[align=CENTER]ينبــــــع
موطن آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه
ومنفذ المدينة النبوية وميناء الحج الثاني
{دراسة تاريخية}
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد النبي الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين ، ومن سار على سنته إلى يوم الدين .
-الموقع الجغرافي والنشأة التاريخية :
يَنْبُع ـ بفتح المثناة التحتية ، ثم تسكين الموحدة الفوقية ، ثم ضم الموحدة التحتية ، ثم عين مهملة ـ مضارع ( نَبَعَ ) ونبع الماء : ظهر . وسميت ينبع بذلك لكثرة ينابيعها . قال الشريف سلمة بن عياش الينبعي : عددت بها مئة وسبعين عيناً ( انظر : الفيروز آبادي : المغانم المطابة في معالم طابة ، ص440 ، وانظر السمهودي : وفاء الوفاء بأخبار دار المصطفى ، ج4، ص1334 ) وتقع على خط عرض (6ـ24) شمالاً ، وخط طول 3 ـ 38 شرقـاً . انظر : محمد أحمد الرويثي : الموانئ السعودية على البحر الأحمر ، ص298.
وانظر : خريطـــة \" ينبع \" التخطيطية : 500.0001 ، لوحة رقم 77 S ـ 37 NG، طبعت عام 1404هـ وزارة البترول والثروة المعدنية ، وخارطة طرق المواصلات : 1 : 3000.000 وزارة المواصلات .
وتلك ينبع الميناء ، أو الثغر البحري ، أو ما تسمى حديثاً \" ينبع البحر \" التي لا تبعد كثيراً عن \" ينبع النخل \" وفي الفترة الإسلامية المبكرة كانت الأحداث ترتبط أكثر بينبع النخل ، ومن العهد الأيوبي وما بعده ارتبطت الأحداث بينبع البحر والنخل على السواء حتى نهاية العهد المملوكي . وما إضافة البحر إلا للتفريق وإن كانتا لا تختلفان في القبائل والعادات والتاريخ المشترك ، وتمثل ينبع النخل الجزء الأعلى من المدينة ، وينبع البحر تشكل الجزء الأدنى منها ، وينبع البحر جزء أصيل من ينبع النخل وما المسافة الموجودة بينهما اليوم إلا مناطق العيون التي اندثرت معالمها ، ومما يؤكد تلاحمهما وأنهما بلدة واحدة قول العباس بن الحسن للرشيد :
ياوادي القصر نعم القصر والوادي * من منزل حاضر إن شئت أو بادي
تلقى قراقيره بالعقر واقفــــة * والضب والنون والملاح والحادي
فجمع الشاعر بين السفن ومرفأها والملاح ، وحادي الإبل ( والضب صيد البر والنون صيد البحر ). (انظر الطبري ، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص21ـ22. وعبدالكريم محمود الخطيب : تاريخ ينبع، الطبعة الأولى، 1405 ـ 1985، مطابع الشرق الأوسط ، الرياض، ص12) . ويحددها عرام السلمي (المتوفى في القرن الثالث) على أنها يمين رضوى الجبل ويصفها بأنها قرية كبيرة غناء ، سكانها من الأنصار وجهينة وليث وفيها عيون .
(انظر : أسماء جبال تهامة وسكانها: ص8).
ويصفها الإصطخري (ت340) بأنها حصن به نخل وماء وزروع ، وبها وقوف لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه يتولاها أولاده ، ويصف جبل رضوى بأنه أخضر ويرى من ينبع (انظر : المسالك والممالك : ص25، وانظر ابن حوقل : صورة الأرض ، ص32) .
وقد أقطع النبي صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه أربع أرضين في ينبع هي الفقيرين وبئر قيس ، والشجرة ، وأقطعه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ينبع مضافة إلى غيرها . وينسب إلى كُثِّير قوله :
أ هاجتك سلمى أم أجـد بكورها ؟ * وخفت بأنطاكي رقمٍ خـدورها
على هاجرات الشول قد خف خطرها * وأسلمها للضاعنات حضورها
قوارض حضني بطن ينبع غـدوة * قـواصد شرقي العناقين عيرها
وممن ينسب إلـى ينبع أبو عبدالله حرملـة المدلجي لـه صحبة ورواية عن رسـول الله صلى الله عليه وسلـم . ( انظر:الفيروز آبادي: المغانم المطابة في معالم طابة، ص440، (وانظر السمهودي: وفاء الوفاء، ج4، ص1334).
ومن أبرز من نسب إلى ينبع من التابعين عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، أبو محمد تابعي من أهل المدينة كان ذا عارضة وهيبة ولسان وشرف، وكانت له منزلة عند عمر بن عبدالعزيز، ويقول الخطيب البغدادي مارأيت أحداً من علمائنا يكرمون أحداً كما يكرمون عبدالله بن حسن، وعنه روى مالك الحديث، ويضيف أن لعبدالله ابن الحسن رواية عن أبيه وعن أمه فاطمة بنت الحسين، ويروي عنه سوى ما لك عبدالعزيز ابن محمد الداراوردي والمنذر بن زياد الطائي . أنجب من الأبناء من كان لهم أثر بارز في العالم الإسلامي أمثال محمد (النفس الزكية) وأخيه إبراهيم ومن عقبة بعض أشراف ينبع اليوم .
وكذلك من الأبناء يحيى الذي خرج في عهد الرشيد، وسليمان الذي قتل بفخ وإدريس الذي هرب إلى المغرب ومن عقبه الأشراف الأدارسة، وموسى الذي من عقبه جُل أشراف الحجاز اليوم .
وقد ولد عبدالله بن الحسن سنة 70، وتوفي في سجن أبي جعفر المنصور في الكوفة سنة 145هـ . (انظر: أحمد ابن علي أبا بكر الخطيب البغدادي : تاريخ بغداد ، دار الكتب العلمية ، بيروت، ج9، ص431ـ432، وانظر الأعلام للزركلي ، ج4، ص78، وانظر حمد الجاسر : بلاد ينبع ، ص137 ، 138) .
ومن الشعراء العباس بن الحسن من أهل القرن الثاني الهجري ومحمد بن صالح الحسني من أهل القرن الثالث الهجري . ومنهم أمير ينبع أبو هاشم محمد بن الحسين الأمير بن محمد الثائر، وابنه عبد الله جد الأشراف الهواشم الأمراء حكام مكة من منتصف القرن الخامس إلى السادس الهجري ، ومن الجغرافيين مسعر بن مهلهل الخزرجي من أهل القرن الرابع الهجري ، وكذلك الشريف قتادة بن إدريس الذي أسس الطبقة الرابعة من الأشراف أمراء مكة في القرن السادس الهجري حتـى القرن الرابع عشر الهجري ، وجُلُّ أشرافِ ينبع والحجاز اليوم من ذريته . (انظر : حمد الجاسر : بلاد ينبع ، ص11 ، محمد بن منصور: قبائل الطائف وأشراف الحجاز ص39 ، إبراهيم الأمير: تحقيق منية الطالب ص 23-2539) .
ومن علمـاء ينبع : محمد بن أبي بكر بن عبد العـزيز بن محمد أبوعبد الله عز الـدين الكناني . ولـد في ينبع عام 749هـ ، وعُرف باسم : ابن جماعة . من تلاميذ ابن خلدون اشتهر بعلم اللغة والبيان والأصول . (انظر : حمد الجاسر : بلاد ينبع ، ص118) .
