قصة قصيرة، عنوانها: ( زندقة)
مشكلات الفكر المنحرف لا يحلها إلا التاريخ؛ وذلك من خلال خلاصة التجارب السابقة التي مرت بها الأمة الإسلامية.
واليوم سنذكر لكم قصة مشوقة اسمها زندقة وموقف التاريخ منها.
عندما اشتد عود الإسلام وظهر أمره وغطى الأفق بعظمته ، وقضى على الكفرة والمنافقين والملحدين الضالين ، عرف أعداءه قوته فلم يقدروا على مواجهته، حينها تظاهروا بالإسلام للنفاذ إليه ومن ثم هدمه متخذين من الفكر والثقافة والفلسفة جسراً لذلك ، فكانت الزندقة إحدى معاول الهدم لهذا الدين .
فما هي قصة الزندقة ؟
الزندقة مفرد زنادقة ، وهي لفظ فارسي معرب : زنْد كِرَايْ (لسان العرب : مادة زندق ) وقيل إن الزنديق هو الذي يخرج على دين قومه. والزندقة لها عدة معاني منها الإلحاد والخروج على الأديان ويدخل فيها اتباع الديانات المجوسية القديمة،والقائلون ببقاء الدهر ، كما يدخل فيها الداعون إلى التهتك والخلاعة والمجون . وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية الزنادقة : هم المنافقون الطاعنون في القرآن والسنة ودين الإسلام ، فاسدوا الاعتقاد ملاحدة . (منهاج السنة 7/9).
وقصة الزنادقة تبدأ من أواخر العصر الأموي واشتد عودها في العصر العباسي الأول . وقد عمل على نشرها طائفة من مثقفي الفرس (الشعوبية) الذين كانوا يضمرون العداء للإسلام فكانوا يتظاهرون به لنشر المعتقدات المجوسية .
دخل الزنادقة على الأمة من باب التاريخ والحديث والأدب والشعر بعدة آراء فاسدة وأقوال غريبة ، وأكاذيب وتحريفات مضللة ، والشواهد على ذلك لا تُحصى. ذكر ابن حجر أن الإفساد في الحديث جاء من عند الزنادقة ..(لسان الميزان 1/13 ) .
وقد أفسد الزنادقة الشعوب بأرائهم الشاذة ومذاهبهم الضالة البعيدة عن الوحيين . وسلك مسلكهم وتأثر بهم العديد ممن يعرفون بالأدب والشعر مثل الكاتب ابن المقفع الذي رمي بالزندقة في عهدالخليفة العباسي المنصور، والشاعر صالح بن عبد القدوس في عهد المهدي الخليفة العباسي ، والشاعر الأعمى بشار بن برد وغيرهم .
وتطورت الزندقة في عهد العباسيين من خلال الأفشين قائد المعتصم الذي حاول استغلال منصبه العسكري لإحياء المعتقدات الفارسية القديمة، وتغلغلت الزندقة أيضاً في أفكار الصوفيين وغيرهم ولا تزال تمتد إلى يومنا هذا بأثواب جديدة ؛ فكيف نواجهها ؟
وبنظرة للوراء أقصد للتاريخ يتجلى موقف الأمة من الزنادقة في جانبين :
الجانب الأول: (فكري علمي محض) وهو قيام العلماء بمناقشتهم والرد على شبهاتهم وتعريتهم ودحض مفترياتهم وتأليف الكتب في الرد عليهم وتبين انحرافاتهم. وقد اشتهر في هذا المجال: الإمام الغزالي، وابن تيمية، وابن القيم.
الجانب الثاني : ( تعزيري شرعي) فإذا لم يستجيبوا ؛ ولم يتوبوا ؛ لا بد من الأخذ على أيديهم ؛ حميّة لله وغيرة على دينه ، وحتى لا تغرق السفينة !! .
فهذا عمر بن عبدالعزيز، الخليفة الأموي يأمر بقتل غيلان القدري، وهذا خالد القسري والي العراق ضحى بالجعد بن درهم. أي قتله في يوم عيد الأضحى.
وفي العهد العباسي استُستحدثت وظيفة جديدة اسمها صاحب الزنادقة وديوان خاص للزنادقة .
وعلى مر العهود الإسلامية لقي الزنادقة الذلة والهوان، لكنهم في هذا الزمان لقوا الحصانة والتشجيع من مراكز مشبوهة لها أغراض خبيثة، لكن الله متم دينه ونوره ولو كره الكافرون، ولو كره العلمانيون، ولو كره الباطنيون.
(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم، والله متم نوره ولو كره ......).
واللبيب بالإشارة يفهم، وإن تغيرت الأسماء أوتعددت فالحقد والهدف واحد.
كتبه
الدكتور الشريف إبراهيم يوسف الأقصم
دكتوراه في التاريخ الإسلامي
الدكتور الشريف إبراهيم يوسف الأقصم
دكتوراه في التاريخ الإسلامي