• ×

سيرة العلامة الشيخ الشريف عبدالله بن زيد آل محمود 

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
[size=5]
بسم الله الرحمن الرحيم

سيرة العلامة الشريف الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود
المتوفى سنة 1417هـ
(رحمه الله تعالى)

نسبــه:
هو الشيخ عبدالله بن زيد بن عبدالله بن محمد بن راشد بن إبراهيم بن محمود بن منصور بن عبدالقادر بن محمد بن علي بن حامد الشريف. وآل محمود من آل حامد أمراء سيح الأفلاج من ذرية الإمام حامد بن ياسين الشريف أمير الوادي ، ويتصل نسبهم بالحسن بن علي بن أبي طالب.

مولده ونشأته:
ولد في حوطة بني تميم في جنوب نجد سنة 1329 للهجرة ونشأ بها بين والديه , وكان والده رجلاً صالحاً محباً للعلم فتعهد بتعليم ابنه الوحيد ووجّهه للعلم ، وكان كسبه من التجارة ولكنه توفي والشيخ صغير في بداية البلوغ ، فتحملت والدته رعايته وتشجيعه على الإستزادة من العلم ، وكانت امرأة صالحة تكثر الدعاء له وكانت تتمنى أن تراه عالماً كبيراً .

طلبه للعلم:
تلقى دروسه الأولى على الشيخ عبدالملك بن إبراهيم آل الشيخ قاضي حوطة بني تميم ، ثم لازم الشيخ عبدالعزيز بن محمد الشثري (أبو حبيب) ملازمة تامة فكان يقرأ عليه في الليل والنهار ويسافر معه ، وعندما انتقل الشيخ أبو حبيب قاضياً في منطقة الرين انتقل معه لملازمته والدراسة عنده واستمر معه حتى عام 1350 هـ ( 1930م ) . واستفاد الشيخ من كتب أخواله الشثور الذين تربّى بينهم حيث كانوا بيت علم . ثم انتقل إلى الرياض للدراسة لدى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ وكان يعتبر أكبر مرجع في الإفتاء والقضاء في المملكة السعودية واستمر معه مدة من الزمن .
وكان الشيخ قد أتم حفظ القرآن الكريم بإتقان ولما يتم السابعة عشرة ، فقدمه شيوخه للصلاة بالناس التراويح والقيام ، وكان شغوفاً بطلب العلم ،وقد ساعده على ذلك نباهته وقدرته على الحفظ حتى بز أقرانه . وقد تفرغ لطلب العلم فدرس وحفظ الكثير من الكتب والمتون، والكثير من الأحاديث النبوية عن ظهر قلب .
وكان الحصول على الكتب شاقاً في ذلك الوقت حيث لم تصل الكهرباء أو المطابع ، وكان الناس يشترون الكتب بأثمان غالية ، أو ينسخونها بأيديهم أو بأيدي النساخ ، وقد استعار الشيخ كتاباً وكان يسهر على نسخه على مدى شهرين على ضوء السراج حتى أتمه .

سفره في طلب العلم:
كان الشيخ محباً للعلم شغوفاً به , وقد شجعه شيوخه على الاستزادة منه فيمّم وجهه شطر قطر حيث افتتح الشيخ محمد بن مانع مدرسته التي استقطبت طلاب العلم من قطر وخارجها . وكان لأسرة آل محمود علاقة قديمة بقطر حيث كان عمه سعد بن ابراهيم آل محمود مقيماً فيها منذ سنين طويلة كما كان أعمامه وخاله يترددون عليها للغوص في مياهها ، وقد توفي عمه محمد ودفن في الوكرة قبل وصول الشيخ بسنين .
بدأ الشيخ دراسته التي استمرت حوالي أربع سنين وحتى انتقال الشيخ محمد بن مانع إلى مكة .يقول بعض من عرفه في ذلك الوقت إنه لم يكن يترك المصحف أو الكتاب من يده طوال اليوم ، وكان يقضي أغلب وقته في مسجد عبلان المجاور لبيته للدراسة والمراجعة. وقد شغل نفسه بالعلم حفظاً ودراسة بحيث فرغ نفسه تماماً فكان يعيش عازباً ولم ينشغل بتجارة ، وكان يذهب إلى بيت عمه سعد المجاور لتناول وجباته . تقول زوجة عمه سعد ( أم ناصر ) : كنا نضع للشيخ غداءه في المجلس ونغطيه وعندما نأخذه عصراً نجد أنه لم يمس ّ . فقد كان انشغال الشيخ بالدرس والعلم ينسيه الغداء حتى يذهب وقته . يقول رحمه الله في إحدى رسائله : "...وكنت ممن تغرب عن الأهل في طلب العلم أربع سنين ولم أجد مشقة في الغربة ولا في العزوبة، لكون الاشتغال بالعلم وبالأعمال الدينية والمالية يستدعي الانصراف الكلي، على حد ما قيل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار
ويقول رحمه الله عن سفرته لقطر : " كانت سفرة مباركة حظيت فيها بحفظ كثير من العلوم والفنون ، فحفظت بلوغ المرام في الأحكام ، ومختصر المقنع ، ونظم المفردات ، ونظم مختصر إبن عبدالقوي إلى باب الزكاة وعملت عليه شرحاً حافلاً في مجلد ضخم ويمكن جعله في مجلدين ، وتوقفت عن مواصلة تكميله للعوارض التي شغلتني .كما حفظت ألفية الحديث للسيوطي وألفية إبن مالك في النحو ، وكتاب قطر الندى وبلّ الصدى في النحو أيضاً " . و يقول أحمد بن الشيخ محمد بن مانع " كان الشيخ ابن محمود من أبرز طلبة الوالد رحمه الله وكان يلتهم العلم التهاماً, وكان والدي يرى فيه مخايل النبوغ, فتعهده واهتم بتعليمه , وكان الشيخ ابن محمود حريصاً على العلم , سريع الحفظ حاضر البديهة وطلب منه والدي التركيز على الفقه والنحو ، وعندما غادر والدي إلى مكة لتسلم عمله بطلب الملك عبدالعزيز سافر الشيخ معه." ونقل عن الشيخ إبن مانع أنه قال عندما سئل عن الشيخ : " إبن محمود هو الوحيد الذي يتعلم مني وأتعلم منه "
وفي عام 1357هـ (1937م) وصل الشيخ إلى الرياض والتحق بالدراسة مرة أخرى لدى الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ مفتى الديار السعودية بالرياض وذلك لمدة تقرب من سنتين ، وقد أعجب به الشيخ محمد واختاره ضمن ثمانية (1) من أبرز طلبته للسفر إلى مكة للوعظ والإرشاد في الحرم ومساجد مكة وأن يكونوا جاهزين لتولي المناصب القضائية بناء على طلب الملك عبدالعزيز.

