السيد أحمد صقر: الراوية المحقق اللغوي الأديب
للأستاذ أحمد الحازمي
مكة المكرمة
للأستاذ أحمد الحازمي
مكة المكرمة
من الكتب ما تقتنيها لجلالة مؤلفيها، الذين أحكموا أصول علومهم، واستوعبوا أطراف فنونهم، وأضافوا إلى ذلك غزارة المادة، وعمق الفكرة، ودقة الاستنباط، وروعة البيان، وإن صحب ذلك صحة معتقد، وسلامة منهج، واعتناء بالحجة والدليل والبرهان، وتعظيم لجناب الشريعة، فهو الغاية التي لا وراءها غاية، والمطلب ما بعده مطلب. ومنها ما تقتنيها لبراعة محققيها وناشريها، الذين خبروا مناهج الكتب في مختلف فنون العربية، وعرفوا مصطلحات الأقدمين وأعرافهم العلمية، والذين اشتهروا في أعمالهم بإعطائها حظها من النظر والفقه والصبر، وبذل غاية الوسع والطاقة في التحرير والتحقيق، والإخراج المعجب الأنيق المتكامل، حتى غدت أسماؤهم على طرة الكتب ضمانًا على الجودة، ودليلاً على الأمانة، ولذة ومتاعًا لعقل القارئ وعينه. وإنّ من أبرز أولئك المحققين الذين ازدانت بهم سماء مصر عقودًا من الزمن، واستضاءت بنورهم صفحات المكتبة العربية في كل فن، العلاّمة الراوية المحقق اللغوي الأديب المصري السيد أحمد صقر -رحمه الله تعالى رحمة واسعة- المولود عام (1335هـ/1915م)، والمتوفى بالقاهرة عام (1410هـ/1989م). وإنّ بين هذين التاريخين حياة عالم عجيبة موغلة في العجب، غريبة مسرفة في الغرابة، إذ يُعدّ السيد أحمد صقر رابع أربعة(2) في مصر، هم أعلام تحقيق التراث ونشره في عصرهم، يوم كان التحقيق علمًا ورواية قبل أن يصبح اليوم فنًّا وصناعة، حيث دخلوا ميدانه بزادٍ قويٍّ من علم الأوائل وتجاربهم، ومدفوعين بروح عربية إسلامية عارمة، استهدفت إذاعة النصوص الدالة على عظمة التراث، الكاشفة عن نواحي الجلال والكمال فيه، أولهم: العلاّمة المحدّث أحمد محمد شاكر (1892-1958م) الحائز -بعد وفاته بنصف قرن- على وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى المقدّم من رئاسة الجمهورية المصرية. وثانيهم: شقيقه العلاّمة اللغوي الراوية محمود محمد شاكر (1909-1997م)، عضو مجمع اللغة العربية بالقاهرة، والحائز على جائزة الدولة (مصر) التقديرية في الآداب عام 1982م، والحائز أيضًا على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1984م. وثالثهم: العلاّمة اللغوي عبد السلام محمد هارون (1909-1989م) الأمين العامّ لمجمع اللغة العربية بالقاهرة، والحائز على جائزة الملك فيصل العالمية في الأدب العربي عام 1981م. بيد أنّ السيد أحمد صقر من بين هؤلاء لا تكاد تجد له ذكرًا في كتاب، أو شكرًا في خطاب، خلا شذرات من الثناء عليه تجد صداها عند الخاصة من أرباب المحاضرة وأصحاب المذاكرة. ولعل من أسباب ذلك تلك العزلة التي ضربها على نفسه عدة سنين، وتلك الصفات التي لازمته من الصرامة والجفوة وحدة الطبع والاعتداد بالنفس، وهي التي كانت طبيعية لرجل يريد أن يثبت لأقرانه الدكاترة أنّ التفوّق والنبوغ بالجد والبحث، وأنّ الدرجة الجامعية وحدها لا تنفق في سوق العلم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى قلة إنتاجه العلمي مقارنة بأولئك، وعدم تكامله، وعدم خوضه مجال التأليف الحر، حيث لم يخلف السيد أحمد صقر -طوال حياته في التحقيق الذي بدأه وهو في شرخ الشباب(3)- سوى ستة عشر تحقيقًا من ذوات المجلد الواحد، ثلاثة منها بالاشتراك، وخمسة منها ناقصة لم يخرج منها سوى جزء واحد فقط، حتى انتقد بعضهم صنيع الدكتور الطناحي في قرن السيد أحمد صقر بمن ذكرت أعلاه من أعلام تحقيق التراث ونشره، وعدُّوه ضربًا من المجاملة كفاء ما لقيه السيد أحمد صقر من التجاهل في حياته!. إلا أنّ الدكتور الطناحي -برّد الله مضجعه- رأى أنّ علم العالم لا يقاس بكثرة إنتاجه العلمي أو شهرته أو منصبه ورتبته. نعم.. إنّ كل قارئ لآثار السيد أحمد صقر -ناهيك عن رجل لابسه وعرف دخائله مثل الدكتور محمود الطناحي- لا يملك إلا أن يشعر نحوها بالإجلال والإكبار، ولصاحبها بالمودة والتقدير، ولعلمه بالتواضع والخضوع، إذ كان من المحققين القلائل الذين لا يتوارون خلف نصوصهم المحققة، بل يطلعك بشخصه، ويواجهك برأيه من دون تزيّد أو إملال، سواء في مقدماته الفذّة للكتب التي تولّى تحقيقها، التي تبيّن قيمة الكتاب، وتشرح فكرته، وتكشف حقيقته، والتي امتازت بغزارة المادة، وعمق الفكرة، ودقة الاستنباط، وروعة البيان، وظهرت فيها شخصيتهم واضحة المعالم، بيّنة القسمات، والتي تحمل في أطوائها الكثير من الجدّة والإبداع، والأفكار والآراء، والتي حوت من خبايا العلوم وكنوز المسائل ما أدهش كل مطّلع، ناهيك عن أسلوبها الجزل المشرق الرصين، أو في تعليقاته النفيسة التي نتجت عن طول التأمل، وحسن التأتي، أو في مقالاته النقدية المتقنة في المجلات والدوريات لطائفة من كتب الأدب والتراث، حتى أصحر الدكتور الطناحي بقول لا يدفعه دافع، وهو أنّ السيد أحمد صقر: "من أقدر الناس على تقديم كتاب، وتقويم نص، وتوثيق نقل، وتخريج شاهد، واستقصاء خبر، ثم إنّ له من وراء ذلك كله علمًا جامعًا بالمكتبة العربية، وإدراكًا للعلائق بين الكتب"(4)، ومن قبله أستاذهم جميعًا المحدّث أحمد شاكر حين قال: "إنّ له مدى مديدًا في الاطلاع والتقصي، ونفذات صادقة في الدقائق والمعضلات، يندر أن توجد في أنداده، بل في كثير من شيوخه وأستاذيه"(5). أنا الشمس في جو السماء منيرةً وإن مكانًا ضـاق عني لضيق وإنّ رجالاً ضيّعوني لضيع هنالك تـدري أنّ للبعد قصة ولكن عيبي أن مَطلعيَ الغرب علـى أنه فيح مذاهبه سهب وإنّ زمانًا لم أنل خصبه جدب وأنّ كسـاد العلم آفته القرب اسمه ومولده: هو الأستاذ سيّد بن أحمد بن محمد بن صقر، وكان -رحمه الله- يكتب اسمه (السيد أحمد صقر)، فيظن من لا يعرفه أنه (أحمد) وأنّ (السيد) لقب له، وليس كذلك بل هو (سيّد) واسم أبيه (أحمد)، وبعضهم يظن أنّ اسمه مركّب (السيد أحمد)، والصواب ما أثبتناه أولاً، وعلى هذا الوهم الشائع يعلّق الدكتور محمود الطناحي -رحمه الله- بظُرْفِه المعهود: "ولم يبعد عن الصواب من ظنّ هذا، فهو (سيّد) اسمًا وصفة"(6). ولد السيد أحمد في عام 1333هـ/1915م، في قرية (صِفْت تراب) إحدى قرى الريف المصري، والتي تقع على بعد نحو 21 كيلومترًا من طنطا، عاصمة محافظة الغربية، وهي القرية نفسها التي ولد بها العالم المصري المشهور الدكتور يوسف القرضاوي، وقد نظم القرضاوي فيها شعرًا يخاطب فيه الصحابي الجليل عبدالله بن الحارث الزبيدي، الذي ظل في هذه القرية بعد الفتح الإسلامي وتزوّج بها وأنجب، حتى وافاه أجله بها سنة 86هـ، ومما قال فيها مخاطبًا الصحابي الجليل: "وأسلم أهل صفط على يديكم وعِشتَ بها، ومُتَّ بها، هنيئًا وحُقَّ لصفطنـا بك أن تسمى ودانَـوْكم بصهر واقتـراب لها بك من جِـوار مُستَطاب بصفط التِّبر لا صفط التراب"(7) انتقل السيد أحمد صقر مع أسرته في مقتبل عمره إلى القاهرة، حيث كان أبوه الشيخ أحمد محمد صقر مدرِّسًا بكلية أصول الدين بالأزهر، "وكان من فضلاء علماء الأزهر، وكان -رحمه الله- مع مجموعة من علماء الأزهر يترددون على مدارس تحفيظ القرآن ويتعهدونها حسبة وزلفى إلى الله"(8)، "وكان يخطب الجمعة في جامع قريته صفط تراب إذا زارها في بعض الأحيان، إذ يعتبر من علمائها المرموقين، وربما خلفه بعض المرات ابنه السيد أحمد صقر حين أصبح يافعًا"(9). نشأته وشيوخه: نشأ السيد أحمد صقر في بيت كريم من بيوت العلم، على عفّة وصيانة، مرضي الحال، محمود الأقوال والأفعال، موصوفًا بالنبل والفهم والحذق، طالبًا للعلم، حريصًا عليه، مجتهدًا فيه، فاختلف إلى حلقات الأزهر الشريف وعمره خمس سنوات، وكانت في ذلك الوقت متاحة لكل راغب في العلم وطالب للمعرفة، فتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، وأكمل حفظ القرآن وله تسع سنين، ثم التحق بمعهد القاهرة الديني التابع للأزهر، وحصل منه على الشهادة الابتدائية ثم الثانوية عام 1937م، ثم واصل طريقه في الجامعة الأزهرية ودخل كلية اللغة العربية، فتخرّج فيها عام 1944م، وكانت مناهج الدراسة في ذلك الزمان مما يغذِّي الملكات وينمِّي المواهب، مع صفوة من العلماء المدرِّسين المبرّزين الموسوعيين في النحو والصرف واللغة والأدب والتاريخ، من أمثال الشيخ إبراهيم الجبالي، والشاعر الناثر علي الجارم وغيرهم. وممن اتصل بهم من خارج الكلية وصحبهم واقتبس من مشكاتهم، واستضاء بنورهم: 1- والده الشيخ أحمد صقر: المدرس بكلية أصول الدين بالأزهر، وقد كتب السيد صقر على طرة كتاب "شرح ديوان علقمة" -باكورة أعماله حين كان في شرخ الصبا وميعة الشباب-: "أتوّج هذا الكتيِّب برفعه إلى الوالد العزيز حضرة صاحب الفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ أحمد محمد صقر المدرِّس بالمعهد الأزهري"(10). 2- العلاّمة سيّد بن علي المرصفي: المتوفى عام 1931م، صاحب كتاب "رغبة الآمل شرح الكامل" للمبرِّد، شيخ أعلام النهضة الثقافية بمصر، والذي تخرّج على يديه كثير من القيادات الفكرية والأدبية، أمثال: مصطفى المنفلوطي، وأحمد الزيات، وطه حسين، وزكي مبارك، ومصطفى الرافعي، ومحمد محيي الدين عبدالحميد، والعقّاد، وأحمد شاكر، وأخوه محمود شاكر، وقد كان هذا الأخير يوصي السيد أحمد صقر بملازمة العلاّمة سيّد المرصفي والقراءة عليه، ولكن صغر سن السيد أحمد صقر آنذاك، وشيخوخة العلاّمة المرصفي، لم يمكّنا السيد أحمد صقر من الاستفادة الحقيقية من العلاّمة المرصفي، إلا أنّ هذا لم يقف حائلاً دون الحضور عنده واستماع بعض توجيهاته، وكان السيد أحمد صقر يقول: "إنّ العلاّمة المرصفي هو الذي أشار إليه بالتوجه إلى تحقيق النصوص وتخريج الآثار لما رأى فيه من الذكاء اللماح والبصر النافذ"(11). 3- العلاّمة محمد الخضر حسين: وكان السيد أحمد صقر قد أطلعه على شرحه لديوان علقمة، فكتب العلاّمة محمد الخضر حسين في مجلة "الهداية" الإسلامية -التي يرأس تحريرها- تقريظًا وثناء على شرح السيد أحمد صقر، قال فيه: "عني حضرة الشاب الأديب الفاضل الشيخ السيد أحمد صقر بالبحث عن شعر علقمة الفحل، فجمعه في ديوان، وتناوله بشرح موجز نفيس، وصدّره بمقدمة في تاريخ حياة ذلك الشاعر وآراء الأدباء في شعره، وقد اطلعنا عليه فرأيناه شاهد صدق على ألمعية المؤلف وحسن بيانه، فنشكر حضرته على الجمع والتحرير والطبع، ونحثّ أهل العلم على اقتناء هذا الكتاب العامر بالفوائد اللغوية والأدبية"(12). وقد كان السيد أحمد صقر يزوره ويستفيد منه ومن مكتبته العامرة، يقول السيد أحمد صقر: "وقد أخبرني فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الخضر حسين، عضو مجمع اللغة الملكي، أنّ جزءًا كبيرًا من ديوان بشّار موجود في تونس عند صديقه الأستاذ محمد الطاهر بن عاشور، شيخ الإسلام المالكي، وأطلعني على الخطاب الذي ورد إليه حديثًا من صديقه يخبره فيه بوجود الديوان عنده"(13). 4- المحدّث أحمد محمد شاكر: يقول السيد أحمد صقر في مقدمة تحقيق "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة: "وقد اعتمدت في نشر هذا الكتاب على صورة شمسية كانت في حيازة أستاذي الكريم الشيخ أحمد محمد شاكر، تغمده الله برضوانه، وأذاقه من رحمته، كفاء ما جاهد في سبيل الإسلام والمسلمين، وما قدّم من معونة صادقة لتلاميذه المخلصين"؛ ويقول العلاّمة أحمد شاكر في بعض ما كتب: "والأستاذ السيد أحمد صقر مني بمنـزلة الأخ الأصغر، نشأ معي، وعرفته وعرفني، وتأدّبنا بأدب واحد في العلم والبحث وفي فقه المسائل والحرص على التقصي ما استطعنا، وإنّ له مدى مديدًا في الاطلاع والتقصي، ونفذات صادقة في الدقائق والمعضلات، يندر أن توجد في أنداده، بل في كثير من شيوخه وأستاذيه، وهو أنفذ بصرًا مني في الشعر وما إليه"(14). 