• ×

العشق الدفين

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط



(العشق الدفيــن)

أحببتها حباً ما حبه أحد قبلي ، تماديت في حبي لها ، فقت كل من ضُرب به المثل في الحب ؛ أحببت كل ما فيها ؛ قد أكون استطرقت في حديثي فلم أُقدّم لذلك ، لأن هذه الحقيقة والحقيقة لا تحتاج إلى تقديم ؛ فلو أردتم أن أقسم أيمان مغلظة تشهد لي على حبي لها لفعلت ، ولكنّي عاهدت نفسي بالصدق دوماً . ها أنا أعود إليها من جديد ، أتذكر لقائي بها ؛ كان ذلك منذ بضع سنوات تقريباً نظرت إليها بادئ الأمر كأي شيء في الوجود لا يمثل أهمية أو مكانة بارزة ؛ لم أكن أعلم أنها ستكون قطعةً من جسدي ، لا أستطيع فصلها عني أبداً . حاولت هي بشتّى السبل أن تجذبني إليها ، نجحت في ذلك نعم نجاحاً ظاهراً يُبديه ما أعيشه من نعيم كلما قابلتها . بدأ وصالي معها بنظرة تتلوها نظرة ، حتى أصبح اللقاء بيننا يطول إلى ساعاتٍ وساعات . كانت دائماً ما تضمني إليها بحنانها ، فتلقي إليّ محاسنها ، مما جعلني أندم على كل يومٍ مرَّ من حياتي لم أعرفها فيه . أخذت أُرقي نفسي بالأذكار حتى أبعد عن أعين الحاسدين ، فقد لاحظت أن أعين الناس أصبحت ترقبني مما يظهر عليّ من سعادةٍ غامرة ؛ فهي بلا شك قد ملأت حياتي بعد العدم . أصبحت أقذف إليها سرّي كي تحفظه ، فأجدها خير أمين للسر . قويت العلاقة بيننا ؛ فكثر اللقاء والتصافح ؛ فأول ما أراها أذكر الله شكراً وحمداً لنيلي إياها ، ثم أحملها بين يدي فتداعبها أصابعي ، فيلامس أطراف بناني جسدها الناعم المُفعم برائحة المسك المُراق على ثوبها ، ثم تجلس بالقرب مني لا يفصل بيننا إلا الهواء المار من بيننا ؛ وأحياناً لا يجد الهواء ممراً من بيننا ؛ فأطيل معها السمر ؛ إذ أبقى معها لوحدي لا يرقبنا إلا ضوء القمر والنجوم أو ضوء المصباح لأتمكن من رؤيتها فأمعن النظر فيها ؛ فكنت دائماً ما أكرر النظر فيها وهي صامتة لا تجر جواباً ؛ فعيني لا تفارق عينها ، بل حسنها يزداد في عيني كل يومٍ قدر ميل ؛ بل إن الساعات لتمرُّ سراعاً دون أن أكمل معها حديثي ، ودون أن أشبع عينيّ من محاسنها ؛ كل هذا واللقاء يتجدد كل ليلةٍ إن سنحت لي ولها الفرصة ، وأن لم أستطع لقاءها أبقي يومي حزيناً أشعر وكأنّ أمراً قد نُهب مي ؛ وإن عادت عدت لها بالترحيب ، بوجه بشوشٍ من أغلى حبيب ، ومهما تطلب مني أجيب ؛ فأموالي وما أمتلكه فداءً لها بل فؤادي وما يحتويه طوعاً ليديها ؛ فلقد أنفقت الكثير ، ولن ترضى حتى أنفق وأنفق ، فكم من عقدٍ قد قلّدتها إياه ، وكم من محار أهديتها محتواه .
رغم كل ذلك الحب والإخلاص نحوها إذ أنا أفتقدها ، فقد شاءت الله أن نفترق ولكن دون أن يفارقها قلبي ، وإن لم تصدقوني ...
فاسألوها هل سلا القلب عنها أم أسى جرحه الزمان المؤسي
فافترقنا ولا يعلم أحدنا متى يلقى حبيبه . مرّت الأيام وتتلوها الأيام وأنا ألامس بأناملي أطراف السحاب لعلّي أصل المزن أو يقذفه الله لي فيسوقني إليها
أو لعلّه يبلغني إياها ، أو لعلّه يوصل رسالةً عني لتقرأها ؛ فأخذت أمواج الحياة ترطمني ، فكلما طرت على ذهني سُرعان ما أتنبّه من خيالي خشية الأمواج أن تغرقني فتحول بيني وبينها ، وقد أجد الفرصة السانحة لأكتب لها بعض عبارات الغزل ثم أجد من يحملها لها ، فلم أجد حاملاً لها غير وسائلٍ صمّاء تهدم أكثر مما

