حكم الاحتفال بالمولد النبوي عند علماء المالكية
جمع وإعداد: أبو عبد الرحيم الأثري
جمع وإعداد: أبو عبد الرحيم الأثري
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذه طائفة من أقوال علمائنا المالكية في حكم الاحتفال بالمولد النبوي, يعرف من خلالها المنصف المتجرد من الهوى أن هذا الاحتفال بدعة منكرة عند المحققين من العلماء المالكية, وأن من يستحسن هذه البدعة إنما يفعل ذلك اتباعًا للهوى، وإرضاءً لعامة الناس على حساب الدين.
وفي هذه النقول كذلك ردٌّ على من رمى المنكرين للبدع "بالوهابية"، فهل يقال لهؤلاء العلماء الأجلاء وهابية؛ لأنهم أنكروا بدعة المولد. وليعلم القارئ أن المتأخرين من المالكية ألحقوا بمذهب مالك استحسانات ليس عليها دليل, مما لو سمعها الإمام مالك لتبرأ منها، كيف لا وهو المعروف بشدة تمسكه بالسُّنَّة والأثر، ونبذه لما لم يكن عليه العمل في القرون المفضلة, فنسأل الله الهداية والثبات:
* قال العلامة تاج الدين عمر بن علي اللخمي الإسكندراني المشهور بـ(الفاكهاني 734هـ) في رسالته في المولد المسماة بـ(المورد في عمل المولد ص20-21): "لا أعلم لهذا المولد أصلاً في كتاب ولا سنة، ولا ينقل عمله عن أحد من علماء الأمة، الذين هم القدوة في الدين، المتمسكون بآثار المتقدمين، بل هو بِدعة أحدثها البطالون، وشهوة نفسٍ اغتنى بها الأكالون، بدليل أنَّا إذا أدرنا عليه الأحكام الخمسة قلنا:
إما أن يكون واجبًا، أو مندوبًا، أو مباحًا، أو مكروهًا، أو محرمًا. وهو ليس بواجب إجماعًا، ولا مندوبًا؛ لأن حقيقة الندب: ما طلبه الشرع من غير ذم على تركه، وهذا لم يأذن فيه الشرع، ولا فعله الصحابة، ولا التابعون، ولا العلماء المتدينون -فيما علمت-، وهذا جوابي عنه بين يدي الله إن عنه سُئلت. ولا جائز أن يكون مباحًا؛ لأن الابتداع في الدين ليس مباحًا بإجماع المسلمين. فلم يبق إلا أن يكون مكروهًا، أو حرامًا".
ثم صوَّر الفاكهاني نوع المولد الذي تكلم فيه بما ذكرنا بأنه: "هو أن يعمله رجل من عين ماله لأهله وأصحابه وعياله، لا يجاوزون في ذلك الاجتماع على أكل الطعام، ولا يقترفون شيئًا من الآثام، قال: "فهذا الذي وصفناه بأنه بدعة مكروهة وشناعة، إذ لم يفعله أحد من متقدمي أهل الطاعة، الذين هم فقهاء الإسلام وعلماء الأنام، سُرُجُ الأزمنة وزَيْن الأمكنة".
*ومن علماء المالكية الشيخ الإمام المحقِّق أبو إسحاق الشاطبي -رحمه الله- 790هـ)، قال في بعض فتاواه: "...فمعلوم أن إقامة المولد على الوصف المعهود بين الناس بدعة محدثة، وكل بدعة ضلالة,؛ فالإنفاق على إقامة البدعة لا يجوز، والوصية به غير نافذة، بل يجب على القاضي فسخه". فتاوى الشاطبي ص203، 204.
* قال العلامة ابن الحاج المالكي -رحمه الله- في (المدخل 2/312): "فإن خلا -أي عمل المولد- منه -أي من السماع- وعمل طعامًا فقط، ونوى به المولد، ودعا إليه الإخوان, وسلم من كل ما تقدم ذكره -أي من المفاسد- فهو بدعة بنفس نيته فقط؛ إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، واتّباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه؛ لأنهم أشد الناس اتباعًا لسنة رسول الله ، وتعظيمًا له ولسنته ، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبعٌ، فيسعنا ما وسعهم... إلخ".
وقال كذلك: "وبعضهم -أي المشتغلين بعمل المولد- يتورع عن هذا -أي سماع الغناء وتوابعه- بقراءة البخاري وغيره عوضًا عن ذلك، هذا وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير، لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي لا بنية المولد، ألا ترى أن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى، ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذمومًا مخالفًا، فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها".
* ومن علماء المالكية المتأخِّرين بمصر الشيخ المفتي محمَّد عليش المالكي، من علماء الأزهر وكبار فقهاء المالكية في زمانه من نحو قرن، قال في كتابه (فتح العلي المالك): "عمل المولد ليس مندوبًا، خصوصًا إن اشتمل على مكروه، كقراءة بتلحين أو غناء، ولا يسلم في هذه الأزمان من ذلك وما هو أشدّ".
* ومن علماء المالكية المعتمدين في مغربنا الشيخ البناني، فذكر أنَّ من أنواع الوصيَّة بالمعصية إقامة المولد على الوجه الذي كان يقع عليه في زمانه كاختلاط الرجال بالنساء، وغير ذلك من المحرَّمات، فماذا لو رأى زماننا؟! وعبارته: "أَوْ يُوصِيَ بِإِقَامَةِ مَوْلِدٍ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَقَعُ فِي هَذِهِ الأَزْمِنَةِ مِنْ اخْتِلاطِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَالنَّظَرِ لِلْمُحَرَّمِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْمُنْكَرِ". انظر: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير (19/390).
* ومن علماء المالكيَّة الإمام العلامة الأستاذ أبو عبد الله الحفَّار قال: "وليلة المولد لم يكن السلف الصالح وهم أصحاب رسول الله والتابعون لهم يجتمعون فيها للعبادة, ولا يفعلون فيها زيادة على سائر ليالي السنة,؛ لأن النبي لا يعظَّم إلا بالوجه الذي شرع فيه تعظيمه, وتعظيمه من أعظم القرب إلى الله, لكن يتقرب إلى الله Y بما شرع.
والدليل على أن السلف الصالح لم يكونوا يزيدون فيها زيادة على سائر الليالي أنهم اختلفوا فيها, فقيل إنه ولد في رمضان، وقيل في ربيع, واختلف في أي يوم ولد فيه على أربعة أقوال, فلو كانت تلك الليلة التي ولد في صبيحتها تحدث فيها عبادة بولادة خير الخلق , لكانت معلومة مشهورة لا يقع فيها اختلاف، ولكن لم تشرع زيادة تعظيم... ولو فتح هذا الباب لجاء قوم فقالوا: يوم هجرته إلى المدينة يوم أعز الله فيه الإسلام فيجتمع فيه ويتعبد, ويقول آخرون: الليلة التي أسري به فيها حصل له من الشرف ما لا يقدر قدره, فتحدث فيها عبادة, فلا يقف ذلك عند حدٍّ. والخير كله في اتباع السلف الصالح الذين اختارهم الله له, فما فعلوا فعلناه، وما تركوا تركناه, فإذا تقرر هذا ظهر أن الاجتماع في تلك الليلة ليس بمطلوب شرعًا, بل يؤمر بتركه". المعيار المعرب للونشريسي (7/99-100) ط دار الغرب الإسلامي.
* الشيخ محمد رشيد رضا -رحمه الله- قال: "هذه الموالد بدعة بلا نزاع، وأول من ابتدع الاجتماع لقراءة قصة المولد أحد ملوك الشراكسة بمصر" (المنار 17/111).
المصدر: قصة إسلام