للشريف حامد بن محمد بن فهيد
إذا كان بديوي الوقداني ( 1244-1296 ) معروفا لدى الناس بأنه شاعر ذوي عون
بملازمته لهم وتسطيره العديد من القصائد في مدحهم والتغني بأمجادهم ، فإن هناك
شاعرا فحلا من شعراء الفصحى كان له نفس وضع الشاعر بديوي الوقداني ، بل ربما
تفوق عليه ، ولكن هذا الشاعر ظل في طي النسيان ولربما لم يسمع به كثير من الناس
ولا حتى من الأدباء في الجزيرة العربية ،ولا نعرف السر وراء ذلك ولكن ربما يعود
أغلب السبب إلى كون شعره فصيحا من ناحية وإلى عودته إلى بلاده مصر المحروسة
عندما ذهب امير مكه الشريف محمد بن عون إلى مصر والقسطنطينيه من ناحية أخرى
واختفاء أخباره وذِكره . هذا الشاعر تعلق بآل عون تعلقا شديدا ولازمهم في كل أحوالهم ،
وهو الذي حدد هذه العلاقة في بيتين يقول فيهما :
تطلّبت معنى العون من كلّ عالم =فلم أستفـد حتى مدحت ذوي عون
ولم ألْفِ فيهم مُذْ ألِفت مـديـحهـم=سوى أريحيّ من كرامِ ذوي عون
وهو الذي يقول في مدح آل عون :
يا واهب الآلاف للآلاف = من غير تقتيرٍ ولا إسرافِ
رفقا بآل المأزمين فإنهم = ألقوا الزمام لآل عبد ِمناف
ما جيرة البيت الشريف أولي التقى=مع ضعفهم في قوة الأشراف
أسلافهم كانت أحلّت ساعة = من بعدها حرُمَت على الأسياف
خلف قد استبقى النبي جدودهم =فهبوهم لؤلائك الأسلاف
أنتم بنو عون بن محسن فاجعلوا =عون الرفيق لكم من الأوصاف
فإذا هم اقتتلوا وشذوا أصلحوا = ما بينهم خيرٌ من الإجحاف
صلى عليكم من هدى بأبيكم =طه وأنزل سورة الأعراف
هذا الشاعر الكبير المجهول عند الناس عامة والأشراف خاصة ، رغم القصائد الرائعة التي
سطرها في آل عون خاصة في الأمير محمد بن عبد المعين بن عون المشهور
بـمحمد بن عون ملك الحجاز وأبنائه لم يكن من الحجاز ولا الجزيرة العربية ولكنه
كان من أرض الكنانه ، مصر العظيمة هذا الشاعر الذي قل أن يعرفه أحد في الجزيرة أو
سمع بشعره ، رغم جزالة وجمال ورقة ورصانة شعره ، ليس في المدح فحسب وإنما في جميع
الفنون الشعرية التي برع فيها ، هذا الشاعر الرائع ألذي لازم الشريف محمد بن عون طيلة حياته
ثم كان له اتصال وثيق بأبنائه ، هو المرحوم بإذن الله محمود صفوت بن مصطفى آغا الزيلهلي
الشهيربالساعاتي . والذي وُلد بالقاهر في عام واحد وأربعين بعد المائتين والألف للهجرة النبوية المشرفة ، ونشأ
بها إلى أن بلغ سن الثانية عشرة عاما حيث انتقل بعدها مع والده إلى الإسكندرية ، وفي العشرين من عمره ، سافر
إلى الحجاز للحج ، واتصل بأمير مكه آنذاك الشريف محمد بن عون الذي أكرمه وقربه منه وأصبح شاعرنا ملازما
له كظله في حلّه وترحاله ، وسافر معه في غزواته المعروفة في نجد واليمن وعسير وغيرها والتي سجلها شعرا .