ثقافته العالية واطلاعه الواسع:
كانت حياة الشيخ طلباً متصلاً للعلم منذ صغره ، فقد كان منقطعاً لتلقي العلم وحفظ القرآن والأحاديث والمتون المختلفة , وكان لوالدته فضل كبير على دفعه في هذا السبيل ودعائها الدائم له وموافقتها على سفره إلى مناطق بعيدة لطلبه مع كونه ابنها الوحيد.
وحتى حين تولى القضاء, فلم يشغله عن طلب العلم شاغل, وكان شغوفاً بالدراسة والمطالعة لا ينقطع عن التنقيب في بطون الكتب والبحث في المراجع والأمهات التي تحفل بها مكتبته الخاصة. وإن صادفته _ أثناء قراءاته _ فكرة أو فائدة إستحسنها بادر بتسجيلها حتى تبقى حية في ذاكرته ، وتحوي أوراقه الكثير من هذه الكتابات ، وهي مكتوبة على أي أوراق تكون في متناول الشيخ كظهر رسالة أو مظروف أو قصاصة ورق.بل إنه قد ينهض من نومه لتسجيل فكرة أو خاطرة قبل أن ينساها. وكانت للشيخ همة عالية وفهم كبير وإذا اهتم بأمر لا يخلد للراحة حتى ينجزه. وقد درس فضيلته الكثير من

الكتب المتعلقة بالعلوم الإسلامية المختلفة:
ولم يقتصر على معرفة مذهبه بل تعداه إلى دراسة جميع المذاهب واطلع على مواقع الخلاف والإتفاق بينها . ودرس كتب الملل والنحل الأخرى .. وهو حنبلي المذهب سلفي العقيدة , وقد أحاط إحاطة واسعة بالتفاسير المختلفة والصحاح كما قرأ الكثير من كتب التاريخ والسير , وهو على علم واسع بأيام العرب وأنسابهم وتاريخ الإسلام ورجالاته . وله ولع بالأدب والشعر ويحفظ الكثير من القصائد وأبيات الحكمة والأمثال العربية ويستشهد بها كثيراً في أحاديثه وكتاباته.
يقول الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن آل جبرين : "نقوم بزيارته ونجلس معه ونجد في مجالسه البحث العلمي والمسائل والأجوبة المفيدة ، ونراه حريصاً على تلقي طلبة العلم و تشجيعهم على مواصلة الطلب والاستفادة و استغلال الوقت في التلقي عن العلماء ، و اغتنام الحياة ، والفراغ فيما هو مفيد و خير ، و عدم إضاعة الأوقات فيما لا فائدة فيه".
قوة الذاكرة:
وقد رزقه الله ذاكرة نادرة حيث كان سريع الحفظ ولديه قدرة في استرجاع ما حفظه والإستشهاد بما مر عليه وعند مناقشة موضوع من المواضيع فانه يشير إلى الدليل والمرجع الذي يستند إليه ويحدد الفصل والصفحة التي ورد فيها الدليل .
يقول الشيخ عبدالله المسعري رئيس ديوان المظالم السابق في السعودية :"إنني لم أعرف أحداً من العلماء لديه مثل ذاكرة الشيخ إبن محمود فقد حفظ منظومة ابن عبدالقوي في الفقه عن ظهر قلب , ولم يستطع أحد من طلبة العلم القدامى أو المحدثين حفظها . وكان موسوعة علمية لا يضاهيه أحد من معاصريه ويحفظ الكثير من الأحاديث والنصوص والأشعار عن ظهر قلب . كان كلامه حكمة ، سألته مرة ، هل تقول الشعر يا شيخ . فأجابني على البديهة : "جيّده لا يواتيني ، ورديّه لا أواتيه " وهي كلمة تدلّ على بلاغة فائقة . وحفظت من كلامه حكمة قالها وهي : "نكح الكسل التواني، فولد بينهما الحرمان " فمناقب الشيخ والكلام عن سعة علمه واطلاعه لا يتسع المجال لاستقصائها . إهـ
وكان الشيخ حتى آخر أيامه يقرأ القرآن الكريم ، ولا ينسى منه شيئاً ، مع أن القرآن الكريم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم سريع التفلت ، لكن كان ذلك بفضل الله أولاً ، ثم بحرص الشيخ على مراجعة محفوظه من كتاب الله من خلال ورد يومي استمر عليه طوال حياته.
وكانت ذاكرته القوية مضرب مثل، يقول رجل الأعمال عبدالعزيز بن علي بن عزمان : ذكر لي والدي عن حادثة قديمة وقعت في الحوطة عندما كان الشيخ عبدالله يدرس عند الشيخ أبوحبيب وكان في سن صغيرة ، يقول : أخذني الشيخ أبو حبيب لزيارة الشيخ عبدالله فرحب بنا وبدأ يعد لنا القهوة (يحمسها) (2)، وأعطى أبوحبيب للشيخ عبدالله ورقة فيها منظومة من ثمانين بيتاً ، وأثناء ما كانت القهوة على النار استمر الشيخ عبدالله يطالع فيها وقبل أن تفور الدلة أعادها إلى الشيخ أبوحبيب ، فقال له : أنا أعطيك إياها لتقرأها علينا وأنت تعيدها. فاسفتح الشيخ بأول أبيات القصيدة وأخذ يسردها حتى أتى على نهايتها. يقول علي بن عزمان : فعجبنا غاية العجب، وعندما خرجنا أمسك أبوحبيب بيدي وقال : ياعلي ، والله إن طالت بك حياة ، واستمر عبدالله في العلم أن يعدّ له عدود . أي يحسب له حساب. وفعلاً حدث ما تنبأ به شيخه أبوحبيب حتى إنه اعترف له في أكثر من مناسبة أنه أصبح أعلم منه. يقول عبدالعزيز بن عزمان ، كنت أصب القهوة في مجلس والدي الذي كان مستضيفاً للشيخ عبدالله بن زيد الذي قدم من قطر . وبدأت بتقديم الفنجال للشيخ أبوحبيب باعتباره الأكبر سناً ولكنه ردّه إلى الشيخ ابن محمود ، الذي رفض بدوره أن يأخذه وقال : كيف آخذه ، أنت شيخي وخالي ، فرد عليه الشيخ أبوحبيب : أنا شيخك وخالك ولكن الله فضلك علي بالعلم، ومع ذلك رفض الشيخ ابن محمود أن يتقدم على شيخه في أخذ الفنجال.

التدريس في الحرم المكي الشريف:
كان من نعم الله تعالى على الشيخ عبد الله أن شرّفه للقيام بمهمة التدريس في أشرف بقعة وأفضل مكان ألا وهو بيت الله الحرام، حيث اختاره الشيخ محمد بن إبراهيم ضمن ثمانية من أبرز تلاميذه للذهاب إلى مكة للوعظ والتدريس بها ، يقول الشيخ رحمه الله : " وفي عام 1359هـ صدر الأمر من الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن رحمه الله بإرسالنا إلى مكة المكرمة لنشر الوعظ والإرشاد والتعليم في الحرم وفي
مساجد مكة ، ولنكون وقت الطلب على أهبة الإستعداد ..", فتوجه الشيخ إلى مكة ومكث بها و خصص له كرسي للتدريس في المسجد الحرام . يقول الشيخ جاسم بن علي بن عبدالله : " سافرنا للحج عام 1359 هـ مع الشيخ عبدالله بن جاسم رحمه الله، وسمعنا ونحن بالحرم عن شيخ اسمه إبن محمود له درس ، فبحثنا عنه وسألنا حتى دلونا عليه ، وكان شاباً أبيض ذو لحية خفيفة ، وكان يلقي درساً عن أحكام الحج ، فجلسنا نستمع وكانت هذه أول مرة أراه فيها".ويقول الأستاذ عبدالله المعتاز مؤسس إدارة المساجد
والأعمال الخيرية من الرياض : " أتذكر دروس الشيخ إبن محمود في الحرم وكان رحمه الله جهير الصوت وله قبول عند جمهور الناس وحلقته من الحلقات الكبيرة ، وكان يلبس بشتاً أسود وفي يده عصا صغيرة ، ومما لفت نظري أناقته وبياض ملابسه ونظافتها على غير عادة الناس في ذلك الوقت ، كما كان في درسه يتميز بالبلاغة واستخدام المحسنات اللفظية كالسجع والطباق وشواهد الشعر "

