التحذير من بعض المؤرِّخين وبعض كتب التأريخ
لعدنان البخاري
بسم الله الرحمن الرحيم
لعدنان البخاري
بسم الله الرحمن الرحيم
(1): المسعودي (صاحب مروج الذهب وغيرها من الكتب):
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج (4/84) : (( ... وفي تاريخ المسعودي من الأكاذيب ما لا يحصيه إلاَّ الله تعالى ، فكيف يوثقُ بحكايةٍ منقطعةِ الإسناد ، في كتابٍ قد عرِفَ بكثرة الكذِب ... )).
______________________________ _________
(2) : يوسف بن قز أوغلي ، سبط ابن الجوزي ، (صاحب مرآة الزمان وغيرها من الكتب):
* قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في المنهاج (4/97-98) : (( ... فهذا الرجل يذكر في مصنَّفاته أنواعاً من الغثِّ والسمين ، ويحتجُّ في أغراضه بأحاديث كثيرةٍ ضعيفةٍ وموضوعة.
وكان يصنِّفُ بحسبِ مقاصد الناس ، يصنِّف للشيعة ما يناسبهم ، ليعوِّضوه بذلك .
ويصنِّف على مذهب أبي حنيفة لبعض الملوك ، لينال بذلك أغراضه .
فكانت طريقته طريقة الواعظ الذي قيل له : ما مذهبك ؟
قال : في أي مدينةٍ ؟
ولهذا يوجدُ في كتبه ثلبُ الخلفاء الراشدين وغيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم ؛ لأجل مداهنة من قصد بذلك من الشيعة .
ويوجد في بعضها تعظيم الخلفاء الراشدين وغيرهم )).
قال الإمام الذَّهبي في الميزان (4/471): «يوسف بن قزغلي، الواعظ المؤرِّخ، شمس الدِّين، أبو المظفَّر، سبط ابن الجوزي.
روى عن جدِّه وطائفة، وألَّف كتاب مرآة الزَّمان، فتراه يأتي فيه بمناكير الحكايات، وما أظنه بثقةٍ فيما ينقله، بل يجنف ويجازف، ثم إنَّه ترفَّض، وله مؤلَّف في ذلك، نسأل الله العافية.
مات سنة أربع وخمسين وستمائة بدمشق.
قال الشيخ محيي الدين اليونيني: لما بلغ جدِّي موت سبط ابن الجوزى قال: لا رحمه الله، كان رافضيًّا.
قلت: كان بارعًا في الوعظ ومدرِّسًا للحنفيَّة».
قال الحافظ ابن حجر في اللِّسان (8/565): «وقد عظَّم شأن مرآة الزَّمان القطب اليونيني فقال في الذَّيل الذي كتبه بعدها بعد أن ذكر التواريخ قال: فرأيت أجمعها مقصداً وأعذبها موردًا وأحسنها بيانًا وأصحها روايةً، تكاد جنة ثمرها تكون عياناً = مرآة الزمان,
وقال في ترجمته: كان له القبول التَّام عند الخاص والعام، من أبناء الدنيا وأبناء الآخرة.
ولما ذكر أنَّه تحول حنفيًّا لأجل المعظَّم عيسى قال: إنَّه كان يعظِّم الإمام أحمد، ويتغالى فيه، وعندي أنَّه لم ينقل عن مذهبه إلَّا في الصُّورة الظَّاهرة..
وقد اتَّهمه الحافظ زين الدِّين ابن رجب..
قال ابن رجب: وأبوالمظفَّر [يعني المترجَمِ له] ليس بحُجَّةٍ فيما ينقله».
قلت: كلام ابن رجب في الذيل على الطبقات (1/446).