وفي عام 1267 ه وعند تخلي الشريف محمد بن عون عن إمارة مكه ، رحل معه إلى مصر ثم إلى القسطنطينية
ثم عاد إلى مصر عام 1268 ه وتنقل في عدة مناصب حكومية وتوفي شاعرنا في عام 1298من الهجرة النبوية
الشريفه . اشتهر بالساعاتي لبراعته وولعه بعملها ولم يحترفها، وكان حلو النادرة، حسن المحاضرة، مهيب الطلعة، لم
يتعلم النحو، ولا ما يؤهله للشعر. ولكنه استظهر ديوان المتنبي وبعض شعر غيره، فنظم ما نظم ، له (ديوان شعر-ط)،
و(مزدوجات-ط)، و(مختصر ديوان الساعاتي-ط) وأكثر أشعاره متفرق ولم يجمع ولم يدون فكان ما نشر له أقل بكثير
مما استولى عليه الضياع . قال عنه الاديب الكبير مصطفى لطفي المنفلوطي في مقدمة ديوانه ، كان الساعاتي آية من
آيات الذكاء والفطنة وحضور الروية وسرعة الخاطر واستكمال أدوات الظرف ، وكان مع ذلك مهيب الطلعة مبجلا و
موقرا تنفرج له الصفوف إعظاما وإجلالاويتنافس في عشرته الأمراء والعظماء ، أما درجته في الشعر والكلام لا زال
للمنفلوطي فنظرنا إليها أنها بالنسبة لدرجات الشعر من فبلها ببضعة قرون آية من الآيات ومجموعة الحسنات ومن قرأ شعر
الساعاتي وقارن بينه وبين شعر الأمّة العربية في عصره علم أن للرجل من الفضل ما لا يقل عن فضل كل مصلح جديد
ومخترع مجيد . وقال عنه محمد بك المويلحي "أن المرحوم محمود الساعاتي من الشعراء الذين توفرت فيهم العفوية
وحسن الذوق وغزارة المدادة ، فتجدها متجلية في قصائده التي لم يتعمد فيها الصناعة مثل قصائده في شريف مكه الذي
صرف جُلّ شعره في مدحه وفي وصف وقائعه ويخيل إلي وأنا أقرأ هذه القصائد أنني أعيد شيئا من شعر المتنبي " انتهى
وللساعاتي بجانب قصائده في مدح آل عون ، كثير من القصائد المختلفة الأغراض ، بمافي ذلك الغزل ، وله قصائد في
الإخوانيات كثيرة ورائعة ولكن ميميته الشهيره في مدح المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام تعد من غرر قصائده ونفيس
فرائده وقد جائت في مائة وخمسين بيتا وكان مطلعها :
سفح الدموع لذكر السفح والعلم= أبدى البراعة في استهلاله بدم
وكم بكيت عقيقا والبكاء على =بدرٍ وتوريتي كانت لبدرهم
وذيّل الدم دمع العين حين جرى =كما سرى لاحق الأنواء بالظلم
يا حاديَ العيس ذرها في ترادفها =واقصد بها مهبط التنزيل من إضم
إلى ان يقول
يا نفس حتى متى طال العتاب أما =قد حان ويحك إقلاع عن اللمم
لقد تفننت في اللذات منطلقا =لكنني الآن في قيد من الألم
إن أوثقتني ذنوبي ليس يضمن لي =حسن التخلص إلا سيد الأمم
محمد ابن عبدالله سبط أبي ال =بطحاء غوث البرايا في اطرادهم
إلى قوله
ألمصطفى صفوة الرحمن من لِسنا =أنواره انشق بدر التِّمّ في الظُّلم
مهذّب ربّه في المهد أدّبه =مذ كان طفلا وقد آوىه في اليُتُم
فالشمس طلعته والنور غرّته =ترشيحه في الضحى والليل كالعلم
ساوى النبيين تشريعا وسادهم =بمحكم ناسخٍ أحكام شرعهم
ذو البينات التي تفسير معجزها =نور البصائر والكشاف للغمم
إلى آخر القصيده وهي من غرر المدائح ولا شك .أما ما يخص قصائده في الشريف محمد بن عون
وأبنائه فهي تربو على الخمسين قصيده ، أغلبها قصائد طويلة ، وفي ما يلي نموذج لبعض هذه القصائد
وربما يسعفنا الوقت لنشر الديوان كاملا في هذا الموقع أو موقعنا الثاني الخاص بالشريف منصور بن سلطان
وكانت أول قصائد ديوان شاعرنا الكبير محمود افندي صفوت الساعاتي قصيدة همزيّة في مدح الشريف
محمد بن عون وجائت في سبعة وسبعين بيتا ، يقول مطلعها :
رقّت لِرقّة حالتي الأنواءُ =وحنت عليّ البانة الهيفاءُ
وبكى الغمام عليّ من أسفٍ وقد =كادت تمزّق طوقها الورقاءُ
ولقد بلوت العالمين فلم أجد =ذا ثروة يوما وفيه رجاء
ويقول
غضّت عن العلياء طرفي برهة =ثم انجلت عن ناظري الأقذاء
فعلمت أن الأكرمين هم الألى =شرُفوا وباقي العالمين هباء
لم يبق غير بني النبي محمد =في الأرض من يُعزى إليه سخاء
إن لم يُجزك ابن النبي لمانع =إن الشفاعة من أبيه جزاء
ولقد أُجلّ مدائحي وأصونها =عن غيرهم وتصونني العلياء
