الباحث أحمد مرشد يستجلي تاريخ المدينة المنورة في عيون المحبين
الأربعاء 05/10/2011
الأربعاء 05/10/2011
في مقدمة الكتاب يشير المؤلف إلى أنه يحاول أن يضع جزءًا من تاريخ المدينة المنورة بين يدي المحبين بغية إعطاء صورة مصغرة لذلك التاريخ المجيد الحافل، وسبقت مقدمة المؤلف تقديم بقلم الدكتور أنور بن ماجد عشقي، أشار فيه إلى أن المؤلف تعرض للرسائل النبوية، وعرض إلى المسجد النبوي الشريف، وبيّن أهم المعالم فيه، ومن ذلك الحجرة النبوية الشريفة وما احتوته من مقتنيات، كما تتبع هجرة هذه المقتنيات إلى تركيا، وتوقف عند الآثار، مبينًا دور الصحابة، وصولاً إلى العهد السعودي، وما حدث فيه من تطوير وتحديث وتوسعة للمسجد النبوي الشريف، وعناية به..
يستهل المؤلف مرشد كتابه ببيان موقع المدينة المنورة الجغرافي، بوقوعها في الإقليم الغربي من شبه الجزيرة العربية إلى الشمال من مكة المكرمة وعلى بعد 420 كيلومتر منها، بينما تبعد عن العاصمة الرياض بنحو 900 كيلومتر، لافتًا إلى أن قرب المدينة المنورة من مكة المكرمة يمثّل أحد العناصر المميزة لها، لارتباطهما معًا منذ فجر التاريخ الإسلامي.. ثم قدم الباحث من ثمّ وصفًا لمساحة المدينة المنورة، ومناخها، وعدد سكانها، معرجًا من بعد ذلك للحديث عن المدينة المنورة في العصر الجاهلي، عندما كان يطلق عليها "يثرب"، مشيرًا إلى أنها قد شهدت في العصر الجاهلي العديد من الحروب بين الأوس والخرج بدء بحرب "سمير" وانتهاء بحرب "الفجار"، مبينًا أن "يثرب" قد شهدت عددًا من العقائد والديانات قبل الإسلام من بينها الوثنية واليهودية.
كذلك أشار المؤلف إلى صعوبة تحديد تاريخ تأسيس "يثرب" نظرًا لعدم معرفة الفترة الفاصلة ما بين نوح والهجرة النبوية، مع غياب الآثار المعينة على ذلك، خلا بعض الروايات الشفهية، التي تعود بتاريخ تأسيس يثرب إلى 1600 عام قبل الهجرة النبوية الشريفة، مبينًا أن اسم "يثرب" يعود إلى ابن قاينة بن مهائيل بن إرم بن عبيل بن عوض بن إرم بن سام بن نوح حفيد سيدنا نوح عليه السلام، مشيرًا إلى الخلاف حول القبيلة التي سكنت يثرب قديمًا ما إذا كانت عبيل أن العماليق، مرجحًا عبيل بحسب الروايات المنقولة في ذلك.
ويورد المؤلف روايات عدد من المصادر حول تأثيث يثرب، ومنها أن أبناء نوح عليه السلام تكاثروا ولم تعد المنطقة التي نزلوها تكفيهم، فخرج فرع "عبيل" بقيادة "يثرب" إلى موضع المدينة المنورة الحالي وأقاموا فيه. وثاني الروايات أن أحد أحفاد نوح عليه السلام ويدعى "نمرود" دعا قومه إلى عبادة الأوثان فاستجابوا له، فعاقبهم الله وخرجوا من بابل وتفرقوا في جهات عدة، فوصل فرع "عبيل" منهم إلى هذه المنطقة.
