ملخص
الصارم المسلول
على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم
تأليف : شيخ الإسلام ابن تيمية ت 728 هـ
اختصار : محمد بن علي البعلي الحنبلي ت 778 هـ
تلخيص د . محمد بن صامل السلمي
استاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى
الصارم المسلول
على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم
تأليف : شيخ الإسلام ابن تيمية ت 728 هـ
اختصار : محمد بن علي البعلي الحنبلي ت 778 هـ
تلخيص د . محمد بن صامل السلمي
استاذ التاريخ الإسلامي بجامعة أم القرى
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وخاتم المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد :فما أشبه الليلة بالبارحة ، ففي هذه السنوات نشر الإعلام الغربي وخاصة الدانماركي رسوماً مسيئة للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد واجهها المسلمون بحماس واستنكار ومقاطعة للبضائع والشركات الدانمركية . وعلى إثر ذلك قامت مؤسسات ومنظمات دعوية تهتم بنشر علوم السيرة والسنة النبوية وتعريف عموم الناس بها ، كما تتولى الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم بالوسائل المشروعة والمناسبة ، وهذا من المنح التي تتولد من المحن ، وهو من نصر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم وحفظ عرضه . ومع الأسف فقد أعيد في عام 1429هـ الموافق 2008م نشر الرسوم وزيادة مع عرض أفلام تحمل إساءات وسباً ، حيث قد تراخى المسلمون في موضوع المقاطعة ، وخرجت آراء وبيانات تدعوا لتركها مما جرأ القوم مرة أخرى .
وفي عصر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله المتوفى سنة 728هـ ، وقعت حادثة مشابهة في سنة 693هـ[1] وهي : أن رجلا من أهل بلدة السويداء بالشام يدعى ؛ عَسّاف النصراني ، شهد عليه جماعة أنه سَب النبي صلى الله عليه وسلم ، فقام في ذلك الشيخ تقي الدين ابن تيمية ، والشيخ زين الدين الفارقي شيخ دار الحديث بدمشق ، ودخلا على الأمير عز الدين أيبك الحموي ، نائب السلطنة ، وكلماه في أمره، وقد استجار عَسّاف النصراني ببعض أمراء العشائر العربية ، ولم يُقَمْ عليه الحدّ ، ثم إنه أعلن إسلامه ، ولحق بعد ذلك ببلاد الحجاز ، ثم قتل على يد ابن أخيه قرب المدينة النبوية .
وبسبب هذه الحادثة ألف شيخ الإسلام كتابه : الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم . ليوضح الأحكام المترتبة على سَبّ الرسول e وشتمه ، وهو أدنى ماله صلى الله عليه وسلم من الحق علينا ، وأنه لابد من إقامة الحد على السابّ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، و لا يجوز إجارته والدفاع عنه ، وهو كتاب كبير وعميق على عادة شيخ الإسلام رحمه الله وسعة علمه ، وفيه استطرادات ومناقشات وبحوث في مسائل كثيرة .
eوقد قام تلميذ الشيخ ابن تيمية ، العلامة محمد بن علي البعلي الحنبلي المتوفى سنة 778هـ باختصار الكتاب ليقرب مسائله للقراء ، وقد طبع كتاب البعلي [2].كما طبع أصله : الصارم المسلول على شاتم الرسول e عدة طبعات [3].
وقد رأيت أن الخص المختصر في هذه الورقات المعدودة ، ليسهل على العامة قراءته وإدراك مسائله، إسهاماً مني في الدفاع عن جناب النبي صلى الله عليه وسلم ، وتعريفاً للقراء الكرام بهذه المسألة المهمة ، وتحذيراً لهم من الوقوع في شيء من السب أو الانتقاص للرسول صلى الله عليه وسلم ، حيث يقع في وسائل الإعلام ، ومن بعض جهلة المسلمين الغمز لشخصه صلى الله عليه وسلم، أو لِسُنّتِة وشريعته ، جهلاً منهم وعدم إدراك لخطورة هذا الأمر على إسلام المرء وعقيدته .