______________________________ ____
(3) : ابن بطُّوطة ( الرَّحَّالة المشهور ) :
قال العلاَّمة ابن خلدون رحمه الله في مقدِّمة تأريخه ديوان المبتدأ والخبر (ص/227) : (( ورد بالمغرب لعهد السلطان أبي عنان من ملوك بني مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بابن بطوطة كان رحل منذ عشرين سنة قبلهما إلى المشرق ، وتقلَّب في بلاد العراق واليمن والهند ، ودخل مدينة دهلي حاضرة ملك الهند وهو السلطان محمد شاه ، واتصل بملكها لذلك العهد وهو فيروزجوه ، وكان له منه مكان ، واستعمله في خطه القضاء بمذهب المالكية في عمله ، ثم انقلب إلى المغرب ، واتصل السلطان أبي عنان .
وكان يحدِّث عن شأن رحلته وما رأى من العجائب بممالك الأرض .
وأكثر ما كان يحدث عن دولة صاحب الهند ، ويأتي من أحواله بما يستغربه السامعون !
مثل أن ملك الهند إذا خرج إلى السفر أحصى أهل مدينته من الرجال والنساء والولدان وفرض لهم رزق ستة أشهر ، تدفع لهم من عطائه .
وأنه عند رجوعه من سفره يدخل في يوم مشهود يبرز فيه الناس كافة إلى صحراء البلد ويطوفون به وينصب أمامه في ذلك الحقل منجنيقات على الظهر ترى بها شكائر الدراهم والدنانير على الناس إلى أن يدخل إيوانه ، وأمثال هذه الحكايات .
فتناحى الناس بتكذيبه .
ولقيت أيامئذ وزير السلطان فارس بن وردار البعيد الصيت ففاوضته في هذا الشأن ، وأريته إنكار أخبار ذلك الرجل ، لما استفاض في الناس من تكذيبه ، ... الخ )) .
وقال الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى في شرحه لنونية ابن القيم (1/497-498) : (( وكذلك شيخ الاسلام ابن تيمية ، فلا يخفى ما افتروه عليه ورموه به من الإفك ، وجعلوه يقول بالتجسيم ، وحاشاه .
وذكر ابن بطوطة في رحلته المشهورة قال : ( وكان دخولي لبعلبك عشية النهار وخرجت منها بالغدو لفرط اشتياقي إلى دمشق ، وصلت يوم الخميس ( التاسع ) من شهر رمضان المعظم ، عام ( ست وعشرين وسبعمائة ) إلى مدينة دمشق الشام ، فنزلت فيها بمدرسة المالكية المعروفة بالشرابيشية ) .
- إلى أن قال [ يعني : ابن بطوطة ] : - ( وكان بدمشق من كبار الفقهاء الحنابلة تقي الدين ابن تيمية كبير الشام يتكلم في الفنون ) .
- إلى أن قال [ يعني : ابن بطوطة ] : - فحضرته يوم الجمعة وهو يعظ الناس على منبر الجامع ويذكرهم ، فكان من جملة كلامه [ يعني ابن تيمية ] أن قال : إن الله ينزل إلى سماء الدنيا كنزولي هذا ، ونزل درجة من المنبر ، فعارضه فقيه مالكي يعرف بابن الزهراء ... - إلى آخر ما هذى به ابن بطوطة .
أقول [ يعني : الشيخ أحمد بن إبراهيم بن عيسى ] : واغوثاه بالله من هذا الكذب ، الذي لم يخف الله كاذبه ، ولم يستحي مفتريه ، وفي الحديث : ( إذا لم تستح فاصنع ما شئت) .
ووضوح هذا الكذب أظهر من أن يحتاج الى الإطناب ، والله حسيب هذا المفتري الكذاب ، فإنه ذكر أنه دخل دمشق في 9 رمضان سنة 726 !
وشيخ الاسلام ابن تيمية إذ ذاك قد حبس في القلعة ، كما ذكر ذلك العلماء الثقات ، كتلميذه الحافظ محمد بن أحمد بن عبد الهادي ، والحافظ ابي الفرج عبد الرحمن بن أحمد بن رجب في طبقات الحنابلة .