تولّيه القضاء في قطر:
في منتصف ذي القعدة من عام 1359هـ قدم الشيخ عبدالله بن قاسم آل ثاني حاكم قطر, إلى مكة قاصداً الحج وبصحبته ابنه وولي
عهده الشيخ حمد بن عبدالله وعدد من كبار أفراد الأسرة الحاكمة والأعيان . وبعد أداء فريضة الحج طلبا من الملك عبدالعزيز آل سعود
أن يبعث معهم برجل يصلح للقضاء والفتيا حيث كانت قطر في ذلك الوقت بدون قاض بعد أن غادرها الشيخ محمد بن مانع الذي طلبه الملك عبدالعزيز من الشيخ عبدالله بن قاسم ليتولى الإشراف على التعليم في المملكة الوليدة، وقد وقع اختيارهم على الشيخ عبدالله بن زيد بإيعاز من الشيخ محمد بن مانع الذي رشحه لما رآه منه من سعة العلم والإطلاع .وقد استدعاه الملك عبدالعزيز وأمره بالسفر مع الشيخ عبدالله بن قاسم لتولي القضاء في قطر فحاول الإعتذار ولكن الملك أصر عليه فتوجّه إلى قطر في نفس السنة حيث تقلد أمانة القضاء في 15 من ذي الحجة عام 1359هـ (1940م) وكان عمره في ذلك الحين ثلاثون سنة.
كانت الفترة التي تولى فيها الشيخ القضاء هي في بداية تكوين الدولة وكانت أجهزة الحكومة بسيطة وقليلة وإمكانياتها محدودة , وقد مر عليها ظرف اقتصادي صعب مع انهيار اللؤلؤ الطبيعي الذي تسبب في ضرر كبير لاقتصاد دول الخليج, وقد تولى الشيخ القضاء مع نشوب الحرب العالمية الثانية التي استمرت ست سنوات، والتي ضاعفت المشاكل المالية لدول الخليج حيث انقطعت المؤن التي كانت تصل عن طريق البحر، وأدى ذلك إلى ازدياد نشاط التهريب وارتفعت أسعار السلع إلى ثلاثين ضعفاً أو أكثر مما تسبب في عجز الكثيرين عن توفير لقمة العيش وكثرت الوفيات بسبب الجوع والأمراض .
تصدى في بداية عمله للكثير من المشاكل المعقدة والمزمنة وبعضها خلافات تراكمت عليها سنون لم يتم حلها، فكان موفقاً في حل أي مشكلة مستعصية، وقد استطاع في مدة وجيزة أن يحل الكثير من الخلافات القبلية خاصة في مناطق الشمال بحيث استقرت العلاقات بين القبائل هناك .
وقد اشتهر في قضائه بتحري العدل والنزاهة , وكان لا يفرق في قضائه بين كبير وصغير فالجميع أمام الحق سواء ، ويتناقل الناس كثيراً من المواقف التي حكم فيها لصالح أشخاص ضعاف ضد شيوخ ووجهاء ، وهو يعتبر _ بحق _ مؤسس القضاء الشرعي في قطر , حيث
وضع نظام تسجيل الأحكام والقضايا لحفظها, ولم يكن القضاة قبله يسجلون أحكامهم في سجلات ، أو يكتبون الأحكام في صكوك ، وإنما يكتفون بكتابة ورقة مختصرة في يد صاحب الحق تثبت حقه ولا يوجد مايقابلها لدى القاضي.
وذكر الشيخ زهير الشاويش أن الشيخ محمد بن مانع قال للشيخ علي بن عبدالله حاكم البلاد في حينه: "عليكم بالشيخ ابن محمود ، فوالله إن ذهب أو ترك فلن تجدوا مثله"

