مكة المكرمة والمدينة المنورة بريشة قلم رسامة بريطانية مسلمة
د/عدنان عبدالبديع اليافي
د/عدنان عبدالبديع اليافي
لمكة المكرمة في نفوس المسلمين مكانة عظيمة ففيها بدأ نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم مؤذننا بإنطلاق الرسالة المحمدية العظيمة . وفيها ولد رسوله صلى الله عليه وسلم . وبهذه المدينة المقدسة يوجد بيت الله العتيق مما أكسبها شرفاً عظيماً سجله القرآن الكريم على لسان أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى:" ربنا أني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم*ربنا ليقيموا الصلاة *فأجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وأرزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون"سورة إبراهيم آية(37).
ومنذ صدر الإسلام والاف المسلمين يفدون إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج والعمرة . من ضمن هؤلاء, كان الرحالة العرب والمسلمون الذين بدأوا منذ مئات السنين في القدوم إلى البلد الحرام للحج والعمرة وسجلوا رحلات حجهم في كتب قيمة ساعدت في الحفاظ على جزء هام من تاريخ جزيرة العرب بشكل عام, ومدن الحج ومحطاته بشكل خاص, ومكة المكرمة بشكل أخص . وكان كثير من هؤلاء الرحالة عند عودتهم إلى بلادهم يُخبِرون عن الطرق التي سلكوها والمدن التي زاروها والأمم الذين قابلوها . وكان لذلك نفع كبير حيث قدموا من خلال كتاباتهم تلك صوراً صادقة عن المجتمعات العربية والإسلامية وغيرها من المجتمعات , ورسموا صوراً جلية عن تطور تلك الأمم على مدى القرون والعقود والسنين .
كما كان من ضمن هؤلاء الرحالة جغرافيون ألفوا كتباً في علم تقويم البلدان مازالت تُدْرَسْ إلى يومنا هذا ويستفاد منها . ومن هؤلاء الجغرافيين على سبيل المثال لا الحصر ابن حوقل والإدريسي وياقوت وغيرهم كثير .
وكان من أوائل هؤلاء القادمين إلى البلد الحرام الرحالة العربي,المقدسي المعروف بالبشاري الذي أدى فريضة الحج في القرن الرابع الهجري.
كما زار البلد الحرام الرحالة المسلم ناصر خسرو في القرن الخامس الهجري وأدى الفريضة.
وقام الرحالة العربي الشهير ابن جبير رحمه الله بالقدوم إلى مكة المكرمة في القرن السادس الهجري .
وفي القرن السابع الهجري جاء الرحالة ابن المجاور إلى مكة المكرمة حاجاً .
وفي القرن الثامن الهجري أدى عميد الرحالة (ابن بطوطه) فريضة الحج .
ثم مع بداية القرن السادس عشر الميلادي بدأ قدوم بعض الرحالة الغربيين ممن اشهروا إسلامهم وقاموا بزيارة مكة المكرمة والمدينة المنورة وغيرها من مدن الحج.
ففي عام (1503م) زار مكة المكرمة المغامر الإيطالي لودفيكو دي فاريثما وكان بذلك أول إيطالي بل وأول أوربي يزور الديار المقدسة في التاريخ الحديث (1).
وفي عام (1680م) أدى الإنجليزي جوزف بتس فريضة الحج وزار المدينة المنورة(2) .
وفي عام (1807م) كان دمنجوباديا والذي اشتهر بـ (علي بك العباسي) أول إسباني يزور مكة المكرمة(3) .
وفي عام (1933م) جاءت النبيلة الأسكتلندية المسلمة الحاجة زينب افلن كوبولد إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة خلال فترة الحج وأدت الفريضة وزارت المسجد النبوي الشريف وتشرفت بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسجلت رحلة حجها تلك في كتاب بعنوان (خطوة بخطوة رحلة حج إلى مكة والمدينة) وكانت هذه المرأة الفاضلة أول سيدة بريطانية
تزور مكة المكرمة والمدينة المنورة (4).