ويتوسع عبد الكريم الخطيب في الحديث عنه نقلاً عن ابن خلدون الذي التقى ابن جماعة في ينبع عام (789هـ) والمقريزي والسيوطي بأن ابن جماعة عالم متفنن متكلم جدلي نظار نحوي لغوي بياني أخذ عن السراج الهذلي والضياء القرحي ، وابن خلدون والتاج السبكي وأخيه البهاء وغيرهم ، وله من المؤلفات الكثير ، وبرز في الحكمة والطب وصناعة النفط والكيمياء ، وكان يجله كثيراً ابن خلدون ، وتوفي بالقاهرة عام 819هـ . ذلك هو محمد بن جماعة الينبعي . (تاريخ ينبع، ص92 ، 93، (وقد عاش ابن جماعة في ينبع 40 عاماً وتلقى العلم فيها واتجه لمصر لمزيد من التعلم والتعليم حتى توفي بالقاهرة) .
وممن ينسب إلى ينبع مولداً تقي الدين ابن دقيق العيد (محي الدين أبي الحسن علي بن وهب بن مطيع بن أبي الطاعة القشيري النسب ، المنفلوطي الأصل الينبعي المولد ، القصصي المربى القاهري المنزل) وكان مولده بينبع في الخامس والعشرين من شعبان سنة 625هـ، وتوفى سنة 702هـ . اشتهر بمعرفته الواسعة للفقه والأسانيد والمتون ، وتولى الإفتاء في المذهبين المالكي والشافعي وأقرأ الحديث بالكاملية ، وتولى قضاء قضاة الشافعية بمصر (انظر : القاسم بن يوسف التجيبي السبتي : مستفاد الرحلة والاغتراب ، تحقيق عبدالحفيظ منصور ، الدار العربية للكتاب ـ ليبيا ، 1975م ، ص16ـ37) .
أما قرى ينبع فقد ارتبطت بكثير من الأحداث التاريخية الهامة على مدار الفترة الإسلامية خاصة المبكرة منها.
ومن أهم هذه القرى :
1 ـ البغيبغة : بغينين معجمتين ـ تصغير البغبغة ـ وهي البئر القريبة الرشاء ، ولما صارت ينبع لعلي رضي الله عنه جعل عيون البغيبغات صدقة على المساكين وابن السبيل ، وارتبطت بهذه القرية أحداث سياسية في عهود مختلفة .
2 ـ البليدة : قرية لآل علي .
3 ـ سويقة : تصغير ساق ، يسكنها آل علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهي أيضاً عين عذبة كثيرة الماء . وارتبطت أيضاً بأحداث سياسية عرّضتها لكثير من الاضطرابات بل إلى الحرق في عدة مرات وعقر نخلها وتخريب منازلها .
4 ـ العشيرة : تصغير عشرة من العدد ، أو تصغير عُشَرة واحدة العشر للشجر المعروف ، وهي حصن صغير يُفضل تمره على سائر تمور الحجـاز ، وفي هذا المكان كانت غزوة العشيرة على زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وفي الوقت الحاضر تغير اسمها إلى القرية أو \" القريّة \" تصغير قرية . ( انظر : الفيروز آبادي: المغانم المطابة ص 59/65/191/194 والسمهودي: وفاء الوفاء، ج4، ص1150/1155/1239/1266، وحمد الجاسر : بلاد ينبع ، ص12ـ19، وانظر أحمد عبد الحميد العباسي : عمدة الأخبار في مدينة المختار، ص 280/320/225/221) .
5 ـ العلقمية : ارتبطت هذه القرية بأنها كانت موطن قتادة أمير مكة ومؤسس الطبقة الرابعة من الأشراف أمراء مكة من القرن السادس إلى الرابع عشر الهجري . (الفيروز آبادي : المغانم المطابة ص 59/65/191/194 والسمهودي : وفاء الوفاء ، ج4، ص1115/1155/1239/1266، وحمد الجاسر: بلاد ينبع، ص12ـ19، وانظر أحمد عبد الحميد العباسي : عمدة الأخبار في مدينة المختار ، ص 280/320/225/221) .
6 -العيص : وادٍ من أشهر أودية الحجاز، الواقعة في الجهة الشمالية الغربية من المدينة ، وهو تـابع الآن لمحافظة ينبع ، ويبعد عنها بحوالي 150كم ، وسكانه من جهينة . وورد ذكره في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم ، في صلح الحديبية عندما لجأ أبو بصير بن سهيل بن عمروٍ إلى هذا الوادي ليقطع الطريق على قوافل قريش ، حتى قتل رضي الله عنه . (انظر : الفيروزآبادي : المغانم المطابة ، ص288،السمهودي : وفاء الوفاء،ج4،ص1270،حمد الجاسر : بلاد ينبع،ص201) .
وكذلك ما نُسب إلى ينبع من آثار نبوية مزعومة ـ ( شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ومكحلة ومرود وقطعة من قميص للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيف من سيوفه ومصحف لعثمان بن عفان رضي الله عنه وآخر لعلي بن أبي طـالب رضي الله عنه نقلت إلى القاهرة في القرن السابع الهجري اشتراها الصاحب بهاء الدين بن حنا الوزير المملوكي من أسرة بني إبراهيم من بني الحسن بن علي بن أبي طـالب رضي الله عنهما من سكان مدينة ينبع ، انظر : حمد الجاسر : بلاد ينبع، ص145 ـ 146 .
واستقرت هذه الآثار الآن في مسجد الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما المزعوم وجود قبره بمصر( انظر : محمد قناوي : (المدينة في رحاب الآثار النبوية بالمسجد الحسيني) جريدة المدينة ، العدد (13083) السبت 27/10/1419هـ ، والعدد (13086) الثلاثاء 30/10/1419هـ) (والوزير: هو علي بن محمد بن سليم المصري (603-677) كان من أكابر رجال عصره حزما وعزما ، ولد وتوفي بمصر وعين وزيرا في عهد الظاهر واستمر في عهد ابنه سعيد حتى توفي . ( انظر الزركلي : الأعلام ، ج4، ص333) .