طريقته في القضاء:
كان فضيلته يبكر في الجلوس للقضاء قبل طلوع الشمس طوال العام ما عدا أيام الجمع. وكان مع هذا قليل السفر خارج البلاد ويبدأ جلسته ببحث وكتابة القضايا المعروضة أمامه في اليوم السابق وبعد انجازها يستدني الخصوم الذين تغص بهم قاعة المحكمة في كثير من الأحيان فيبدأ بحل قضاياهم ويجتهد في الإصلاح بينهم ما وجد إلى ذلك سبيلا ويساهم من ماله في الإصلاح إذا كان الخصم فقيراً .
وقد يتطاول عليه بعض الخصوم برفع الصوت أو التجريح فيتحمل منهم كل ذلك في صبر, وقد رفض عدة مرات وضع شرطة لتنظيم الدخول عليه خوفاً من أن يردوا صاحب حاجة أويمنعوا سائلاً. وأكثر القضايا يحلها في جلسة واحدة أو جلستين ويحرص في القضايا المتعلقة بالعقار أن يخرج بنفسه لمعاينة مكان الخلاف, ويتأنى كثيراً قبل إصدار حكمه حتى يتضح الحق والصواب فيقضي به..
وقد ذكر رحمه الله في إحدى رسائله منهجه في القضاء ونصح إخوانه القضاة فقال : " شرع القضاء رحمة للناس وراحة لهم، لإزالة الشقاق بينهم، وقطع النزاع عنهم، وإقامة الحدود، واستيفاء الحقوق، وردع الظالم، ونصر المظلوم.
لو أنصف الناس استراح القاضي وبات كلٌ عن أخيه راضي
فمن واجب القاضي أن يحتسب راحة الناس ورحمتهم في قطع النزاع عنهم، وأن يحتسب التبكير في الجلوس للناس، ويفتح باب المحكمة على مصراعيه، ثم يبدأ بالأول، فالأول، كما نص على ذلك فقهاء الإسلام في كتبهم. ففي الحديث: "من تولى شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وفقرهم، احتجب الله دون حاجته وفقره" [رواه أحمد والترمذي].
ولما بلغ عمر أن سعد بن أبي وقاص قد اتخذ له باباً وحجاباً يمنعون دخول الناس عليه، أرسل محمد بن مسلمة، وأمره أن يحرق باب سعد قبل أن يكلم أحداً من الناس.
فهؤلاء القضاة الذين يغلقون أبواب المحاكم عليهم، ويتركون الناس خلف الأبواب، يغشاهم الذل والصغار، والقاضي غير مكترث بهم، ولا مهتم بأمرهم، ويمضي أكثر وقته في الحديث في مصالح نفسه الخاصة. وشهر للحج، وشهر للعمرة، وشهر للمصيف في الطائف أو لبنان مثلاً. ويترك الناس يموج بعضهم في بعض بالنزاع والخصام، لا يجدون من يقطع النزاع عنهم، وهو مستأجر لحل مشاكلهم.. فهؤلاء بالحقيقة مخالفون لنصوص مذهبهم. فإن الفقه الإسلامي يمنع غلق الأبواب، ونصب الحجاب دون القاضي ودون الناس.
فافتحوا الأبواب، وسهلوا الحجاب، وبكروا في الجلوس، حتى يسهل عليكم معالجة الخصام، وتنظيم الأحكام. فإن جلوس القاضي في محل عمله لفصل القضاء بين الناس، أفضل من تطوعه بحجه وعمرته، وأفضل من صيامه بمكة؛ لأن جلوسه في محل القضاء واجب عليه، ومطلوب منه شرعاً وعرفاً، أما التطوع بالحج والعمرة فإنها ليست بواجبة عليه، ولا مستحبة في حقه. وقد لا تصح منه.
فلا ينبغي أن يهمل هذا الواجب المحتم عليه، في محاولة التنفل الذي هو ممنوع منه شرعاً وعرفاً ".
وكان الشيخ ذو فكر ثاقب وحكمة ودراية بأحوال الناس وقد وضع عدداً من الأسس والآراء الفقهية التي تيسر على الناس والتي تخالف ما كان عليه عمل المحاكم في المنطقة وذلك نتيجة لخبرته القضائية الواسعة وتمكنه من الفقه فقد كان أول من طبق في دول الخليج اعتبار الطلاق الثلاث عن واحدة ،واعتبار يمين الطلاق يميناً وليس طلاقاً، وخالف رأي الجمهور حول الطلاق البدعي حيث لم يضع له اعتباراً ، وله الكثير من الآراء التي تسير عليها محاكم قطر والتي حلت الكثير من المشاكل .
وجلوسه ليس للقضاء فحسب , فقد يأتيه من يستفتي في مسألة أو حكم شرعي ، كما يلجأ إليه أصحاب الحاجات الذين يطلبون معونته في الأمور المختلفة فلا يبخل عليهم بالمساعدة التي يريدون . وكان يهتم بعدم تأخير صاحب الحاجة ويكرم الشاهد ولا يعطله ويجهد نفسه لمحاولة الوصول إلى الحق. فإذا احتاج الأمر إلى وقوفه على محل النزاع فقد كان يواعد الخصوم ويذهب إليهم عصراً بنفسه, ومجلس الخصوم لديه واحد فإذا جاءه أحد كبار القوم أمره بالجلوس مع خصمه على كرسي الخصومة أمامه . وقد كانت له هيبة لدى كبار القوم وصغارهم و كان له فضل اعطاء الشرع احترامه وإلزام الناس بحدوده وحقوقه، وكان له فضل حماية حقوق الضعفاء من تسلط الأقوياء خاصة في وقت لم تكن فيه أجهزة الدولة قد تكاملت بعد ..
وحكام البلاد يحترمون أحكام الشرع، وإذا كان لأحد منهم قضية حول حقوق عقارية أو مالية ولم يتمكنوا من حلها عن طريق وكلائهم فكانوا يحيلونها إلى الشيخ ويلتزمون بما يحكم به .
ومما نقل عنه أنه ذهب لنظر قضية في الشمال بين أحد الشيوخ وأحد المواطنين , وكان من عادته أن يقف بنفسه على موضع النزاع قبل البت في الدعوى , فلما علم الذي رفعت الدعوى في مواجهته أن الشيخ سيأتيه أعد له العشاء كالعادة حيث أن المنطقة بعيدة عن الدوحة , فلما حضر الشيخ قال له: يا شيخ ترى حضرنا لك العشاء , فقال : أنا لم آت للعشاء وإنما لنظر دعواكم. وبعد أن انتهى من الدعوى ركب سيارته وعاد بدون أن يتناول العشاء . فقد كانت تسويته بين الخصوم تقتضي أن لا يقبل دعوة أحدهما دون الآخر.
وكان يرحمه الله يرفض قبول الهدايا لكون القاضي يجب أن يبعد نفسه عن أي شبهة.
وطلب منه أحد حكام قطر السابقين توثيق عطاء منه لأحد أبنائه فسأله : هل أعطيت باقي ابنائك مثله؟ فقال : لا , فرفض الشيخ توثيق هذا العطاء وقال : أشهد عليه غيري .
ويقول الأستاذ محمود الرفاعي مدير أوقاف الزرقاء بالأردن والذي عمل في قطر: "إنه مد الله في عمره رغم كبر سنه فهو دؤوب، لا يمل ولا يكل، يجلس للقضاء مبكراً، وربما يسبق جميع الموظفين، ثم ينتقل ما بين حلّ لمشاكل المراجعين العضال، وبين القضايا الأخرى، إلى مد يد العون والمساعدة للمعوزين، وجبر خاطر المكروبين. وبين القلم والقرطاس يكتب بيده، ويملي على غيره، أضف إلى ذلك قوة الحافظة متعه الله بحواسه، ومده بالعافية من عنده، فقد ترانا نبحث عن حديث في بطون الكتب، فيكفينا المؤونة، وبهمة شابة تتحرك جوارحه، وما هي إلا دقائق حتى تكون البغية حاضرة . والأهم مما مضى، هو وقوفه على الحق، فإذا أيقن بالدليل والحديث، فإنه يضرب صفحاً عما كان يرد من كلامه، ويثبت ما صح لنا من الرواية".

