• ×

ذكر بعض الرحلات الحجازية لعلماء مغاربة

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط

"ذكر بعض الرحلات الحجازية لعلماء مغاربة "

إنجاز: د. خالد بن احمد الصقلي
كلية الآداب ظهر المهراز
جامعة سيدي محمد بن عبد الله - فاس

جاء الإسلام استمرارا وختما للرسالات السماوية السابقة وبعث خير الأنام محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين بخير رسالة بما يضمن للفرد ويكفل للجماعة سعادة الدارين، ولقد بني الإسلام على أركان خمسة، ويتجسد آخر هذه الأركان في فريضة الحج لمن استطاع إليه سبيلا.
وفي المقابل سأبرز عناوين رحلات حجازية لعلماء مغاربة. وأستهل ذكر ذلك بالإشارة إلى أحداث مرتبطة بالكعبة بدءا بصلح الحديبية وانتهاء بحجة الوداع مع التذكير بكون الحج ظل معظما باستمرار عند المسلمين المغاربة كما هو الشأن بالنسبة لإخوانهم المشارقة.
ويقصد بالحج التوجه في أيام معلومات إلى البيت الحرام للنسك والعبادة[1].
ونجد أن أهم كتب الفقه الإسلامي تتحدث عن هذه الفريضة كما هو الشأن بالنسبة لكتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس[2].
وكما هو معلوم فمكة التي تقع في (وادي غير ذي زرع)[3] كما يقول الله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام، هي مقر ظهور الإسلام ومكان ازدياد محمد عليه الصلاة والسلام. وبدأ فيها نزول الوحي وبها تقع الكعبة المشرفة، وقضى بها محمد عليه الصلاة والسلام حوالي 13 سنة في تبليغ الدعوة الإسلامية ثم هاجر إلى يثرب التي قضى بها 10 سنين في مواصلة تبليغ هذه الدعوة، وفي تأسيس الدولة الإسلامية.
وتمدنا أهم مصادر التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية بأخبار تاريخية مهمة حول تاريخ الكعبة المشرفة خلال عهد البعثة النبوية . ونجد من نماذج ذلك كون محمد صلى الله عليه وسلم أراد خلال سنة 6 هـ أداء مناسك العمرة وولوج مكة ومنع من ذلك، وتمخض عن ذلك عقد صلح الحديبية، الذي نجد من بنوده الأربعة سماح قريش للمسلمين بأداء المناسك المذكورة عام 7 هـ.
وعقب صلح الحديبية نزلت سورة الفتح، ولقد أدى المسلمون مناسك العمرة في العام المذكور وهي التي تعرف بعمرة القضاء.
وخلال شهر رمضان سنة 8هـ تم فتح مكة على أيدي المسلمين بعد أن نقضت قريش أحد بنود الاتفاق السابق بمدها حليفتها قبيلة بني بكر بالمساعدة في حربها ضد حليفة المسلمين قبيلة خزاعة. وقام محمد صلى الله عليه وسلم بهدم 360 صنما كانت توجد بالكعبة وتعامل بتسامح مع سادة الكعبة. وكان فتح مكة بمثابة دق آخر مسمار في نعش عبادة الوثنية بأم القرى وتم بفضل هذا الفتح إقرار السلطة السياسية الإسلامية في ربوعها، كما نتج عنه عدة نتائج جد إيجابية على مسار تاريخ الإسلام نظرا لأهمية مكة اقتصاديا ودينيا.
وخلال سنة 9 هـ أرسل محمد صلى الله عليه وسلم أبا بكر لترأس الحجيج ودعاه بأن يدعوهم إلى إزالة كل ما تعودوا عليه في حجهم وهو مخالف للإسلام.
ومنذ وقتئذ كما يشير إلى ذلك قول الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا)[4]، منع على غير المسلمين ولوج مكة.
وخلال عام 10 هـ أدى محمد صلى الله عليه وسلم حجة الوداع التي تحدث عنها ابن حزم في كتاب خاص عنوانه: حجة الوداع، وكذلك ابن سعد في طبقاته، وابن هشام في السيرة النبوية، وابن الأثير في كتابيه: (الكامل في التاريخ) و (أسد الغابة) والمقريزي في (إمتاع الأسماع). وإن طريقة حجه عليه أفضل الصلاة والسلام هي التي يحتدى بها المسلمون في أداء مناسكهم، وتتحدث خطبتها النبوية التي دونها عمرو بن بحر الجاحظ في البيان والتبيين عن مجموعة من التعاليم الإسلامية التي دعا محمد صلى الله عليه وسلم إلى تطبيقها والعمل بمقتضاها.
