• ×

مسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الأثر والتاريخ

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
مسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الأثر والتاريخ
الشريف عيسى بن علوي القصيّر


تعد مدينة الطائف إحدى المدن القديمة بأرض الجزيرة العربية ، فهي تحتضن آثارا ومآثر إسلامية ، منذ بداية انطلاق الدعوة الإسلامية التي انطلق نورها من بطاح مكة المكرمة ، ومن جوار بيته العتيق إلى أرجاء المعمورة قاطبة .
حمل لواء الدعوة الإسلامية النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم محمد صلى الله عليه وسلم إلى البشرية جميعاً ، فكانت بداية الدعوة السماوية من مكة الشريفة إلى بعض مدن الجزيرة العربية ومنها ( الطائف ) بلاد ثقيف وهوازن وقبائل أخرى التي بجوار الطائف .
حينما أشرق نور الهداية والإسلام على أرض الطائف ، لفظت ما كان منها من جاهلية وهي الأرض التي تفاخر بأن الله شرّفها بدخوله صلى الله عليه وسلم مرتين : الأولى في ليالٍ بقين من شهر شوال السنة العاشرة من النبوة ومعه زيد بن الحارثة فأقام به شهراً يدعو إلى الله تعالى . ثم عاد النبي صلى الله عليه وسلم للمرة الثانية وتطأ قدماه الشريفتان أرض الطائف بعد فتح مكة في شهر شوال من السنة الثامنة من الهجرة النبوية الشريفة ، حينما فرغ من غزوة حنين (لفتح الطائف ) فمشى عليها ( من الشرائع ، ثم على نخلة اليمانية ، ثم على قرن ،ثم بحرة الرغاء من لية ، ثم سلك من لية على نخب ، ثم مرّ في الطريق سماها اليسرى ، ثم خرج منها حتى نزل تحت سدرة يقال لها الصادرة حتى انتهى إلى حصن الطائف ( أي سور الطائف القديم لبلاد ثقيف مروراً بحوايا وشهار) .
وفي هذا الصدد هناك مآثر ومشاهد تاريخية واقعة في أرض الطائف ومن حوله :منها مسجد ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم تجاه القبلة ملاصق لمسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وكذلك يوجد قبر الحبر وترجمان القرآن عبد الله بن العباس من الجهة الشمالية للمسجد ، ومنها قبر محمد بن الحنفية بن على بن أبي طالب رضي الله عنهما ، مدفون بجوار قبر عبد الله بن العباس رضي الله عنهما ، وكذلك يوجد قبر سقط النبي صلى الله عليه وسلم وهو عبد الله ذو اللقبين الطيب والطاهر ، مدفون في الركن الشمالي من المسجد، وكذلك قبور الشهداء في غزوة الطائف ، وهي مشهورة إلى الآن من الجهة الشرقية من المسجد ، ومنها قبر زيد بن ثابت الصحابي رضي الله عنه خارج المسجد . كما تشتهر الطائف بوجود عدد من المساجد الأثرية القديمة منها : مسجد الراية : وهو موضع يقال إنه موضع راية النبي صلى الله عليه وسلم ومسجد الحصن ، ومسجد بحرة الرغاء من لية ، ومسجد الريع ( أي مسجد السنوسي ) ومسجد الجمعة ، ومسجد الطائبة ، ومسجد الراحاتين ، مسجد الولي ،مسجد هبة في طرف السلامة قديماً ، ومسجد باعنتر يقع على شارع هدية ، ومسجد الهنود ومسجد الهادي اليمني وكان إنشاؤه في حدود سنة 1050هجرية ، بوسط السوق حالياً شرق برحة القـُزازْْ .
وكذلك يوجد مساجد تاريخية منها : مسجد عداس ، داخل بساتين الأشراف بالمثناة ، ومسجد القنطرة أو مسجد المدهون الملاصق لجبل المدهون من الجهة الشرقية على امتداد شارع وج ، ومسجد الكوع أو مسجد ( الموقف ) ويقال إن النبي صلى الله عليه وسلم وقف عليه أو اتكأ عليه ويقع بالمثناة على شارع وادي وج ومسجد عبد الله بن العباس بالمثناة وقت اعتكافه رضي الله عنه بالطائف ، ويقع حالياً خلف قصر الأفراح بالمثناة ، ومسجد الخبزة ، ومسجد المحجوب بالسلامة وغيرها من المآثر والآثار الإسلامية منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم .
ومسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما هو أكبر المساجد بالطائف وفي موقع مسجد عبد الله بن عباس رضي الله عنهما موقع لمسجد ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو تحويطة صغيرة في ذلك التاريخ ، ملاصقة للجدار القبلي من القبة الأخيرة الكائنة في آخر المسجد العباسي على اليمين الداخل من الباب الشرقي ، وهذه القبة هي إحدى القبتين في موضع ( خيمتي ) زوجتيه اللتين كانتا مع الرسول صلى الله عليه وسلم في غزوة الطائف في السنة الثامنة من الهجرة . وهما ( زينب بنت جحش وأم سلمة ) رضي الله عنهما ، وأول من بنى هذا المسجد عمرو بن أمية بن وهب بن معتب بن مالك الثقفي ، لما أسلمت ثقيف في السنة التاسعة من الهجرة النبوية ، في مؤخرة المسجد الذي فيه قبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، وفي جداره القبلي حجر مكتوب فيه : أمرت السيدة زينب أم جعفر زبيدة بنت أبي الفضل العباسي ، بعمارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالطائف وذلك في سنة 192 من الهجرة .
