عاتق البلادي عَلَمٌ تجاهله الإعلام
لأحمد بن عيسى دقاس
لأحمد بن عيسى دقاس
مات عاتق بن غيث البلادي الرجل العصامي الموسوعي الذي يذكرنا بجهابذة العلماء الموسوعيين. مات في هدوء وسكينة بعد حياة مليئة بالعمل المضني قضاها في العمل الرسمي الحكومي كضابط في الجيش متنقلاً ومرابطًا في كثير من مناطق المملكة في شمالها وجنوبها والتي قطعها عرضًا وطولاً بعد تقاعده باحثًا مستقصيًا عن كل ما يعرض له. من الاماكن ومنازل القبائل وفروعها وانسابها تاريخيًا وجغرافيًا وديموغرافيًا الإنسان والمكان مدونًا كل ذلك في صبر وقدرة عجيبة على التحمل ومجالدة الصعاب والعقبات. وما أكثرها التي وقفت في طريقه.
فقد كان رحمه الله كما روى بها وتحدث عن القليل منها في ثنايا مؤلفاته، كيف كان في كثير من الأحيان في رحلاته العلمية ينام في العراء أو داخل سيارته في الأماكن النائية.
وكان يعاني من بعض الجهات الرسمية في الحصول على التصاريح اللازمة لتسهيل مهمته.
وبعض رؤساء المراكز يحتفون به إذا رأوه قادمًا ظنًّا منهم أنه من موظفي التفتيش فإذا عرفوا بغيته لووا أشداقهم سخرية؛ وطبعًا هذا ليس بشكل عام فهناك من أثنى عليه.
كان رحمه الله يستقصي عن كل شاردة وواردة شفاهية من الثقات ثم يرجع إلى المراجع إن وجدت.
كما أنه ذو فراسة فطرية عجيبة إضافة إلى الكم الهائل من تجاربه مع الناس وأصنافهم.
فان راوده الشك في حديث أحدهم تركه ولم يأخذ به كما روى في أحد كتبه عن مدير إحدى المدارس في ضواحي مكة المكرمة حينما كان يروي له عن بعض الأنساب إلا إنه لاحظ في حديثه ما يجعله غير مقبول لديه كما لاحظ عدم رضا الحاضرين عن كلامه دون أن يصرحوا بذلك.
كما كان يعتني باللهجات وإبدال بعض الحروف عند البعض كقوله في سواط الألف معدولة عن الياء فرع عتيبة عتابة كما ينطقها المنتمون إليها.
وكذا الرجل الجازاني قال: سألته عن الأمارة مقر الأمير.
فظن أنني أسأله عن العمارة فرد عليّ أية أمارة جازان كلها أماير فهم يبدلون بالعين همزة.
وغيرها كثير من الأشعار والأمثال.
إلا إنني هنا أود أن أشير إلى إشارة مهمة وهي عنوان هذا المقال من تجاهل الإعلام له.
فقد سألته ذات مرة لماذا لا ينشر ما يكتب أو شيئا منه في وسائل الإعلام كي يستفيد منه الناس فليس كل الناس تشتري وتقرأ الكتب؟
فقال متسائلاً ومن ينشرها.. مات الذي كان ينشرها ويقصد بذلك محمد موسم المفرجي - رحمه الله عندما كان مسؤولاً عن الثقافة في جريدة الندوة؛ ثم أردف قائلاً: ما أكتبه لا يدر دخلاً لهم مثل الكورة والفن. فأومأت موافقًا.
رحم الله أبا غيث المؤرخ والنسابة والجغرافي وقبل هذا وذاك الإنسان الأبي الكريم.
المصدر: صحيفة المدينة السعودية، الأربعاء، 25/3/1431هـ
http://www.al-madina.com/node/231200/arbeaa