أما ينبع البحر ، فيضاف البحر للتفريق بينها وبين ينبع النخل ؛ ولأنها تقع على ساحل البحر مباشرة ، وهي ميناء المدينة ، ورغم ماذكر من أنها قد عُرفت كميناء حتى قبل ميلاد المسيح عليه السلام وأنها كانت تسمى في كتب اليونان القديمة (NERA) أو (NEGRA) إلا أن ميناء الجار سبق ميناء ينبع على الأقل في الفترة الإسلامية المبكرة واكتسب شهرة كبيرة ولم يكن لينبع الميناء وجود معه ولم يظهر ميناء ينبع إلا بعد انهيار واضمحلال الجار في أواخر القرن السادس الهجري ، وعندما اختاره الأيوبيون عام 621هـ ميناءً رئيسياً للمدينة المنورة ، ودفعوا ثمنه للأشراف الحَسنيين أصحاب ينبع، وعاود الأشراف الاستيلاء عليه وتنقلت السلطة على الميناء مابين الأشراف والأيوبيين والمماليك فيما بعد ، وأصبح الميناء الثاني في الحجاز لنقل مؤن الحجاج ، ومؤن عمارة الحرمين الشريفين بعد ميناء جُدة ، وقد نشأ الميناء على نقطة تقع بين شرم ينبع في الشمال ومصب وادي الفرعة في الجنوب ، ويقدر متوسط ما بينهما (15كم) وبالتالي يصب في وادي ثمر ، وهو بوابة المدينة المنورة، ومنفذ الحجاز الأوسط ويبعد شرم ينبع عن الميناء بحوالي 15كم شمالاً ، وهو من المعالم الجغرافية الجميلة في ينبع ، ويمتاز بمنظره الخلاب ومياهه الصافية ، وتبرز حوله الصخور المرجانية ، وهي بالتالي تساعد على حماية الشرم . وخليج ينبع لايزيد عرضه عن 3 كم، وأضيق أجزائه نصف كيلومتر ، وتنتشر فيه شعاب مرجانية وبينها جزر صغيرة ، وانتشار الشعاب المرجانية في منطقة الميناء المائية ساهم في تمدد ممرات ضيقة نحو الشمال الشرقي والجنوب . ويتم الوصول إلى الميناء عن طريق قنال طوله 1609م وعمقه 10.36م . وساهم الموقع الطبيعي للميناء على تطور مهمة الميناء من مرحلة صيد إلى ميناء تجــاري وعسكــري من القــرن السابـع حتى القرن العاشر الهجري . (انظر : محمد الرويثي : الموانئ السعودية ، ص298ـ299) .
ينبع في العهد النبوي : ( على نبينا محمد أفضل الصلاة وأتم التسليم) :
من أولى الأحداث التي ارتبطت بينبع في هذا العهد المبارك (غزوة ودّان) التي وقعت في السنة الثانية من الهجرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم حيث خرج غازياً في شهر صفر حتى بلغ ودَّان وهي بجوار الأبواء ، يريد قريشاً وبني ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانه فوادعته فيها بني ضمرة ، ووادعه مخشي بن عمرو الضمري ، ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة ، ولم يلق كيداً ، وهي أول غزوة غزاها.(انظر: ابن هشام: السيرة النبوية، تحقيق طه عبدالرؤوف سعد، 1975، دار الجيل ، بيروت، ج2، ص170ـ171) .
ويذكر عبدالكريم الخطيب أن ودان هذه قرية منورة الغربية من ينبع البحر . (انظر: تاريخ ينبع، ص185) .
كما غزا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر ربيع الأول يريد قريشا حتى بلغ (بواط) من ناحية رضوى ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً فلبث بها بقية شهر ربيع الآخر وبعض جمادى الأولى . ورضــوى كما سبق ذكره جبل بينبع . (انظر : ابن هشام ، السيرة النبوية ، ج2، ص176. مع العلم أن ودان وبواط ليستا بحريتين) .
ومن الرايات التي عقدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبعض أصحابه باتجاه ساحل البحر الأحمر بهدف اعتراض قوافل قريش ، سرية عبيدة بن الحارث ، والتي عدها ابن هشام أول راية عقدها عليه الصلاة والسلام ، وسار بها حتى بلغ ماء بالحجاز بأسفل ثنية المرة .(ثنية المرة بالكسر وتشديد الراء، قرب ماء يدعى الإحياء من رابغ، انظر السمهودي: وفاء الوفاء، ج4، ص1167) .
ولقي بها جمعاً كبيراً من قريش إلا أنه لم يكن بينهم قتال ، إلا أن سعد بن أبي وقـاص رضي الله عنه رمى فيها بسهم ، فكان أول سهم رُمي به في الإسلام . (انظر : ابن هشام : السيرة النبوية، ج2، ص171) .
وتلت هذه السرية سرية حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه إلى سيف البحر من ناحية العيص من المهاجرين ، ولقي أبا جهل في ثلاث مئة راكب من أهل مكة إلا أن مجدي بن عمرو الجهني حجز بينهما ، وكان موادعاً للفريقين ، فلم يقع قتالٌ . (انظر : ابن هشام ، ج2، ص174) .
غزوة العشيرة:
نزل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم العشيرة من بطن ينبع غازياً ، فأقام بها جمادى الأولى وليالي من جمادي الآخرة ، من السنة الثانية للهجرة وادع فيها بني مدلج وحلفاءهم من بني ضمرة ثم رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً في تلك الغزوة وقال لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه مالك يا أبا تراب؟ لما يرى عليه من التراب ، فقد حدَّث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال : كنت أنا وعلي بن أبي طالب رفيقين في غزوة العشيرة ؛ فلما نزلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وأقام بها ؛ رأينا أنُاساً من بني مدلج يعملون في عين لهم وفي نخل . فقال لي علي بن أبي طالب : يا أبا اليقظان ، هل لك في أن نأتي هؤلاء القوم ، فتنظر كيف يعملون ؟ قال : قلت : إن شئت ؛ قال : فجئناهم، فنظرنا إلى عملهم ساعة ، ثم غشينا النوم . فانطلقت أنا وعلي حتى اضطجعنا في صدر من النخل وفي دقعاء من التراب فنمنا ، فوالله ما أهبنا إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحركنا برجله . وقد تتربنا من تلك الدقعاء التي نمنا فيها ، وبعد قوله : يا أبا تراب قال : ألا أحدثكما بأشقى الناس رجلين ؟ قلنا : بلى يا رسول الله ؛ قال : أحيمر ثمود الذي عقر الناقــة ، والذي يضربك يا علي على هذه ـ ووضع يده على قرنه ـ حتى يبل منها هذه . وأخذ بلحيته.(انظر : ابن هشام : السيرة النبوية : ج2، ص176ـ177) .
إلا أن وصف علي بن أبي طالب رضي الله عنـــه بأبي تراب ورد في حديث سهل بن سعد . قال : جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بيت فاطمة فلم يجد علياً في البيت . فقال : \" أين ابن عمك ؟ \" قالت : كان بيني وبينه شيء ، فغاضبني ، فخرج ، فلم يَقِلْ عندي . فقـال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لإنسان : \" انظر أين هو \" فجاء ، فقال : يا رسول الله ! هو في المسجد راقد . فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو مضطجع ، قد سقط رداؤه عن شقه ، وأصابه ترابٌ . فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسحه عنه ، ويقول : \" قم أبا تراب ! قم أبا تراب \" متفق عليه وأخرجه البخاري في كتاب الصلاة باب نوم الرجال في المسجد ، ( انظر محمد فؤاد عبد الباقي : اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ، ج3، ص133) .
ينبع في العهد العباسي:
لعل أول وأهم الأحداث التي ارتبطت بالحجاز وأحد ثغوره( ينبع ) في العهد العباسي \" ثورة محمد بن عبد الله ذي النفس الزكية \" رحمه الله . وهو محمد بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، أبو عبد الله الملقب بالأرقط ، وبالمهدي ، وبالنفس الزكية ، ولد ونشأ بالمدينة ، وكان يقال له صريح قريش ، لأن أمه وجداته لم يكن فيهن أم ولد . (انظر : ابن الأثير : الكامل ، ج5، ص12، وابن الطقطقا : محمد بن علي بن طباطبا : الفخري في الآداب السلطانية والدول الإسلامية ، دار صادر ـ بيروت، 1386هـ ـ 1966م، ص165ـ166، وانظر الزركلي : الأعلام، ج6، ص220 ) .