5- الشيخ محمد محيي الدين عبدالحميد: عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، وعضو مجمع اللغة العربية، ورئيس (لجنة إحياء أمهات كتب السنّة) بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التي كان السيد أحمد صقر عضوًا فيها، يقول الشيخ محيي الدين في تصديره لكتاب "معرفة السنن والآثار" للبيهقي بتحقيق السيد أحمد صقر: "وقد قام الأستاذ السيد أحمد صقر بتحقيق هذا الكتاب تحقيقًا علميًّا بارعًا، وعلّق عليه وخرّج أحاديثه تخريجًا دلّ على مهارة ونبوغ في هذه البابة، والأستاذ معروف لكل أعضاء لجنة (إحياء أمهات كتب السنّة) معرفة زمالة وخبرة، وكلهم والحمد لله من أبنائي البررة في طلب العلم، فوق أنه مشهور في أنحاء العالم العربي بالتفوّق في تحقيقه، فما من حاجة بنا إلى الحديث عنه، والله تعالى نسأل أن يجزيه خيرًا، وأن ينفع بهذا العمل، إنه سبحانه سميع الدعاء"(15). 6- الدكتور زكي مبارك: وقد كان السيد أحمد صقر معجبًا بأدبه وبأسلوبه -دون آرائه وسلوكياته- وكان يوصي بقراءة كتبه، ويقول: "يكفيه أنه الدكاترة"، ويقول السيد أحمد صقر في مقدمة "شرح ديوان علقمة": "والآن نمسك بالقلم عن استرساله في التعريف بالشاعر وشعره، إذ كفانا ذلك فخر الشباب العصامي الناهض، الأستاذ النابغة الدكتور زكي مبارك، فقد تفضّل -حفظه الله- بكتابة بحث قيِّم، وفصل ضافٍ ممتع، حلَّينا به صدر الكتاب"(16). ومما قاله الدكتور زكي مبارك في مقدمته: "لقد طربت حين زارني الأديب السيد أحمد صقر وطلب مني أن أكتب مقدمة لهذا الديوان، لأنّ شارح هذا الديوان طالب بالقسم الثانوي، ولمّا يبلغ العشرين، والعشرون ليست بالسن القليل، أو القليلة إن شئتم، لكنها في حي الأزهر أقل من القليل! ولأنّ في مقدور هذا الشاب أن يكون أديبًا، إن جرى على الفطرة، وأطاع الطبع، وفهم أنّ الأدب بحر عجاج، وأن لا سبيل إلى الفوز إلا بالجد الموصول...". إلا أنّ هذه الصلة العلمية لم تمنع السيد أحمد صقر من الرد على الدكتور زكي مبارك في بعض ما ذهب إليه من آراء لم يسلك فيها الطريق السوي في البحث والتقصي(17). ومثله الدكتور أحمد أمين، فقد كان السيد أحمد صقر معجبًا به في أول أمره متصلاً به، واشتركا في تحقيق كتابين من كتب التراث، بل كانت للسيد صقر اليد اليمنى في الإشراف على مجلة "الثقافة" التي كان يرأسها أحمد أمين، إلا أنّ أحمد أمين لم يحافظ على هذا الودّ بعادات غريبة كان يواجه بها بعض أعيان عصره مثل الإغارة على جهودهم العلمية، حتى نفض السيد أحمد صقر يده من إتمام بعض المشاريع العلمية معه. 7- الأديب عباس محمود العقاد: أحد أصدقاء السيد أحمد صقر الكبار، وقد كان بينهما ودّ وإعجاب كبيرين، يقول الدكتور حامد طاهر -أحد تلامذة السيد أحمد صقر في المرحلة الثانوية في عام 1961م-: "وذات يوم، اقترح علينا السيد صقر أن نقوم بزيارة منـزل العقاد، وحرصًا منه على لفت انتباه الكاتب الكبير أوصانا أن نكتب له قصائد تحية، وبالفعل كتب كل واحد منا قصيدة، وذهبنا إلى ندوة العقاد بمصر الجديدة، وهناك قدّمنا أنفسنا للعقاد، وألقينا قصائدنا أمامه، وسعد الرجل بها كثيرًا، ونهض فصافح كلاًّ منا، وفي نهاية الندوة قال لنا العقاد: احتفظوا جيّدًا يا أولاد بأستاذكم هذا فإنه رجل مجهول القدر في هذا البلد"(18). 8- العلاّمة محمود شاكر: أو الأستاذ الراوية، كما يسمّيه السيد أحمد صقر، وقد كان يكبر السيد أحمد صقر بست سنين، إلا أنّ هذا الفارق في السن لم يمنع كلاًّ منهما أن يفيد من الآخر في البحث والمذاكرة والعلم والأدب، فقد كانا يتسابقان في قراءة الدواوين الشعرية واقتنائها، وربما سبق محمود شاكر أخاه السيد أحمد، لا لشيء إلا لضيق يد السيد أحمد صقر عن اقتناء الكتب وتحصيلها، فكان يذهب إلى مكتبة أستاذه وشقيق منافسه الشيخ أحمد شاكر فيقرأ عنده ما تيسر له(19). ويقول السيد أحمد صقر في بعض ما كتب: "ولما كنت لا أعرف أنّ لأجزاء ما جاء في القُرْط أسماء خاصة بها، فقد سألت صديقي الراوية الأستاذ محمود محمد شاكر، فقال:..."(20)، وقال في موضع آخر حول كلمة محرّفة لم يدرك وجه تصويبها: ...ويرى صديقي الراوية الأستاذ محمود محمد شاكر أنّ صوابها..."(21)، وقال السيد أحمد صقر في موضع ثالث يعلّق فيه على أحد المعقبين اللغويين: هذا وإني أنصح الأستاذ المعقب بنصيحة خالصة نصحني بها منذ أكثر من عشرة أعوام صديقي الراوية الأستاذ محمود محمد شاكر ونحن نقرأ "حماسة ابن الشجري"، قال لي عندما قرأت قول باعث اليشكري (وكتيبة سفع الوجوه بواسل): وهذه كلمة أغفلتها المعاجم فيما أغفلت من أوابد اللغة وشواردها، ومن ثم أنصح لك ألا تقطع برأي فيما لا تجده في المعاجم إلا بعد تثبيت، فإنّ كثيرًا من ألفاظ اللغة موجود في الشعر الجاهلي والشعر الإسلامي ولم يقيّده الرواة في معاجم اللغة، واقتصروا أيضًا في شرح بعض الكلمات على ما ورد في أبيات بعينها مما رووه، وفيما لم يرووه ولم يشرحوه كثير مما ينبغي أن يشرح مرة ثانية بدلالة هذا الشعر، هذه نصيحة صديقي الأستاذ محمود محمد شاكر، وهي نصيحة قيّمة تعصم من اتبع هداها من التردِّي في مهاوي العثرات"(22). ولما خرج كتاب "طبقات فحول الشعراء" لابن سلام بتحقيق محمود شاكر، كان أول من انتقده السيد أحمد صقر(23)، وفي هذا يقول محمود شاكر في مقدمة الطبعة الثانية للكتاب: "وقد نقد هذه الطبعة جماعة من أهل العلم والفضل، أولهم صديقي وأخي وعشيري السيد أحمد صقر، وقد انتفعت بما أرشدني إليه..."