التلخيص :
قال المؤلف : إن الله أرسل نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وهدانا به ، وأخرجنا به من الظلمات إلى النور ، وآتانا ببركة رسالته ويمن سفارته خير الدنيا والآخرة . والمتعرض لجنابه الرفيع يجب بيان حكمه وما يجب عليه من النكال .
ويجب على كل أحد القيام بالواجب الشرعي تجاهه ، وهو مرتب على أربع مسائل :
المسألة الأولى :
(( أن من سَبّه صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر فإنه يجب قتله )) هذا مذهب عامة العلماء قال ابن المنذر : أجمع العلماء على أن من سَبّه صلى الله عليه وسلم عليه القتل ، قاله مالك والليث وأحمد وإسحاق والشافعي ، وحُكِي عن أبي حنيفة لا يقتل الذمي ) [4]
قال ابن تيمية : وهذا الإجماع محمول على إجماع الصدر الأول من التابعين والصحابة ، أو أنه أراد إجماعهم على وجوب قتله إذا كان مسلماً ، بهذا قيده القاضي عياض[5] .
قال: وتحرير القول أن السابّ المسلم يقتل بلا خلاف ، وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم . وإذا كان ذمياً قُتِل عند مالك وأهل المدينة ، وهو مذهب أحمد وفقهاء الحديث نص عليه أحمد في مواضع متعدده وقال : لا يستتاب وينتقض عهده . وكذا الشافعي المنصوص عنه أنه ينتقض العهد بالسبّ وأنه يقتل [6].
والدليل على وجوب قتل السابّ لله أو رسوله أو دينه أو كتابه ونقض عهده إن كان ذمياً الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والتابعين والاعتبار.
أما الكتاب : فالآيات كثيرة منها قوله تعالى : (وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ) (التوبة : 12 ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً) (الأحزاب : 57 ) يوضح ذلك قوله r ( من لكعب بن الأشرف فإنه قد أذى الله ورسوله ) متفق عليه[7]
وقال تعالى ( وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيماً) (الأحزاب : 53 ) فحرم على الأمة أن تنكح أزواجه من بعده ، لأنه يؤذيه ، ومن نكح أزواجه أو سراريه عقوبته القتل جزاءً له بما أنتهك من حرمته صلى الله عليه وسلم ، والشاتم له أولى ، ويدل على قتل من نكح أزواجه أو سراريه ما في صحيح مسلم[8] عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً كان يتهم بأم ولد النبي r فأمر علياً أن يضرب عنقه ، فأتاه علي فإذا هو في ركي ( بئر ) يتبرد فقال له : أخرج ، فتناول يده فأخرجه فإذا هو مجبوب ليس له ذكر ) فكف عنه علي رضي الله عنه ثم أتى النبي r فقال له إنه مجبوب ماله ذكر )
أما السنة فأحاديث كثيرة أيضاً منها :
1- حديث ابن عباس رضي الله عنه أن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وسلم وتقع فيه فأخذ المغول آله حادة ووضعه في بطنها وأتكأ عليها فقتلها ، ثم ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فأهدر دمها ) رواه أبو داود والنسائي [9] واستدل به أحمد .
2- قصة قتل كعب بن الأشرف وهي في الصحيحين وقد سبق الإشارة إليها قريباً .
3- حديث القينتين اللتين كانتا تغنيان بهجاء النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهما يوم فتح مكة ، وهو أمر مشهور عند أهل السير و المغازي ، ذكره محمد بن عائذ ، ومحمد بن إسحاق ، وعبد الله بن حزم الأنصاري ، وغيرهم .
وأما إجماع الصحابة رضي الله عنهم فقد نُقِل ذلك في قضايا متعددة منتشرة مستفيضة ، ولم ينكرها أحد منهم ، فصارت إجماعاً .
قال شيخ الإسلام : واعلم أنه لا يمكن إدعاء إجماع الصحابة على مسألة فرعية بأبلغ من هذه الطريقة .