ولما أعلن أبو العباس السفاح الخلافة عباسية رفض النفس الزكية مبايعته ، ولما تولى أبو جعفر المنصور الخلافة لم تكن له همة إلا طلب النفس الزكية والسؤال عنه ، واختار أبو جعفر رجلاً من رجاله يقال له عقبة بن أسلم، أعده لمهمة كشف حقيقة ما يخبئه آل علي له ، واستطاع عقبة هذا أن يأخذ ما أراد من عبد الله بن الحسن بالحيلة والدهاء وعرف منه أن ابنيه محمد وإبراهيم خرجا لطلب الخلافة ، فنقل ذلك لأبي جعفر ، وفي رحلة حج للمنصور سجن عبد الله بن الحسن ، ولم يكتف بذلك بل بعث عيناً له وكتب معه كتاباً على ألسنة الشيعة ، إلى محمد يذكرونه طاعتهم ، ومسارعتهم ، وبعث معه بمال وألطاف ، فقدم الرجل المدينة ، فدخل على عبد الله بن حسن فسأله عن محمد فذكر له أنه في جبل جهينة (أي جبل رضوى بينبع) وقال : امرر بعلي بن حسن ، الرجل الصالح ، الذي يدعى الأغر وهو بذي الإبر ، فهو يرشدك ، فأتاه فأرشده. ولكن كان لأبي جعفر كاتب على سره متشيعاً، فكتب إلى عبد الله بن حسن بأمر ذلك العين، وما بُعث له، فقدم الكتاب على عبد الله، فارتاعوا وبعثوا أبا هبار إلى علي بن الحسن وإلى محمد ليحذرهم الرجل، فخرج أبو هبار حتى نزل بعلي بن حسن، فسأله فأخبره أن قد أرشده اليه، قال أبو هبار: فجئت محمد إلى موضعه الذي هو به، فإذا هو جالس إلى كهف معه عبد الله بن عامر الأسلمي، وابني شجاع وغيرهم، والرجل معهم أعلاهم صوتاً، وأشدهم انبساطاً، فلما رآني ظهر عليه بعض النكرة، فجلست مع القوم، فتحدثت ملياً، ثم أصغيت إلى محمد، فقلت: إن لي حاجة فنهض، ونهضت معه فأخبرته بخبر الرجل، فاسترجع، وقال: فما الرأي؟ فقلت: إحدى ثلاث أيها شئت فافعل، قال: وما هي؟ قلت، تدعني فأقتل الرجل قال ما أنا بمقارف دماً إلا مكرهاً: أو ماذا؟ قلت توقره حديداً تنقله معك حيث انتقلت قال: وهل بنا فراغ له من الخوف والإعجال: وماذا؟ قلت تشده، وتوثقه وتودعه بعض أهل ثقتك من جهينة. إلا أن هذا الرجل عين أبي جعفر هرب منهم وأبلغ المنصور بأمرهم. واشتد طلب المنصور لمحمد بن عبد الله، وخرج إلى محمد النفس الزكية والي ينبع من قبل المنصور بالخيل والرجال، فهرب النفس الزكية من جبل رضوى، وأثناء ذلك أفلت له ولد صغير من الجبل فتقطع.
ولما حج المنصور سنة 144هـ وفي عودته من الحج أخذ معه بني الحسن وجعلت القيود والسلاسل في أرجلهم وأعناقهم، وكان يراقب هذا الموقف جعفر الصادق من وراء ستر وهو يبكي ودموعه تجري على لحيته وهو يدعو الله ثم قال: والله لايحفظ الله حرميه بعد هؤلاء، وكان محمد وأخوه إبراهيم يأتيان إلى أبيهما ويستأذنانه بالخروج ويقول لاتعجلا حتى يمكنكما ذلك.
وسجنهم المنصور بقصر ابن هبيرة شرقي الكوفة، وأحضر المنصور محمد بن إبراهيم بن الحسن ـ وكان أحسن الناس صورة. فقال له: أنت الديباج الأصغر: قال: نعم قال: لأقتلنك قتلة لم أقتلها أحداً ثم أمر به فبنى عليه اسطوانة وهو حي فمات فيها، وكان ابراهيم بن الحسن أول من مات منهم، ثم عبد الله بن الحسن. وذكر أن المنصور أمر بقتلهم وقيل بل سقوا سماً.
دفعت هذه الأحداث، وإلحاح المنصور في طلبه محمداً أن يخرج فخرج قبل وقته الذي فارق عليه أخاه إبراهيم، فأنكر ذلك، ولكن إبراهيم تأخر عن وقته لجدري أصابه، وقد خرج في أول يوم من رجب (145هـ) وفي رواية لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة، واستطاع السيطرة على المدينة.
كلف أبو جعفر المنصور عيسى بن موسى بقتـال النفس الزكية وقـال: لا أبالي أيهما قتل صـاحبه، وأرسل معه 4000 من الجند وكتب إلى عيسى بن موسى من لقيك من آل أبي طالب فاكتب إلي باسمه ومن لم يلقك فاقبض ماله، فقبض عين أبي زياد \"في ينبع\"، وكانت لجعفر بن محمد \"الصادق\"، فلما قدم على أبي جعفر كلمه جعفر، قال: مالي قال: قد قبضه مهديكم.( انظر: الطبري: الأمم والملوك، ج4، ص402ـ412 (أحداث سنة 144). وابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج4، ص374ـ376. الطبري: الأمم والملوك، ج4، ص422 ـ 423. ، ج4، ص437).
ينبع في العهد الأيوبي:
ومن قرية العلقمية بينبع ظهر مؤسس الطبقة الرابعة من أمراء مكة الأشراف في العام 597هـ (الشريف قتادة ابن إدريس بن مطـاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسين بن سليمـان بن علي بن عبد الله بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ويكنى أبا عزيز الينبعي المكي) وكان هو وأهله يسكنون العلقمية من ينبع، وأصبح في قومه رئيساً، فجمعهم، وأركبهم الخيل، وحارب الأشراف بني حراب، من ولد عبد الله بن الحسن بن الحسن، وبني علي، وبني أحمد، وبني إبراهيم. ومن دوافع توجهه إلى مكة ما وصله من أخبار بني عمه الهواشم بني فليته من انهماكهم في اللهو، وتبسطهم في الظلم، وأعد نفسه وقومه وتوجه إلى مكة وقيل إنه لم يذهب بنفسه بل بعث ابنه حنظلة فملك مكة، وخرج منها مكثر بن عيسى بن فليته آخر أمراء مكة من الهواشم (وهم الطبقة الثالثة).