(24). طلبه للعلم وشغفه بالمعرفة: أخذ السيد صقر نفسه بالجد في طلب العلم، يبتغي إليه الوسيلة بالقوة في العلم والأدب، فأفرغ له باله، وأخلص فكره، وكان له من توقد ذكائه، والتهاب خاطره، وسرعة حفظه، وشغفه بالمعرفة ما مكّن له من ناصية التفوق، وذلل له من شماس النبوغ، فتوجّه في أول أمره إلى تحصيل علوم الأدب واللغة، فانقطع لطلبها، وقصر عليها نفسه، ووقف عليها جهده، وأنفق أوقاته في طلبها، واستنـزف أيامه في معاناتها، حتى مهر فيها وأتقنها وأحكمها، وبلغ منها موضعًا جليلاً، يرمى بالأبصار ويشار إليه بالبنان، وعُدَّ أديبًا من الطراز الأول، ثم اتجه بعد ذلك إلى علوم الشريعة -خاصة بعد أن خلَتْ الساحة بوفاة الشيخ المحدّث أحمد شاكر- فتضلّع منها وتبحّر فيها وتعمّق، واستقصى أطرافها وأحاط بأصولها وفروعها، واقتنى نوادر مخطوطاتها حتى نفذ إلى أسرارها، وأحاط بقضاياها. وظائفه وأعماله: عمل بعد تخرجه مدرسًا للأدب العربي بمدارس التربية والتعليم التابعة للأزهر، وانتدب في وقت من الأوقات لإحدى المدارس الأجنبية بالقاهرة كمدرسة اللِّيسِيه الفرنسية. وبعد أن ذاعت شهرته في تحقيق التراث عُيِّن مدرِّسًا بكلية أصول الدين بالأزهر، وأشرف على بعض الرسائل في الدراسات العليا هناك. وقد عُيِّن خبيرًا بوزارة الثقافة والإعلام، واختير أيضًا عضوًا في بعض اللجان العلمية كلجنة إحياء التراث بوزارة الثقافة، ولجنة إحياء التراث بمؤسسة الأهرام ولجنة إحياء أمهات كتب السنّة بالمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية برئاسة فضيلة العلاّمة محمد محيي الدين عبدالحميد. وفي حدود عام 1957م، وجهت له دعوة من وزير المعارف بالكويت الأستاذ عبدالعزيز حسين، وقد كان هذا الوزير متخرجًا في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، ولما عرف وسمع من علم السيد أحمد صقر، قام بترشيحه للتدريس هناك، ولم يستمر هناك سوى ثلاث سنوات عاد بعدها إلى مصر بعد خلاف مع اللجنة العلمية المختارة لإخراج موسوعة "تاج العروس شرح القاموس" للزبيدي، ولما عاد إلى مصر جعلوه مدرسًا للمرحلة الابتدائية، وهي مرحلة لا تليق برجل في مثل حجم وجلالة السيد أحمد صقر، لكنه ابتلي بكثير من الناس الذين يترصدونه، ويأخذون بمخنقه حسدًا وبغيًا وعدوانًا، وما نقموا منه إلا أنه حصل ما لم يحصل غيره، وفقه ما لم يفقهه سواه. وحين كلّت خطاهم عن اللحاق به ضيّقوا عليه، حتى تولى الشيخ عبدالرحمن بيصار مشيخة الأزهر فساهم مساهمة متأخرة في ترقية السيد أحمد صقر فجعله أمينًا عامًّا مساعدًا لمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 1967م تقريبًا، ثم اختير بعد ذلك مع كوكبة من العلماء المصريين للتدريس في السعودية بكلية الشريعة بمكة المكرمة (جامعة أمّ القرى) لاحقًا، واستمر بها لمدة عشر سنوات تقريبًا. وقد عومل هناك وظيفيًّا تحت بند (كفاءات نادرة)، وهو بند يعتمد في التقويم على الشهرة والمكانة في العلم وليس على الشهادة. وقد كان للسيد أحمد صقر -رحمه الله تعالى- جهود كبيرة في الدراسات العليا هناك، وأشرف على طائفة من رسائل الماجستير والدكتوراه. السيد أحمد صقر مدرسًا: اشتغل السيد أحمد صقر بالتدريس شطرًا كبيرًا من حياته، بل وفي جميع المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية، وقد كان من المدرسين الذين "لا يكتفون بنشر علومهم بين طلابهم، وإنما يعنون بتخريجهم، وتقويم أوَدِهم، وتعهّد مواهبهم بالرعاية والعناية، حتى تستحصد وتستغلظ وتستوي قائمة على أصولها في غدها المرتقب المأمول حتى تتابع أجيال العلماء قوية مقتدرة على حمل أمانة التبليغ الذي أمر به رسول الله ، ويظل العلم قويًّا فتيًّا، متصل الحلقات، متدارك الموجات، فتحيا به الأمّة، وتكون بحق كما أرادها الله: خير أمّة أخرجت للناس، بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وجمعها بين الإيمان الصريح، والعلم الصحيح". وقد كان أسلوبه في التدريس قائمًا على الجد والصرامة والإتقان، يقول الدكتور حامد طاهر في مقدمة ديوانه: "وفي سنة 1961م، دخل فصلنا أستاذ جديد لتدريس مادة الأدب العربي، وهو السيد أحمد صقر، المحقق الكبير، وفوجئت بأنه لا يرتدي الزي الأزهري المعهود، وقد كان مغضوبًا عليه من الأزهريين فعاقبوه بالتدريس في المرحلة الابتدائية، ثم شمله العفو قليلاً فانتقل إلى المرحلة الثانوية! لقد أحدث هذا الرجل انقلابًا مهمًّا في حياتي، فقد طرح على الطلاب سؤالاً مثيرًا: ماذا قرأ كل منكم في الإجازة الصيفية؟ وتعددت الإجابات المضحكة: "كنت ألعب الطاولة مع زملائي بالقرية"، "كنت أساعد أبي في الحقل"... فثار ثورة عارمة على كل من أجابوا، واصفًا إياهم بأنهم (خُشُب مُسَنَّدة) ثم راح يشرح لهم أنّ الثقافة العامة شيء، والمقررات الدراسية شيء آخر تمامًا... وباختصار كان هذا الرجل هو الثورة التي حدثت أمامي داخل الأزهر، وهو الذي شجعني على كتابة الشعر"(25). ويقول الدكتور محمد حسن بخاري: "وقد أكرمني الله بأستاذ صبرت على قسوته الشديدة فأضحت مرحمة لي من حيث أدري ولا أدري، فلازمته ملازمة طويلة، وقد تدرّج بي لاقتحام أمهات الكتب والمراجع، ودرّبني وأرشدني، وأحيانًا كان يجبرني على بعض الاقتناصات من طريقته ومنهجه بتركيز فكري على عمل من أعماله، فعلّمني وتعلّمتُ منه"(26). ولم يكن السيد أحمد صقر من المدرسين الذين يكثرون الثرثرة العلمية والعموميات التي لا يعود منها الطالب بشيء، بل كان يأخذ طلابه إلى المكتبات العامة، وربما استضافهم في بيته ليريهم نفائس الكتب والمخطوطات التي اقتناها، بل وصل به الحال إلى أخذ طلابه في زيارات ميدانية إلى منازل الأدباء والعلماء الكبار في ندواتهم المعروفة، يقول الدكتور أحمد معبد في حوار أجري معه: "...