ثم ذكر وقائع عن أبي بكر ، وعمر ، وخالد ، وعمرو بن العاص . انظر: الصفحات ( 78 81 )
وأما الاعتبار فمن وجوه :
1- أن عيب ديننا وشتم نبينا محاربة لنا ، فكان نقضاً لمن له عهد كالمحاربة باليد .
2- أن الله فرض علينا تعزير رسوله وإجلاله وتوقيره ونصره وذلك يوجب صون عرضه ومنع سَبّه .
3- أن إقرار أهل الذمة على دينهم لا يستلزم إقرارهم على ما فيه ضرر على المسلمين ، وإظهار السبِّ للنبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الضرر والأذى للمسلمين . انظر الصفحات (82 85 )
المسألة الثانية :
( أن سابّ النبي صلى الله عليه وسلم الذمي يتعين قتله ولا يجوز استرقاقه ولا المنّ عليه و لا فداؤه ) الساب للنبي صلى الله عليه وسلم من المعاهدين وأهل الذمة يتعين قتله سواء كان رجلاً أو امرأة عند عامة الفقهاء من السلف ومن تبعهم ، ولقتله مأخذان :
أحدهما : انتقاض عهده
والثاني : أنه حَدّ من الحدود .
قال إسحاق بن راهويه : إن أظهروا السب قُتِلوا ، وأخطأ من قال ما هم عليه من الشرك أعظم من سب النبي صلى الله عليه وسلم. وقال : يقتلون لأنه نقض للعهد . كذلك فعل عمر بن عبد العزيز . وقد قتل ابن عمر الراهب الذي سب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ما على هذا صالحناهم )) فشاتم الرسول صلى الله عليه وسلم يتعين قتله ، كما نص عليه الأئمة ، إما نقضاً للعهد ، أوحداً .
انظر الصفحات (86 89 )
المسألة الثالثة :
( في حكمه إذا تاب )
قال الإمام أحمد : كل من شتم النبي صلى الله عليه وسلم مسلماً كان أو كافراً فعليه القتل ، وأرى أن يقتل ولا يستتاب . وقد نص أنه مرتد إن كان مسلماً ، وأنه ناقض للعهد إن كان ذمياً .
وقال أبو يعلى : لا تقبل توبة من سَبّ النبي صلى الله عليه وسلم لأن المعرّة تلحق الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكذلك قال ابن عقيل ، وهو حق آدمي لم يعلم إسقاطه . وهذا مذهب عامة الأصحاب . ومذهب مالك كمذهبنا في المشهور عنه : أنه لا يقبل توبة المسلم إذا سَبّ ، وحكمه حكم الزنديق ، ويقتل عندهم حدّاً لا كفراً ، إذا أظهر التوبة . أما الذمي إذا سَب ثم أسلم ،فهل يدرأ عنه إسلامه القتل ؟ على روايتين ، ذكرهما القاضي عبد الوهاب المالكي.
أما مذهب الشافعية ؛ فلهم في الساب وجهان :
أحدها : هو كالمرتد إذا تاب سقط عنه القتل .
والثاني : أن حَدّه القتل بكل حال .
وعند أبي حنيفة : إن كان مسلماً يستتاب فإن تاب وإلا قتل ؛ وإن كان ذمياً لا ينتقض عهده .
وقد قرر شيخ الإسلام عدم قبول توبة الساب ، وذكر في الصارم المسلول ، سبعاً وعشرين طريقة من طرق الاستدلال على تحتم قتل الذمي والمسلم السابّ ؛ ثم أجاب عن الاحتجاجات والاعتراضات التي ذكرها المخالفون ( الصارم المسلول ص 373 512 ).