وكان قتادة مهيباً، وقوراً قوي النفس شجاعاً مقداماً، فاضلا وله شعر، ومن شعره عندما طلبه الخليفة العباسي الناصر أن يَقدُم عليه ببغداد وافق في أول الأمر ثم تراجع خشية أن يُغدر به :
ولـي كف ضرغــام أصول ببطشـــها وأشــرى بهــا بين الــورى وأبيـع
تظــل ملــوك الأرض تلثـم ظهرهــا وفي بطنهــا للــمجــــدبين ربيـع
أ أجعلـها تحت الثــرى ثــم أبتغـــي خــلاصاً لهــا إني إذاً لرقيـــــع
ومــا أنــا إلا المسـك في كل بلـــدة أضــوع وأمــا عنــدكم فأضيـــع
ويذكر ابن الأثير أن ولايته اتسعت من حدود اليمن إلى المدينة، وله قلعة بينبع،، وأكثر من العسكر والمماليك، وخاف العرب في تلك البلاد منه خوفاً عظيماً، وكان أول ملكه حسن السيرة، فقد أزال عن مكة العبيد المفسدين، وحمى البلاد، فأحسن إلى الحجاج وأكرمهم، إلا أنه بعد ذلك وفي آخر أيامه ساءت سيرته، وتوفي في 617 أو 618هـ في شهر جمادى الأولى أو الآخرة.(انظر : ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج9، ص345 حوادث سنة 618هـ ،وانظر ابن عنبه: عمدة الطالب، ص166، وانظر تاريخ ابن خلدون، ج4 ص134ـ136، الفاسي: العقد الثمين، ج5، ص463ـ475، وانظر عبد العزيز بن فهد، غاية المرام بأخبـار سلطنة البلد الحـرام، ج1، ص550ـ555، وانظر عبد الملك بن حسين وانظر العصامي: النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي، 1379، المطبعة السلفية، القاهرة، ج4، ص207ـ214،وانظر : السنجاري: منائح الكرم ، ج2، ص266ـ269 وانظر : الدحلان : خلاصة الكلام، ص23 ،وانظر سنوك: صفحات من تاريخ مكة، ج1، ص173ـ176، وانظر: السباعي: تاريخ مكة، ص224ـ227).
وفي العام 621هـ وفي خضم التنافس بين حكام مصر وحكام اليمن على مكة اشترى الأيوبيون في مصر ينبع من الأشراف بني الحسن وقصدوا بذلك الإشراف المباشر على ميناء ينبع، وقدر المبلغ الذي تم دفعه للأشراف بأربعة آلاف مثقال، ولم تزل بأيديهم إلى سنة 630هـ، وأقاموا فيه بعض الإنشاءات، ورغم استعادة الأشراف السيطرة على الميناء إلا أن الأيوبيين استرجعوه وبنوا فيه قلعة حصينة ووضعوا فيه عسكراً لحمايته، وبالتالي أصبحت ينبع الميناء سيدة الأحداث القادمة، اُتخذت الميناء الرئيسي للمدينة وأصبحت في المرتبة الثانية بعد جُدة. وبالرغم من سيطرة الأيوبيين بقيت ينبع ملاذاً لأمراء مكة في صراعاتهم الداخلية، فكانت أحياناً تؤوب إليها الأحداث من مكة، وأحياناً تنطلق منها بخروج أمير من بني الحسن منها أو بدخول أمير من بني الحسن إليها.. وفي سنة 700هـ نال ينبع خير عندما نزل بها الأمير بكتمر الجو كندرا وأنفق في حجته خمسة وثمانين ألف دينار، فقد جهز سبعة مراكب في البحر الأحمر تحمل الغلال والدقيق وأنواعاً من العسل والسكر والزيت والحلوى وغير ذلك، وعند وصوله ينبع وصل من هذه المراكب ثلاثة ففرق كثيراً من محتوياتها بين الحجاج الذين يمرون ينبع بحراً أو براً، وكذلك نال أهل ينبع منها نصيب، وكذلك فعل في جُدة ومكة، ولم ينس أيضاً حجاج الشام.( انظر: المقريزي: السلوك، ج1، ص337، والنجم عمر بن فهد: إتحاف الورى، ج3، ص39. وانظر حمد الجاسر: بلاد ينبع، ص49. المقريزي: السلوك،ج2، ص342، وابن فهد: إتحاف الورى، ج3، ص132).
ينبع في العهد المملوكي:
وفي العام 792هـ وفي خضم صراع الشريف عنان من أجل الوصول إلى الإمارة، وفي طريق عودته من مصر يرافقه مندوب تركي من السلطان لتقليده الإمارة بمكة مر بينبع، فشجعه أمير ينبع وبير بن مخبار على مشاركته في قتال بني إبراهيم حتى انتصروا عليهم، فتوجه عنان بعد ذلك إلى مكة.(انظر: الفاسي: العقد الثمين، ج5، ص421، وابن فهد: إتحاف الورى، ج3، ص377).
وفي العام 794هـ عين الشريف علي بن عجلان أميراً على مكة، لكن الأشراف بمكة كانوا على خلاف معه ولم يساندوا إمارته، فتركوا مكة عام 795هـ إلى بحرة قرب جُدة فلحقهم علي بن عجلان إلى بحرة فرحلوا إلى جُدة أملاً في أن يستولوا على مركب سلطاني قادم من مصر، فلما علم بذلك اضطر إلى إعطائهم 400 غرارة قمح فلم يرضوا فزادهم مئة أخرى فرضوا وخرجوا من جُدة. وأدت هذه الصراعات إلى تضعضع الأمن في مكة وجُدة فما كان من التجار إلا أن نقلوا تجارتهم إلى ميناء ينبع.(انظر:ابن فهد: إتحاف الورى: ج3، ص388ـ389، الدحلان: خلاصة الكلام، ص36).
وفي ينبع وفي سنة 798هـ اضطر أميرها وبير بن مخبار إلى تسليم مبلغ ثلاثين ألف درهم مقابل ما استولى عليه من القمح وغيره إلى الشريف حسن بن عجلان الذي قدم من مصر وبرفقته جماعة من الترك ليقلدوه الإمارة في مكة بعد أن هدد أمير ينبع بالحرب.(انظر: الفاسي: العقد الثمين: ج3، ص349، ابن فهد: إتحاف الورى: ج3، ص398).
وفي سنة 809 تم القبض على عامل جُدة جابر الحراشي بأمر من أمير مكة، فصودرت أمواله وسجن بمكة، ثم أُخرج من السجن بشفاعة صاحب صنعاء، وأعيد إليه جزء من ماله، وتوجه إلى اليمن، وذكر النجم ابن فهد أن مكاسب أمير مكة من التجار والحراشي بلغت قرابة 40.000 مثقال.
وفي نفس العام في شهر رمضان وصل أميرا ينبع الشريفان وبير ومُقبل ابنا مخبار إلى أمير مكة حسن معلنين ولاءهما له، وزال مابينهم من خلاف. وفي عام 812هـ عاد ولاؤهما له، وزال مابينهم من خلاف. وفي عام 812هـ عاد الحراشي إلى الأحداث وسعى جاهداً للانتقام من حسن بن عجلان بالذهاب إلى مصر وتشجيع السلطان على عزله إلا أن سعيه باء بالفشل، وأثناء عودته من مصر مع الحاج سكن ينبع وتقرب إلى ولاتها، وبنى لهم بها قلعة وسوراً ورغم ما اكتسبه من مال لكنه ما زال يرغب في العودة إلى مكة.
وفي العام 815هـ غضب أمير مكة من جابر الحراشي وسعى إلى إخراجه من ينبعَ لما بلغه من أنه يشجع حاكم اليمن على صرف المراكب من ميناء جُدة إلى ميناء ينبع، فكان أن خرج الحراشي من ينبع إلى مصر وأخذ يحرض السلطان المملوكي على أمير مكة حسن بن عجلان فلم تنجح محاولته وأُعيد إلى الحجاز برفقة الحاج مكبلاً بالحديد فعفا عنه أمير مكة، بل وفوض إليه أمر جُدة مرة أخرى.