وفي عام (1970م) قامت الرسامة والنحاتة البريطانية المسلمة السيدة سونيا سعيدة ميلر خليفة هي وزوجها الأستاذ الجامعي المصري الدكتور يسري خليفة بأداء فريضة الحج وزيارة المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم(5) .
وسجلت ميلر وقائع ومشاهدات رحلتها تلك في كتاب كتبته بطريقة مماثلة لكتاب السيدة افلن كوبلد رحمها الله ووسمت ميلر كتابها هذا (الركن الخامس قصة رحلة حج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة) .
وسنستعرض شيئاً من رحلة حج هذه السيدة البريطانية المسلمة وكتابها عن هذه الرحلة المقدسة . كما سنترجم لجانب من حياة هذه الفنانة القديرة وسنحاول إلقاء بعض الضوء على شخصيتها ونترجم لحياتها إن شاء الله .
سونيا سعيدة ميلر خليفة:
سونيا ميلر فنانة ونحاتة بريطانية تخرجت من جامعة كمبردج ، أسلمت عام (1959م) ، وغيرت اسمها عام (1960م) إلى سعيدة . سافرت إلى كندا حيث التقت بالاستاذ الجامعي المصري الدكتور يسري خليفة فتزوجته وحملت اسم عائلة زوجها على الطريقة الغربية فأصبحت تسمى (سعيدة ميلر خليفة) .
بعد أن انتقل الزوجان للعيش في القاهرة في عام (1967م) قامت ميلر بتدريس مادة الفنون في بعض مدارسها .
وفي عام (1970م) قام الزوجان معاً بأداء فريضة الحج وسجلت السيدة ميلر رحلة حجها في كتاب أهدته إلى زوجها ووسمته (الركن الخامس : قصة رحلة حج إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة) :
The Fifth Pillar :The Story of a pilgrimage to Mecca and Medina) ) وكتب شيخ الأزهر آنذاك الشيخ عبدالحليم محمود رحمه الله مقدمة هذا الكتاب .
بدأت السيدة ميلر رحلتها بدخول أراضي المملكة العربية السعودية عبر(مطار جده) بوابة الحرمين وعروس البحر الأحمر والميناء الرئيس للمملكة ، بعد أن وصلت قادمة من القاهرة عن طريق الجو برفقة زوجها الدكتور يسري خليفة في عام (1970م).
وقد استعرض الأديب المعروف الأستاذ أحمد محمد محمود في الجزء الثاني من سِفْرِه الشامل (جمهرة الرحلات) ، كتاب هذه الرحالة المسلمة وذكر أنها بدئته قائلةً : " كان هدفي من كتابة رحلة الحج أن أنقل شيئاً من الغرابة والعجائب وشيئاً من الاضطراب والأمن وفوق ذلك متعة إكمال الفريضة" (6).
ويستطرد الأستاذ احمد محمود قائلاً عن هذه الرحالة ورحلتها وكتابها : وقدمت لرحلتها بما تعتقد أن الحج يرمز إليه : ففي المناسك يرى الحجاج دلالات وطهارة الحج ، يرى أول بيت وضع للناس ، والأماكن التي تنزل فيها الوحي ، ومن أداء مشاعر الحج تشع أفكار عظيمة فعندما يجتمع الحجاج حول الكعبة يرمز تجمعهم لوحدتهم وقوة الروابط بينهم ، وعندما يسعى الحاج بين الصفا والمروة فذلك يرمز إلى سعيه للوصول إلى هدفه بإنفاذ أمر الله مالك السموات والأرض ، وعندما يرجم الشيطان في منى فذلك يرمز إلى اتحاد المسلمين في نبذهم للشر ، وعندما يزور الحاج المسجد النبوي الشريف يدرك مدى احترام المسلمين لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم وتبجيلهم للأماكن التي نزل بها جبريل يبلغ الوحي لنبي صلى الله عليه وسلم (7) .