المسألة الرابعة :
( معنى السَبّ والفرق بينه وبين مجرد الكفر )
إذا ثبت أن كل سَبّ تصريحاً أو تلويحاً موجب للقتل ، فما هو السَّبُّ الموجب لهذا ؟
قال ابن تيمية : هذا الحكم نيط في الكتاب والسنة باسم أذى الله ورسوله ، وفي بعض الأحاديث ذُكِر الشتم والسب ، وكذلك في ألفاظ الصحابة والفقهاء ورد لفظ السب والشتم ، والاسم إذا لم يكن له حَدّ في اللغة ولا في الشرع فإنه يرجع في حَدّه إلى العرف فيجب أن يرجع حَدّ الأذى والسب والشتم إلى العرف ، فما عَدّه أهل العرف سباً أو تنقصاً أو عيباً أو طعناً ونحو ذلك فهو من السب ، وما لم يكن كذلك وهو كفر ، فهو كفر وليس بسبٍّ. و المعتبر أن يكون سباً وأذى للنبي r وإن لم يكن سباً وأذى لغيره ، فعلى هذا كل ما لو قيل لغير النبي r أوجب تعزيزاً أو حَدّاً بوجه من الوجوه ، فإنه من باب سب النبي r كالقذف واللعن وغيرهما .
وأما ما يختص بالقدح في النبوة ، فإن لم يتضمن إلا مجرد عدم التصديق بنبوته e ، فهو كفر محض.( أي ليس سباً ) وإن كان مع عدم التصديق بنبوته صلى الله عليه وسلم استخفاف واستهانة فهو من السب .
والذمي يجب التفريق بين مجرد كفره به صلى الله عليه وسلم وبين سَبِّه له ، فإن كفرَه به لا ينقض العهد، ولا يبيح الدم بالاتفاق . وأما سَبُّه فإنه ينقض العهد ويوجب القتل .
قال القاضي أبو يعلى : عقد الذمة يوجب إقرارهم على تكذيبه لا على سبه صلى الله عليه وسلم .
(انظر الصفحات 103-105)
وهذه أقوال الأئمة في معنى السب وحكمه .
قال الإمام الشافعي : كل تعريض فيه استهانة فهو سبُّ ؟
قال الإمام أحمد : كل من ذكر شيئاً يعرض بذكر الربّ فعليه القتل .
وقال القاضي عياض : كل من سبه أو عابه أو ألحق به نقصاً في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله ، أو عَرّض به ، أو شَبّهه بشيء على طريق السبّ له والإزراء عليه أو الغضّ منه والعيب له ، فهو سابّ له يقتل ، صدر منه ذلك تصريحاً أو تلويحاً .....إلى أن قال : وهذا كله إجماع من العلماء وأئمة الفتوى من الصحابة وهلُمّ جَرّا )
وقال ابن تيمية : ولا فرق في ذلك بين أن يقصد عيبه أو لا يقصده ،أو يهزل أو يمزح، فهذا كله سواء ، فإن الرجل يتكلم بالكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في النار أبعد ما بين المشرقين ). ( انظر الصفحات 98 101 )
فا لآثار عن الصحابة وعن السلف كلها مطلقة في من شتم من مسلم ومعاهد ، ولم يُفَصِّلوا بين شتم وشتم ، ولا بين أن يكرر الشتم أو لا يكرره ، أو يظهره أو لا يظهره .
وقال الإمام أحمد ، في رجل يهودي سمع مؤذناً يؤذن فقال : كذبت ، فقال : يقتل لأنه شتم )
وقال ابن القاسم المالكي : من قال ليس بنبي أو لم يرسل أو لم ينزل عليه قرآن ، وإنما هو شيء قاله ، يقتل . وإن قال : لم يرسل إلينا وإنما أرسل إلى المسلمين فلا شيء عليه .
انظر الصفحات ( 105 106 )
( فصل )
والحكم في سائر الأنبياء كالحكم في نبينا صلى الله عليه وسلم ، ولا ريب أن جرم سابّه أعظم من ساب غيره . ( ص 116 )
( فصل )
فأما سَبُّ أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن قذف عائشة رضي الله عنها بما برأها الله منه ، فقد كفر. حكى الإجماع عليه غير واحد . وذلك أنه مكذب بالقرآن .
وأما سب غيرها من أزواجه صلى الله عليه وسلم ؛ ففيه قولان :
أحدهما : أنه كسبِّ واحد من الصحابة رضي الله عنهم .