وينال ينبع كذلك نصيبٌ من هذه الصراعات ومن ذلك ما حصل عام 825هـ عندما نزل الأمير جانبك الخازندار ينبع في شهر ذي الحجة لقتال الشريف مقبل أمير ينبع، وبرفقته عقيل بن وبير الحسني الذي منحه السلطان إمرة ينبع، واضطر مقبل بقبول عقيل شريكا له في الإمارة، فما أن غادر الحاج ينبع حتى عاد القتال بين الأميرين . وانتصر مقبل على عقيل ابن أخيه، ولما عاد الحاج إلى ينبع هاجم المماليك الأمير مقبل، وقتل في ذلك جماعة من الأشراف من بني حسن وكثر السلب والنهب في ينبع في الأشراف وغيرهم، وما إن خرجوا من ينبع حتى عاد مقبل لقتال ابن أخيه عقيل على الإمارة إلا أنه لم يتمكن من ذلك وهزم في عام 828 وحمل الشريف مقبل في الحديد إلى الإسكندرية وسجن بها.(انظر: الفاسي: العقد الثمين، ج3، ص359، ابن فهد: إتحاف الورى، ج3، ص450ـ451. المقريزي: السلوك، ج7، ص67ـ68، ص116).
ومازالت ينبع منطلقاً لبعض الأحداث، فتقبل إليها الأحداث وتدبر فتحل في مينائها حملات الحجيج ويصطدم امراؤها بأمراء الحج فيسيرون معهم أو يسيرون ضدهم، ومازالت ملاذاً لأمراء مكة والثائرين من أشرافها، فلايمر عام دون أن يكون هناك ذكر لينبع في أحداث الحجاز الداخلية. وفي العام 827هـ وصل أمير الحاج المصري الأمير قرقماس في ربيع الأول إلى ينبع يحمل أمراً بعزل حسن بن عجلان وتولية علي بن عنان وأشرك معه أهل ينبع والصفراء والمدينة فالتقى بهم الأمير الجديد في ينبع ودخلوا مكة في جمادى الأولى وتوجه الأمير الجديد إلى جُدة لملاطفة التجار القادمين إليها وتشجيعهم على الرسو في ميناء جُدة.(انظر : ابن فهد: إتحاف الورى، ج3، ص604).
وفي العام 872هـ عادت ينبع أيضا إلى واجهة الأحداث معلنة بداية صراعات مسلحة وأحداث سياسية متلاحقة، عندما قتل سبع وسّباع ولدا هجار من أمراء ينبع، ويشير ابن فهد إلى أنهما قتلا في صراع مع قطاع طرق للحج، ويذكر ابن إياس أن أمير ينبع خنافر بن وبير قتلهما، فكانت تلك الحادثة بداية سلسلة من الصراعات انطلقت من ينبع.
وفي عام 875هـ أقر السلطان الأشرف قايتباي في إمرة ينبع الشريف سبع بن خنافر.
ونال هذا الشريف أيضاً خُلَع السلطان عام 883هـ، وتقرير ما له في إمارة ينبع. (انظر: ابن فهد: إتحاف الورى، ج4، ص485، وانظر: محمد بن أحمد الحنفي\"ابن إياس\" : بدائع الزهور في وقائع الدهور، تحقيق محمد مصطفى، الطبعة الثانية، القاهرة، 1383ـ1963، ج3، ص15ـ16،ص60،ص147).
ففي ينبع قام الأمير دراج (من نسله الأشراف ذوي هجار القاطنين بينبع النخل إلى الوقت الحاضر). بدور نبيل في حفظ مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم من عبث أميرها حسن بن الزبير الذي تهجم على مخزون الحجرة الشريفة، ودخل المدينة في شهر ربيع الأول من عام 901هـ وسيطر على الأوضاع بالمدينة واطمأن الناس بوصوله إليها. إلا أن هذا الأمير دراج توفي عام 902هـ، وتنازع أبناؤه على إمرة ينبع فبرز منافس قوي من الأشراف لأبناء دراج على الإمارة فتح باباً لصراع سياسي وعسكري فترة من الزمن هو يحيى بن سبع، وبالرغم من توليه الإمارة في جمادى الآخرة من عام 903هـ إلا أن ذلك لم يصدر من السلطان المملوكي إنما من أمير مكة فحمل هذا الأمير الينبعي على المماليك ودخل معهم في صراع مسلح مستعيناً بقبائل ينبع وماجاورها في قطع طريق قوافل أمراء الحج المماليك.
ودخل في حلبة هذا الصراع أمير مكي خارجًا على إخوته ، هو أحمد بن محمد بن بركات المعروف بالجازاني، وعاشت الحجاز فترة من الصراع الحامي حتى هُزِم ابن سبع عام 912هـ.(انظر: ابن إياس: وبدائع الزهور: ج3 ص318،386،ج4،ص36، حمد الجاسر: بلاد ينبع، ص51ـ56).
وتواصلت الصراعات في مكة وماحولها بسبب الجازاني وابن سبع في هذا العام وما بعده، ونالت جُدة منها نصيباً، فما أن يخرج أمير من مكة حتى يهاجم جُدة ليسيطر على تجارتها ويجبي مكوسها ويمول عسكره ورجاله استمراراً للصراع المسلح. وقتل الجازاني عام 909هـ في شهر رجب وهو يطوف بالبيت العتيق.
وواصل أمير ينبع ابن سبع صراعه المرير مع الحجاج والمماليك، فما كان من السلطان قانصوه الغوري إلا أن أعد عدة حملات إحداها إلى مكة لقتال ابن سبع والأخرى إلى الكرك لقتال عرب بني لام حول العقبة والأخرى للهند لقتال البرتغاليين الذين أخذوا يهاجمون بلاد المسلمين في الهند وسواحل شرق أفريقيا ثم زحفاً إلى السواحل العربية في اليمن والحجاز. ويشير ابن إياس إلى البنائين والنجارين الذين توجهوا لجُدة لبناء السور حولها .
وفي خضم الصراع الذي أحدثه ابن سبع أمير ينبع، أقر السلطان في العام 912هـ الشريف هجار بن دراج أميراً لينبع. أمـلاً في الحد من قوة يحيى بن سبع.
وفي رمضان من نفس العام تمكنت حملة مملوكية من هزيمة يحيى بن سبع وجماعته وأتباعه إلا أن يحيى بن سبع استطاع الهرب. وتواصل الصراع وفي شوال وذي القعدة هاجم جيش مملوكي ينبع ودارت رحى معركة كبيرة بين الطرفين كانت الهزيمة على يحيى بن سبع، وقد غالى المماليك في الفتك والقتل بأهالي ينبع، ولما وصل الخبر إلى القاهرة احتفل احتفالاً كبيراً بهذا النصر، وحملت رؤوس أشراف ينبع على الرماح يُدار بها في شوارع القاهرة.
وفي حملة أخرى عام 913 تمكن المماليك من الانتصار على يحيى بن سبع وأعوانه من الأعراب وحمل إلى القاهرة ثمان مئة رأس من رؤوس العرب من بني إبراهيم الذين قتلوا في المعركة، وأشهرت على رؤوس الرماح في شوارع القاهرة.