ويذكر الأستاذ أحمد محمود أن ميلر نقلت قول شيخ الأزهر الشيخ عبدالحليم محمود رحمه الله في المقدمة التي كتبها لكتابها حيث يقول شيخ الأزهر في هذه المقدمة : ( أن الحج هو سلام لكل حي ، من إنسان وحيوان وحتى النبات ، فالحيوان لا يخشى الحاج وعندما أبلغ حاج في زمن الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قتل وهو محرم جراده ، أمره الخليفة بأن يفدي .. ، أما النبات محرم قطعه داخل حدود المدينتين المقدستين للحاج المحرم) (8) .
وتقول ميلر عن نفسها أنها: بعد أن قضت ثلاث سنوات في مصر وبعيد حرب الخامس من حزيران(1967م). بين العرب وإسرائيل ، وما ترتب على نتائجها من إغلاق لقناة السويس واستحالة سفر الحجاج بالسفن ، تناقص عدد الحجاج المصريين حتى أصبح عشرة آلاف حاج تم اختيارهم بالقرعة ويسافرون بالطائرة إلى جده . لذا تقول ميلر : أنها وزوجها تقدما بطلب الحج بالقرعة عام (1969م) حيث تقدم في ذلك العام 30 ألفاً وبعد شهور من الترقب قيل لهم : أن القرعة وقعت عليهم للسفر للحج ، وحصلت هي وزوجها على إجازة شهر من أعمالهم لأداء فريضة الحج (9).
السيدة ميلر تقارن بين رحلتها ورحلات الرحالة الأوربيين قبلها:
قرأت ميلر ما كتبه الرحالة الإنجليز من قبلها عن تجاربهم في الحج واستعرضت بعض أدبياتهم في كتابها وقارنت بين وضع الحجاج الصحي والأمني خلال رحلتها مقارنة بما وصفه الرحالة البريطانيين أمثال بيرتون وداوتى وغيرهم ، وبينت كيف تطور الأمن والخدمات سواء الصحية أو المرورية أو وسائل النقل وغيرها منذ ذلك الوقت وحتى زمن رحلتها ، وبينت مدى التطور الذي جرى في مرافق الحج ومدن المملكة العربية السعودية ، كما وصفت النفره من عرفات إلى مزدلفة ثم إلى منى ، وزودت ميلر كتابها بحوالي عشرين صورة .
وقارنت ميلر بين رحلة الطيران من القاهرة إلى جده وبين رحلات الحجاج في الماضي عبر الصحراء على ظهور الجمال وتساءلت ماذا كان سيقول الرحالة الذين قدموا عن طريق الصحراء في الماضي لو عرفوا أنه في يوم ما سيكون بمقدور الناس السفر في ساعات إلى جده على متن طائر معدني فضي اللون يطير في السماء ويصل خلال ساعات بدلاً من أسابيع (10).
ميلر تحط الرحال في أرض المملكة العربية السعودية :
بدئت ميلر وصفها لجده منذ أن وطئت قدميها المطار . وقالت أنها سكنت هي وزوجها في مدينة الحجاج التي إقامتها حكومة المملكة العربية السعودية مشكورة.
وقالت أنها خرجت من المطار هي وزجها لشراء بعض الشاي في أحد مقاهي جده الواقعة بجانب المطار (القديم).
وتحدثت أيضا عن سيارات الأجرة في جده وقالت: انها كبيره وجديدة وقارنتها بالسيارات القديمة التي كانت تستعمل آنذاك في بعض المدن العربية الأخرى .
كما قالت: أن جده مدينة عصرية تتشابه في بعض الأمور مع مدن أمريكا الشمالية.