العدل مع الجميع :
كان الشيخ يتحرى العدل في قضائه بدون النظر لديانة أو مذهب أو عرق ، فقد كسب احترام الجميع لنزاهته وعدالته . يقول جون قصاب وهوأرمني سوري يعمل في قطر: كنت شاباً صغيراً أعمل بالنجارة ، واتصل بي أحد الأرمن وأبلغني أن أرمنياً إيرانياً قبض عليه في قطر وأدخل السجن ، فذهبت لمركز شرطة الدوحة أسأل فأبلغوني أن الرجل دخل البلاد بتأشيرة مزورة فتحدثت معه فقال لي إنه حصل على التأشيرة من أحدى شركات السياحة ولا يعلم أنها مزورة ، فحاولت مقابلة مدير المركز فمنعت من ذلك وقيل لي إن الموضوع يحتاج لإكمال التحقيق ثم يحال للمحاكمة ، وكانت زوجة الرجل وابنه الصغير في الفندق ، وسألت عن حل لهذه المشكلة فقال لي أحد القطريين إذهب إلى الشيخ إبن محمود فقد يجد لك حلا. فذهبت إلى المحكمة الشرعية وأنا وجل ولا أعرف كيف سأتمكن من مقابلة الشيخ . فلما دخلت دلوني على قاعة كبيرة ورأيت فيها الشيخ جالساً ومعه بعض الكتبة وهو ينظر في القضايا ، فانتظرت حتى جاء دوري وأجلسوني على كرسي أمام الشيخ مباشرة ، فشرحت للشيخ مشكلة الرجل وأن الرجل جاء إلى قطر في طريقه إلى بلد آخر ولم يكن يعلم بتزوير تأشيرته، وقلت له : أنا مسيحي ولجأت إليك لأني لم أجد حلاً آخر ، فقال لي إذا كان كلامك صحيح فأنا سأنظر في الموضوع . وطلب وأنا جالس مدير مركز الشرطة واستفسر منه عن القضية وقال له في نهايتها إن الرجل في طريقه إلى بلد آخر فأنتم أبعدوه من البلد واعتبروا تأشيرته كأن لم تكن ولا تزعجوا أنفسكم بتحقيق ومحاكمة . فوافق المدير ولكن ليس من صلاحيته إلغاء القضية . يقول جون : فكتب لي الشيخ كتاباً أخذته وأنا فرح لمدير المركز الذي قابلني فوراً وأنهى الإجراءات بعد استلام كتاب الشيخ ، وسمح للرجل بمواصلة سفره مع عائلته في نفس اليوم .
ويذكر الشيخ فيصل بن قاسم آل ثاني قصة عن مقاول لبناني مسيحي حدثت له مشكلة مع واحد من الشيوخ بسبب رفضه دفع الدفعات الأخيرة من حقوق المقاول ، فرفع الرجل دعواه للشرع أمام الشيخ ابن محمود الذي أمر بإعطائه إحضارية لخصمه ، فحضر الطرفان أمام الشيخ الذي أجلسهما أمامه وبعد الاستماع إلى الطرفين قال للمدعى عليه هل تعترف بهذا المبلغ الذي يدعي به المقاول فقال نعم ولكنه ربح مني الكثير وهذا خصمته مقابل ماربحه مني ، فقال الشيخ : لقد اتفق معك على مبلغ معين فإذا كان الربح من ضمنه فهو حقه وليس لك أن تسلبه منه . فطلب يمين المقاول أن المتبقي حقه ، فقال الشيخ : هو قدم أوراقه وبينته واليمين تتوجه إليك بأنك سلمته جميع حقه . عندها استعد الرجل لسداد بقية المبلغ وأحضره في نفس اليوم للمحكمة واستلمه الرجل . وقد تأثر هذا المقاول لهذا الموقف وقال : أنا مسيحي أجنبي وينصفني القضاء الشرعي من مواطن صاحب نفوذ ، بل أحصل على حقي خلال ثلاثة أيام ، أين يوجد هذا ؟ ، ويقول الشيخ فيصل راوي القصة : إن هذا الرجل كان يصوم في رمضان مع المسلمين ويفطر معهم وهو مسيحي .
هيبته واحترام الناس له :
استطاع رحمه الله أن يكسب حب الناس عندما رأوا قوته في الحق وجهوده لنفع البلاد وأهلها . يقول الشيخ قاسم بن علي بن قاسم آل ثاني : " عندما جاءنا الشيخ إبن محمود وكان شاباً لم نتوقع منه الكثير ، ولكن بعد مدة من قيامه بعمله وجدنا أنه غطى على من سبقه "
وكسب الشيخ احترام الجميع من حاكمين ومحكومين ، يقول الشيخ زهير الشاويش وكان ممن عملوا في ديوان حاكم قطر الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني رحمه الله : " كان الشيخ علي في غير الجلسات الرسمية في العصر أو مساء يجلس بدون البشت ويأتيه كبار الأسرة الحاكمة ووجهاء البلاد فيتبسط معهم بالحديث ، فإذا أبلغه الخدام أن الشيخ إبن محمود وصل ، طلب البشت ولا يستقبله إلا وهو لابسه "
الشجاعة الأدبية والصدع بالحق:
كان قوياً في الحق لايحابي ، ذكر في ردّه على رسالة أحد الوجهاء ممن كانت له علاقة قوية معه، بعد أن حكم ضده في قضية لصالح امرأة ضعيفة وبناتها الأيتام "... وإني أشعرك بأمر يعود عليك بالراحة , وهو أن مدحك لي لا يحملني على الحيف لك , كما أن ذمّك لا يستدعيني إلى ظلمك , ولو كان الأمر بالتخيير, وأن الحكم لا يعقبه حساب خبير ولا عقاب قدير , لاخترت أن يكون عندك دونهم , ولن يرهقني طغيان عليك ما نسبتني إليه من اللّوم والذم , وما نسبتني إليه من الجور والظلم في خصوص هذا الحكم , لأنه ما من أحد سلم من أذى الناس حتى كتاب الله الموصوف بالصدق والعدل لم يسلم من الطعن ..." .
وجاء عامل هندي إلى الشيخ يشكو كفيله وهو أحد الوجهاء، ويقول إن كفيلي لم يعطني راتبي من عدة شهور وعندما طالبته ضربني بالعصا وأثر ضربه واضح في ظهري، وكشف ظهره فإذا أثر الضرب واضحاً ، فغضب الشيخ وأرسل من يطلب هذا الكفيل للحضور. وعندما حضر أجلسه مع العامل الهندي في مجلس الخصوم وسأله عن أثر الضرب في ظهره ، فلم يستطع الإنكار ، فتكلم عليه الشيخ بكلام شديد حتى استعد هذا بتنفيذ مايحكم به الشيخ. فحكم عليه بدفع مبلغ كتعويض عن الضرب وجميع رواتبه غير المدفوعة ، وسأل العامل إن كان يرضى بذلك فقبل وشكر.
واشتكى أحد المواطنين بأن وكيل أحد حكام قطر السابقين يبني للحاكم عمارة وقام بفتح مكيفات مطلة على عقار المشتكي ، فطلب الشيخ الوكيل وسمع حجته ووقف على الموقع ، ثم أصدر حكمه بسد الفتحات لكونها تؤذي الجار.واضطر الوكيل لتنفيذ الأمر بعد أن راجع الحاكم فقال له : نفذ أمر الشيخ .
شهادة البريطانيين :
يقول الكاتب الأمريكي (ناثان براون ) في كتابه "القضاء في مصر والخليج ، القانون لخدمة من ؟ " الذي استقى معلوماته من الإرشيف البريطاني : " نجح البريطانيون في إقرار ضرورة أن يوجد نظام قانوني وقضائي في الخليج لا يجد أساسه في الشريعة فقط. ولكنهم فشلوا في أكثر الأماكن في تشكيل ذلك النظام إلى حد كبير ، خاصة في قطر التي أثبتت فيها المحاكم الشرعية أنها أكثر قوة ، وأثرت هذه المحاكم بعمق واستمرت في التأثير على مسار التطور القانوني والقضائي .." ويضيف الكاتب أيضاً " إن قطر أثبتت أنها تقاوم بشدة أي جنوح رسمي عن الفقه الإسلامي . وأثبت الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رئيس القضاء الشرعي الذي رأى فيه البريطانيون رجلاً متزمتاً وعقبة في طريق الإصلاح القانوني الحقيقي . وإليه يرجع الفضل في تحويل المحاكم الشرعية من نظام غير رسمي إلى هيكل منتظم وذلك عقب تعيينه في سنة 1938 م "