ويرى السيد محمد بن عبد الله الحسيني الشهير بكبريت المدني صاحب \"رحلة الشتاء والصيف\" أن من أسباب انهيار دولة المماليك، ومقتل قانصوه الغوري مبالغته في قتل أشراف ينبع حتى بنى من رؤوسهم مسطبة، جلس عليها أمراء عسكره.(انظر:حمد الجاسر: بلاد ينبع، ص64، وانظر: عبد الكريم الخطيب: تاريخ ينبع، ص240).
ولما دخل العام 914هـ، سعى يحيى بن سبع للتقرب من السلطان المملوكي طالباً الصفح فأرسل ابنه، فأُعطى الأمان، وأُخلع عليه، وطلب منه إحضار أبيه. وفي رجب حضر يحيى بن سبع، فأرسل إليه السلطان أماناً، فدخل القاهرة، وأخلع عليه السلطان، ومنع من التعرض له.(انظر:ابن إياس: بدائع الزهور: ج4، ص47ـ138، العصامي: سمط النجوم العوالي: ج4، ص284ــ288).
وكانت ينبع تمارس دور حلقة الوصل السياسية بين مصر ومكة والمدينة وبالتالي هي محطة عبور للأحداث السياسية ما بين مصر والحجاز فكانت المراسيم السلطانية وأمراء الحاج ينزلون بينبع ومنها ينطلقون إلى مكة أو المدينة بعد إشراك أمراء ينبع وأهلها في أي حدث سياسي لمعرفتهم بالعلاقة التاريخية الوطيدة بين أمراء مكة من الأشراف وينبع، وبقدر ما قد ينال أهل ينبع من أذى وأضرار إلا أنهم أيضاً تنالهم الخلع السنية السلطانية والهدايا، وإذا وزع على الحجاج في ينبع معونات نال أهالي ينبع منها نصيبٌ، وما يكتسبونه من نزول وارتحال الحاج بمينائهم الهام. إلا أن ميناء جُدة هو الأبرز تجارياً والأحداث السياسية والصراعات المختلفة التي حامت حوله كلها تدور حول السيطرة على تجارة الميناء خاصة في القرنين الثامن والتاسع الهجريين. وساهم هذا الميناء في تجارة البحر الأحمر، حيث ترد إليه السفن بالغلال كل سنة، وتقدر قيمة تجارته كل عام بحوالي 30.000دينار. وبلغت ينبع أوج ازدهارها زمن سلاطين المماليك الجراكسة نتيجة الاصطلاحات الكثيرة التي أُدخلت على طريق الحج، مما أدى إلى تدفق الحجاج، فكانت ينبع محطة برية وبحرية في آن واحد لحجاج مصر والشام، وقامت بدور تجاري هام زمن المماليك، وأصبحت ينبع الميناء الثاني في الحجاز بعد جُدة إلا أن الصراعات السياسية بين المماليك والأشراف في ينبع ساهمت في الحد من دور ينبع خاصة السنوات الأخيرة من حكم المماليك في القرن العاشر الهجري.( انظر: أبو المحاسن: النجوم الزاهرة: ج16، ص300ـ301ـ360. ،وانظر:حمد الجاسر: بلاد ينبع، ص49. فهمي: نعيم زكي، طرق التجارة الدولية ومحطاتها بين الشرق والغرب، ص140. السليمان: علي حسين: العلاقات الحجازية المصرية، ص190 ـ 191).
ينبع في العهد العثماني:
بعد سقوط حكم المماليك على يد السلطان العثماني في مصر عام923هـ واستقرار الأمر لهم فيها أرسل السلطان العثماني سليم خان إلى الشريف بركات أمير مكة في التسليم بالحكم العثماني، فتجاوب الشريف مع الرسالة السلطانية وأرسل ابنه محمد أبي نمي معلنا ولاءه للحكم الجديد في مصر، وبادله السلطان باستمرار الأمر في الأقطار الحجازية(من خيبر شمال المدينة المنورة إلى حلي جنوباً) فيه وفي ابنه (انظر: محمد بن علي بن فضل الطبري المكي: إتحاف فضلاء الزمن: ، ج2،ص360، والسنجاري: منائح الكرم ،ج3،ص226، والدحلان:خلاصة الكلام ،ص50، وسنوك:صفحات من تاريخ مكة المكرمة، ج1، ص208).
واستمرت ينبع المدينة والميناء تمارس دورها السياسي والعسكري في العهد العثماني (بين السلاطين العثمانيين وأمراء الحج وأشراف مكة)، بينما تولت جدة الدور التجاري حتى أواخر هذا العهد الذي أخذت فيه ينبع في الاختفاء والضمور-إذا صح التعبير- وبروز جدة تجاريا وسياسيا حتى دخول الحكم السعودي، فدخلت ينبع مرحلة جديدة.
ولعل أهم الأحداث التي ارتبطت بينبع في هذا العهد كانت في مجملها حول إمارة مكة والصراع المرير بين الأشراف عليها ، فقد كانت تصل الأوامر السلطانية بالتولية أو الخلع ،وبرفقة الأغا( المندوب السلطاني ) الخلعة أو القفطان الذي يُلبِسه لأحد الأشراف أميراً على مكة، فكانت المحطة الأولى للقاء الخلعة والقفطان ( ينبع ) فيكون اللقاء والصراع والتنافس بين الأشراف على هذه الخلعة، وكما كانت تستقبل الخلعة السلطانية ، كانت تغادر من ينبع وفود الأشراف للقاء السلطان العثماني إما لرفض الشريف الجديد أو لدعمه وتوطيد إمارته ، وما يتسبب ذلك من تنافس وصراع فيحول كل طرف دون ذهاب الطـرف الآخر ، فتحدث الصراعات المسلحة بين الأشراف على ثرى ينبع وقريبا منها.
ولعل من أهم الأحداث الساسية في هذ العهد ، في عام 1039هـ وفي إمارة الشريف أحمد بن عبد المطلب، عزم والٍ عثمانيٌ على اليمن اسمه قانصوه على عزل الأمير أحمد ، فوصل ينبع وهناك التقاه الشريف مسعود بن إدريس ، وطلب منه أن يوليه مكة فوافقه على ذلك، وأعانه على ذلك وقتل الشريف أحمد بن عبد المطلب.
