النسب الشريف والشعور بالانتماء
لسعيد ساجد الكرواني
لسعيد ساجد الكرواني
بسمِ الله، والحمدُ لله، والصلاة والسلام على مَن لا نبيَّ بعدَه، وآله وصحبه ومَن والاه.
لا شكَّ أنَّ نَسَب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أشرفُ نَسَب على الإطلاق، وهو الأمرُ الذي حَدَا بنا إلى عدم التفصيل فيه، فحسبُنا أنَّ الله - تبارك وتعالى - اختار لنبيِّه ومصطفاه؛ سيِّدنا وحبيبنا، ومولانا محمد - عليه أفضلُ الصلاة وأزكى التسليم - أطْهرَ الأصلاب مِن لَدُن أبينا آدم - عليه السلام - إلى والديه: عبد الله وآمِنة.
وقد ذَكَر العلماء أنَّه: \"لا يصحُّ حِفْظُ النَّسَب فوقَ عدنان\"[1]؛ لأنَّه \"النسب المتَّفق على صِحَّته مِن قِبل المحدِّثين وعلماء التاريخ الأثبات، أمَّا ما فوق ذلك فلا يصحُّ فيه طريق، وغاية الأمر أنَّهم أجمعوا على أنَّ نَسَب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينتهي إلى إسماعيل بن إبراهيم أبي العَرب المستعرِبة\"[2].
ولا شكَّ أنَّ طهارة الموْلد شَرْطٌ من شروط النبوَّة والرِّسالة، بيْد أنَّ التمحل في إيصالِ نَسبِه - عليه السلام - إلى آدم - عليه السلام - غيرُ محمود، ولا علمي أو موضوعي؛ لأنَّ الحقَّ لا يُبْنى على الباطل، وليس بمقدور أيٍّ كان أن يخترع دليلاً من عند نفسه، خاصَّة حين لم يأتِ بذلك ذِكْرٌ في الكتاب أو السُّنة، أو صحيح السِّيرة، وهي المصادر الموثَّقة الموثِّقة.
ذلك بأنَّ اندثار الوثائق الممكن التأكُّدُ من إخبارها بالنسب الموصول جَرَفها الطوفان في عهْد سيدنا نوح - عليه السلام فمَن ذَا قديرٌ أن يجزم بنجاة شيء؟! حسبنا أنَّ الله - تعالى - يقول في كتابه العزيز: ﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ﴾[التوبة: 128]، وفي قراءة: (مِنْ أَنْفَسِكُمْ)؛ أي: من أعلاكم وأشرفكم نَسَبًا. وأنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((كلُّ سَبَب ونَسَب منقطع يومَ القيامة، إلاَّ سببي ونسبي))[3]، حتى إذا سَلِم لنا أنَّ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أوسطُ العرب نَسَبًا بما \"هو مِن صميم قريش، التي لها القدم الأولى في الشَّرف وعلوِّ المكانة بيْن العرب، ولا يوجد في سلسلة آبائه إلاَّ كرام، ليس فيهم مسترذَل، بل كلُّهم سادة قادة، وكذلك أمَّهات آبائه من أرفع قبائلهنَّ شأنًا\"[4].
فلنا أن نشعرَ نحن - الأمةَ الإسلاميَّة - بشرف الانتماء لهذا النبيِّ المختار المصطفى - عليه الصلاة والسلام - مِن خِلال النَّسَب الحق[5]، والعمل الصِّدق، وهما في الحقيقة أمران متكاملان، فإذا اختلَّ العمل لم ينفعِ النسب؛ كما قال الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام -: ((لو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمد سَرَقت، لقطعتُ يدَها))[6]، صلَّى الله عليك وسلَّم يا حبيبَ الله، ما أعدلك!
ولا ريب أنَّ فاطمة الزهراء - رضي الله تعالى عنها بنتَ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم يستحيل أن تفكر مجرد تفكير في السَّرِقة، إلا أن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم الذي أحسن تربيتها، ضرب المثل بأعزِّ الناس إليه، حتى يعتبرَ مَن يعتبر، ويتعظَ مَن يتعظ، ويستخلصَ مَن يستخلص أنَّه إذا كان رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُقيم شَرْع الله - تعالى - على فلذة كبده، فكيف بأمَّته؟!
ذلك بأنَّ: ((مَن بطَّأ به عملُه، لم يسرعْ به نَسبُه))[7]؛ يؤكِّده قوله - عليه السلام -: ((يا فاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية عمة رسول الله اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا، يا عباس عم رسول الله اعمل فإني لا أغني عنك من الله شيئا، لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل))[8]. فهو - أفْديه بنفسي وأمِّي وأبي، عليه الصلاة والسلام - يُعلِّمنا ويربِّينا ألاَّ مجاملةَ في الحقِّ أبدًا، وقد عَقَل ذلك الصحابةُ الكرام - رضوان الله تعالى عليهم - إذ تربَّوْا في مدرسة النبوَّة، فكان أمير المؤمنين عمر بن الخطَّاب - رضي الله تعالى عنه - إذا أراد أن يسُنَّ قانونًا أو تشريعًا جديدًا، جَمَع أهلَ بيته وقال لهم: هذا أمرٌ جديد، مَن خالفه منكم ضاعفتُ له العقوبة؛ حتى لا يتجرأَ أحد على حُرمات الله - تعالى.