قال فى ترجمة الشيخ من طبقاته المذكورة : مكث الشيخ في القلعة من شعبان سنة ست وعشرين إلى ذي القعدة سنة ثمان وعشرين .
وزاد ابن عبد الهادي : أنه دخلها في سادس شعبان .
فانظر إلى هذا المفتري ، يذكر أنه حضره وهو يعظ الناس على منبر الجامع !
فياليت شعري ! هل انتقل منبر الجامع إلى داخل قلعة دمشق ؟!
فانظر كلام تلامذته ، وغيرهم من العارفين بحاله - أهل الورع والامانة والديانة - يتَّضح لك كذب هذا المغربي ، عامله الله بما يستحق .
والله أعلم .
وكم كذبوا عليه وبهتوه ، وقوَّلوه أشياء هو بريء منها )) .
* تنبيه :
ليس المقصود من ذكر كذَبة المؤرِّخين أنَّ كلَّ أو أكثر ما أرَّخوه كذبٌ .
بل المراد الحذر من نقولهم المنكرة وما يتفرَّدون به من الغرائب ، ومنها : ما أشار إليه العلاَّمة ابن خلدون رحمه الله .
وإلاَّ فهذا الواقدي وما يُروى من جهته ، وحاله حاله !
أما أنهم كذَبة لأجل أنه ثبت كذبهم مستفيضاً من وجوهٍ متعددة وفي أخبار متغايرة أولم يثبت ذلك =فليس ذلك طلبنا .
إنما من ثبت كذبه مرَّةً فقد أبان لنا عورته فوجب الحذرُ منه ( كما قيل عن المدلِّس ) .
ثم لا يعنينا كثيراً كونه كذب في كلِّ خبره صريحاً أو ( بالمبالغات والتهويلات ) ، أو كان يكذب الشيء بعد الشيء .
(4): الشِّهرستاني:
* قال الإمام أبوالعباس أحمد بن عبدالحليم بن تيمية رحمه الله في منهاج السنة (6/300-307) :
" ما ينقله الشهرستاني، وأمثاله من المصنفين في الملل والنحل, عامته مما ينقله بعضهم عن بعض , وكثير من ذلك لم يحرر فيه أقوال المنقول عنهم, ولم يذكر الإسناد في عامة ما ينقله.
بل هو ينقل من كتب من صنف المقالات قبله.
مثل أبي عيسى الورَّاق، وهو من المصنفين للرافضة, المتهمين في كثير مما ينقلونه .
ومثل أبي يحيى وغيرهما من الشيعة .
وينقل أيضا من كتب بعض الزيدية والمعتزلة الطاعنين في كثير من الصحابة .
ولهذا تجد نقل الأشعري أصحّ من نقل هؤلاء , لأنه أعلم بالمقالات , وأشد احترازا من كذب الكذابين فيها .
مع أنه يوجد في نقله , ونقل عامة من ينقل المقالات بغير ألفاظ أصحابها ، ولا إسناد عنهم =من الغلط ما يظهر به الفرق بين قولهم وبين ما نقل عنهم .
حتى في نقل الفقهاء بعضهم مذاهب بعض , فإنه يوجد فيها غلط كثير , وإن لم يكن الناقل ممن يقصد الكذب.
بل يقع الغلط على من ليس له غرض في الكذب عنه , بل هو معظم له أو متبع له .
وكثير من الناقلين ليس قصده الكذب , لكن المعرفة بحقيقة أقوال الناس من غير نقل ألفاظهم وسائر ما به يعرف مرادهم = قد يتعسر على بعض الناس , ويتعذر على بعضهم .
ثم إن غالب كتب أهل الكلام والناقلين للمقالات ينقلون في أصول الملل والنحل من المقالات ما يطول وصفه .
ونفس ما بعث الله به رسوله, وما يقوله أصحابه والتابعون لهم في ذلك الأصل , الذي حكوا فيه أقوال الناس =لا ينقلونه .
لا تعمداً منهم لتركه , بل لأنهم لم يعرفوه , بل ولا سمعوه , لقلَّة خبرتهم بنصوص الرسول وأصحابه والتابعين .
