به من خلال مزيد من الحوافز كونها كفيلة بخلق الدافعية، مشيرًا على أن عزوف المعلمين عن الدورات المسائية المقدمة لتطوير قدراتهم، ناتج عن عدم ارتباطها بمكافآت مالية.. متسائلاً: ما المانع من تقديم مكافآت مالية لهم ونحن نصرف المليارات على المباني والأجهزة والمناهج لتطوير التعليم؟
المصدر: صحيفة المدينة الأربعاء 25/01/2012