فهي الكواكب لا ترام وما لها =إلا ابن عونٍ في الوجود سماء
ملك سما سلطانه وتقاصرت =عنه الملوك لأنها أسماءُ
ولو ارتقوا يوما لأخمصه انتهوا =لمراتبٍ ما فوقهن علاءُ
ويقول فيها
ضربت سرادقها المهابة فوقه =فإذا بدا بادت به الأعداء
تخشى الأسود الغلب سطوة بأسه =أبدا كما تخشى الأسود الشاءُ
وتهابه شُمّ الأنوف لطول ما =شنت عليه الغارة الشّعواء
عزم كما يمضي القضاء وهمّة =كالدهر لا أمد ولا استقصاء
يُخشى ويُرجى سيفه ونواله =مالاح برق أو همت أنواء
إلى أن يقول
أقسمت بالبيت الحرام وزمزم =والمشعرين وما حواه حِراء
إني أراكم خير من وطئ الثرى =فيمن أراه ومالكم نُظراء
وأرى الملوك فإن أردت مديحهم =أغدو كأني أبكم فأفاء
وتطيعني الغرر الشوارد فيكم =فكأنها من وصفكم إملاء
ويقول في القصيدة التي مطلعها :
سما سعيكم في المجد أسنى المراتب =ففزتم بما فوق المنى والمناصب
والتي قالها في مدح الشريف محمد بن عون ويذكر غزوة بني سُليْم عام 1264
قضيتم من العلياء يا آل محسن =مناكم ولكن بالقواضي القواضب
ركبتم لها الأهوال شرقا ومغربا =على كلّ ناجٍ من كِرام النجائبِ
قدمتم عليها بالقنابل والقنا =فدانت وفي الإقدام نيل الرغائبِ
حميتم حماها يا ذوي عون فاغتدت =ومن دونها الحرب العوان لِراغِبِ
إلى أن يقول
لكم قصبات السبق يا آل محسن =إلى الغاية القصوى وأقصى المطالب
بِجُرد عليهامنكمُ كلّ باسلٍ =إلى بِسِلٍ تفري أديم السباسب
ويقول
وما علمو أن ابن عون بن محسن =عليهم يسد الطرق من كل جانب
ويقول
ودمتم ودام الملك يا آل محسن =دوام الثريا والنجوم الثواقب
والقصيده جائت في ستة وأربعين بيتا .
وقال أيضا في مدح الشريف محمد بن عون
أدِر طِلا الود واترك نصح من نصح =ا يا صاح وانتهب اللذات مصطبحا
وطف بها بنت كرم طاب مشربها =على كرام أسروا والهوى فضحا
شمس تجلت إلينا في سما قدح =جنح الدجى وزناد الشهب قد قدحا
وأشرقت والجواري الزهر تغرق في =بحر المجرّة لمّا حُوتُه سبحا
حتى انثنى جيش نجم الافق منهزما =والدلو بُعدا عن الأوطان قد نزحا
وقد غدا صارم المريخ يلمع في =كف الثريا وللجوزاء قد ذبحا
كم شق من جبهةٍ صفحا وجارعن =قطع الذراع غداة الضرب ما صفحا
وعاين الطّرف أن الفرقدين على =عزل السماك ونهب البلدة اصطلحا
والمشتري قد غدى بالله محتسبا =في أمره مذ رأى الميزان قد رجحا
وما رعى حمل الأفلاك سنبلة =والثور للحرب من غيظ يدير رحا
والليث يسطو فيسمو كلّ منزلة =بِبأسه فرماه القوس فانطرحا
ثم انجلى نقع ذاك الليل حين بدا =وجه ابن عونٍ ونور الصبح قد وضحا
بدر الكمال وشمس الحمد من نظمت =أوصافه الزهر في جيد العلى سبحا
أكرم به ملكا أنوار طلعته =تُريكه ملكا بالنور مُتّشحا
وهي 29 بيتا ، عدد فيها الكواكب والبروج جميعها بلا استثناء ووظفها توظيفا
جميلا في القصيده .
وقال رحمه الله يمدح الشريف محمد بن عون ويهنيه بالسيف الوارد له من الدولة العليّة العثمانية
دُس هامة المجد الرفيع السُّؤدد =وارقى بسعدك فوق فرق الفرقدِ
فلك المعالي يا ابن عونٍ فامتطي =ولك السّعادة والمحل الأصعدِ
وسًدِ الملوك فما ارتفاعك عن سُدى =إذ أنت من نسل النبي محمدِ
قد قلدوك بسيف نصرٍ حدّه =ماضٍ لإقبال البقاء السرمد
يدعو ابن عونٍ نصله في غِمده =أني حسام عنايةٍ فاقلّدِ
ويقول إن زرع العدو عداوة =لا خير في زرعٍ إذا لم يُحصدِ
يا ابن الذين سموا وسادوا في العلا =وتوارثوها أمجدا عن أمجد
ما كنت أحسب بعد ما ضي عزمكم =في المجد أن تتقلدوا بمهنّدِ
صار ابن عونٍ للعناية صاحبا =إن سار سارت في سبيلٍ أرشدِ
طاب المديح به فراوح عُرفه =مسك الختام وطاب عيش المبتدي
لأطلنا عليكم المقال ، ولكن لنا بإذن الله وقفات أخرى مع ديوان المرحوم محمود صفوت أغا المشهور
بالساعاتي والسلام ختام ......
الشريف حامد محمد
شوال 1432
hms1369@yahoo.com
أريد معرفة اسم هذا الشاعر
أم سيظل في طي النسيان
لم نكن نعلم عنه شيئا قبل ذلك فاعجل علينا بديوانه ..
ورحم الله المادح ورحم الممدوحين وأموات المسلمين فقد أعقب ثناء يروى ويقرأ لايثمّن بثمن ..