وأصْل ذلك أيضًا في كتاب الله - جلَّ في علاه -: ففي جانب الحدود والعقوبات يقول الله - تعالى -: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ ﴾ [الأحزاب: 30]، ومثله في جانب الجزاء بالحُسْنى حيث تُضاعَف الحَسنات قول الله - عز وجل - : ﴿ وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صَالِحًا نُؤْتِهَا أَجْرَهَا مَرَّتَيْنِ وَأَعْتَدْنَا لَهَا رِزْقًا كَرِيمًا ﴾ [الأحزاب: 31]. وما ذلك إلا لأن شأن بيت النبوة من الخصوصية بمكان كما خاطب الله جل في علاه أمهات المؤمنين رضي الله تعالى عنهن: ﴿ يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ ﴾ [الأحزاب: 32].
وبكلمة واحدة، فالناس في الإسلام سواسية كأسنان المُشْط، وأكرَمُهم عند الله تعالى المتَّقون، وميزان التقوى عندَ الله وحْده، وحتى الشنآن والخُصومة لا يجدر بها في الإسلام أن تَدفع إلى غَمْط الحق، فقدْ أَسَرَّ عمر - رضي الله تعالى عنه - لرجل أنَّه لا يحبُّه، فقال له ذلك الأعرابي: هل عدمُ حبِّك لي يمكن أن يكون سببًا في منْعي مِن حقوقي؟ قال: اللهمَّ لا، قال: إنما تبْكي على الحُبِّ النِّساء.
وهكذا فإنَّ للأمَّة الإسلامية أن تفخرَ حقًّا بنسبها - نَسبًا وعملاً إن اجتمعا في صعيد واحد وإلا فإن العمل يكفي، كما قرَّر ذلك المصطفى - عليه الصلاة والسلام -.
ورَحِم الله تعالى عياضا القاضي الفقيهَ الشاعر - أقصد من أهل الشعور - حين قال:
وَمِمَّـا زَادَنِي شَرَفًا وَتِيهًا وَكِدْتُ بِأَخْمُصِي أَطَأُ الثُّرَيَّا
دُخُولِي تَحْتَ قَوْلِكَ: يَا عِبَادِي وَأَنْ صَيَّرْتَ أَحْمَدَ لِي نَبِيَّا
صلَّى الله وسلَّم وبارك على جميعِ الأنبياء والمرسَلين، وعلى رأسهم قائدهم وأميرهم وحبيبهم، مولانا المختار المصطفى - صلَّى الله وسلَّم - عليه وعلى آله وأصحابه، وأزواجه وذُريّاتِه، ومَن تبعهم بإحسان إلى يومِ الدِّين، وعلينا معهم، يا أرحمَ الراحمين، يا ربَّ العالمين.
ـــــــــــــــــــــ
[1] انظر: \"تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي. المباركفوري. في فضل النبي صلَّى الله عليه وسلَّم\". (9/12).
[2] \"نور اليقين في سيرة سيد المرسلين. محمد الخضري بك\". ط.1. (1991م) دار الفكر العربي. بيروت. (ص: 8) بتصرف.
[3] رواه الطبراني في المعجم الكبير، برقم (2567) (3/74).
[4]\"نور اليقين\" (م.س). (ص: 8 9)، بتصرف.
[5]معلوم أن الأمة العربية والإسلامية ليست جميعا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن النسب قد يتحقق إن من خِلال النَّسَب الحق، كأن يكون المؤمن من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، أو العمل الصدق كما هو الشأن بالنسبة إلى بلال بن رباح أو سلمان الفارسي أو صهيب الرومي ومن معهم رضي الله تعالى عنهم؛ والمثال المضاد يضرب بأبي لهب القرشي ومن لف لفه.
[6] رواه البخاري في صحيحه، باب حديث الغار، برقم (3216 3965)، (11 - 13/294 201)، ومسلم في صحيحه، باب قطع يد السارق الشريف وغيره، برقم (3196 3197) (9/54 55).
[7] ذَكَره الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة، برقم (163) (1/240)، وفي صحيح الترغيب والترهيب، باب الترغيب في الحياء، وما جاء في فضله والترهيب من الفحش والبذاء، برقم (2963) (3/79).
[8]رواه مسلم عن عائشة والنسائي عن أبي هريرة وأحمد والترمذي بألفاظ متقاربة.
المصدر: شبكة الألوكة.
اللهم صلي على نبينا ورسولنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين
اللهم اجعلنا صادقين بالحق وابعدنا عن الفتن ماظهر منها ومابطن
يكفينا فخر اننا وصل
لكرم كرمنا به الله و اعطانا
ولنتذكر انه لافرق بين عربي واعجمي الا بالتقوى
صلى الله على رسولنا الامين
بذلك تكون الامانه كبيره اسال الله ان يجعلنا اهل لها ويرحمنا اذا اخطئنا
بارك الله فيكم