معالم المدينة المنورة بين العمارة والتاريخ
تأليف المهندس المعماري: عبد العزيز بن عبد الرحمن كعكي
بقلم الشيخ : حمد الجاسر
تأليف المهندس المعماري: عبد العزيز بن عبد الرحمن كعكي
بقلم الشيخ : حمد الجاسر
أي مسلم لا يهفو قلبه، ويخطر بباله أطيب الذكريات حين يذكر اسم طيبة الطيبة تلك المدينة الطاهرة التي شرفها الله جل وعلا وأعلى ذكرها، ورفع قدرها، وأحلها في قلوب عباده المؤمنين منزلة سامية، ومكانة من الإجلال والتقدير في نفوسهم، لاختيارها دار هجرة أشرف الرسل وخاتمهم، ومُتَبَوَّأً له عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم يعيش بين ربوعها الطاهرة، يحف به من آله وأصحابه صفوة خلق الله ممن بذل النفس والنفيس في تقديره، ومناصرته في إبلاغ رسالة ربه، ونشر دعوته إلى جميع الناس، تلك الدعوة التي قامت على أقوى الأسس وأعدلها، وأوضحها منهجاً، وتحقيقاً لسعادة الإنسان في دنياه وأخراه، وتوضيحاً وإرشاداً بخير الوسائل وأحكمها، لفهم مقاصد تلك الرسالة، القائمة على مابلغه الله من وحيه وأنزله مفصَّلاً ومبيناً في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد وبما صح وثبت من سنته ، قولاً أو فعلاً، حتى أبلغ صلى الله عليه وسلم تلك الرسالة على أكمل وجه، وأوضح نهج ، وترك من وفقهم الله لطاعتهعلى المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فاختاره الله لجواره، وكما اختيار هذه البلدة الطيبة، دار هجرته، ومقر الصفوة من صحابته رضوان الله عليهم شرفها بأن تكون مقراً لجدثه الطاهر .
لابدع إذن أن تنال من اهتمام من أكرمهم الله بمزيد من فضله، واختصهم بما أوجد في قلوبهم من محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم وإدراك مقاصد شرعته، وما لهذه البلدة من منزلة في نشر تلك المقاصد في الخافقين ، أن يولوها من العناية ما هي جديرة به، فتبادروا في إيضاح جوانبها، من عمران مسجدها الكريم، وإبراز الثابت المأثور مما هو بحاجة إلى إبراز، مما يتعلق بماضيها وحاضرها.
فكان أن اتجه من اختارهم الله لصحبة نبيه الكريم، ممن عرفه حق المعرفة، وشاركه في جميع حركاته، وناصره في غزواته لإيضاح جميع ما يعرفون من أحواله لمن بعدهم ممن صرف همته لإجلاء تلك الأحوال الكريمة بأوضح صورة، وكان أن بدأ تدوين السيرة المطهرة في القرن الأول من القرون المفضلة بنص الحديث الشريف عنه عليه أفضل الصلاة والتسليم:خير القرون قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم ، وكان أول من عني بذلك أبان ابن الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه فقد روى الزبير بن بكار في كتابه أخبار الموفقيات هذا النصحدثني عمي مصعب بن عبدالله عن الواقدي قال: حدثني ابن أبي سبرة عن عبدالرحمن بن يزيد قال: قدم علينا سليمان بن عبد الملك حاجاًّ سنة اثنتين وثمانين، وهو ولي عهد، فمرَّ بالمدينة، فدخل عليه الناس، فسلموا عليه، وركب إلى مشاهد النبي صلى الله عليه وسلم التي صلى فيها، وحيث أصيب اصحابه بأحد، ومعه أبان بن عثمان، وعمرو بن عثمان وأبو بكر بن عبدالله بن أبي أحمد، فأتوا به قباء، ومسجد الفضيخ، ومَشرَبة أم إبراهيم، وأحد، وكل ذلك يسألهم، ويخبرونه عما كان، ثم أمر أبان بن عثمان أن يكتب له سير النبي صلى الله عليه وسلم ومغازيه، فقال أبان: هي عندي ، قد أخذتها مصححة ممن أثق به, فأمر بنسخها وألقى فيها إلى عشرة من الكتاب، فكتبوها في رقٍّ، فلما صارت إليه نظر فإذا فيها ذكر الأنصار في العقبتين، وذكر الأنصار في بدر، فقال: ماكنت أرى لهؤلاء القوم هذا الفضل، فإما أن يكون أهل بيتي غمصوا عليهم، وإما أن يكونوا ليس هكذا, فقال أبان بن عثمان: أيها الأمير لا يمنعنا ما صنعوا بالشهيد المظلوم من خذلانه، إن القول بالحق: هم على ما وصفنا لك في كتابنا هذا, قال: ما حاجتي إلى أن انسخ ذاك حتى أذكره لأمير المؤمنين، لعله يخالفه، فأمر بذلك الكتاب فحرق، وقال: أسأل أمير المؤمنين إذا رجعت، فإن يوافقه فما أيسر نسخه, فرجع سليمان بن عبدالملك فأخبر أباه بالذي كان من قول أبان، فقال عبدالملك: وما حاجتك أن تقدم بكتاب ليس لنا فيه فضل، تعرِّف أهل الشام أموراً لا نريد أن يعرفوها, قال سليمان: فلذلك يا أمير المؤمنين أمرت بتخريق ما كنت نسخته حتى استطلع رأي أمير المؤمنين.