وتحدثت ميلر عن أهل جده فقالت:" أنهم طيبون ولطاف" إلا أنها بينت أن لهجتهم تختلف عن اللهجة المصرية التي كانت قد اعتادت عليها وألفتها خلال سكنها في القاهرة ما يزيد على ثلاثة أعوام مع زوجها المصري الأصل.
كما تحدثت ميلر عن الجزء التاريخي من مدينة جده ووصفت ما يحوي من منازل أثرية وبينت أن هذه المنازل مبنية من الحجر المنقبى ومن الحجار المرجانية.
الطريق من جده إلى مكة المكرمة:
بعد قضاء عدة أيام في جده ذهبت السيدة ميلر وزجها إلى مكة المكرمة بالسيارة . ووصفت ميلر الطريق بين جده ومكة المكرمة وقالت: أنه "طريق واسع وجيد"(11).
وقارنت رحلتها بين جده ومكة مع تجربة الرحالة الانجليزي(داوتى) قبل حوالي قرن من الزمان وبينت الفرق الكبير بين الحالتين سواء من الناحية الأمنية حيث كانت هي تسافر في أمن واطمئنان بعكس (داوتى) الذي كان مسافراً في ظروف غير آمنة بتاتا وكاد أن يقتل في الطريق .كما وصفت الراحة التي كانت تتمتع بها في السيارة مقارنة برحلة(داوتى) على ظهر جمل (12).
وعندما وصلت ميلر إلى مكة المكرمة وشاهدت الحرم الشريف ومنائره بينت كيف تأثرت بذلك.
مكة المكرمة بعدسة ذاكرة سونيا ميلر خليفة:
تقول ميلر: أنهم عندما وصلوا إلى مكان اقامتهم في مكة المكرمة قام مطوفهم بالترحيب بهم , كما رحبت سيده الدار بالسيدات القادمات وكانت هي مطوفة ايضا. وقالت هذه السيدة المكية لـ ميلر: "نحن هنا أهلك".
وتصف ميلر الطريق من مسكنهم إلى الحرم بأنه شديد الزحام وقالت: " أن الحجاج يخرجون من كل اتجاه إلى الطريق الرئيس إلى المسجد الحرام" .
ووصفت لحظة رؤيتها الكعبة المشرفة أول مرة وكيف امتلئت عيناها بدموع الفرح وقالت:"كنا نرى أمامنا صوره بانورامية لمسجد يتسع لأكثر من نصف مليون شخص آنذاك" . وقالت: "إن المطاف يمتلئ بعد الصلاة" .
ووصفت الطواف ثم الصلاة ركعتين وشرب ماء زمزم التي قالت: إن "طعمه لذيذ ويذكر بطعم حليب جوز الهند".
ثم تحدثت عن المسعى وقالت أن المسافة بين الصفا والمروة حوالي ربع ميل تقريبا وبعد أن عادت إلى السكن قامت بوصف ذلك المنزل , وقالت أنه تتوفر به غرفتان منفصلتان إحداها للنساء والأخرى للرجال.
ووصفت صلاة الجمعة في الحرم الشريف وقالت أن الزحام كان غير عادي (13).
وبعد أسبوعين قضتها في مكة المكرمة حان وقت الحج فذهبت ميلر وزوجها إلى منى وعرفات ومزدلفة ثم عادوا إلى منى قبل الذهاب مره أخرى إلى مكة المكرمة بعد انقضاء المناسك . ووصفت ميلر المشاعر المقدسة وتحدثت عن منازل وأسواق منى .كما تحدثت عن الشعائر وطريقة أدائها.
وقد قدم لنا الأستاذ احمد محمود في كتابه المشار اليه ترجمة لوصف ميلر لرحلته حجها هذه بدئا من خروجها من مكة المكرمة إلى المشاعر المقدسة إلى عودتها إلى مكة المكرمة ما ننقل هنا جزئا منه بتصرف:
يقول الاستاذ أحمد محمود: أن ميلر تقول عن تجربة حجها:
"ومع اقتراب الحج, بدأ الحجاج بالاستعداد , من لم يكن محرما لبس إحرامه , وتدفقت التكاسي والباصات واللواري والعربات على مكة , وهي محملة بالحجاج , وباحتياجاتهم من الخيام ونحوها , وأصوات التلبية تملأ الوادي وتتردد في جنباته " .