ويمضي الباحث مرشد في تعقّب تاريخ "يثرب" في العصور القديمة، معطيًا لمحات عنها في عهد مملكة سبأ، وفي زمن المملكة المعينية، وفي عهد الدولة الكلدانية، مستعرضًا واقع يثرب في عهد الدولة الرومانية، وحال اليهود بمدينة يثرب، ماضيًا في سرد ما اتصل بالأحداث التاريخية في كل هذه العهود وصولاً إلى العهد النبوي الشريف، حيث هاجر إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم وصاحبه أبوبكر الصديق رضي الله عنه في شهر صفر، لينزلا بقباء ظهر الاثنين السابع من ربيع الأول حيث مكث بها حتى صباح الجمعة الثاني عشر من ربيع الأول حيث توجه صلّى الله عليه وسلّم وصحبه إلى قلب المدينة المنورة وهناك أنشأ النبي صلّى الله عليه وسلّم مسجده الشريف مشاركًا بيديه الشريفتين في البناء. ومنذ تلك اللحظة أصبحت المدينة المنورة هي عاصمة الإسلام، ومن انتشرت الدعوة إلى كافة بقاع الأرض، حيث بعث النبي صلّى الله عليه وسلّم بالرسائل إلى الملوك والأمراء في ذلك العهد يدعوهم إلى دعوة الحق وطريق الرشاد المتمثل في الإسلام بوصفه خاتم الرسالات السماوية؛ فكانت رسائله صلّى الله عليه وسلّم إلى هرقل عظيم الروم، وإلى الحارث بن أبي شمر، وإلى المقوقس عظيم القبط، وإلى كسرى عظيم الفرس، كما كتب صلّى الله عليه وسلّم إلى ملك عمان، وإلى صاحب اليمامة، وصحبت تلك الفترة العديد من الأحداث العظام التي كان لها أثرها في التاريخ لاحقًا. وبانتقال النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى الرفيق الأعلى في السنة الحادية عشر من الهجرة النبوية، انطوت حقبة من حقب تاريخ المدينة المنورة. لتبدأ بعدها حقبة أخرى للمدينة المنورة في العهد الراشد، منذ خلافة سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنها، ثم خلافة سيدنا عمر بن الخطّاب رضي الله عنه، وخلافة سيدنا عثمان بن عفّان رضي الله عنه، وأخيرًا خلافة سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وينتقل المؤلف من ثم إلى المسجد النبوي الشريف، مشيرًا إلى أنه من بين ثلاثة مساجد تشد إليها، موردًا عددًا من الأحاديث النبوية التي تذكر فضله على غيره من المساجد الأخرى، مبينًا أنه بني في المكان الذي بركت فيه ناقة النبي صلّى الله عليه وسلّم عند دخوله إلى المدينة المنورة، مقدمًا وصفًا لمحراب المسجد في العهد النبوي الشريف، الذي كان عبارة عن جذع نخلة، ثم بني محراب مجوف في عهد سيدنا عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه، وهناك المحراب العثماني الذي يقع في الجدار القبلي للمسجد النبوي الشريف، وأيضًا هناك محراب التهجد والذي كان النبي صلّى الله عليه وسلّم يصلّي فيه صلاة الليل، ويقع هذا المحراب في الجدار الشمالي للمقصورة النبوية. كذلك يقدم المؤلف وصفًا للمنبر النبوي الشريف والروضة المشرفة، مشيرًا إلى أن المنبر الشريف مر عبر تاريخه بمراحل عدة، بدأت بعهد النبي صلّى الله عليه وسلّم وخلفائه الراشدين رضي الله عنهم أجمعين، وكان المنبر وقتها يتكون من ثلاثة درجات، طوله من الجنوب إلى الشمال أربعة أشبار وشيء، ومجلسه زراع في زراع، وارتفاعه زراعان، وله رمانتان، ارتفاع الواحدة منها نصف زراع، وفي عهد مروان بن الحكم زيدت فيه ست درجات من أسفله فصارت تسعًا، وفي العام 654هـ احترق المسجد النبوي الشريف، واحترق معه المنبر فأرسل المظفر ملك اليمن منبرًا جديدًا من الصندل فنصب في موضع المنبر النبوي الشريف، كذلك وفي العام 664هـ أرسل السلطان الظاهر بيبرس البندق داري منبرًا جديدًا بتسع درجات، له باب بمصراعين، وظهرت عليه لاحقًا آثار الأرضة فأرسل الملك الظاهر برقوق منبرًا جديدًا استمر حتى العام 820هـ، وتوالت من بعد ذلك المنابر حيث أرسل السلطان المؤيد شيخ منبرًا بثمان درجات، وعند احتراق المسجد النبوي الشريف في العام 886هـ بنى أهل المدينة منبرًا من الآجر طلوه بالنورة والجير، ثم أرسل السلطان الأشرف قايتباي منبرًا من الرخام الأبيض، وفي العام 998هـ أرسل السلطان مراد العثماني منبرًا جديدًا وضع في مكان منبر قايتباي، وحوّل منبره إلى مسجد قباء، ثم إلى مكتبة الملك عبدالعزيز بالمدينة المنورة.