برنامجه اليومي وحسن ضبط الأوقات:
كان يبدأ يومه بصلاة الفجر ويوقظ أبناءه للصلاة ويصحبهم معه , وبعد الصلاة يقرأ من القرآن وردا يوميا ويفطر ، ثم يذهب قبل طلوع الشمس بقليل إلى مكتبه في المحكمة. وإذا كان صباح جمعه فانه يراجع خطبة الجمعة لذلك اليوم.
وقد اشتهر _ رحمه الله _ باحترامه لوقت الدوام فكان أول من يداوم في مكتبه قبل طلوع الشمس ، وكان ينتقد القضاة الذين يبدأون دوامهم بعد ارتفاع الشمس ، ويبدأ بدراسة القضايا وتحرير الأحكام والرد على المراسلات ، وكانت عادته الإملاء على أحد الكتبة من الذاكرة بعد أن يكون قد درس الموضوع . وكان كبار القوم والشيوخ يزورون الشيخ في أول ساعات الصباح للسلام عليه وتناول شئ من القهوة والحديث في شؤون البلاد . ثم يبدأ المتخاصمون في التوافد وعرض قضاياهم فيستمر لعدة ساعات في نظر القضايا والفصل فيها والرد على المستفتين، والرد على المتصلين بالهاتف، وإنجاز الأوراق والمعاملات الرسمية الخاصة بأعمال الرئاسة، إضافة لمقابلة ذوي الحاجات والصدقة على المحتاجين منهم. وعند ما يؤذن الظهر كان يذهب مع جلسائه للصلاة في المسجد المجاور للمحكمة، ثم يذهب إلى مجلسه حيث يتغدى مع ضيوفه وعياله ويأوي إلى بيته حتى صلاة العصر، ثم يجلس في مجلسه فيأتيه كبار القوم ومحبوه والكثير من أهل البلاد، وقد يأتي من يستفتيه في مسألة فيناقشها أمام جلسائه ، كما يقابل الوفود التي تأتي من خارج البلاد، ويأتيه بعض طلبة العلم والجيران والأقارب. وإذا كانت هناك قضية تحتاج إلى الوقوف عليها فإنه يخرج بعد انتهاء مجلسه مع بعض مرافقيه للوقوف عليها .إضافة إلى القيام ببعض الواجبات الاجتماعية كعيادة المريض وتعزية أهل المتوفى وزيارة كبار السن والعجزة وغير ذلك.
ثم يذهب الشيخ إلى المسجد المجاور قبل صلاة المغرب بنصف ساعة للتعبد والدعاء، ثم يدخل بيته بعد المغرب ويصلي النافلة ويرتاح قليلاً، ثم يخرج لمجلسه حيث يحرص على الاستماع إلى قراءة من أحد المراجع والكتب المهمة ما بين المغرب والعشاء، حيث يقرأ أحد أبنائه أو أقاربه قسماً من أحد المراجع العلمية، ككتب التفاسير والسنة والفقه والتاريخ، ويقوم الشيخ بشرح لبعض الفقرات لإفادة جلسائه، كما يرد على من يستفسر منهم حول ما يقرأ . ثم يدعو جلساءه للعشاء، وإذا كان لديه ضيوف فإنه يذبح لهم ويكرمهم كعادته ثم يصلي مع جلسائه ويأوي إلى بيته بعد الصلاة .

برنامجه في الشهر الفضيل:
وفي رمضان كان يلقي بعد صلاة العصر درساً في مسجد إبن عبدالوهاب في الجسرة يحضره كبار أهل البلاد وجمهور كبير من المصلين , وكان درسه يتناول في كل يوم موضوعاً في الفقه أو الحديث أو التفسير لإفادة مستمعيه, ثم بعد ذلك يقوم بتدريس أولاده القرآن حتى ما قبل صلاة المغرب , حيث يذهب إلى منزله ويفطر مع جلسائه ويشاركه في تناوله عدد من الضيوف والفقراء والمحتاجين الذين يقصدونه . وكان _ رحمه الله _ كثير الصدقة في هذا الشهر الكريم.
وكان يؤم الناس لصلاة التراويح حيث يصلي بهم إحدى عشرة ركعة مع الوتر ويقرأ جزءاً كاملاً من القرآن ،ثم يجلس بعد التراويح في مجلسه حيث يقصده المهنئون بدخول الشهر المبارك كما يقصده زواره الكثيرون في مثل هذا الوقت خلال رمضان .
وفي العشر الأواخر كان يؤم الناس لصلاة القيام حيث يقرأ ثلاثة أجزاء في اليوم في ثمان ركعات مع ركوع وقيام وسجود طويل , وكان يجلس للراحة بعد الأربع ركعات الأولى حيث تدور القهوة والطيب ويلقي موعظة في المصلين تشتمل على الفوائد العديدة .وعندما كبرت سنه اكتفى بجزء واحد .

خطبه في الجمع والأعياد:
وتعتبر خطبة الجمعة التي حرص فضيلته على إلقائها منذ توليه القضاء درساً أسبوعياً، يتناول مواضيع إسلامية عامة من الأمور التي تهم الناس في حياتهم، وتحوي خلاصة لآراء فضيلته واجتهاداته في المسائل الشرعية . وبعد افتتاح إذاعة قطر أصبحت الخطبة مسموعة في البلدان المجاورة ويحرص الكثير من الناس على الاستماع إليها وقت صلاة الجمعة وليلة السبت من كل أسبوع .وقد جمعها في كتاب "الحكم الجامعة لشتى العلوم النافعة"
وكان لفضيلته مواقف مشهودة على المنبر حيث جهر فيه بكلمة الحق وأمر بالمعروف وحارب البدع والمنكرات وكان المسؤولون والمواطنون يحسبون لها حساباً ، وكانت خطبه وسيلة لتثقيف الناس وتعليمهم أمور دينهم.

الشيخ مرجع للقضاة والمستفتين:
وكان رحمه الله لايبخل على مستفت يطلب حل مسألة من المسائل الصعبة والشائكة حتى إنه أصبح مرجعاً للكثير من القضاة في بلاد الخليج والسعودية وفارس والهند ، فيرسل أحدهم ملخص القضية إلى الشيخ فيرد عليه بحلها .
يقول الشيخ عبدالرحمن الفارس ، قاضي المحكمة الكبرى في الرياض شاكراً إجابة الشيخ له على استفتاء أرسله :" ... استلمت خطاب فضيلتكم المتضمن للفتوى ، وأحطت علماً ومعرفة بما كان يجول في فكري ، فلقد أجدتم وأفدتم ولازلتم موفقين لكل ملتمس بيان من العلم، زادكم الله علماً ونوراً وبصيرة ، ووفقكم لقول الحق بدليله ، فإنكم لا تألون جهداً في إيضاح كل مشكلة وتبيين كل معضلة بدليلها ..."
وقد اشتهر فضيلته بحل القضايا الصعبة والمسائل المعقدة حتى أصبح الناس يقصدونه من البلدان المجاورة أو يرسلون إليه باستفساراتهم فيرد عليهم بما يشفي غليلهم.
ويقول أكثر من واحد من أهل قطر أنهم عندما يتوجهون للشيخ إبن باز بطلب الإفتاء في إحدى المسائل فإذا عرف أنهم من أهل قطر قال لهم : عندكم الشيخ إبن محمود إرجعوا له . وذكر عبدالعزيز بن عزمان الذي كان يصلي في مسجد الشيخ إبن باز أمراً مماثلاً ، حيث كان الشيخ إبن باز يسأل المستفتي من أي بلد هو ، فإذا قال من قطر ، قال له : عندكم الشيخ إبن محمود وتأتون إلي .

