من دفن فى الحجر
لأبي عبدالله بن جفيل العنزي
لأبي عبدالله بن جفيل العنزي
في (سيرة ابن هشام) (1/ 111) :" قال ابن اسحاق: وكان عمر اسماعيل فيما يذكرون مائة سنة وثلاثين سنة ثم مات رحمة الله وبركاته عليه ودفن في الحجر مع أمه هاجر رحمهم الله تعالى "
وذكر نحو ذلك ابن سعد في (طبقاته) (1/ 52) ، والذهبي في (تاريخ الإسلام) (1/ 20) وابن خلدون في (تاريخه) (2/ 44) .
وفي (أخبار مكة) للأزرقي (1/ 81):" وكان من حديث جرهم وبني إسماعيل أن إسماعيل لما توفي دفن مع أمه في الحجر وزعموا أن فيه دفنت حين ماتت ".
وهذا كما ترى ( فيما يذكرون ) و ( زعموا ) ؛ وهذه الألفاظ لا يثبتُ بها شيءٌ .
وقد قال النبي :" بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا " رواه أبو داود (4974) وصححه الألباني.
قلت : ولم أقف على رواية صحيحة عن النبي تثبتُ ذلك .
وإنما أخرج ابن سعد في (الطبقات) (1/ 52) ومن طريقه ابن الجوزي في (المنتظم) (1/ 306) عن أبي الجهم بن حذيفة الصحابي قال :" أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام أن يبني البيت وهو يومئذ بن مائة سنة وإسماعيل يومئذ بن ثلاثين سنة فبناه معه وتوفي إسماعيل بعد أبيه فدفن داخل الحجر مما يلي الكعبة مع أمه هاجر ".
قلت : وفي إسناده:
1 - موسى بن محمد بن إبراهيم : في ( التقريب) : " منكر الحديث".
2 - محمد بن عمر الواقدي : في ( التقريب ) :" متروك مع سعة علمه ".
قلت : فالأثر ضعيفٌ جِدًا .
وأخرج ابن سعد (1/ 52) ـــ ومن طريقه ابن الجوزي في (المنتظم) (1/ 306) ـــ عن إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة قال:" ما يعلم موضع قبر نبي من الأنبياء إلا ثلاثة : قبر إسماعيل فإنه تحت الميزاب بين الركن والبيت ، وقبر هود فإنه في حقف من الرمل تحت جبل من جبال اليمن عليه شجرة تندى وموضعه أشد الأرض حرا ، وقبر رسول الله ".
قلت: آفته قائل الكلامِ نفسُه : إسحاق بن عبدالله بن أبي فروة المتوفى (144هـ ) .
قال له الزهري : قاتلك الله يا بن أبي فروة ما أجرأك على الله ألا تسند احاديثك تحدث بأحاديث ليس لها خطم ولا أزمة ؟!
وقال بن سعد: كان كثير الحديث يروي أحاديث منكرة لا يحتجون بحديثه .
بل قال الإمام أحمد: لا تحل عندي الرواية عنه . لذلك قال في (التقريب) :" متروك".
ثُمّ إن مثل هذا الأمر يحتاجُ إلى نقلِ المعصومِ الذي لا ينطِقُ عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى بأنّ إسماعيل دُفِنَ في الحِجرِ ، وأنّى لهم ذلك ، فإنّ بيننا وبين إسماعيل وأجيالٌ وأجيالٌ بل ألوفٌ من السنينَ ؛ فمن أين يُجزَمُ بمكانِ قبرِهِ أو محلِّ دفنِهِ ؟!!
ولمّا لم يصحّ شيءٌ من ذلك عن النبي المعصومِ ، وصحّ عنه أنه قال: " لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا " ، فإننا نجزم أن دفن الأمواتِ في المساجد لم يكن من سنّة الأنبياء ؛ لا إسماعيل ولا من قبله ولا من بعده ، فحاشا لإسماعيل أن يُدفَن في الحِجرِ وحاشا لِلــهِ أن يرضاهُ لنبيِّهِ ابن خليلِه .
وإنما هو من صنيعِ اليهود والنصارى الذي لُعِنُوا بسببه ، وحذّرنا النبيّ منه .
أما القول بأن ثبتت ولادة الصحابي الجليل حكيم بن حزام رضي الله عنه في جوف الكعبة.
فبعيد جدًا لمن له دراية واطلاع على كتب الحديث والسنة .
وأما أنه يُروى ، فنعم قد روي هذا ولكنه لم يثبت .
فأصل ذلك مأخوذٌ عن اثنين :
مصعب بن عثمان بن مصعب بن عروة بن الزبير بن العوام ؟!
و مصعب بن عبد الله بن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير بن العوام ؟!
أمّا مصعب بن عثمان فلم أقف له على ترجمة أصلاً .
وأما مصعب بن عبدالله فهو ثقة توفي عام 236 هـ .
وكلاهما متأخر الطبقة جدًا عن حكيم بن حزام الذي ولد قبل عام الفيل ؟!! وقبل ولادة النبي بحوالي 13 سنة ؟!!!
ولم يسندا القصّة لنعلم عمّن أخذاها ، أو من حدثهما بها .
وقد ذكرها عن مصعب بن عثمان : الزبير بن بكار في (جمهرة نسب قريش) ( ص 77) وعنه الفاكهي في (أخبار مكة) (2036) وابن عساكر (15/ 99) .
وذكرها عن مصعب بن عبدالله : الحاكم في (المستدرك) (6044) .
وكل من ترجم لحكيم بن حزام وذكر قصة ولادته في الكعبة فعن أحدهما أخذها .
وهذا لا يصحّ إطلاقًا في علم الحديث ، فهو إنما يُذكر ليُعرَفَ ويُعلَم ما قيل فيه ، لا أن يُعتَمَدَ ويُثبَتَ .
ثم إنّ مخاض المرأة وما ينزل عليها من الدم نجسٌ عند العلماء ، واللهُ قد طهّر بيته عن ذلك .
فهذا وجهٌ آخر لاستبعادِ صحّتها .
والله تعالى أعلم .
المصدر: موقع شبكة مشكاة الإسلامية، وموقع ملتقى أهل الحديث بواسطة أبي معاوية البيروتي.