وعندما نقوم بدراسة علاقة المغرب بالحجاز فنجد أنها ظلت باستمرار علاقة وطيدة[5].
ظل المغاربة على جميع المستويات يعظمون البقاع الطاهرة الموجودة في المملكة العربية السعودية الشقيقة. وظلت باستمرار الدولة المغربية وخاصة في عهد الدولة العلوية الشريفة تولي عناية للحجاج المغاربة والدليل على ذلك البعثات الصحية والإدارية والعلمية التي ترافق الحجاج المغاربة في عدة جوانب، وبعث الوفد الرسمي المغربي والتوجيهات الملكية السامية والخطبة الملكية السامية التي توجه سنويا إلى هؤلاء الحجاج ، ويضاف إلى ذلك توزيع مطبوعات خاصة من قبل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على الحجاج خاصة بفريضة الحج والزيارة. ويشكر لهذه الوزارة الموقرة اهتمامها بهؤلاء الحجاج منذ لحظة التوجه إلى الحرمين الشريفين إلى لحظة الرجوع إلى أرض الوطن.
وعندما نطلع في لوائح كتب المكتبات المغربية نجد كتبا خاصة برحلات علماء مغاربة إلى الحرمين الشريفين وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- ماء الموائد لأبي سالم عبد الله بن محمد العياشي المتوفى عام 1090 هـ/1679، يتحدث ضمنها عن رحلته إلى الحرمين الشريفين المرة الثالثة عام 1072هـ، وكان حج المرة الأولى عام 1059هـ، والمرة الثانية عام 1064هـ، ونشرت الرحلة في المطبعة الحجرية بفاس عام 1316 في سفرين من حجم وسط. وأعيد نشر الرحلة بالاوفسيط عن هذه الطبعة بالرباط عام 1397-1977م.
2- الرحلة الصغرى، وهي عبارة عن رسالة مطولة كتبها أبو سالم العياشي لتلميذه أحمد بن سعيد المجليدي وهو بدء طريقه للحج عام 1068هـ/1658م. توجد مخطوطة بالخزانة العامة في الرباط تحت رقم : د 2839.
3- الرحلة المقدسة لمحمد بن محمد المرابط الصنهاجي المتوفى عام 1099/1688. . توجد مخطوطة بالخزانة العامة في الرباط رقم : د 3644.
4- المعارج المرقية في الرحلة المشرقية لمحمد بن علي الرافعي الأندلسي التطواني الذي حج عام 1096هـ. وكان بقيد الحياة عام 1110هت/1698م، وتوجد مخطوطة في خزانة مؤرخ تطوان العلامة داوود الذي حلل محتواها في تاريخ تطوان ج1/ص (391-396).
5- رحلة أبي علي اليوسي الحسن بن مسعود تحدث فيها عن حجته عام 1011هـ. جمعها مرافقه ولده محمد العياشي الذي كان بقيد الحياة عام 1119/1708. توجد مخطوطة بالخزانة الملكية في الرباط تحت رقم: 2343.
6- هداية الملك العلام إلى بين الله الحرام والوقوف بالمشاعر العظام وزيارة النبي عليه الصلاة والسلام لأحمد بن محمد أحزي الجزولي التملي المتوفى عام 1127/1715. توجد مخطوطة بالخزانة العامة تحت رقم ق 190.
7- نجد لنفس المؤلف الأخير رحلة ثانية قام بها عام 1119هـ، توجد مخطوطة بالخزانة العامة تحت رقم : ق 147.
8- الرحلة الناصرية لأحمد بن محمد بن ناصر الدرعي المتوفي عام 1128/1716 دون فيها انطباعاته عن رحلته الحجازية، الثالثة عام 1121هـ. ونشرت هذه الرحلة في المطبعة الحجرية بفاس في سفر يشتمل على جزءين.
9- نسمة الآس من حجة سيدنا أبي العباس لأحمد بن عبد القادر القادري الحسني المتوفى عام 1133هـ/1721م.
ولقد حج للمرة الثانية عام 1100 هـ برفقة شيخه أبي العباس أحمد بن محمد معن. توجد الرحلة مخطوطة بالخزانة الملكية تحت رقم 8787.
10- رحلة القاصدين ورغبة الزائرين لعبد الرحمان بن ابي القاسم الشاوي المزمري المجهول تاريخ الوفاة. وتمت حجته عام 1141/1729. توجد مخطوطة بالخزانة الملكية تحت رقم 5656.