رسائله واجتهاداته:
كتب الشيخ ما لا يقل عن ثمانين مؤلفاً في مختلف المواضيع تم جمع أغلبها في كتاب ( مجموع رسائل الشيخ عبدالله بن زيد آل محمود ) الذي طبع عدة مرات آخرها طبعة وزارة الأوقاف القطرية في ثمانية مجلدات وقدم لها مفتي المملكة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ,وله بعض الأعمال التي لم تصدر . وكانت أول هذه الرسائل صدوراً هي رسالة ( إدخال الإصلاح والتعديل على معاهد الدين ومدارس التعليم ) ثم تلتها رسالته ( يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام ) التي أفتى فيها برمي الجمار قبل الزوال وفي الليل. يقول رحمه الله في مقدمة كتابه ( الحكم الجامعة ): " إن لكل إنسان حاجة ولكل حاجة غاية ، وما حاجتي من مؤلفاتي إلا الدعوة إلى دين ربي ونصيحة أمتي بالحكمة والموعظة الحسنة ، إبتغاء الثواب من ربي ، والدعاء من إخواني ، إذ هذه أمنيتي وغاية بغيتي ورغبتي ، والله عند لسان كل قائل وقلبه " كما يضيف رحمه الله " هذا وإنني لم أخرج رسالة علمية ذات أهمية إلا وأنا متحقق من حاجة المجتمع إليها وإلى التنبيه على مدلولها ، وكونها من المبتكرات التي لم يسبق إليها ، وكم ترك أول لآخر "
وقد تنوعت رسائله بين التوجيهات والنصائح في الأمور اليومية التي تدور عليها الحياة في المجتمعات ، ودعوة التوحيد الذي عليه عماد الإيمان ، ومحاربة البدع والآراء المخالفة للشرع . وكان ينهج منهجاً لا يتقيد فيه بآراء المذهب فقط , بل ينظر إلى قوة الدليل ويدعم رأيه بحصيلة واسعة من الآيات والأحاديث وأقوال الفقهاء.
كما كان لخبرته في القضاء أثرها في بعض رسائله التي يسهل فيها على الناس حل بعض المشاكل في الشؤون الزوجية أو الطلاق أو التأمين على السيارات أو غيره .وقد يأتيه استفتاء من إحدى الجهات فيؤلف فيه رسالة رداً على ذلك كما فعل في رسائله : جواز الاقتطاف من المسجد أوالمقبرة , و رسالته حول إباحة السكنى في حجر ثمود , و رسالة اجتماع أهل الإسلام على عيد واحد كل عام ، والتي ورد الاستفسار عنها من رابطة العالم الإسلامي في مكة المكرمة بإيعاز من الملك فيصل _ رحمه الله _ وقد ألف في كل موضوع رسالة مستقلة .وقد يؤلف كتاباً لمناقشة مسألة مطروحة كما حدث في فتنة المهدي في مكة المكرمة , فقد تزامن حدوثها مع عقد مؤتمر السيرة والسنة النبوية في الدوحة وكان فضيلته قد أعد بحثاً عن السنة المطهرة وكونها شقيقة القرآن ، وقصد أن تكون موضوعاً لخطبته ، ولكنه غيّر ذلك إلى الكلام حول المهدي المنتظر وناقش مدى صحة الأحاديث الواردة فيه وانتهى إلى ضعفها , ألقاه على الحضور في المؤتمر فنال استحسانهم وألف بعد ذلك رسالته : (لا مهدي ينتظر بعد الرسول محمد صلى خير البشر) . وعندما رأى كثرة الأضاحي عن الأموات في مناطق نجد وما جاورها أعد رسالة سماها (الدلائل العقلية والنقلية في تفضيل الصدقة عن الميت على الضحية) , وأثارت عليه بعض الردود فرد عليها بكتابه (مباحث التحقيق مع الصاحب الصديق) .
كما كتب فضيلته العديد من الرسائل في التحذير من البدع والإنحراف عن واجبات الدين ، وكتب حول الأمور الواقعة في حياة المجتمعات الإسلامية، فحذر من الخمور والربا والتبرج والإختلاط والتزوج بالكتابيات وأثره على النشء والأفلام الخليعة والتلقيح الصناعي وتحريم نكاح المتعة وغيرها .
كما ألف في تصحيح عقائد المسلمين ككتابه حول بدعة الإحتفال بالمولد، والإيمان بالقضاء والقدر , وكتاب عقيدة الإسلام والمسلمين , ورسالة الإصلاح والتعديل لما وقع في اسم اليهود والنصارى من التبديل ، ورسالة وجوب الإيمان بكل ما أخبر به القرآن من معجزات الأنبياء, ورسالة تحقيق البعث بعد الوفاة , وتحذيره من انحراف الشباب , ورسالته حول واجب المتعلمين والمسؤولين في المحافظة على أمور الدين , كما ناقش في بعض مؤلفاته مسائل فقهية هامة كجواز تحويل المقام ، وحكم اللحوم المستوردة وذبائح أهل الكتاب , وحكم الطلاق السني والبدعي , وقضية تحديد الصداق , والحكم الشرعي في إثبات رؤية الهلال , وكتاب الصيام وفضل شهر رمضان , والجهاد المشروع في الإسلام . وغيرها من المواضيع التي تعالج مشاكل في الحياة اليومية للفرد وتهدف إلى تصحيح المفاهيم ورفع الحرج عن مجموع الأمة .
يقول الشيخ حسن خالد مفتي لبنان السابق رحمه الله عندما قرأ رسالة الطلاق السني والبدعي : جزى الله ابن محمود خيراً ، لقد حل لنا بهذه الفتوى مسائل عويصة في الطلاق يعاني منها المجتمع اللبناني والمجتمع الشامي عموماً، وسوف نقوم بتطبيقها في محاكمنا، ولا نملك جميعاً إلا أن ندعو له الله بالسداد والتوفيق وطول العمر، فما أحوج أمتنا إلى مثله فقيهاً متبحراً وبصيراً . (رواية عن د. يوسف عبيدان القائم بأعمال سفارة قطر في بيروت سابقاً ) .
ويقول الشيخ محمد الغزالي : ".. والشيخ عبدالله بن زيد آل محمود رجل ثاقب الفكر، يبحث عن الحق بإخلاص ويستعين على معرفته بثروة طائلة من الخبرة بكتب الأولين ، فإذا اهتدى إلى حكم ينفع الأمة جهر به دون وجل ، و دافع عنه بأصالة ، وقد قرأت له جملة من المسائل التي تعرض الفقه الإسلامي عرضاً يناسب العصر، لا استرضاء للمعاصرين ، ولكنها رحابة أفق في فهم الدين" .
ويقول الشيخ مهنا بن سلمان المهنا القاضي بالمحكمة الكبرى بالرياض:"وللشيخ أسلوب متميز في التأليف والكتابة إذ يعنى إلى جانب المضمون بمحسنات اللفظ من سجع وجناس وصور وأخيلة مع تدبيجه بالجيد من الشعر والآثار العربية حتى يصل إلى القلوب سلساً رقراقاً يجد القبول في النفس والإنشراح في الصدر".

صدور رسالة يسر الإسلام وفتوى الرمي :
لقد شكّل صدور رسالة ( يسر الإسلام في أحكام حج بيت الله الحرام ، وفيه التحقيق بجواز رمي الجمار قبل الزوال ) علامة فارقة في تاريخ جهود الشيخ العلمية واجتهاداته الفقهية ، فهو قد فتح المجال لكسر الجمود في الفتاوى الفقهية وخاصة في الفقه الحنبلي الذي كان سائداً في أغلب أنحاء الجزيرة العربية ، وكانت كتب متأخري الحنابلة : الإقناع والمنتهى والإنصاف هي أساس الإفتاء نتيجة لانتشارها والقبول الذي حظيت به .
وعندما نقيس ردود الفعل على صدور هذه الفتوى الذي وصل إلى تدخل الملوك والحكام في الأمر واعتباره من الأهمية بحيث يقوم ملك مثل الملك سعود ملك المملكة العربية السعودية بمراسلة الشيخ علي بن عبدالله آل ثاني حاكم قطر طالباً موافقته على إيفاد الشيخ لمناظرة المشايخ في الفتوى ، بل إنه كتب للشيخ إبن محمود بنفس المضمون . وعندما سافر الشيخ علي في نفس السنة للحج واجتمع مع الملك سعود في منى ، كان موضوع الفتوى من ضمن الأمور التي تباحث فيها العاهلان ، وطلب الملك سعود من الشيخ ابن محمود الذي كان حاجاً مع الشيخ علي أن يتراجع عن فتواه وكان رد الشيخ بالإعتذار. الأمر الذي يوضح صعوبة و حجم التغيير الذي حدث .
ونظرة إلى رسالة الشيخ الموجهة إلى علماء الرياض (3) والتي احتوت دفاعاً رائعاً عن رسالة يسر الإسلام ، تعطي القارئ فكرة عن قدرات الشيخ في المجادلة والمنافحة عن آرائه التي اعتمد فيها على الأدلة من الكتاب والسنة كما أورد فيها أقوال عدد من العلماء السابقين الذين رأوا نفس الرأي . ولقد تحمّل الشيخ الكثير من التحامل عليه ومحاولة الحط من قدره وتسفيه آراءه ، ولم يكن ذلك من
المشايخ الذين اختلف معهم ويعرفون قدره ولكن من تلاميذهم الذين يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً . ولكنه كان يقول دائماً " إن الكثير من الناس بما فيهم الفقهاء يسارعون إلى إنكار مالم يألفوه بل إن بعضهم يسارعون للرفض والإنكار بدون أن يكلفوا أنفسهم قراءة جميع الكتاب أو البحث ودراسته ليعلموا نصيبه من الصحة والصواب .." ونقل عنه أنه قال لأحد العلماء الذين اعترضوا على فتواه : " إذهب وارم بدون حرس ثم أبد رأيك " .

