عاتق البلادي.. الراحل في هودج النسيان
رحل علّامة الحجاز وابن خليص الأديب والعلامة عاتق بن غيث البلادي، الذي أعطى كل جهده ووقته في صناعة هذا الإنجاز الأدبي الكبير في حفظ تاريخ الوطن والأخص تاريخ الحجاز، رحل في ظل تقاعس كل المحيطين به من المؤسسات الأديبة والثقافية للنظر إليه وإلى جهده الكبير وإرثه الأدبي الذي لا شك أنه سيبقي خالدًا في تاريخ المنطقة والوطن، وأن لهذا الشامخ البدوي الذي خرج من ظلمة ذلك الزمن من قريته حي الطلعة والطويرف يوم كان الظلام يسود سماء هذه القرية وكل قرى الوطن خرج يبحث عن نفق ضوء خارج دائرته الصغيرة، وخرج إلى أرض مهبط الوحي مكة المكرمة، حيث كانت ولا تزال إشعاع نور في الإرث الثقافي والإسلامي.
وبحكم أنني منذ أن وعيت على هذه الدينا، وقبل أن أفك الحرف كما قال لي -رحمه الله- ذات مرة وهو يستقبلني بمنزله ببيته العامر بمكة أنت يا عبد الله مني، وأنا منك قبل أن تفك الحرف يا ابن عمري، حيث إن الأديب عاتق البلادي كان مزارعًا، ورجل بادية راحلاً، فهذا البدوي الذي ترك الرعي والحرث في بداية الخمسينيات الميلادية بحي الطلعة والطويرف وهو لا يفك الحرف يومها، رحل إلى مكة هاربًا من الواقع الذي تعيشه منطقته -آنذاك- خليص من العزلة الفكرية والتعليمية، ولم يكن بها إلاّ مدرسة واحدة فقط، وبعيدة عن قريته، فذهب ينقب عن المدارس والعلم بمكة في ظل العوز الحياتي التي جعلته يعمل بأشياء كثيرة ذكر منها الكثير بمذاكرته. ولابد من يعرف قصة هذا الرجل لابد من الوقوف أمامها بكل إجلال واحترام لما قدمه من عطاء فكري وثقافي لثقافة الحجاز.
عاتق بن غيث البلادى.. الذي لم تنصفه كل المؤسسات الثقافية في مكة المكرمة، وإن كانوا يعتذرون بمرضه ولكنه كان عائشًا بيننا لفترة طويلة ينحت في صخر الثقافة، ويكرم بمنزله كل عام من كل بعثات الحج في العالم الإسلامي، ونحن لا نلتفت إليه، لأنهم ببساطة هم من قرّاء ما كتبه ووثّقه من تاريخ وإرث ثقافي حجازي فهم قراؤه ونحن تركناها، فين أنتم يا مؤسسات الثقافة من تكريم هذا الرمز؟ أين أنتم؟!
وأنا طالبت بحكم ارتباطي باللجنة الثقافية بخليص بإقامة حفل تكريمي خاص له بحكم أنه نبع من خليص ولكن أقولها صريحًا: إن أعضاء اللجنة تقاعسوا جميعًا، ولم يكونوا على مستوى الحدث، حيث إنني أعذرهم لأنهم قادمون للجنة الثقافية بخليص من خارج إطار الثقافة وهمومها، فكانت اهتماماتهم تصب في اتجاهات أخرى غير أن يركزوا على معطيات الثقافة، وأن يقدّروا رمزًا من المفروض أن تفاخر به خليص، وحتى أن دعوته للاجتماع التأسيسي للجنة الثقافية لم يتم إلاّ بعد صهيل من المطالبات لأعضاء الجنة، وجاء تشريفه للاجتماع الأول للجنة الثقافية بخليص مشكورًا، وهو يتكبد ألم النسيان، وجحود الأقربين به، خاصة هو أول من وضع إرث وتاريخ خليص القبلي في ذاكرة الوطن التاريخية من جميع الجوانب على قارعة طريق الباحث والقارئ، ألم كبير أن لا تتذكره خليص واللجنة الثقافية بشيء من التكريم، شيء يعلق المرارة في النفس، وعلى مجرى ذلك تأتى كل المؤسسات الثقافية بمنطقة مكة المكرمة والوطن..
فاصلة
بقي أن أقول كلمة حق في رجل بعيد عن منطقة مكة المكرمة وأجوائها الثقافية، ولكن كمثقف ومحب في نجاحات كل رموز الوطن الثقافية وغيرها في تكريمهم أراد بعد معرفته فيه مؤخرًا وحاول أن يكرمه قبل وفاته منذ ما يقارب السنتين بخليص، ولكن الظروف لم تسمح لإقامة هذا الاحتفال التكريمى لظروف عديدة منها مشاغل الفقيد، وصحته، ومن يومها وذلك هو الأديب والكاتب المثقف نجيب الزامل كان يرغب أن يكون حفلاً مميزًا في عطائه، وتسليط الضوء على المنجز الثقافي والحياتي لهذا الأديب الكبير عبر منتدى أمطار الذي يعد واحدًا من المنتديات المضيئة في سماء الوطن، وكان يرغب نقل المنتدى لخليص، ونجيب الزامل واحد من الناس الذي يطرب كثيرًا لنجاحات الآخرين وتجاربهم، وخاصة التجارب التي حفرت بالصخر، فشكرًا لك يا أبا يوسف، كنت أكثر وفاءً لقامة شخصية ثقافية أكثر من الأقربين له.
عبدالله الطياري
المصدر: صحيفة المدينة، الأربعاء 17/3/1431هـ