وتقول: قررنا أن نأخذ معنا إلى يوم التروية مايكفي من الطعام لأربعة أيام , مع معدات الطبخ وبطانية وفرش ومخدات .
ثم تصف ميلر منى قائلة:
تبعد منى (6) كيلومترات عن مكة , وهي صغيرة وجذابه , تحيط بها الجبال , وفي الصيف حرارتها قاتلة , وجبالها تنتشر عليها الخيام , التي تبرز من بين الصخور كالفطر , ومنازلها عالية نسبيا , وشارعها الرئيس طويل وواسع , ونزلنا في منزل من ثلاث طوابق قريبا من الجمرات , وعندما وصلنا كانت جميع الغرف مشغولة , ودعتني بعض النسوة للإنضمام لهن في غرفتهن , وأفسحن لي مكانا , لكي فضلت البقاء في الخيمة التي نصبت في حوش العمارة , مع زوجي وغيرنا من الحجاج , كنا مرهقين , وأُعد لنا العشاء , ثم نشرنا فراشنا ونمنا .
وعند الفجر استيقظت ميلر وزوجها وبعد تناول الافطار بدئوا في التهئ للنفور إلى عرفات , وكانت الطرقات مزدحمة بالسيارات والمشاة.
ثم تقول ميلر عن وصولهم إلى عرفات: وعندما وصلنا إلى عرفات , كان صعيدها قد غطته الخيام من كل وصف , كان المخيم العظيم منظما تنظيما جيدا لاستيعاب نصف مليون حاج , وتتوفر المياه النقيه للشرب , وكانت منظمة الصحة العالمية قد هنأت المملكة العربية السعودية على خلو هذا الموسم من أي وباء , وهو أنجاز ليس بسيطاً إذا أخذنا في الإعتبار بقاء الحجاج يوما في عرفات وثلاثه ايام في منى , في ظروف الازدحام الشديد , وقد كانت الأوبئة قديماً تنتشر في المشاعر في مثل هذه الايام , ويموت من جرائها كثير من الحجاج , والفضل يعود لاهتمام الحكومة السعودية بالوقاية من الأمراض في موسم الحج , وعلاج أي مرض يظهر على الحجاج من فوره .
وبعد صلاة الظهر توجهت ميلر وزوجها إلى جبل الرحمة, وصعدا على صخرات في منحدره وهما يتطلعان إلى صعيد عرفات وقد ملأته الخيام . ويقف في هذا الصعيد المبارك حوالي مليون حاج وحاجة يدعون ربهم عزوجل ويطلبون رحمته ويستعيذون من عذابه .
وفي الليل توجهت ميلر وزوجها ورفاقهم إلى مزدلفة ثم إلى منى لرمي جمرة العقبة ثم إلى مكة المكرمة لاداء طواف الافاضة ثم العودة إلى منى للنحر ورمي الجمرات وقضاء ايام التشريق.
يقول الاستاذ احمد محمود: ان ميلر عندما كانت وزوجها يبحثان عن تاكسي لنقلهم لمكة آخر أيام منى "استرجعت ذاكرتها ما كان عليه الحج أيام القوافل , عندما كان على الحجاج العناية بما يحملون من مياه للشرب , وعندما لم تكن هناك مضادات حيوية , ولا إسعافات لعلاج المرضى , ومن عجب خروج ناجين من الحج ليحكي كل منهم حكايته , وحيث يستقبلونهم أقاربهم عند عودتهم لبلادهم بشتى الاحتفالات فرحا بوصولهم سالمين ".
