البِلادي والرُّؤية المكانِيّة
محمد حامد الجحدلي
محمد حامد الجحدلي
ورحل رجل العُصامية الأديب المؤرخ الشيخ عاتق البلادي وبرحيله فقدت المملكة ومكة المكرمة على وجه الخصوص أحد رموزها وعلاّمتها وعاشق تراثها الذي عرفته ساحاتها ومكتباتها ومنتدياتها الثقافية كما عرفته دور علومها منذ نعومة أظفاره وبداية صباه وهو في السنة الثانية عشرة من عمره طالباً نجيباً على أيدي كبار مشايخ علماء المسجد الحرام كما عرفته مدارسها طالبا مجداً بانتزاع المراكز المتقدمة لكي يصل لما وصل إليه من علو شأن لأجل البحث والتحقيق بشهادة أبرز المؤرخين والعلماء بهذه المدينة المقدسة وبما لها من مكانة دينية خاصة فكان له ما أراد ولم يصل لذلك المستوى الرفيع إلاّ بإصراره وجدِّتيه ورحلاته الاستكشافية التي قطع خلالها آلاف الأميال والوقوف ميدانيا لمعاينة الآثار والاستشهاد بمن التقى بهم من الثقاة ممن لهم أسبقية المعرفة بالمواقع التاريخية وهذا كلفه الكثير من الرحلات العلمية الطويلة قطعها ذهاباً وإياباً بين مناطق المملكة مما أكسبته مصداقية البحث والدقة فيما تناوله مداده ووثقه تاريخياً أصبحت نتاجاً فكرياً في متناول الباحثين والمهتمين بالدراسات التاريخية وعلوم الآثار والحديث عن سيرته على ألسنة محبيه من الأدباء والعلماء والمؤرخين والإعلاميين ورجال الصحافة وكبار كُتَّابها فهو من أوائل من خاض التجربة الصحفية باحترافية ودراسة متخصصة باعتباره يحمل دبلوماً في فن الصحافة كما له العديد من المقالات واللقاءات الإذاعية والتلفزيونية والمؤلفات التي تبرز اهتمامه بهذه الجوانب المعرفية.
ومع هذا كان عازفاً عن الظهور الإعلامي وحب الأضواء وهو ما أكده جلساؤه ومتابعو نشاطاته الثقافية ومنتداه الأسبوعي الذي يرتاده كبار رجالات مكة المكرمة الذين أشادوا بكرمه وتواضعه وأخلاقه الفاضلة وما ذلك إلاّ من حسن سجاياه فهو لم يكن بحاجة للإطراء والمديح إنما نذر نفسه ووظف وقته في خدمة التراث فكان عونا للباحثين في تقديم المعلومة الصادقة وبالرغم من محاولاته الشعرية التي واجهت نقداً لاذعاً من البعض إلاّ أن ذلك لم يثن عزيمته عن الوصول لأهدافه السامية التي بقيت تخليداً لذاكراه العطرة التي ستخدم المكتبة الإسلامية وتستفيد منها الأجيال ونموذجاً للباحث الجاد وهو ما يتطلب طباعة بقية مؤلفاته المخطوطة خوفاً عليها من الضياع مُقدِّرا للباحثين الذين اختلف معهم في المنهجية والأسلوب فالاختلاف ظاهرة طبيعية بين الباحثين والمؤرخين ولكل منهم مرجعيته التي يعتمد عليها وهو ما كان موضع احترامه لدى كل من اختلف معهم كدليل قاطع على نبل أخلاقه وما يمتع به من تسامح ونبذه للأنانية المفرطة والتعصب للرأي الأوحد صادق العزاء لأسرته وأهله وأصدقائه ونسأل الله له الفردوس الأعلى في الجنة.
المصدر: صحيفة البلاد، الثلاثاء 6 يوليو 2010م