والثاني : أن من قذف واحدة من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ؛ فهو كفر كقذف عائشة رضي الله عنها ، وهو الصحيح . وذلك مراعاة لجناب النبي صلى الله عليه وسلم وعرضه. ( ص 116 )
( فصل )
من سب أحداً من الصحابة رضي الله عنهم فقد أطلق الإمام أحمد أنه يُنكّل به ، وقال : يعاقب ويجلد ويحبس حتى يموت أو يرجع عن ذلك . وهذا المشهور من مذهب مالك .
قال ابن تيمية : وقد قطع طائفة من الفقهاء بقتل من سبّ الصحابة رضي الله عنهم ، وكَفَّروا الرافضة ، وصرح بذلك كثير من أصحابنا .
ولفظ بعضهم : إن سَبّهم سباً يقدح في دينهم أو عدالتهم كفر . ونصره القاضي أبو يعلى، وإن كان سباً لا يقدح ، لم يكفر ، ومَثَّلَ لذلك بقوله : مثل وصف بعضهم ببخل ، أو جبن ، أو قلة علم ، أو عدم زهد ، ونحوه . ( ص 117 )
قال : فهذا يستحق التأديب والتعزيز ولاَ يكْفُر ، وعلى ذلك يحمل كلام من لم يكفرهم من العلماء .
قال : وبالجملة فمن أصناف السّابة من لا ريب في كفره ، ومنهم من لا يحكم بكفره ، ومنهم من يتردد فيه . ( ص 128 )
قال الإمام مالك عن الذين يسبون الصحابة : هؤلاء قوم أرادوا القدح في الرسول r فما أمكنهم ، فقدحوا في أصحابه حتى يقال : رجل سوء كان له أصحابُ سوء .
وقد جاء في الحديث الذي أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي ...... و من أبغضهم فقد أبغضني ، ومن آذاهم فقد آذاني ..........إلخ )[10]
ولا شك أن أذى الرسول صلى الله عليه وسلم كفر ، فمن كان على صحبته صلى الله عليه وسلم ومات على ذلك فإن أذاه أذى مصحوبه . وقد قال ابن مسعود : اعتبروا الناس بأخدانهم )) أي بأصحابهم .
قال شيخ الإسلام : فإذا كان شتمهم بهذه المثابة ، فأقل ما فيه التعزير ، وهذا مما لا نعلم فيه خلافاً بين أهل الفقه والعلم من أصحاب النبي e والتابعين لهم بإحسان .
وسائر أهل السنة والجماعة مجمعون على أن الواجب الثناءُ عليهم ، والاستغفار لهم ، والترحم عليهم، والترضي عنهم ، واعتقاد محبتهم وموالاتهم ، وعقوبة من أساء فيهم القول . ( ص 121 )
________________________________________
(1) أنظر الخبر عن الحادثة في البداية والنهاية لابن كثير ، حوادث سنة 693هـ ( 13 / 352 ) وفي الجامع لسيرة شيخ الإسلام ابن تيمية ، ص 406 و 407 .
(2) باسم : مختصر الصارم المسلول على شاتم الرسول e ، بتحقيق ، علي بن محمد العمران ، دار عالم الفوائد بمكة الطبعة الأولى 1422هـ على نفقة مؤسسة سليمان الراجحي الخيرية .
(3) طبع بتحقيق محمد محي الدين عبد الحميد ،كما طبع بتحقيق محمد الحلواني ومحمد شودري سنة 1417هـ عن دار رمادى للنشر.
(4) الإجماع : ص 76 .
(5) الشفا شرح الملا علي القاري 2 / 386
(6) الأم 4 / 208
(7) البخاري رقم ( 2510) ومسلم رقم ( 1801)
(8) حديث رقم ( 2771 ) .
(9) أبو داود حديث رقم 4361 والنسائي 7 / 107 قال ابن حجر في بلوغ المرام ( 2 / 138 ) ورواته ثقات .
(10) سنن الترمذي رقم ( 3862 ) وقال : حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وأخرجه أحمد في المسند 4 / 87 وفي فضائل الصحابة 1 / 49 . والحديث في إسناده ضعف .