توفي حبر الأمة وترجمان القرآن ، عبد الله بن العباس رضي الله عنهما بالطائف سنة 68 من الهجرة ، في أيام عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما عن إحدى وسبعين سنة ، وصلى عليه محمد بن الحنفية بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما وقال ( اليوم مات ربانيّ هذه الأمة ) ، بني مسجد عبد الله بن عباس بالطائف سنة 592هـ ، في عهد الخليفة الناصر لدين الله أبي العباس المستضئ بأمر الله العباسي الذي تولى الخلافة سنة 575هـ إلى سنة 623 هجرية ، ومسجد العباس الذي فيه قبر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما وهو مشتمل على أربعة أروقة في الجهة القبلية ومنبر من خشب فيه عشر درجات ، وعليه قبة صغيرة من الخشب ، ليس بينهما وبين سقف المسجد إلا نحو شبرين ، وأمامه باب على يمينه محراب من رخام قطعة واحدة ، وحوله بناء مبلط بنورة ، وللمسجد ثلاثة أبواب في يمينه ويساره وفي مؤخره ، وفي المؤخرة منارة من جهة الركن من الجهة الشرقية ، فقد تم تجديد عمارة المسجد والقبة والمنارة ، في عهد الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي بن رسول صاحب اليمن في سنة 675 هجرية ، ثم جددت عمارة المسجد وجدرانه وبعض أروقته بعد سنة 700 هـ . لكنها عمارة ضعيفة ، حينئذ جددت عمارة المسجد وجدرانه بعد سنة 900هـ ، كما جددت عمارة المسجد في سنة 1047 هجرية ، بأمر أمير الحج المصري ( رضوان بيك ) بتبيض قبة المسجد وبناء منارة على باب المسجد ، في عهد حاكم الطائف ( شركس بن عبد الملك الشاووش) وكان الفراغ من عمارتها في شهر ذي القعدة من السنة المذكورة ، ثم جددت عمارة المسجد وجدرانه وتبييض الأروقة سنة 1061 هجرية ، وثم جددت عمارة المسجد وجدرانه والأروقة الأربعة ، عمارة منتظمة على الرسم الأصلي في سنة 1071هجرية ، في عهد الشريف زيد بن محسن بن أبي نمي ، في عهد حاكم الطائف أحمد بن ريحان ، ثم أحدثت في وسطه عمارة رواقين بإشارة قاضي مكة سنة 1081 هجرية وفصل بينهما وبين القبور التي في مؤخرة المسجد بجدار ، فقد احدث الشريف صاحب مكة محمد بن بركات بن حسن بن عجلان الحسني قبوراً لجماعته ، وزيد في عمارة مسجد عبد الله بن عباس ، حيث أن أمر والي الشام محمد باشا العظم أمر بزيادة البناء 32 ذراعاً طولاً ومثلها عرضاً سنة 1193هجرية ، ثم زادت القبور في المسجد العباسي وكثرت حتى امتلأ نصف صحن المسجد بها ، كما جددت عمارة المسجد في عهد والي جدة ، من طرف الدولة المصرية جدد بناها حسن باشا سنة 1233 هجرية ، وللمسجد أربعة أروقة في قبلته ، وهذه العمارة غير العمارة القديمة التي كانت في العصر المتقدم ، فأروقة المسجد في قبلته خمسة منها ثلاثة أروقة مقابلة للضريح / عَمرَهُ أحمد باشا الحجازي سنة 1237 هجرية ، كما تم تجديد عمارة المسجد وترميم القبة وذلك في سنة 1260 هجرية في عهد حاكم مكة الشريف محمد بن عون ، وفي عهد محمد حسين باشا / زاد في عمارة المسجد العباسي ، في سنة 1283 هجرية ، حيث تم فتح باب آخر للمسجد ، فتحه الوالي على الحجاز / أحمد رشدي باشا الشرواني ، سنة 1291 هجرية . كما تم عمل رواقين جديدين في مقدم القبلة سنة 1295 هجرية ، أنشئت مقبرة عامة كبيرة تقع جنوب مسجد عبد الله بن عباس خلال القرن الماضي يفصل بينهما حالياً شارع السلامة لدفن موتى المسلمين بها حتى الآن في عصرنا الحاضر كما يتم دفن الموتى في مقبرة الشهداء من الجهة الشرقية لمسجد عبد الله بن عباس .
والمسجد والقبور المحيطة به ، خارج سور الطائف الذي أنشئ سنة 1214 هجرية ، وهدم سور الطائف في عهد الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله بتاريخ 5/8/1368 هجرية ، وفي سنة 1378هـ ، في عهد الملك سعود رحمه الله ، أمر بعمارة المسجد العباسي عمارة كاملة ، أعادت بناء مناراته وأبوابه وزادت في مساحته نحو الغرب أكثر من ضعفه ، وتم الانتهاء من عمارته سنة 1381هـ .
* كاتب وباحث سياحي