وكتاب المقالات للأشعري أجمع هذه الكتب وأبسطها , وفيه من الأقوال وتحريرها ما لا يوجد في غيرها .
وقد نقل مذهب أهل السنة والحديث بحسب ما فهمه وظنه قولهم, وذكر أنه يقول بكل ما نقله عنهم.
وجاء بعده من أتباعه - كابن فورك- من لم يعجبه ما نقله عنهم, فنقص من ذلك وزاد .
مع هذا .. فلكون خبرته بالكلام أكثر من خبرته بالحديث ومقالات السلف وأئمة السنة =قد ذكر في غير موضع عنهم أقوالا في النفي والإثبات لم تنقل عن أحد منهم أصلا مثل ذلك الإطلاق, لا لفظا ولا معنى.
بل المنقول الثابت عنهم يكون فيه تفصيل في نفى ذلك اللفظ والمعنى المراد وإثباته .
وهم منكرون الإطلاق الذي أطلقه من نقل عنهم, ومنكرون لبعض المعنى الذي أراده بالنفي والإثبات.
والشهرستاني قد نقل في غير موضع أقوالاً ضعيفة , يعرفها من يعرف مقالات الناس , مع أن كتابه أجمع من أكثر الكتب المصنفة في المقالات وأجود نقلا , لكن هذا الباب وقع فيه ما وقع .
ولهذا لما كان خبيراً بقول الأشعرية وقول ابن سينا ونحوه من الفلاسفة , كان أجود ما نقله قول هاتين الطائفتين .
وأما الصحابة والتابعون وأئمة السنة والحديث , فلا هو ولا أمثاله يعرفون أقوالهم .
بل ولا سمعوه على وجهها بنقل أهل العلم لها بالأسانيد المعروفة , وإنما سمعوا جملا تشتمل على حق وباطل.
ولهذا إذا اعتبرت مقالاتهم الموجودة في مصنفاتهم الثابتة بالنقل عنهم, وجد من ذلك ما يخالف تلك النقول عنهم.
وهذا من جنس نقل التواريخ والسير ونحو ذلك من المرسلات والمقاطيع وغيرهما , مما فيه صحيح وضعيف ...
وأما قوله - [يعني: ابن المطهر ] -: (( إن الشهرستاني من أشدِّ المتعصبين عل الإمامية )).
فليس كذلك, بل يميل كثيراً إلى أشياء من أمورهم , بل يذكر أحيانا أشياء من كلام الإسماعيلية الباطنية منهم ويوجهه .
ولهذا اتهمه بعض الناس بأنه من الإسماعيلية, وإن لم يكن الأمر كذلك .
وقد ذكر من اتهمه شواهد من كلامه وسيرته .
وقد يقال: هو مع الشيعة بوجه , ومع أصحاب الأشعري بوجه .
وقد وقع في هذا كثير من أهل الكلام والوعاظ, وكانوا يدعون بالأدعية المأثورة في صحيفة علي بن الحسين, إن كان أكثرها كذبا على علي ابن الحسين.
وبالجملة .. فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة , إما بباطنه وإما مداهنة لهم , فإن هذا الكتاب كتاب "الملل والنحل"- صنفه لرئيس من رؤسائهم , وكانت له ولاية ديوانية .
وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له .
وكذلك صنف له كتاب"المصارعة" بينه وبين ابن سينا, لميله إلى التشيع والفلسفة .
وأحسن أحواله أن يكون من الشيعة , إن لم يكن من الإسماعيلية , أعنى المصنَّف له .
ولهذا تحامل فيه للشيعة تحاملا بينا.
وإذا كان في غير ذلك من كتبه يبطل مذهب الإمامية , فهذا يدل على المداهنة لهم في هذا الكتاب لأجل من صنفه له...".
وبالله تعالى التوفيق
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المصدر: موقع الالوكةوصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
http://majles.alukah.net/showthread.phpt=218