وينتقل المؤلف من بعد ذلك إلى الروضة الشريفة، محددًا إياها شرقًا بدار السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، ومن الغرب المنبر الشريف، ومن الجنوب جدار المسجد، ومن الشمال الخط المار من نهاية بيت السيدة عائشة رضي الله عنها وعن أبيها، معددًا الأسطوانات المشهورة في الروضة الشريفة ممثلة في أسطوانة الوفود، الملاصقة لشباك الحجرة الشريفة، وسبب تسميتها يعود إلى أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان يجلس عندها للقاء وفود العرب، ثم الأسطوانة المخلقة، وهي التي صلّى إليها النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد تحوّل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة، ثم أسطوانة القرعة، والمسماة أسطوانة عائشة أو أسطوانة المهاجرين، ثم أسطوانة التوبة أو أسطوانة أبي لبابة، وأسطوانة السرير وتلتصق بالشباك المطل على الروضة الشريفة، وهي محل اعتكاف النبي صلّى الله عليه وسلّم. ومن الأسطوانات الموجود في المسجد النبوي الشريف كذلك أسطوانة الحرس، وأسطوانة مربع القبر، وأسطوانة التهجد، والأسطوانات المقصبة. وهناك الخوجة أيضًا وهي فتحة في حائط دار سيدنا أبوبكر الصديق رضي الله عنها.. أما الحجرات الشريفة فقد كانت لها ستة أبواب، منها باب التوبة وباب فاطمة وباب الوفود.
ويروي الباحث مرشد تاريخ القبة الخضراء، مشيرًا على أنها لم تكن موجود على قبر النبي صلّى الله عليه وسلّم إلى القرن السابع، حيث أحدث بنائها السلطان قلاوون، وكان لونها أول الأمر بلون الخشب نفسه، ثم صارت باللون الأبيض، ثم الأزرق، وأخيرًا الأخضر. ويحدد مرشد مكان أهل الصفة، ومصلى الجنائز في الجهة الشرقية من المسجد على عهد النبي صلّى الله عليه وسلّم، وهناك المقاعد الواقعة ما بين باب البقيع وباب جبريل عليه السلام، ودكة الأغوات خدّام المقصورة الشريفة.
ويتابع الباحث مرشد تعديد محتويات المسجد النبوي الشريف، فيتناول مآذن الحرم النبوي الشريف، مرجعًا تاريخ بنائها للفترة ما بين عامي 88 و91هـ حيث بنيت على عهد ولاية عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه.
أما مؤذنو المسجد النبوي الشريف، فقد تشرف بذلك بدءً سيدنا بلال من رباح، ويذكر أهالي المدينة عددًا من أصحاب الأصوات الندية الذين رفعوا الآذان بالمسجد لنبوي الشريف ومنهم، عبدالستار بخاري، وابنيه عصام وعبدالعزيز من بعده، مشيرًا إلى أن عدد المؤذنين في المسجد النبوي الشريف يبلغ حاليًا حتى هذا العام 1432هـ 12 مؤذنًا، لافتًا إلى نظامهم المتبع في رفع الأذان، حيث يرفع المؤذنون الجدد الأذان الأول في الفجر، أو أدائه للأذان في أحد مساجد المدينة لفترة محددة، ليتجه بعدها إلى رفع الأذان من المسجد النبوي الشريف، وهو أمر خاص بأبناء الرؤساء من المؤذنين وممن توارثوا هذه المهنة أبًا عن جد، ساردًا من ثم أسماء عدد من المؤذنين الذين تشرفوا برفع الأذان من المسجد النبوي الشريف.
ويشير المؤلف كذلك إلى حلقات التدريس في المسجد النبوي الشريف، وليلة الكنيس التي تقام في منتصف ذي القعدة، كما يقدم لمحات من السقاية في المسجد النبوي الشريف.
