فنادق جده منذ القرن السادس الهجري
الدكتور عدنان بن عبدالبديع الحارثي
الأربعاء 12 مايو 2010 - 28 جماد الأول 1431
الدكتور عدنان بن عبدالبديع الحارثي
الأربعاء 12 مايو 2010 - 28 جماد الأول 1431
الفندقة صناعة قديمة راجت في بلاد العرب قبل غيرهم منذ مئات السنين. والرحالة العربي الاندلسي الشهير ابن جبير صاحب كتاب (رحلة ابن جبير) اورد في كتابه أسماء الفنادق التي نزل بها ابان رحلته الشهيرة التي قام بها في القرن السادس الهجري(القرن الثاني عشر الميلادي) والتي أدى خلالها مناسك الحج وقام بزيارة المسجد النبوي الشريف والتشرف بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم . والفندقة اليوم صناعة كبيرة على مستوى العالم تدر البلايين من الدولارات وتوفر الملايين من الوظائف . وتكاد لا توجد مدينة في هذا العالم لا تنتشر فيها الفنادق , بل وربما لا يوجد منا من لا يعرف فندقاً أو سكن في فندق أو عمل به . ويطلق العرب على الفنادق أسماء مختلفة مثل خان ، ونُزل ، واوتيل ، وفندق ، وغير ذلك .يُعَرِّف ابن منظور في لسان العرب الفندق على أنه الخان ويقول :" أن الفندق بلغة أهل الشام خان من هذه الخانات التي ينزلها الناس مما يكون في الطرق والمدائن"، ويبين تاج العروس أن أهل الشام يسمون الفندق (خاناً)، ويُعَرِّف عبدالقدوس الأنصاري كلمة الفندق بأنها من الكلمات المعجمية ، أي التي أوردها أصحاب المعاجم العربية وحللوها وشرحوا معانيها وأوردوا أصلها حسب ما توصل اليه علمهم، ويرى العلامة الأنصاري رحمه الله أن صناعة الفندقة كانت من أفكار العرب، ويستند في ذلك الى ما جاء في كتاب (شمس العرب تسطع على الغرب) للكاتبة الألمانية (زيغرد هونكه) والذي عَرَّبه كل من فاروق بيضون ، وكمال دسوقي ، والذي جاء فيه أنه :" في كل الموانيء وفي كل منافذ الحدود أنشأ فردريك بيوتاً حكومية على نمط الفنادق العربية وبالاسم العربي نفسه وجعلها تخدم المسافرين والتجار وتعد لهم مبيتهم"، وكان على المسافرين أن يقدموا ما يحملونه من البضائع لموظفي الجمارك في تلك الفنادق ، فَتُوَزَن وتُقدَّر عليها المكوس تبعاً لقيمتها ووزنها .ويستطرد الانصاري رحمه الله قائلاً : "ثم شرحت المؤلفة الألمانية كيف انتقلت صناعة الفندقة من مملكة صقلية وايطاليا التي نقلتها من حضارة العرب , الى بلاد اوربا بالتسلسل والتدرج" ، فقالت : " وبدأت المدن الاوربية الأخرى تُقلد ما حدث في المدن الايطالية وصقلية ، وانتقلت الفكرة الى ألمانيا عن طريق المسافرين والفرسان ، وحملت معها تعبيراتها العربية لتصبح كلمات ألمانية مثل فندق Fondeco , ، ومخزن Magazin ، وترسانه أو مخزن عسكري Arseni ، وديوان Duane ، وجباية Gebelle ، والعوارى بمعنى عطل في بضائع المركب havane ، وقابل سلك أو حبل سميك Kabel ، ومخاطرة Mohatra ، وRisiko بمعنى مغامرة و Seckecke أي صك ، وTarif بمعنى تعريفة وغيره ". ولقد تطورت هذه الصناعة على مدى القرون الماضية تطوراً كبيراً وانتشرت في كل بلاد العالم ، حتى أنه تكاد لا توجد مدينة في العالم اليوم لا توجد بها هذه الصناعة الهامة التي تدر البلايين من الدولارات ، وتوظف الملايين من الناس في مختلف بقاع الأرض، وهي صناعة قديمة راجت في بلاد العرب منذ مئات السنين، فعلى سبيل المثال لا الحصر أورد الرحاله ابن جبير أسماء الفنادق التي نزل بها في رحلته الشهيرة التي زار خلالها عدة دول عربية وغير عربية وقام خلالها بزيارة جده وبقى فيها مدة من الزمن ، عندما أتى اليها في طريقه الى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج والعمره عام (587هـ/1182م)، وقد أورد الشيخ عبدالقدوس الأنصاري في كتابه الموسوم ( مع أبن جبير في رحلته) بعض المعلومات عن الفنادق التي سكن بها أبن جبير في رحلته اذ يقول الأنصاري: " حينما وصل أبن جبير إلى الإسكندرية بحراً نزل بفندق ( الصفار ) بمقربة من الصبانه ، ثم نزل بفندق أبي الثناء بمصر القديمة بالقرب من جامع عمرو بن العاص رضي الله عنه- , نزل فيه هو وصحبه في حجرة كبيرة على بابه. يقول الأنصاري :أن ابن جبير ذكر مراراً أن نزوله هو ومن معه في الفنادق أثناء رحلته كان " في حجرة كبيرة على باب الفندق " . ويشرح الأنصاري ذلك بقوله : " فلربما كان هناك سر خاص أو عام لم يشر إليه وراء نزوله في الحجر والأبواب المذكورة ".ويكمل الأنصاري قائلاً : " ثم نزل بها (مصر) بفندق ابن العجمي بالمنيه في مدينة (قوص) ، وقد نزلوا فيه على باب الفندق أيضاً ، يقول الأنصاري : " وقوص هذه التي بها الفندق المذكور هي " محط الرحال ومجتمع الرفاق وملتقى الحجاج ا