مناظرة الرياض :
وقعت هذه المناظرة في الرياض واجتمع لها كبار مشايخ الرياض ونجد وتم مناقشة الشيخ في رسالته يسر الإسلام وفتواه حول رمي الجمار وقد رد الشيخ بما فتح الله عليه وكان موفقاً في ردوده التي اعتمد فيها على الأدلة من الكتاب والسنة.ووزع على المشايخ قبل الإجتماع رسالته الموجهة إلى علماء الرياض التي أورد فيها مستنده و هذه الأدلة بشكل واضح ، يقول الشيخ زهير الشاويش رئيس المكتب الإسلامي في بيروت ، وكان ممن حضروا المناظرة مع الشيخ : " كنت قريباً من الشيخ إبن محمود وبجواري الشيخ أبوحبيب الذي كان مؤيداً لرأي الشيخ ، وكان الشيخ يستشهد في رأيه بالآيات والأحاديث النبوية وآراء بعض العلماء وكان رد علماء الرياض يعتمد على أقوال متأخري الحنابلة "، ويضيف الشيخ زهير : " ولما طال الجدل في المجلس قام عدد من المشايخ وأحاطوا بالشيخ إبن محمود مطالبينه بالرجوع وتلبية طلب شيخه في كتابة رسالة بتراجعه والشيخ يعتذر منهم ويقول ردّوا علىّ ،وبعد إلحاح منهم وإحراج سكت الشيخ فقام أحدهم ويدعى الشيخ الصالحي ورفع صوته وقال: الحمد لله لقد رجع الشيخ ابن محمود عن قوله إلى كلام العلماء, وسوف يكتب رسالة برجوعه . وهنا قام الشيخ محمد بن إبراهيم وخرج منهياً الجلسة , وخرج وراءه أكثر الحضور. ولكن الشيخ ابن محمود قام, وقال أمام الحاضرين , ومنهم الشيخ أبو حبيب, وابن باز, وبعض الحضور وأنا أسمع منه قوله: ( أنا لم أقل, ولم أرجع ) "
وقد شهد الشيخ إبراهيم بن ضعيان وكان ممن رافقوا الشيخ بشهادة مماثلة أكد فيها أن الشيخ لم ينطق بالرجوع وإنما عندما أحرجه المشايخ واحتراماً لشيخه محمد بن إبراهيم سكت عن المجادلة و قال : " سأنظر في أمري " ولم يزد على ذلك .
وكان الشيخ أثناء إقامته في الرياض بانتظار المناظرة يلتقي مع عدد من كبار العلماء ويتحاور معهم وقد وافقه عدد منهم ولكنهم لم يتكلموا في الإجتماع . يقول الشيخ في رسالة منه لأحد محبيه بعد أن تكلم عن تلك الجلسة : " .. وكان أعيان من البارزين يوافقونني فيما هو مثار النزاع ومعرك الجدل ، وفي ذلك المجلس خلفهم الخوف والوجل وأنا أعذرهم .." ويضيف رحمه الله حول نتيجة المناظرة : " وأنا أعرف أن أغلب المشايخ يرون أني أصبت الهدف في العلم والفهم ، وأني لم أتجانف فيما قلت لعذر . وقد ألفت قبل سفري رسالة وزعتها على المشايخ وصارت أشد على بعض الناس من الأولى .."
وقد حصل الشيخ على تأييد عدد من أمراء العائلة المالكة وكان أبرزهم سمو الأمير عبدالله بن عبدالرحمن آل سعود ( عمّ الملك ) والذي يعتبر في حينه فقيه آل سعود وكان لديه خلفية علمية جيدة تجعله قادراً على محاورة المشايخ ومناقشتهم عن علم وفهم ، وقد حفظ له الشيخ موقفه ذاك فكان يزوره في كل مرة يصل فيها إلى الرياض وكان الأمير عبدالله يقدّره ويعزّه .

منهج الشيخ العلمي :
كان الشيخ رحمه الله صاحب مدرسة فقهية مستقلة أشبه ما تكون بمدرسة شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم ، فلم يكن يقبل التقيّد بآراء علماء المذهب دون بحث ومناقشة ، و إذا رأى أن رأي هؤلاء لا يحقق المصلحة ، فقد كان يبحث عن الدليل الذي يستند إليه، ويحقق المسألة تحقيقاً وافياً ودقيقاً ، وقد يخرج في النهاية برأي مخالف مستنداً إلى الدليل من الكتاب والسنة وإن أثار عليه ذلك اعتراض المعترضين .
يقول رحمه الله في مقدمة مباحث التحقيق: " فإن من واجب العالم المحتسب القيام ببيان ما وصل إليه علمه من معرفة الحق بدليله مشروحًا بتوضيحه والدعوة إليه والصبر على الأذى فيه لكون العلم أمانة والكتمان خيانة، ومن المعلوم أن العلوم تزداد وضوحًا، والشخص يزداد نضوجًا بتوارد أفكار الباحثين وتعاقب تذاكر الفاحصين؛ لأن العلم ذو شجون يستدعي بعضه بعضًا، وملاقاة التجارب من الرجال تلقيح لألبابها، وعلى قدر رغبة الإنسان في العلم وطموح نظره في التوسع فيه بطريق البحث والتفتيش عن الحق في مظانه تقوى حجته وتتوثق صلته بالعلم والدين، لكون العلم الصحيح والدين الخالص الصريح شقيقين يتفقان ولا يفترقان، ورأسهما خشية الله وتقواه: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}" .
ويقول في رسالته ( الجهاد المشروع في الإسلام ) : " إن الناس يستفيدون من المتحررة آراؤهم والمستقلة أفكارهم في حدود الحق كشيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأشباههما، أكثر مما يستفيدون من المقلدة لشيوخهم وعلماء مذاهبهم؛ إذ المستقل بفكره هو من يستفيد من بحث غيره بصيرة وفكرة وزيادة مع

بواسطة : hashim
 65535  0  22781
التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    14-03-35 09:00 صباحًا عبدالرحمن الزحيفي :
    رحمه الله وأسكنه فسيحه جناته.
    كان حريصا على صلة الرحم لجميع أقاربه ومنهم جدتي التي تنتمي لهذه الأسرة الشريفة رحمها الله وأسكنها فسيح جناته حيث كان يزورها سنويا في الرياض ومعه أبناءه البرره قبل أكثر من 35 سنة.
-->