بداية الاهتمام بالمخطوطات ترجع إلى المرحلة الثانوية، وأستاذنا الشيخ سيد صقر -عليه رحمة الله- مدرِّس المطالعة والبلاغة في المرحلة الثانوية، كان لديه اهتمام بالمخطوطات، وكان يصطحب معه في الدرس بعض هذه المخطوطات التي أذكر منها الآن "شرح الخطابي لصحيح البخاري"، فحبّبني فيها، ونبّهني إلى أماكنها في مصر..."(27). ويقول الدكتور حامد طاهر: "وقد دعاني الأستاذ السيد صقر إلى منـزله بشارع محمد علي حيث أطلعني على حجرة مكتبه التي تمتلئ بأندر المخطوطات، والمطبوعات النفيسة، وهناك حدثني عن أنه يمتلك طبعة دار الكتب أو طبعة بولاق من كتاب كذا وكذا، فعلمت أنّ الكتب مستويات، كما كلفني بنسخ عدد غير قليل من المخطوطات القديمة، حتى تمرّستُ بحلّ مشكلات خطوطها الصعبة، ومازلت أذكر أنني نسخت له كتاب "الإلماع" للقاضي عياض، وهو مكتوب بخط مغربي خالٍ من النقط، وفي وضع مهترئ للغاية، ومن مكتبته استعرت بعض أمهات كتب التراث العربي: "البيان والتبيين" للجاحظ، و"زهر الآداب" للحصري، و"العقد الفريد" لابن عبد ربه، وغيرها. وعلى يديه تعلمت فن التحقيق، ومقابلة النُّسَخ، وتمييز الخطوط، وتخريج الأحاديث، والأبيات الشعرية النادرة"(28). ويقول الدكتور عامر حسن صبري: "كان السيد أحمد صقر لا يعطيك شيئًا من علمه إلاّ بعد أن تصبر عليه أوّلاً، ثم تتحدث معه في قضايا علمية معيّنة ليست تقليدية، ثم بعد ذلك يفيدك بما فتح الله عليه، ولقد كان أستاذًا لنا في الدراسات العليا بمكة في مادة (قاعة بحث)، وكانت المحاضرات تتمّ في المكتبة، وكانت طريقته أن نقرأ في مصادر مختلفة في الأدب واللغة والحديث والتفسير وغير ذلك، ثم يشرح باختصار طريقة المؤلف في كتابه ثم يذكر لنا بعض القضايا النقدية، ولقد استفدت منه فوائد جليلة"(29). وقد كان كثير التشجيع لطلابه، فقبّل مرة جبين أحد طلابه عندما أذكره بيتًا من الشعر كان قد نسيه(30). ويقول الدكتور عامر حسن صبري: "وأذكر أني أتيته بأول كتاب صدر لي وهو: قطف الثمر في رفع المصنفات في الفنون والأثر ففرح به كثيرًا وشجعني عليه وقال لي كلمته التي لا أنساها (الآن يحقّ لسيد صقر أن يفرح)". ويقول الدكتور محمد بخاري: "سافرت إلى إستانبول برفقة أهلي لأبحث عن مخطوطة بمكتبة سليم آغا، ومكثت بها خمسين يومًا، ووجدت ما أبحث عنه وسجلت ما أحتاج من معلومات، ولما عدت وذكرت للسيد أحمد صقر ما اكتسبته من رحلتي، وجدت غالب ما ذكرته قد سطره شيخي في مفكرة خاصة به! فقلت له: يا شيخ لم تكلفنا هذا العناء الكثير؟ فلو أنك ذكرت لي أسماء هذه الكتب من قبل لوفّرتَ عليّ تكاليف هذه الرحلة التي لم أعد منها بجزء مما هو موجود في مفكرتك! فردّ عليّ السيد أحمد صقر: يا أغبى من نفسه! والله إني لفرح أن جعل الله في طلابي من يسافر إلى المكتبات للبحث عن المخطوطات، والله إنكم ستدركون قيمة عملكم هذا في المستقبل"(31). صفاتـه: كان السيد أحمد صقر طويلاً مهيبًا، آتاه الله بسطة في العلم والجسم، وكان رحمه الله (ملوكي المذهب) أي حسن الهندام والهيئة، ولم يكن يرتدي الزي الأزهري المعهود، مع أنه أزهري النشأة والوظيفة، ومن أب أزهري. يقول الدكتور عادل سليمان: "قابلت الأستاذ سيد صقر أول مرة عام 1955م بدار الكتب المصرية، وتوطدت أواصر صداقة متينة على فارق ما بيننا من السن والعلم، نمت على مر السنين بلقائنا الكثير في دار الكتب، ثم في منـزل محمود شاكر، ثم في منـزله. كان السيد أحمد صقر جامعًا لمراتب الكمال ونبل الخصال، مع تأله وتنـزه، ودين ويقين، وعفافة ونظافة، لقي عنتًا وتجاهلاً فمضى على سنّته، واعتزل الناس بدوره، فبدا لمن لا يعرفه فظًّا غليظًا وهو في حقيقة أمره دمث ألوف، لم يسعَ وراء منصب أو يركض خلف جاه، وكان كثيرًا ما يتمثّل بقول أبي العلاء: إذا كان علمُ الناسِ ليس بنافعٍ قضى الله فينا بالذي هو كائنٌ ولا دافع فالخُسْرُ للعلماءِ فتمَّ، وضاعت حكمةُ الحكماءِ(32) كما كان السيد أحمد صقر على جانب عظيم من العزة والأنفة والاعتداد بالنفس، مع حدة في الطبع، وعسر في الخلق، وقسوة مبررة أحيانًا، وغير مبررة في بعض الأحيان. أمّا كرمه فقد كان من أكرم الناس وأسخاهم يدًا، يعرف ذلك كل من عاشره وتعامل معه، خصوصًا طلابه الذين كان بعضهم لا يجد قيمة ما يشتري به الكتب المقررة عليهم أثناء الدراسة فيوفرها أستاذهم السيد أحمد صقر من حسابه الخاص، وأخبرني الدكتور رضا السنوسي(33): "أنّ السيد أحمد صقر ربما زار مَن مرض من طلابه، مما يدل على أنّ وراء قسوته الظاهرة قلبٌ رحيم، وأنّ قسوته لم تكن إلا عملاً بحكمة أبي الطيِّب: قسا ليزدجروا ومن يك حازمًا فليقس أحيانًـا على مَن يرحم ويقول الدكتور محمد حسن بخاري: "كان السيد أحمد صقر رحيمًا عطوفًا عند الحاجة إلى الرحمة، وشديدًا قاسيًا لا يخشى لومة لائم حين الحاجة لها"(34). السيد أحمد صقر محققًا: دار إنتاج السيد أحمد صقر في ميدانين اثنين، الأول: تحقيق النصوص التراثية ونشرها، والثاني: كتابة بعض المقالات النقدية لطائفة من كتب التراث، وفي كلا المجالين ظهر علمه الغزير وثقافته الواسعة، وبصره بعلوم الشريعة واللغة كتابًا وسنّة وتفسيرًا وفقهًا وأصولاً وتاريخًا وأدبًا ونحوًا. أمّا التحقيق فإنه فيه أمّة وحده، في دقة منهجه، وأصالة رأيه، وحسن عرضه، وشدة إخلاصه للمهمة الشاقة التي جرّد عزمه لها، وانتدب نفسه للنهوض بها، وصبره على تحمل أعبائها، حتى يخرج الكتاب من بين يديه مستحصدًا قويمًا، حيث كان يسير في تحقيقاته على منهج شاقٍّ عسير بعيد المنال، فكان لا يقدم على تحقيق كتاب حتى يعيش مع صاحبه ويخبر حياته ونفسيته، ويعرف لغته ومدارج القول عنده، ويقرأ كل مصنفاته والمصنفات الأخرى في الموضوع نفسه، يظهر ذلك من خلال مقدماته النفيسة للكتب التي أشبه ما