11- رحلة الإسحاقي محمد الشرقي بن محمد. وهو كذلك مجهول تاريخ وفاته. وحج عام 1143هـ، رفقة السيدة خناتة أم السلطان المولى عبد الله بن إسماعيل العلوي، كانت توجد مخطوطة تحت رقم: 258 بخزانة القرويين التي نقلت مخطوطاتها إلى دار الثقافة بفاس.
12- رحلة أبي مدين الدرعي محمد بن أبي أحمد السوسي الروداني المتوفى عام 1157/1744.
ولقد سافر للحج مرتين: لأفولاهما عام 1152هـ، وعنها ألف هذه الرحلة. توجد مخطوطة بالخزانة العامة تحت رقم ق 297 في ثاني مجموع ص (20-280).
13- بلوغ المرام بالرحلة إلى بيت الله الحرام لعبد المجيد الزبادي الحسني الفاسي المتوفى عام 1163هـ/1750م، توجد مخطوطة في الخزانة الملكية في الرباط تحت رقم: 10989.
14- رحلة محمد بن الطيب الشركي الصميلي الفاسي نزيل المدينة المنورة والمتوفى بها في حوالي عام 1170/1756 ولقد أدى حجته التي ألف عنها عام 1139هـ.
توجد مخطوطة في خزانة جامعة لايبسك بألمانيا تحت رقم: 746. تحدث عنها الأستاذ محمد الفاسي في مجلة المناهل (المغربية) بالعدد 6/ص (89-98).
15- رحلة الجودي محمد بن محمد التميمي القيرواني التونسي المتوفى عام 1362هـ/1943م. وتحدث ضمنها عن حجته سنة 1331/1913 التي حج فيها السلطان العلوي المولى عبد الحفيظ والعالمين محمد بن جعفر الكتاني وعبد الرحمان ابن زيدان[6].
16- رحلة عبد الرحمان بن زيدان العلوي الاسماعيلي المكناسي المتوفى عام 1365هـ/1946م.
وتحدث في قسم من هذه الرحلة عن بعض وقائع حجته الثانية عام 1356/1938م، مع ذكر ارتساماته عن زيارته للشام ومصر. توجد مخطوطة بالخزانة الحسنية تحت رقم: 12381.
17- الرحلة العامرية لمحمد بن الحاج منصور العامري المراكشي النشأة التازي الدار المتوفى بالمرق حوالي 1170هـ/1757م.
وهي عبارة عن منظومة تتكون من 335 بيتا من بحر الخفيف على روي الهمزة . توجد مخطوطة بالخزانة العامة تحت رقم: د3490 ضمن مجموع.
18- رحلة حجازية لمحمد بن علي السنوسي المتوفى عام 1276/1859 يوجد الجزء الأول منها منشورا على الميكرو فيلم في الخزانة العامة تحت رقم 1258.
وهكذا يتضح من خلال هذه النماذج أن العلماء المغاربة قد تركوا مصنفات علمية حول انطباعاتهم عن قيامهم بأداء مناسك الحج، وهي مؤلفات أغلبيتها لم يحقق ولم ينشر بعد، ويعد مؤلفوها من فحول العلماء، وعلاوة على ذلك فدراستها تساعد من جهة في إزاحة الستار عن جوانب من علاقة المغرب بالحجاز، وتساهم من جهة ثانية في كشف النقاب عن جوانب من تاريخ بلاد الحجاز بصفة خاصة وبقية البلدان الإسلامية الشقيقة المزارة من قبل هؤلاء العلماء رحمهم الله والمتحدث عنها بصفة عامة.
هـوامش المقـال

________________________________________
[1] - إبراهيم أنيس وآخرون: المعجم الوسيط، ج1، بدون مطبعة، الطبعة الثانية بدون تاريخ، ص:157.
[2] - انظر: كتاب الموطأ، لمالك بن أنس، صححه ورقمه وأخرج أحاديثه، وعلق عليه: محمد فؤاد عبد الباقي، طبع دار إحياء الكتب العربية، القاهرة، طبعة بدون تاريخ، ص: 322-326.
[3] - الآية 37 من سـورة إبراهيم.
[4] - الآية 28 من سورة التوبة، وسأنجز إن شاء الله تعالى دراسة لتاريخ البعثة النبوية.
[5] - انظر دراسة العلامة المؤرخ محمد بن عبد الهادي المنوني بعنوان: تاريخ ركب الحاج المغربي المنشور عام 1953م.
[6] - انظر: محمد المنوني، المصادر العربية لتاريخ المغرب، ج2، نشر كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة محمد الخامس، الرباط، ص:248.

المصدر: موقع التاريخ الإسلامي

بواسطة : hashim
 0  0  9172
التعليقات ( 0 )

-->