______________
المصدر: صحيفة المدينة بتاريخ الأربعاء, 21 أكتوبر 2009


بواسطة : hashim
 0  0  11521
التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    24-01-35 09:50 صباحًا خزانة التاريخ :
    شكرا للكاتب والباحث , الشريف عيسى القصيّر آل عيسى . جزاك الله خيرا .
    على هذا الطرح القيّم , لمنبر ومعلم وآثارإسلامي , لبيت من بيوت الله عزوجل , لمسجد حبر هذه الأمة , وفقيهها , وإمام التفسير ,وترجمان القرآن الكريم , سيدنا عبدالله بن عباس رضي الله عنهما .


    - فحبذا لو أفادنا مشكورا :

    - سمعنا , بأن هناك مشروعا سوف ينفذ , آلأ وهو : سوف يتم إزالة وهدم المسجد كاملا , ومن ثمّ , عمارته وبناءه , جديدا بنظام عمراني حديث وبطرازّ إسلامي حديث , يتلأءم مع عصرنا الحديث , المزّدهر المتقدم والمتطور, في ظل , خادم الحرمين الشريفين يحفظه الله ويرعاه, وحكومتنا الرشيدة يحفظها الله .


    - حبذا لو تكرم الشريف عيسى , عن إفادتنا , عن مدى , صحة هذا ؟؟
-->