تكون بدراسات مستقلة في بابها، حيث أول ما يبدؤك به هو ترجمة المؤلف وذكر أحواله وأطواره وشيوخه وتلاميذه ومؤلفاته، وربما نقل صفحات بأكملها من تلك المؤلفات -حيث كانت في عهده مخطوطات- للدلالة على نفاستها، ثم يستطرد في بعض ما يذكر، فيأخذ في تصحيح بعض الأوهام الشائعة حول بعض الكتب أو الأعلام أو المسائل العلمية، ثم يذكر بعد ذلك بيئة المؤلف وأحوال عصره الثقافية والاجتماعية والسياسية، ثم يبيّن منهج المؤلف في كتابه، ومكانة الكتاب من بين الكتب المؤلفة في موضوعه، ثم ينتقل إلى وصف مخطوطات الكتاب والدلالة على أماكن وجودها ثم على طبعاتها السابقة والفرق بين تلك الطبعات، كل ذلك بأسلوب جزل مشرق رصين، قوامه المنطق السليم، والبحث العميق، والاستنتاج الدقيق، والرأي الصائب المؤيد بالأدلة الناصعة، والبراهين الساطعة. ولم يكن تحقيق السيد أحمد صقر واقفًا على حدود المتن فقط، بحيث يتوارى خلف نصوص الكتاب المحقَّق، بل يطالعك بشخصه، ويصارحك برأيه ويصف لك شعوره أحيانًا، حتى تحسّ أنك أمام رائد يرتاد بك منازل الكتاب، مفسرًا لما غمض من ألفاظه، موضحًا لما أبهم من معانيه. ومن تأمّل حواشيه وتعليقاته على كتبه يقف على أشياء معجبة تبهر العقول، من توثيق نقول، وربط موضوعات بأماكنها من كتب المصادر الأصلية، ونقل بعض الآراء والمسائل ووجوه المذاهب، من أجل تعضيد رأي، أو توهين قول، أو تفصيل مجمل، أو توضيح مبهم، أو الإشارة إلى مصدر فكرة، أو اتفاق خاطر، ليكون الدارس للكتاب على بيّنة وثقة مما ذكره المؤلف، محيطًا بفقه المسائل التي عرض لها، جامعًا لأطراف الآراء ووجوه المذاهب فيها، وليسهل عليه سبيل الاستزادة إن ابتغى إليها سبيلاً. وفي هذا يقول الدكتور محمود الطناحي: "وهو من أقدر الناس على تقديم كتاب، وتقويم نص، وتوثيق نقل، وتخريج شاهد، واستقصاء خبر، وإنّ له من وراء ذلك كله علمًا جامعًا بالمكتبة العربية، وإدراكًا للعلائق بين الكتب". وقد كان لهذا المنهج الشاق العسير أثر كبير في قلة أعمال السيد أحمد صقر، وعدم تكاملها، حيث وعد -في مقدمات كتبه- بإخراج وتحقيق كتب كثيرة مثل كتاب "المعارف" لابن قتيبة، وكتاب "نوادر الحكايات" للبيهقي، وكتاب "بغية الرائد" للقاضي عياض، وكتاب "الوسيط" للواحدي، وكتاب "هداية المرشدين" للباقلاني، ولكن لم ير النور من تلك الكتب شيء. كما "أعدّ نصوصًا كثيرة للنشر -تعب في تحصيل نُسَخها تعبًا باهظًا- مثل: "المصنف" لابن أبي شيبة، و"أمثال الحديث"، و"المحدث الفاصل بين الراوي والواعي"، وكلاهما لأبي محمد الرامهرمزي، و"أعلام السُّنن" لأبي سليمان الخطابي، و"المصطفى المختار في الأدعية والأذكار" لمجد الدين ابن الأثير، و"الجليس والأنيس" للمعافى بن زكريا الجريري النهرواني، وغير ذلك مما لا يعمله إلا الله. إلا أنّ السيد أحمد صقر تباطأ في إذاعتها، لأنه أراد أن يقرأها على مُكث ويعطيها حظها من الإتقان والإحسان، فسبقته إليها أيدٍ كثيرة فأخرجتها، ما كانت لتخرج لو بقيت عنده، وهذا ما دعاه إلى أن يطوي صدره على كثير من النفائس والنوادر، ثم جرَّه هذا إلى شيء من الملل، وهجر النشر مدة طويلة. وهاك مسردًا بآثار السيد أحمد صقر العلمية المحققة: ففي علوم القرآن الكريم: 1- "إعجاز القرآن" للباقلاني (تحقيق): مجلد واحد، دار المعارف بمصر، 1374هـ/1954م(35). 2- "تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (شرح وتحقيق): مجلد واحد، تصوير دار الكتب العلمية بمصر، 1373هـ/1954م. 3- "تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة (شرح وتحقيق): مجلد واحد، تصوير دار الكتب العلمية في لبنان، 1378هـ/1958م. 4- "أسباب النـزول" للواحدي (تحقيق): مجلد واحد، دار القبلة للثقافة الإسلامية بجدة، 1960م(36). وفي علوم السنّة النبوية: 5- "فتح الباري" لابن حجر (تعليق): ثلاث مجلدات (لم يتم)، دار الكتاب الجديد، 1389هـ. 6- "دلائل النبوة" للبيهقي (تحقيق): مجلد واحد (لم يتم)، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، 1389هـ/1970م. 7- "معرفة السنن والآثار" للبيهقي (تحقيق): مجلد واحد (لم يتم)، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1390هـ/1970م. 8- "مناقب الشافعي" للبيهقي (تحقيق): مجلدان، مكتبة دار التراث، 1391هـ/1971م. 9- "شرح السنّة" للبغوي (تحقيق): مجلد و احد (لم يتم)، طبعة دار الكتب 1396هـ/1976م. 10- "الإلماع" للقاضي عياض (تحقيق): مجلد واحد، مكتبة دار التراث، 1398هـ/1978م. في اللغة والأدب والشعر: 11- "جمع وشرح ديوان علقمة الفحل": مجلد واحد، مطبعة المحمودية بالقاهرة، 1353هـ/1935. 12- "مقاتل الطالبيين" لأبي الفرج الأصبهاني (شرح وتحقيق): مجلد واحد، دار المعرفة بلبنان، 1368هـ/1949م. 13- "الهوامل والشوامل" لأبي حيان التوحيدي ومسكويه(37) (تحقيق): مجلد واحد، لجنة التأليف والترجمة والنشر بوزارة الثقافة، 1370هـ/ 1951م. 14- "البصائر والذخائر" لأبي حيان (تحقيق): مجلد واحد (لم يتم)، لجنة التأليف والترجمة والنشر بوزارة الثقافة، 1373هـ/1953م(38). 