جدة في الشذرات
الدكتور عبدالرحمن سعد العرابي
الصديق الدكتور عدنان اليافي باحث من الباحثين الجادين جداً، ورغم تخصصه الهندسي فهو مهموم بالتاريخ وحركته، له العديد من الكتب في هذا الجانب وهي على درجة عالية من الكفاءة البحثية والمعلومات التاريخية وقد أتحفني الصديق الدكتور اليافي ببعضها. * آخر إصدارات الدكتور عدنان كتاب «جدة في شذرات الغزاوي» وهو في طباعة فاخرة وأنيقة تزيده بهاءً ورونقاً، والإبحار في فصول وسطور الكتاب يبين أن مضامينه تتعدّى عنوانه لتكون تأريخاً لمدينة جدة، وهو ما يعطيه قيمة علمية رفيعة. * أبدع الدكتور عدنان في إخراج كتاب يمثل بوابة معرفية قيمة للباحثين في تاريخ مدينة جدة، خاصة وأن المؤلف هو ابن جدة وهو ما يعتبر في عرف المؤرخين من العارفين بخبايا وتفاصيل موضوعاته. وقد وَضُحَ ذلك في استخدام المؤلف لصور ورسومات توضيحية لمواقع في جدة تدعيماً للمعلومات المكتوبة وتيسيراً على القراء. * جدة رغم عراقتها وقدمها التاريخي وأهميتها الحالية كمدينة كبرى وميناء هام وبوابة للحرمين الشريفين إلَّا أن تاريخها لم يلق العناية والاهتمام الكافيين من قبل المراكز البحثية ومن الباحثين أيضاً. وانا كأستاذ جامعي متخصص في التاريخ الحديث كثيراً ما أشجع طلابي وطالباتي على البحث والكشف عن خبايا لتاريخ جدة، خاصة ممّن هم من أبنائها. وهذا المنهج اتبعه مع كل الطلاب والطالبات في مراحل الدراسات العليا والماجستير والدكتوراة، في تشجيعهم على اختيار مواضيع تتعلق بمناطق نشأتهم وحياتهم لأنهم الأقدر على تفسير كثير من الأحداث وتحليلها ممن هم من خارجها. فالسياق العام لمكان الحدث مهم جداً لنا كمؤرخين في فهم وتفسير ما حدث وأسبابه. * ولهذا عندما وصلني كتاب «جدة في شذرات الغزاوي» للدكتور عدنان اليافي قرأته وتفحصتُ في معلوماته أبحث عن بعض من المواضيع التاريخية التي يمكن اختيارها، وتوجيه الطلاب والطالبات لها لتكون مواضيع لرسائلهم سواء للماجستير أو الدكتوراة. وللحق فقد وجدت دراسة علمية رفيعة المستوى أبدع في توثيقها بكل حرفية الدكتور عدنان. * يبدأ الدكتور كتابه بالحديث عن تسمية جدة وأصلها، ثم ينتقل إلى مؤرخيها ويذكر عدداً منهم سواء من أولئك الذين أقاموا بها كابن فرج، أو ممن هم من مدن أخرى قريبة مثل مكة المكرمة شرفها الله ومؤرخيها المشهورين أمثال ابن فهد وابن ظهيرة. ثم ينتقل المؤلف للتعريف بصاحب الشذرات الشاعر احمد إبراهيم الغزاوي ويفصل في هذا كثيراً خاصة علاقاته بالملوك عبدالعزيز وسعود وفيصل وخالد عليهم رحمة الله. ثم في فصل آخر ما قيل عن الغزاوي من كُتّاب وناقدين إلى ان يبدأ بعد ذلك في شذرات الغزاوي عن جدة والتي يلمس من خلالها القارئ تسجيلاً تاريخياً عن جدة في بعض مراحل حياتها. * ولا ينسى الدكتور عدنان إكمال الصورة التي نقلها شعراء آخرون عن جدة فيذكرهم في فصل مستقل كإضافة علمية توثيقية جيدة. ثم يكمل المؤلف جهده العلمي المميز بمنهجية رفيعة في وضع فهارس للمصادر والمراجع المستخدمة في الكتاب والصور وفهارس للصور والوثائق والإعلام والأماكن وأخيراً للموضوعات. وهذه كلها فيها إفادة كبرى للباحثين وتسهيل لفهم المواضيع وكثير من تفاصيلها. * «جدة في شذرات الغزاوي» ببساطة كتاب فيه جهد علمي مميز ويستحق القراءة، فهو مصدر حديث وأنيق لتاريخ مدينة عريقة جداً وفي حاجة إلى الدراسة والبحث.
_________
المصدر: صحيفة المدينة، 30/7/1431هـ