• ×

هذه الوصية

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
هذه الوصية
قراءة : معتوق الشريف

عندما زرت المؤرخ المكي الراحل الشيخ عاتق البلادي العام الماضي، بعد أن عاد إلى كتبه ومكتبته من مستشفى الملك عبد العزيز في مكة المكرمة، الذي دخله إثر إصابته بنزيف في المعدة، وقفت مذهولا أمام مكتبته التي لم تسع حجرات منزله المتواضع لعددها. فمنذ أن دخلت من بوابة منزله الخارجية، وأنا أشاهد الكتب في كل مكان على رفوف اشتكت مما حملته، كما هو حال تلك السيارة الرابضة إلى جوار المنزل، حيث وصفها بـ «البعير»، الذي قطع مسافات من الأميال ناقلا البلادي بين سهل وجبل وواد وقرية.
هكذا شاهدت الراحل لأول مرة، لكن ما أدهشني فعلا أنه لا يرتاح في نومه إلا بجوار بنات أفكاره التي وضعها بين دفتي المجلات والكتب المتناثرة هنا وهناك، وقد قادني منظرها إلى سؤاله: ما مصير هذه الكتب بعد الرحيل؟ ليجيبني قائلا: «أوصيت بالتبرع بها لمكتبة الحرم المكي الشريف».
كتب البلادي ليست عادية، بل هي كنز وطني وعربي، فبين دفتيها عوالم وعصور مختلفة، وثمة الكثير من العناوين تكتنزها تلك الرفوف العتيقة، التي لم تسعفه الضائقة المالية تجديدها، لكن عندما تريد أن تعرف الكثير عن البلادي، فإنه يجب عليك أن تطلع على سيرته التي كان العام الماضي يوشك على كتابة الجزء الثالث منها.
منزل البلادي في ساحة إسلام في أم القرى، عندما تدخله تجد على يمينك مكتبة، وعلى يسارك قائمة بالهدايا والشهادات التي حصدها والتي منحت له، ومنها: شهادات صحافية وتدريبية وتكريمية، أذكر منها شهادة (فن الصحافة) من معهد دار عمان للدراسات العليا المؤرخة في 1/9/1958م، وأخرى تفيد بإتمامه اللغة الإنجليزية من هيئة أركان حرب الجيش «رئاسة هيئة العمليات الحربية» في مصر عام 1385م، وثالثة تعود إلى 15/9/2005م من كلية التاريخ والاستشراف في جامعة الحضارة الإسلامية المفتوحة في مجال «التاريخ الوثائقي»، التي منحته رتبة: علامة مؤرخ، وهي كما تفيد الشهادة مساوية لدرجة (دكتوراة دولة).
وبعد الصالة الصغيرة التي تتوسط المنزل، حيث صليت معه صلاة المغرب، غرفة صغيرة على يدك اليمين تحوي أيضا عددا من الكتب التي يحققها، وأخرى يراجعها إلى جوار سرير متواضع، قال عنه إنه صديقه الذي لا يرتاح إلا في جواره.
الحديث مع البلادي حديث شيق، حيث يكتنز هذا العلامة كافة فنون الثقافة والأدب، ففي الشعر له باب، وفي الصحافة له شأن، حيث مارس الصحافة بعد التقاعد من الجيش عام 97هـ في صحيفة البلاد، وكان يعد فيها صفحة (البادية) لأكثر من عشر سنوات، لينتقل بعد ذلك إلى صحيفة الندوة، بعد أن شعرت ــ كما يقول ــ «بعدم التقدير».

المصدر صحيفة عكاظ، الأربعاء، 3/3/1431هـ
http://www.okaz.com.sa/new/Issues/20100217/Con20100217333505.htm

بواسطة : hashim
 0  0  1686
التعليقات ( 0 )

-->