قصيـدة غيرة بين أختين
للأديب الشاعر عبدالرحيم الحسيني البركاتي
للأديب الشاعر عبدالرحيم الحسيني البركاتي
سلام من الله ذي الإكرام أنشره =على وجوهٍ بدت علماً وأنواراً
وبعد الحمد لله والصلاة على مصطفاه ، هاهي الكلمات تتبلج مني تبلج البرق وتنهمر انهمار الودق وهي تخمل في طيّاتها طاقتين من الورود لعلها أن تنثر عبق نسيمها في الأرجاء ، أولاً : طاقة شكر وعرفان أقدمها إلى أمير هذا اللقاءأخي الفاضل الأستاذ الشريف إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير وذلك لدعوته لي للمشاركة مع هذا الحشد الكريم فأستنير بنوره :
في ليلة من ليالي الفخر يذكرها =كل لبيبٍ وكل عاقلٍ أربِ
وثانياً : طاقةٌ أدبية عنونتها بعنوان : ( غيرةٌ بين أختين )
ففي ذات يومٍ أخذتني رجلاي حتى وقفت أمام مرآتي ، فنظرت إلى نفسي وكأني أنظر إليها لأول مرة ، فأمعنت النظر وأمعنت ، حتى رأيت شيئاً عجبا ، إذ رأيت ضيفاً حل ، لكنه سرعان ما ذهب العجب ، فإن عرف السبب بطل العجب ، وما ذلك إلا لكونه قد آن أوانه وقد حان زمانه ، حينها عدت أدراجي آخذاً بزمام قلمي ، مفترشاً ورقتي قائلاً :
أبصرتُ نفسي على مرأةٍ أناظرها =كم قد هربتُ من رؤيايا في تيهي
كم قد ظننتُ بأنَّ الغدَّ مُرتدِياً =ثوباً حريراً وتِبراً في أياديْهِ
حتى نظرت إلى صاحب أبدى=وصالاً ما كنت يوماً راغباً فيه
فانشقَّ من ثوبِ الدُّجى نورُ طلعتِهِ =كأنَّه البرقَ في ليلٍ كاد يُرديْهِ
كأنَّه يأبى فراقي فيا أَسَفِي =مُتمتِمٌ بقولِ الحقِّ من فيْهِ
دُنياكَ يا صاحبي إن كنت راغبَها =ثوبٌ تُرقِّعهُ آهاتٌ فتُبلِيْهِ
دعْ ما وراءَك والليلَ البهيمَ وما بهِ =دعْ عنكَ كلَّ سؤالٍ سوف تُبديْهِ
ما يكتمُ المرءُ من سرٍّ فيُخفيهِ =فإنَّ غداً لبوَّاحٌ لماضيْهِ
لا تحسبَنَّ قلوبَ النّاسِ مُغلقةً =فكلُّ بابٍ لهُ مُفتاحٌ سيُعريْهِ
فالمرءُ يأملُ بعيشٍ راغِدٍ حَسَنٍ =ولا يظنُّ يوماً بأنَّ الهمَّ داعيْهِ
ما طالَ عُمْرُ الفتى إلا وأخبرَهُ =بأنَّ الذي قد مضى ليسَ بمُجدِيْهِ
ثم هاهي الأيام تتوالى وتتوالى حتى أقف مجدداً أمام مرآتي نفسها ، وكأنها أصبحت نهر شعري ، فرأيت شعرة بجوار أختها قد ابيضّت ، ولم تظهر بياضها إلا غيرة من أختها ، فلعلّها أن تنال ما نالت أختها فلم أردها خائبةً بل خاطبتها مرتجلاً :
مع أختها ظهرت من بعد معتركٍ شيبة عزٍّ أراها لا شيبة الكبر
ثم عدت لأكمل قصيدتها فقلت حينها :
الدهرُ يخبرُ ذا الألبابِ بالعبرِ=وذو الحماقةِ في أوحالهِ يجري
في كلِّ حينٍ عظاةٌ لا حصاةَ لها=فالدهرُ بحٌر وكلُّ السرِّ في البحرِ
هاقد وردتهُ في رابعِ العقدِ =وغرفتُ غرفةَ ظمآنٍ ولم أدرِ
وبقيتُ في ظمأٍ في حيرةٍ أُبدي=لهثَ الزمانِ وصمتاً خالطَ الجهرِ
صمتٌ عجزت اليومَ أفهمهُ=دنى صداهُ على من لاحَ في شَعْرِي
فمع أختها ظهرت من بعدِ معتركٍ =شيبةُ عزٍّ أراها لا شيبةَ الكِبَرِ
فهمتْ سكوتي ولم أفهمْ بوادرَها=هي التي حلّت عقودَ الصمتِ والسّرِّ
هي التي أروتْ عروقي بعد مجدبِها=فشربتُ دهري من ريقِها شهداً إلى السَّكْرِ
ونسيتُ سالفَ أيّامي مع كوادِرِها=وبقيتُ مع نفسي تيهانَ في أمري
ماذا بلغتُ وماذا أريدُ من أملٍ=بل كيفَ أكتبُ صفحاتٍ من العمري
فوجدتُ بي كتباً مملوءةً خلقاً =ممزوجةً أدباً محمودةَ الأثر
في كلِّ سطرٍ بها عزٌّ أدوّنهُ =بحبرِ آبائي حبرٌ من التّبرِ
أنا ابنُ شكرٍ يا سائلاً عنّي =وليس مثلي بمجهولٍ لدى الذِّكرِ
أما من معشرٍ نالوا العُلا قدماً =حتّى عَلَو في سماءِ الفضلِ كالقمرِ
من آلِ أحمدَ نعمَ الجدُّ جدُّهمُ=به سَمَو عمَّن سواهمْ دائمَ الدهرِ
وفي الختام لا يسعني سوى السلام فالسلام عليكم غاية وصالكم وغاية مجهود المقل سلام