15- "الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري" للآمدي (تحقيق): مجلدان (لم يتم)، طبعة دار المعارف بمصر، 1379هـ/1960م. 16- "الصاحبي" لابن فارس (تحقيق): مجلد واحد، طبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر، 1379هـ/1977م. السيد أحمد صقر ناقدًا: أمّا الميدان الآخر الذي أعمل فيه السيد أحمد صقر فكره الدؤوب، وقلمه النشيط، فهو نقد منشورات كتب التراث، ولأنّ النقد أول شروطه الحرية: الحرية العقلية، والحرية العلمية، والحرية الأدبية، فهو لا يعرف الصداقة، ولا يعرف الإكبار والإجلال، ولا يعرف المجاملة والمداجاة. وبكل هذه المزايا تمتّع السيد أحمد صقر، فكان من نوابغ النقد في عالمنا العربي. كان السيد أحمد صقر باحثًا جريء الرأي يصدع بالحق، ويحطم الأغلال ولا يبالي على مَن يقع معوله. سواء كان منقودوه ممن هم في مرتبة أستاذيه الذين يشعر لهم بالفضل، أو أصدقائه الذين يبادلهم الود، أو الأبعدين الذين يشاطرهم المجاملة. كما كان أيضًا ناقدًا نافذ البصيرة، جدليًّا دامغ الحجة، وكان يشيع فيه عراك الأقلام لذة ومتاعًا، ويرى السيد أحمد صقر أنّ ضعف النقد يدعو إلى العجب العريض والأسف العميق، وكان يدعو كل قارئ للكتب القديمة أن يعاون الناشر بنشر ما يرتئيه من أخطاء، وما يعنّ له من ملاحظات، فبمثل هذا التعاون العلمي المنشود تخلص الكتب العربية من شوائب التحريف والتصحيف الذي منيت به على أيدي الناسخين قديمًا والطابعين حديثًا". كما كان السيد أحمد صقر يعتقد أنّ الناقد يجب أن ينشر نقده بالحق وفي سبيله، غير عابئ بعتب ولا غضب، ولا خانس من المكاشفة بما يرى، فإنّ الجبن والإيمان لا يجتمعان في قلب واحد، كما أنه لا يشجى من الإصحار بالحق إلا كل مهيض المرة، منحلّ العقيدة، جبان العقل والقلب والضمير. وليس هذا الاعتقاد من باب الدعاوى العريضة بل هو منهج ارتضاه لنفسه وبهذا بدأ: "وإني على نهجي الذي انتهجت منذ أول كتاب نشرتُ، أدعو النقاد إلى إظهاري على أوهامي فيها، وتبيين ما دق عن فهمي من معانيها، أو ندّ عن نظري من مبانيها، وفاءً بحق العلم عليهم، وأداءً لحقِّ النصيحة فيه، لأبلغ بالكتاب فيما يُستأنف من الزمان، أمثلَ ما أستطيع من الصحة والإتقان". وبهذا المنهج الأصيل أمتع السيد أحمد صقر القراء بثروة من المقالات القيِّمة لنقد طائفة من كتب التراث اتسمت بالأصالة والدقة والأمانة، وأبانت عن قدرة فذة في تصحيح التصحيفات، وجرأة عالية في تفسير الغامض، وتوضيح المشكل. وقد كان لهذه النقدات أثر كبير في تقويم مناهج النشر، وشحذ لأذهان المؤلفين والمحققين، وتمحيص لحقائق العلم، وربما كان فيها أحيانًا ما يثير الحفيظة، ويوغر القلب، إلا أنه بجانب ذلك حقائق تذاع، وبحوث تنشر، تدل على عقل باحث وقلم نشيط. السيد أحمد صقر أديبًا: أمّا أدب السيد أحمد صقر -إذا ما عنينا بالأدب معناه الخاص وهو الأعمال الفنية المنشأة من قصة ورواية وشعر وغير ذلك- فالحق أنه لم يكن للسيد أحمد صقر نصيب من ذلك لا من قريب ولا من بعيد، حسب ما ظهر من أعماله وكتاباته، وفي هذا يقول الدكتور عادل سليمان: "وإني لأشهد أني لم أر الأستاذ صقرًا طوال صحبتي له سنين عددًا يكتب أدبًا منشئًا، شعرًا ونثرًا، كما كان شأن الأستاذ شاكر، ولم أشاهده يخوض فيما كان يخوض فيه الحاضرون في ندوة الأستاذ شاكر يوم الجمعة إذا تطرق الحديث إلى أدب كاتب: قصة أو رواية أو مسرحية، أو شعر شاعر، وعلى الرغم من أنه كان له في النحو باع وفي اللغة بسطة وفي البلاغة تمكّن واقتدار"(39). وأمّا إذا عنينا بالأدب في معناه العامّ، وهو حسن البيان، وجودة العبارة، والبراعة في الأسلوب، مما هو لازم لكل كاتب يريد لكتابته أن تقرأ، ولكل عالم يريد لعلمه أن يذيع، فلا سبيل للدكتور عادل سليمان إلى توهيم الدكتور الطناحي في أنّ السيد أحمد صقر رحمه الله "أديب من الطراز الأول، ولو أنه أطلق لملكاته الأدبية العنان لكان من كبار أدباء العربية"، واستدلال الدكتور عادل سليمان على ذلك بأنه أكثر معرفة بالسيد صقر من الطناحي، وأنه أسبق اتصالاً به، في غير محلّه، إذ إنّ الصداقة العقلية أكثر أثرًا وأنفذ بصرًا في مثل هذه الأمور من الصداقة الشخصية، إذ يعتبر السيد أحمد صقر -ومثله الطناحي- من زعماء النثر العلمي الأدبي الرفيع، ومن العلماء القلائل الذين استطاعوا أن يعرضوا الحقائق المعرفية والمسائل العلمية والقضايا المجردة في أسلوب عذب نديّ يترقرق فصاحة وصفاء وإشراقًا، إضافة إلى ذلك أنه كان يتعهد كتاباته، ويبالغ في تنقيحها، وتحريرها وتحبيرها، حتى لا تكاد ترى فيها ركاكة ولا قلقًا وتكلفًا، وإن شئت أخي القارئ روضة أريضة في وصف النشر ومتاعبه، تكشف لك ناحية السيد أحمد صقر الأدبية، فلا أظنك تجد مثل هذه الرائعة: "فالنشر فنٌّ خفيّ المسالك، عظيم المزالق، جَمُّ المصاعب، كثير المضايق، وشواغل الفكر فيه متواترة، ومتاعب البال وافرة، ومبهظات العقل غامرة، وجهود الفرد في مضماره قاصرة، يؤودها حفظ الصواب في سائر نصوص الكتاب، ويعجزها ضبط شوارد الأخطاء، ورجعها جميعًا إلى أصلها، فيأتي الناقد وهو موفور الجِمام فيقصد قصدها، ويسهل عليه قنصها"(40). فقل لي بربك أخي القارئ إن كنت للأدب من المتذوقين: ألا يستحق أن يوصف منشئ تلك العبارات بأنه أديب من الطراز الأول؟ مرضه ووفاته: وكان السيد أحمد صقر في آخر حياته قد ترادفت عليه الأسقام، وتوالت عليه الأوجاع، خاصة مرض السكري الذي أنهكه حتى عاد ناحلاً مهزولاً مجهودًا، فقدّم استقالته من التدريس من جامعة أمّ القرى بمكة المكرمة، وعاد إلى مصر، ولم يزل به المرض إلى أن اضطر إلى بتر ساقه، وكان قد زاره في حاله تلك حضرة الدكتور رضا السنوسي فوجده صابرًا محتسبًا على كرسي متحرك، ثم لم يمض على حاله تلك سوى عامين حتى اختاره الله إلى جواره في يوم السبت الثالث من شهر جمادى الآخرة من سنة عشر وأربعمائة وألف من هجرة النبي ، الموافق للثاني من شهر ديسمبر من عام 1989م. وبموته طويت صفحة من صفحات النبوغ والمعرفة، وغاض ينبوع ضخم من الأدب والعلم والموهبة والتجارب، عملت في تكوينها -بعد الله- الطبيعة الحرة، والزمان الطويل، والعمل المثمر، والإباء الأشم، والحفاظ المر، والخلق الصريح. نسأل الله أن يتغمّد ذنبه، وأن يمهد عذره، وأن ينير قبره، وأن يجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصدِّيقين والشهداء وحسن أولئك رفيقًا.