ويستعرض الباحث توسعة المسجد النبوي الشريف عبر العصور، مشيرًا على أن المسجد في مبتدأ تأسيسه بلغ من الطول 35 مترًا والعرض 30، وعدد أعمدته آنذاك 18 عمودًا، بثلاثة أروقة، وكان ارتفاع الجدران مترين، أما إضاءته فقد كانت بمشاعل من جريد النخل، وبلغت مساحته الكلية 1060 مترًا مربعًا، وله ثلاثة أبواب، أولها في الجهة الجنوبية، والثاني من الغربية، ويسمى باب عاتكة، والثالث من الجهة الشرقية، ويسمى باب عثمان. ثم جرت أول توسعة للمسجد في عهد الرسول صلّى الله عليه وسلّم عندما عاد من غزوة خيبر، وبلغ مقدار الزيادة 1415 متر مربع، بطول 50 متر، وعرض 49,5 مترًا، لتبلغ المساحة الكلية 2475 مترًا مربعًا، وبارتفاع بلغ 3,50 متر وعدد الأبواب ثلاثة، والأعمدة 35، أما التوسعة الثانية فجرت في عهد سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، لتبلغ المساحة الكلية 3575 مترًا مربعًا، ثم تلتها التوسعة الثالثة في عهد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفيها بلغت المساحة الكلية للمسجد النبوي الشريف 4071 مترًا مربعًا، ورابع التوسعات تمت في عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، وبلغت المساحة الكلية للمسجد 6440 مترًا مربعًا، وجرت التوسعة الخامسة في عهد الخليفة العباسي المهدي بمساحة كلية بلغت 8890 مترًا مربعًا، ثم تعرض المسجد لحريق في العام 654هـ على عهد الخليفة العباسي المستعصم فأعيد بناؤه وعمارته من جديد.. ويمضي الباحث متتبعًا مراحل توسيع وتطوير المسجد النبوي الشريف، مستعرضًا ما تم من تحديث وتطوير له في عهد السلطان المملوكي الأشرف قايتباي وفي عهد السلطان العثماني عبدالمجيد، واصلاً إلى عمارة المسجد وتوسعته في عهد الملك عبدالعزيز آل سعود رحمه الله -، وهو ما عرف بالتوسعة الأولى في الفترة ما بين 1370 إلى 1375هـ وعندها بلغت المساحة الكلية للمسجد 16327 مترًا مربعًا، وارتفاعه 12,55 مترًا، و14 رواق، وعشرة أبواب، وأربعة مآذن، كما أشار الباحث إلى الإضافات التي قام بها الملك فيصل في العام 1393هـ، وفي عهد الملك خالد، والتوسعة الكبرى في عهد الملك فهد عليهم رحمة الله جميعًا، وصولاً إلى إنجازات الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله والتي ما زالت متواصلة في سبيل تهيئة المسجد النبوي الشريف بما يليق به، ويسهل على زائريه أداء فروضهم على الوجه الأكمل.
ويعدد الباحث مقتنيات الحجرة الشريفة مستندًا في ذلك على تقرير عثماني صدر في العام 1326هـ، والذي أشار إلى وجود 390 قطعة، منها مصحف شريف من القطع الكبير بالخط الكوفي، وينتقل من بعد تقديمه لوصف تفصيلي عن مقتنيات الحجرة الشريفة إلى أبواب المدينة المنورة، ومنها باب المجيدي، وباب المصري، وبابا البرابيخ وبابا البقيع أو باب الجمعة، وباب الحمام وباب الشامي الكبير، والباب الصغير، وباب العوالي، وباب العنبرية، وغيرها من الأبواب التاريخية الأخرى للمدينة المنورة. ثم يمضي الباحث متحدثًا عن آبار المدينة المنورة، والمقاهي والقهاوي التي كانت بها، والأحواش والأزقة، والحواري والشوارع التي كانت بها، شارحًا أماكنها وما تميزت به من خصائص. ثم يكتب الباحث عن مكتبة المسجد النبوي الشريف، وطريقة تأسيسها وما تحتويه من نفائس الكتب، ويسرد تاريخ الأمراء الذين تعاقبوا على ولاية المدينة المنورة، والتعليم في المدينة وتاريخه وأشهر المدرسين والمدارس بالمدينة المنورة، موردًا في ختام كتابه عددًا من القصائد التي تشرفت بمدح المدينة المنورة وساكنها صلّى الله عليه وسلّم.
المصدر: صحيفة المدينة، ملحق الأربعاء، 19 تشرين الأول، 2011