فوجئت -قبل أيام- كما فوجئ غيري بوفاة العلامة المحقق الرحالة عاتق بن غيث البلادي صاحب المؤلفات الكثيرة، والرحلات والتحقيقات، وصاحب (دار مكة للنشر والتوزيع).
وكان أرسل لي بتاريخ 6-11-1418هـ بعد أن أهديت له الطبعة الثانية من كتابي (صبا نجد.. نجد في الشعر والنثر) (500 صفحة) أرسل لي رحمه الله القصيدة التالية ومقدمتها:
((إلى الأستاذ الأديب الأريب محمد بن عبدالله الحمدان أبي قيس بمناسبة هديته القيمة، كتابه (صبا نجد).
«سلام من تهامة»
أبا قيسٍ سلاماً من تهامة
إلى نجدٍ سقت نجدَ الغمامةْ
سقت نجد الروائح والغوادي
وزان به التّربُعُ والإقامةْ
قرأتُ كتابك فوجدتُ عِلما
ولكنّ بداخله ظلامهْ
ذكرتَ عرار نجد ورباه
وحتّى الرمث تذكر والثغامةْ
ألسنا كلنا عشاق نجدٍ
وكلّ مظهرٌ منا غرامةْ
ذكرتَ الفضلاء خير ذكر
وهذي أريحية وشهامةْ
فهل «شر الثلاثة» من تركتَ؟!
بمكة ماشقاً عنكم حسامهْ
ثلاثة قد كتبتُ لحب نجد
فغطيتَ عليها بالعمامةْ
وتذكر من صغار الكاتبينا
ومن لا في الشداد ولا المسامةْ
وتنسى ذائدَ العجم الطغام
أليس عليك في هذا ملامةْ؟!
لقد طوفتُ في أحشاء نجدٍ
وقاسيتُ هجيره وظلامهْ
وصَفْتُ سهوبه وذرا طويق
وجست جنوبه حتى شآمهْ
وأنت في صبا نجد أديب
بقرتَ العلم بل فلّقتَ هامةْ
ولكن فيه نسناسُ دخانٍ
تراه من بعيد كالعسامةْ
سلام من جوار البيت واسلم
وزُوّدتَ العوافي والسلامةْ
أخوكم: عاتق بن غيث البلادي.
مكة المكرمة في السادس من ذي القعدة سنة 1418هـ))
وفي القصيدة عتاب، واتهام لي بتعمد عدم إثبات ما كتبه من شعر ونثر عن نجد، ويعلم الله أني لم أطلع على ديوانه (ألحان وأشجان) الذي طبع عام 1417هـ، وأهدى لي نسخة مصورة منه رفق رسالته المشار إليها أعلاه، وصفحاته 155، وفيه قصيدة عن نجد ص123 عنوانها: (لله عين شاقها نجد)، جاءت في 23 بيتا تاريخها 15-5-1411هـ، وكتب في آخر القصيدة (مهداة إلى الأخوين د. نور الدين صمّود، والشاعر مقبل العيسى، نسقا لقصيدتيهما في العددين 463 و466 للسنتين 54 و55 من مجلة المنهل.
وقد نشرتا في كتابي (صبا نجد) صفحة 212 وصفحة 139 من الطبعة الثانية 1417هـ، مطلع الأولى:
غرامي.. والهوى لربوع نجد
وهل يحلو الثرى في غير نجد
ومطلع الثانية:
هذي القلوب تشوقها نجد
عاد الصبا وتبسمت دعد
ومن طرائف ديوان (أشجان وألحان) قصيدة للشاعر يعارض فيها قصيدة لأحدهم، جاءت في 45 بيتا، قافية كل بيت كلمة (أمريكا).
وهذه أبيات من القصيدة المعنونة (لله عين شاقها نجد):
ومُنشِدَيْن يشوقهما نجد
لله عين شاقها نجد
أرضُ الهضاب الشم سامقة
ومرابط الخيل وما تلد
فيه ترى الآرام راتعة
وفجاجة تحرسها الأسد
يا زين نضرته إذا أمطرت
سهب وفاح النور والرند
وإذا رعت ليلى به غنما
وزاورتها تربها هند
طاب الربيع وفاض ريقه
وسمعت صوت النجر يرتعد
وأرزمت الخلفات مجلبة
وأقبلت الحيران تشتد
هذي لنفسك من تعلتهـا
ينسيكها الاتهام يا سعد
ففي الحجاز كل خاشعة
وخاشع تسبيحه الحمد
يخشون يوما لا محيص لهم
عنه فقد جاء به الوعد
في البيت ذي الأركان مغفرة
وبه من الآثام مشتد
ففي الصلاة وفي الطواف به
أجر إذا ما رحت أو أغدو
وبطيبة الخضراء تذكرة
ففي ثراها يترب الخد
يا طيبها ذكرى معطرة!