تبني ، وكلّما سألتهم عن رسائلي أجابوني بأنهم أضاعوها ، وهم لم يعلموا أنهم أضاعوني وأي فتىً أضاعوا وعندما أعود لألملم شتات أوراقي لأتصفح عباراتي أتفاجأ بأنهم مزّقوها وهم يضحكون ويمرحون ، ويدعونني أن أنسى فأصرخ بأعلى صوتي سائلاً نفسي وإياهم :
أفي الأيام سلوانٌ للثكالى أم الأحزان دائمة التماسي
نعم حالت الأيام بيننا ووضع البعض ستاراً يفصلنا ، فكنت أتحيّن الفرصة لأرفع هذا الستار فأبصرها ، ولكن بمجرد رفعي للستار لا أسمع سوى صوتاً يهددني فيدخلني الرعب فأعود لعزلتي . تكابلت علي الظروف فنسيتها والأصح أني تناسيتها ، فبقيت على حالتي الجديدة أياماً تتبعها ليالٍ ، وليالٍ تتبعها أهلة ؛ هنا لاحظ البعض تغيرات في مجرى حياتي ، البعض تجرأ وسأل ، والأغلب خجل واكتفى بنظرات الجلل ؛ هنا تمنيت الأرض أن تفتح وغيض مائها فتلتهمني ؛ حتى رآني أحدهم فأمعن النظر فيّ ، فرأى في عينيّ لوحةً أعجبته ، فسألته عن إعجابه بها ، تبسّم ثم أردف قائلاً : هي لي وأنا الذي رسمتها ؛ هنا صرخت في وجهه : من أنت ؟ ومن تكون ؟ فشرح أمره فعلمت أن هذه اللوحة هي شطر من لوحةٍ هم مالكها ؛ فما هو إلا شاعر أحسن في صياغة الألفاظ فعبّر عن مكنونه وثقافته بأجمل وأرق العبارات والأبيات ، فعزمنا على أن نجمع الشطرين فنكوّن لوحةً يهديها كلٌّ منا إلى محبوبته .
بدأت رحلتنا ولكن سرعان ما علمنا أنه لا جدوى من تكملة المسير ؛ فهاهي الظروف تفصل بيننا من جديد دون أن نتم لوحتا . هنا نمت بعد عناءٍ طويل ، وفي نومي تمثلت أمامي حبيبتي الأولى ، فأخذت أسألها ولا تجيب ، فعلمت أنها أصبحت ملكاً لغيري ، تأسّفت بعد طول سكوت ، أخذت تبرر لي موقفها ، تعنّت في البداية ولكن سرعان ما أخذت أفكر بعقلانية ، حوارها كان مجدياً ، ومحتواه يدل على صدقها وكان ذلك يوحي بأنني لست سوى غيض من فيض أو قطرة من بحر ؛ كل هذا لم يزعجني ، ولكن الذي أزعجني هو صوت الباب عندما أفاقني من النوم ؛ عدت لتيهاني رافعاً يديّ للسماء ، راجياً أن أعود فالتقي بمحبوبتي .
استجاب الله لدعائي ورجائي ، فها أنا أعود من مهجري فأجدها تنتظرني والغبار قد غطّاها من رأسها إلى أطراف أناملها ، هنا حملتها بين يديّ وأخذت أنفض التراب عنها ، وبدأت بتصفح أوراقها ، أتصفحها ورقة ً ورقة ، وأنا أضحك سروراً إذ منحني الله نعمة البصر حتى أستطيع رؤيتها فيزداد عقلي وتتفتح ذاكرتي ، فأعدت تنظيم منزلها ليحمل أكثر عددٍ منها ، والتي طالما التفتت إلي دون أن تتحدث لأنها خرساء لا تجيب ، وطالما أرادت أن تعرّف بنفسها ، وها أنا أجيب عنها رافعاً صوتي ليسمعني القاصي والداني ،
هي محبوبتي هي قراءتي هي كتبي هي دفتري وأقلامي
فهل عرفتموها ؟
هي القراءة

كتبها
الشريف عبدالرحيم بن ناصر الحسيني البركاتي
البريد الالكتروني: dahme5@hotmail.com

بواسطة : hashim
 1  2  2944
التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    15-11-30 06:38 مساءً الشريف بندر بن خالد الحارثي :
    جميل منك هذا الواقع من الحب

    صفحة كانت كساء جمال لحب لايمل ومنه وصوف وطرق تدل


    ليتنا نعود لبدء وجودنا فلن نجد الى بداية توصي بالقراءه

    هنيئا لك
-->