وبعد أن عادوا إلى مكة وصفت ميلر صلواتهم في المسجد الحرام وتقول أنه: "وحتى مجرد الجلوس وتأمل الكعبة هو متعة في حد ذاته".
وفي انتظار تفويجهم إلى المدينة المنورة بعد انتهاء الحج زارت ميلر سوق مكة المسقوف "حيث كانت الحركة النشطة فيه موصولة ليلاً ونهاراً ,وعندما يقترب موعد الصلاة يسرع أصحاب الحوانيت إلى إغلاقها , أو تغطيتها بقطة قماش , من غير حاجة لإغلاقها " (14).
السفر إلى المدينة المنورة:
بعد انقضاء أيام الحج غادرت الحاجة ميلر وزوجها مكة المكرمة إلى المدينة المنورة عن طريق البر حيث استأجروا سيارة لنقلهم إلى هناك .
ومع اقترابهم من المدينة المنورة لاحظت ميلر أن الطريق قد اتسعت, وفجاه لاحت منارات المسجد النبوي الشريف في الأفق فعرفت ميلر أن "حلمها قد تحقق".
وصفت ميلر المسجد النبوي الشريف وجبل أحد وقباء وبعض المواقع التاريخية في المدينة المنورة. كما وصفت المدينة وأسواقها ومنازلها وشوارعها وغير ذلك وصفا دقيقا وشاملاً (15).
مغادرة الأراضي المقدسة:
انهت الحاجة ميلر وزوجها زيارتهم للمدينة المنورة وعادوا إلى جده في سيارة مستأجرة .
ومن مطار جده غادرت الحاجة سعيدة سونيا ميلر خليفة وزوجها الحاج الدكتور يسري خليفة مدينة جده على متن إحدى الطائرات عائدين إلى القاهرة عبر البحر الأحمر والصحراء عائدين إلى بلادهم (16).
هكذا كان موسم حج عام (1970م) كما سجلته عدسة ذاكرة الرحالة البريطانية المسلمة الحاجة سعيدة سونيا ميلر خليفة وكما رسمته ريشة قلم هذا الرسامة القديرة وكما ورد في كتابها القيم الموسوم "الركن الخامس" .
د/عدنان عبدالبديع اليافي
6/4/2011م
المصادر:
1- فارتيما, لود فيكو: رحلات فارتيما,ترجمة د.عبدالرحمن الشيخ,الهيئة المصرية العامة للكتاب,القاهرة,(1994م),ص/9 .
2- تبس,جوزف:رحلة جوزف بيتس ,ترجمة د.عبدالرحمن الشيخ,الهيئة المصرية العامة للكتاب,القاهرة,(1995م),ص/11.
3- باديا, دمنجود علي بك العباسي:رحالة أسباني في الجزيرة العربية,ترجمة د.صالح السنيدي,دارة الملك عبدالعزيز , الرياض,(1429هـ),ص/7.
4- Wolfe, Michael :One Thousand Roads to Mecca , Grove Press , New York (1997),Page/ 409 .
5- محمود ، أحمد محمد : جمهرة الرحلات ، رحلات الحج ، الجزء الثاني ، الدار السعودية للنشر والتوزيع ، جده ، (1430هـ - 2009م) ، ص/80 .
6- المصدر السابق , ص/80 .
7- المصدر السابق ، ص/80 .
8- المصدر السابق ، ص/80 .
9- المصدر السابق ، ص/80-81 .
10- Miller , Sonia : The Fifth Pillar : The Story of a Pilgrimage to Mecca and Medina, Exposition Press , HicKsville ,New York , (1977) , Page/12.
11- المصدر السابق ، ص/28-29 .
12- المصدر السابق ، ص/27-28 .
13- المصدر السابق ، ص/32-39 .
14- محمود, احمد محمد: جمهرة الرحلات, مصدر سابق,(ص/84-86).
15- Miller, Sonia:The Fifth Pillar, Page(98-113).
16- المصدر السابق ,ص/120 .