ذكرى الحبيب ما لها ند
واذكر دموع القدس باكية
ولا مجيب ولا فتى نجد
الله أكبر، إن أمتنا
مجيدة فارقها المجد
وذكر المؤلف الشاعر في آخر الديوان كتبه التي بلغت 32 كتابا.
ثم أرسل لي -رحمه الله- رسالة بتاريخ 14-12-1418هـ قال فيها (بعد الديباجة)
((أما بعد - فبناءً على توسمك في أخيك خيرا وطلبك قراءة (صبا نجد)، وإبداء الملاحظة، أجدني أقدم العذر لأسباب.. من أهمها: أنه منذ وصل كتابك إلى الآن قد وصل إليّ نحو 12 كتابا، منها كتاب من ابن جمران في نحو 883 صفحة، وآخر اسمه (ميزان الحكمة) في ستة مجلدات، ومع هذا سأقدم لك نموذجاً مساهمة في تطوير هذا العمل القيم، فإذا رأيت منهجي فإني على يقين أنك ستكمل العمل بنفسك)).
وأورد ملحوظات وتصحيحات في صفحتين سأستفيد منها إذا قدر الله للطبعة الثالثة أن ترى النور.
وكنت بدأت كتابة مقدمتها لأعتذر للأستاذ البلادي ولأثبت ما اقترحه عليّ، وما تفضل به من القصيدة والملحوظات إلا أن حابسا حبسني عن ذلك، فقد شغلتني مكتبة قيس وعوائق أخرى كثيرة.
وما زال الأمل قائما بوجود من يتولى إصدار (صبا نجد) وبعثه من مرقده بعد أن نفدت طبعتاه والله المستعان.
طرائف وأمثال شعبية من الجزيرة العربية
هذا أحد الكتب الجيدة والطريفة للبلادي رحمه الله.
وقد تحدثت عنه في كتابي الذي اقترحه عليّ الشيخ محمد بن ناصر العبودي، وكتب (جزاه الله خيرا) مقدمته وهو (معجم المطبوع من دواوين الشعر العامي القدمية).
قلت هناك الصفحات (197-200): الطبعة الأولى بيروت سنة 1975 دار القلم، الطبعة الثانية 1396هـ
الجزء الأول:
طرائف من الجزيرة العربية 189 طرفة، من صفحة 13 إلى صفحة 96 .
قال المؤلف في المقدمة إنه نشأ في البادية بين عامي 1354،1366هـ من نواحي خليص شمال مكة المكرمة، وكان والده راوية شاعراً قصاصاً يجتمع في منزله معظم الليالي رجال الحي فيسمعون منه، وكان هو يكاد يحفظ كل ما يقال في تلك المجالس، ثم توفي والده، فجاء إلى مكة وتعلم في مدارسها، ثم التحق بالجيش واجتمع بأناس من عدة مناطق، ثم بدأ يسجل ما يسمع، وما تسعفه به الذاكرة التي بدأت تضعف.
وأراد أن يخرج في هذا الكتاب صورة اجتماعية واضحة لأبناء هذه الجزيرة كما رآها وسمعها، وأشار إلى وجود بعض الألفاظ النابية وغير المستحسنة في ثنايا الكتاب ولا يوجد دافع له غير الأمانة لإعطاء الصورة كما هي بعيدة عن التشويه والتنميق والغش أو الخداع.
وهنا قال في الهامش (حذفنا أثناء الطبع نوادر وطرائف لم يستحسنها الناشر، أو بالأحرى خاف تعطيل الكتاب بسببها، فبقيت في المخطوط)، ثم قال: صورتهم في حديثهم وقصصهم وأمثالهم من أفواههم، لم نزد فيها ولم ننقص، كما أورد النصوص بلهجات أهلها.
وأضاف: (ومع كل ما تقدم حذفت كثيراً من العبارات هي متداولة ومسموعة تتردد في كل مكان في بلادنا)، وقال في الهامش أيضاً (حذفت بعض الطرائف أثناء الطبع).
الجزء الثاني:
أمثال شعبية من الجزيرة العربية جمع فيه أكثر من 800 مثل شعبي، مرتبة على حروف الهجاء.
شيء عن الكتاب:
ومن باب حب الاستطلاع ورؤية ما حذف من الكتاب من طرائف طرقت أبواب المكتبات العامة في الرياض ومكتبات بعض الجامعات فوجدت نقصا في الصفحات 26،27،28 والصفحات 70،71،73، نقص في الصفحات ونقص في الطرائف من أرقامها، ومن وجود أول الطرفة فقط، أو آخرها فقط، كما وجدت أثر أوراق منزوعة من بعض النسخ.