وفي ولاية الشريف سعد بن زيد عام 1077هـ وما تلاها، حصل خلاف شديد على الإمارة بين الشريف سعد والسيد حمود بن عبدالله بن حسن بن أبي نمي، وفي سنة 1078هـ انتقل السيد حمود إلى ينبع وبعث بجماعة من الأشراف منهم السيد محمد بن أحمد الحارث والسيد غالب بن زامل بن عبدالله بن حسن،والسيد أبو القاسم إلى مصر ومعهم هدية سنية إلى عمر باشا صاحب مصر فلما وصلـوا إليه أكرمهم وأبقـاهم عنده، وبعث الباشـا مندوبا للإصلاح ، فأشيع في مصر أن الشريف حمود قتل المندوب المصري، فغضب الباشا وسجن الأشراف الذين لديه بل وقرر قتلهم ،فجرد قوة عسكرية قوامها 500 عسكري ورافقهم 1000 شخص من العامة والتجار،ولما دخلوا ينبع اعترضهم الشريف حمود واقتتل الفريقان قتالا شرسا أسفر عن مقتلة عظيمة في صفوف المصريين واستولى الشريف حمود على ما مع الجيش المصري، وقبض على قائدهم الصنجق يوسف بك وأولاده واتخذهم رهائن مقابل الأشراف المسجونين بمصر، وقتل من الأشراف الشريف بشير بن أحمد والشريف سرور بن حسين والشريف إلياس بن عبدالمنعم ، وبقي القائد المصري سجينا عند الشريف حمود حتى مات. ولما علم أمير مكة بهذه الأحداث جرد حملة عسكرية لمحاربة الشريف حمود وأمر عليها بلال أغا وبعثه إلى ينبع فخرج الشرف حمود من ينبع مع قدوم حملة الشريف سعد ، فاستولى بلال أغا على ينبع وأقام بها. وانتهت الأحداث باستقرار الأمر للشريف سعد بن زيد، بل وصل به الأمر أن عاقب أهل ينبع لمساندتهم حمود وقتل جماعة منهم ، وهدم السور).(انظر الطبري :إتحاف الفضلاء،ج2،ص89-92، والسنجاري: منائح الكرم ،ج4،ص272-282).
وفي العام1101هـ وفي حادثة مشابهة لما سبق، خرج الشريفان مساعد وأخوه دخيل الله ابنا الشريف سعد مغاضبين لشريف مكة آنذاك الشريف أحمد بن غالب ومتوجهين إلى مصر بهدف انتزاع الإمارة منه فوصلا ينبع وأقاما فيها وأخذا يستميلان قبائلها معهما ، حتى وصل بهم أن نادوا للشريف محسن بن الحسين بن زيد، واستولى مساعد على مؤن وحبوب لشريف مكة بينبع ، فوصل قفطان فاستولى عليه الأشراف حتى استقر الأمر أخيراً للشريف محسن بن الحسين أميرا لمكة.(انظر السنجاري، منائح الكرم،ج5،ص95-97، والدحلان:خلاصة الكلام ، ص114).
ومن الأحداث الهامة التي ارتبطت بينبع دخول الجيش المصري في القرن الثالث عشر( في عام 1225هـ) للحجاز لإخراج القوات السعودية(الدولة السعودية الأولى) التي سيطرت على الحجاز منذ عام 1218هـ مع إبقائها للإمارة بيد الأشراف مع فرض ونشر المنهج السلفي \"المحارب للبدع والخرافات المخالفة للكتاب والسنة الصحيحة\" (الذي تتبناه دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب)في مكة والمدينة وتوابعهما. ولكن بعد مطالبات عدة من الشريف غالب من السلطنة العثمانية لإخراج السعوديين من الحجاز، كلفت استانبول واليها \"القوي\" على مصر \" محمد علي باشا\" الذي وجدها فرصة مواتية لتحقيق طموحاته في السيطرة على الجزيرة العربية كافة وامتداد سلطاته في ظل انشغال السلطنة العثمانية، فأعد جيشاً كبيراً بقيادة ابنه طوسون من مصر وفي شهر رمضان المبارك في مراكب بحرية ويضم فرقا من الأتراك والمصريين والشاميين وبعض المغاربة ، فنزل الجيش ميناء ينبع ودافع عنها حاكمها الموالي للسعوديين جابر بن جبارة إلا أنه لم يستطع الصمود أمام القوات المصرية المهاجمة وسيطرت القوات المصرية على ينبع ، ومنها زحفت على وادي الصفراء وجرت رحى معركة بين السعوديين بقيادة (عبدالله بن سعود) والمصريين بقيادة (طوسون) وتلقى الجيش المصري هزيمة كبيرة اضطرته للرجوع إلى ينبع والبقاء فيها لحين وصول المدد إليه ، وأخذت قيادة الجيش المصري توزع الأموال على قبائل ينبع وأوديتها ومن ذلك أنهم أعطوا كبير مشايخ حرب 100000 ريال فرنساوي لتوزيعها على قبائله ، ونال شيح حرب وحده 18000 ريال ورتبوا له رواتب شهرية ، فدعمت قبائل حرب الجيش المصري لدى زحفه على المدينة عندما وصله مدد عام 1227هـ بقيادة أحمد بن نابرت إلى ينبع فزحفت القوات مع قوات القبائل إلى المدينة المنورة للسيطرة عليها وكان لها ذلك ، حتى تمكنت القوات المصرية من السيطرة على الحجاز وإخراج السعوديين منه.(انظر الدحلان ، ص259، والسباعي ، تاريخ مكة،ص505، وصلاح الدين المختار، تاريخ المملكة العربية السعودية،ص119-124.)
وكان لينبع ـ بعد جدة ـ دور في استقبال المعونات العسكرية من البحرية البريطانية والناقلات المصرية التي اعتادت الرسو في ميناء ينبع ـ حيث إن مصر خاضعة للاحتلال البريطاني آنذاك ـ لدعم ومساندة قوات الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف حسين باشا ضد الأتراك في الحرب العالمية الأولى بمساندة بريطانيا لإخراجهم من البلاد العربية. فقد انطلقت رصـاصة الحسين في فجر اليوم التاسع من شعبان عام1334هـ، أطلقها بيده من قصره بمكة ، فكانت إيذاناً بالثورة على الحكم العثماني الذي دخل الحرب العالمية مساندا لألمانيا ضد بريطانيا وفرنسا فأصبح طرفاً رئيسيا في الحرب، فوافقت رغبات وخطط بريطانيا وفرنسا ومطامحهم الاستعمارية رغبات العرب في التخلص من الحكم التركي الاستبدادي ،واستقلال البلاد العربية عنه، وتزامنت مع طموحات الشريف حسين في بناء دولة عربية كبيرة له ولأبنائه، فاستغلت بريطانيا مشاعر العرب العدائية تجاه الأتراك ، ومطامح الشريف حسين السياسية، فدعمت ثورة الشريف حسين بالمال والعتاد الحربي،فانطلقت القوات العربية من مكة المكرمة وما جاورها من مدن وقرى وبوادي بعد القضاء على الحاميات التركية في مكة وجدة باتجاه المدينة المنورة وقد كانت بها أقوى الحاميات التركية ، وفي طريقهم إلى دمشق .
وعن ينبع يقول لورانس: )كان فيصل لا يزال قلقاً من إخلاء قواته لمدينة ينبع فهي قاعدته الرئيسية والمرفأ الثاني من حيث الأهمية في الحجاز) وفي موضع آخر يشير إلى أن الأسطول البريطاني(أسطول البحر الأحمر كما أسماه) يتجمع حول ينبع.(انظر: أعمدة الحكمة السبعة،الطبعة الرابعة،1400هـ/1980م،دار الآفاق الجديدة ، بيروت ، ص89،وانظر: السباعي ، تاريخ مكة، ص60693).
ويجدر بي أن أثبت في هذه الدراسة الدور البطولي للأشراف الحُرَّث ، حيث برز عدد منهم كقادة ميدانيين للمعارك ـ في هذه الثورة ـ وفرسانٍ لا يشق لهم غبار، وتحدثت كتب الثورة العربية ، وكتب \"لورانس العرب\" عن بطولاتهم الفردية ،(حيث يصفهم لورانس :آل حارث أبناء المعارك)، ولعل من أبرزهم (الشريف علي بن الحسين الحارثي، و
هذا ولكم جزيل الشكر