الهوامش:
(1) هذه الترجمة هي في الأصل مقدمة لكتاب تحت الطبع بعنوان "مقالات السيد أحمد صقر ومقدمات كتبه".
(2) اعتمادًا على رأي الدكتور محمود الطناحي رحمه الله تعالى، كما في كتابه المدخل لتاريخ نشر التراث ص90، حين قسّم مراحل نشر التراث في مصر خلال المائة عام الماضية إلى أربع مراحل، وسمى المرحلة الرابعة بمرحلة (الأفذاذ من الرجال) وذكر أولئك الأربعة فقط بعد أن قال: لا أتردد في تسميتهم بأسمائهم.
(3) حيث إنّ أول كتاب أجرى فيه قلمه بالشرح والتحقيق هو كتاب شرح ديوان علقمة، وعمره آنذاك عشرون سنة.
(4) انظر: المدخل لتاريخ نشر التراث للطناحي، ص100.
(5) انظر مقال (تعقيب على نقد ودرس للمنقود قبل الناقد) مجلة الكتاب، المجلد العاشر، عدد أبريل سنة 1951م.
(6) المدخل لتاريخ نشر التراث، ص99.
(7) انظر مذكرات يوسف القرضاوي: (ابن القرية والكتّاب) ص15، ص19.
(8) المدخل لتاريخ نشر التراث، ص100.
(9) انظر مذكرات يوسف القرضاوي: (ابن القرية والكتّاب)، ص27.
(10) مقدمة شرح ديوان علقمة الفحل.
(11) أفادني بذلك حضرة الأستاذ الجليل منصور مهران متعه الله بالصحة والعافية.
(12) مجلة الهداية الإسلامية، المجلد السابع، عدد رجب سنة 1355هـ، ص214.
(13) مجلة الرسالة، السنة الرابعة، عدد 148، ص754.
(14) انظر مقال (تعقيب على نقد ودرس للمنقود قبل الناقد) مجلة الكتاب، المجلد العاشر، عدد أبريل، سنة 1951م.
(15) انظر طبعة المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية لكتاب معرفة السنن والآثار للبيهقي بتحقيق السيد أحمد صقر، وتصدير محمد محيي الدين عبدالحميد.
(16) مقدمة شرح ديوان علقمة، ص8.
(17) انظر على سبيل المثال: مقدمة تحقيق مناقب الشافعي للبيهقي، ص31، ومقال (على هامش النثر الفني) المنشور بمجلة المجمع العلمي بدمشق سنة 1946هـ، الجزء الرابع والعشرون.
(18) انظر مقدمة ديوان حامد طاهر في موقعه الخاص على الإنترنت.
(19) أفادني بذلك الأستاذ منصور مهران حفظه الله تعالى.
(20) انظر مقال (نظرات في كتاب الأشربة)، مجلة الرسالة، السنة السابعة عشرة، ص1017.
(21) انظر مقال (نظرات في كتاب الأشر بة)، مجلة الرسالة، السنة السابعة عشرة، ص1076.
(22) انظر مقال (تعقيب على كلمة بواسل)، مجلة الرسالة، عدد 845، ص1359.
(23) مجلة الكتاب، المجلد الثاني عشر، سنة 1953م.
(24) انظر (برنامج طبقات فحول الشعراء)، ص127، ص133، ومقدمة التحقيق، ص71، بتصرف يسير، وانظر كذلك ردّ الأستاذ محمود شاكر على نقد السيد أحمد صقر في مجلة الكتاب، المجلد الثاني عشر، سنة 1953م، ص513.
(25) مقدمة ديوان حامد طاهر في موقعه الخاص على الإنترنت.
(26) مقدمة تحقيق كتاب الدعاء للطبراني، حققه الدكتور محمد حسن محمد سعيد بخاري، ص6.
(27) مجلة البيان (لندن)، عدد 190، سنة 1424هـ.
(28) انظر مقدمة ديوان حامد طاهر في موقعه الخاص على الإنترنت.
(29) مضمون مراسلة خاصة جرت بيني وبين الدكتور عامر صبري، وهو الآن مقيم بالبحرين.
(30) أفادني بهذا مشافهة الأستاذ منصور مهران.
(31) مقدمة تحقيق كتاب الدعاء للطبراني، ص7، بتصرف.
(32) مجلة معهد المخطوطات العربية، المجلد 47، الجزء 2، سنة 1424هـ/2003م، ص141.
(33) أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة الملك عبدالعزيز بجدة، وأحد طلاب السيد أحمد صقر في مرحلة الماجستير.
(34) مقدمة تحقيق كتاب الدعاء للطبراني، ص10.
(35) وقد كان المجمع اللغوي بالقاهرة قد قام بمحاولة فريدة لتشجيع إحياء التراث، فأعلن عن مسابقة أدبية لمحققي التراث في النشر والتحقيق العلمي، ظفر فيها السيد أحمد صقر بجائزتها عن هذا الكتاب.
(36) ولهذا الكتاب قصة طريفة ذكرها الطناحي في المدخل (ص102) مفادها: أنّ السيد أحمد صقر كان قد طبع هذا الكتاب على نفقته الخاصة على آنق صورة، بمطبعة عيسى البابي الحلبي، ثم أخذ نسخ الكتاب وأودعها مخزنًا ظلت قابعة فيه أكثر من عشر سنوات، وفشلت كل المحاولات لإخراج الكتاب من محبسه، حتى كانت سنة 1969م، وتكونت بمؤسسة الأهرام لجنة لإحياء التراث الإسلامي برئاسة الأستاذ حسن عباس زكي (وزير الاقتصاد المصري آنذاك)، وعضوية السيد أحمد صقر، وكان هذا الوزير من أفاضل الناس، ومن أكثرهم حُبًّا للتراث ونشره، ولما علم بتحقيق السيد صقر لهذا الكتاب، سُرّ سرورًا عظيمًا، للذي يعرفه من علم الأستاذ وجلالته، وأخذ على عاتقه إقناع السيد صقر بإخراج الكتاب. وفي أمسية ساخنة ببيته أخذ يتلطف مع السيد صقر، ويؤنسه، ولم يُفلته حتى استكتبه عقدًا ببيع الكتاب لمؤسسة الأهرام. وفي تلك الليلة أسمح الأستاذ السيد وألان، إذ كانت أمارات الصدق والتقدير لائحة في لهجة هذا الوزير الهمام، وليس كالصدق والتقدير باعثًا لهمة الأستاذ السيد صقر، فلم يكن حجبه للكتاب رغبة في التكسب وملء العَيبة، فإنه -علم الله- من أجود الناس، وأسخاهم يدًا.
(37) علّق الدكتور الطناحي في المدخل على تحقيق السيد أحمد صقر لهذا الكتاب بقوله: "وتحقيق هذا الكتاب مما يشهد للأستاذ السيد الصقر بعلوّ قدره في تقويم النصوص، فإنّ نسخة الكتاب معيبة بكثرة الخروم والأسقاط، وضياع أ