ومن باب حب الاستطلاع أيضا كتبت للمؤلف أرجوه تزويدي بالصفحات الناقصة من الكتاب أو المادة الموجودة فيها، لأكمل الطرائف الناقصة من أولها أو من آخرها، فاعتذر بأنه لم يعد يتذكر شيئا عن الكتاب، ولم تعد مسوداته موجودة لديه، وهنا توقف البحث وأسدل الستار عن الموضوع، وبقيت تلك الطرائف في الكتاب كسيحة ومبتورة وناقصة، والله أعلم.
رسالتان:
وكنت أرسلت للأستاذ عاتق البلادي رحمه الله الرسالة التالية (بدون تاريخ)
((أخي الأستاذ عاتق البلادي وفقه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أشير للمحادثة التي تمت بيننا بالهاتف، يسرني أن أرسل لك هدية متواضعة كتيب (صبا نجد) وأخيه (بنو الأثير)- وبرفقه بيان للصفحتين الساقطتين أو المنزوعتين من النسختين الموجودتين لدي من كتابك (طرائف وأمثال شعبية من الجزيرة العربية).
الرجاء التفضل بإرسال ما نقص وإن أمكن ما حذف من النوادر والطرائف فستكون ممتعة لي.وتقبل تحيات أخيك محمد بن عبدالله الحمدان)
فرد علي بهذه الرسالة المؤرخة 6-11-1418هـ
(أخي أبا قيس حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أما بعد:
فقد وصلت هديتك مشكورا ومجزيا خيرا
أما الصفحات التي طلبت فكانت الطبعة الأولى وهذا النزع جرى على يد الناشر، وليس لي في ذلك حيلة علما أنه خير، لا قيمة لما نزع.لي بعض الملاحظات أرجو بها كمال هذا السفر، أرجو أن تصلك بعد حين، وهذه القصيدة العتابية فرضت نفسها فرضا كلنتنياً، فرضخت لها رضوخا عربياً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أخوك عاتق البلادي)
مقابلات مع المؤلف:
ووجدت مع نسختي المصورة من الكتاب صفحة من جريدة الندوة تضم الحلقة الأولى من مقالة الدكتور حمد الزايدي عن المؤلف ومقابلة معه من عناوينها:
- مع البلادي في معالم مكة المكرمة.
- لا يفتأ يبدأ الرحلة بعد الرحلة ويقرن العلم بالعمل.
- جاءت رحلاته مؤلفات قائمة بذاتها دون أن يبحث عن الأضواء.
- أضاف بوقوفه معرفة حقيقية بتلك الأماكن ليعيد تحديد المواقع.
- مقالاته أقرب على البحث العلمي منها إلى المقالات الصحفية.
كما وجدت صفحة من جريدة الجزيرة، تاريخها 23-10-1418هـ في صفحة (لقاءات) (أوراق من الأمس) أجراها معه حماد السالمي.. من عناوينها:
عاتق البلادي.. راعي الخلفات الذي تحول إلى عسكري ثم إلى باحث، ورحّالة، وناشر كتب.. يقلب أوراقه:
((ألفت 32 كتاباً، ودرست الصحافة واللغات وتعلمت في العسكرية النظام.
هذه ذكرياتي عن اللواء السعودي الـ11 في الأردن.
مات العطار وهو لم يعرف من هو (عامر حجازي)؟
لا أحضر المنتديات لأن فيها من يبيع البيض على سلاقيه.
نسب حرب طبع 3 مرات، و(معجم معالم الحجاز) كأنه أحد أبنائي، مريدو تحسين الأنساب يأتون وجيوبهم مليئة بالأموال، فأقول لهم: الأنساب المشتراة كالزجاج سرعان ما يتكسر.. الخ.
الجاسر شيخي، اثنينيتي لا ترقى لاثنينية خوجة.))
وبعد.. فهذه مشاركة بسيطة، وبعض الواجب مما يستحقه هذا الرجل الفاضل المحقق المدقق الشاعر.
واطلعت في بعض صحفنا على كلمات عنه للدكتور عبداللطيف الحميد وغيره.
رحم الله عاتق البلادي وأسكنه فسيح جناته ووفق أولاده ليحلوا محله في دار مكة، وفي جلسته، وفي إخراج ما لم يتمكن من إخراجه مما خط قلمه.
المصدر: صحيفة الجزيرة، الخميس 8 ,جمادى الاولى 1431 العدد 307