فصوَّب رأيه، وكان عبدالملك يثقل عليه ذلك، ثم إن سليمان جلس مع قبيصة بن ذؤيب، فأخبره خبر أبان بن عثمان، وما نسخ من تلك الكتب، وما خالف أمير المؤمنين فيها، فقال قبيصة: لولا ما كرهه أمير المؤمنين لكان من الحظ أن تعلَّمها وتعلِّمها ولدك وأعقابهم، إن حظ أميرالمؤمنين فيها لوافر، إن أهل بيت أمير المؤمنين لأكثر من شهد بدراً، فشهدها من بني عبدشمس ستة عشر رجلا من أنفسهم وحلفائهم ومواليهم، وحليف القوم منهم، ومولى القوم منهم، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعماله من بني أمية أربعة: عتاب بن أسيد على مكة، وأبان بن سعيد على البحرين، وخالد بن سعيد علي اليمن، وأبو سفيان بن حرب على نجران، عاملا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني رأيت أمير المؤمنين كره من ذلك شيئا فما كره فلا تخالفه, ثم قال قبيصة: لقد رأيتُني وأنا وهو يعني عبدالملك وعدة من أبناء المهاجرين، مالنا علم غير ذلك حتى أحكمناه، ثم نظرنا بعد في الحلال والحرام.
فقال سليمان: يا ابا اسحاق ألا تخبرني عن هذا البغض من أمير المؤمنين وأهل بيته لهذا الحي من الأنصار وحرمانهم إياهم لم كان؟ فقال: ياابن أخي أول من أحدث ذلك معاوية بن أبي سفيان، ثم أحدثه أبو عبدالملك، ثم أحدثه أبوك, فقال: علام ذلك؟ قال: فوالله ما أريد به إلا لأعلمه وأعرفه؛ فقال: لأنهم قتلوا قوما من قومهم، وما كان من خذلانهم عثمان رضي الله عنه فحقدوه عليهم، وحنقوه وتوارثوه، وكنت أحب لأمير المؤمنين أن يكون على غير ذلك لهم، وأن أخرج من مالي، فكلمه, فقال سليمان: أفعل والله , فكلمه وقبيصة حاضر، فأخبره قبيصة بما كان من محاورتهم, فقال عبدالملك: والله ما أقدر على غير ذلك، فدعونا من ذكرهم، فأُسكت القوم , انتهى.
أحببت إيراد هذا الخبر على طوله، لإيضاح جانب من جوانب تدخل الولاة في تدوين التاريخ ؛ كان الاتجاه في أول أمره لتدوين السيرة النبوية، وهي شاملة لجميع أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم وليست خاصة ببيان غزواته وسراياه، بل تتضمن تأسيس مسجده الشريف، وبناء دُوره، وذكر منازل أصحابه، وهي منتشرة في المدينة، وما فيها من المساجد التي اختطها المصطفى عليه الصلاة والسلام في كل محلة من محلات أولئك الأصحاب، مما هو موضح فيها عرف من كتب السيرة ك المغازي للواقدي 130/207 ه والسيرة النبوية لمحمد بن اسحاق المتوفى سنة 152 ه التي لخصها عبدالملك بن هشام المتوفى سنة 218 ه والطبقات الكبرى لمحمد بن سعد المتوفي سنة 230ه وغيرها من المؤلفات لعلماء القرن الثاني الهجري ثم من بعدهم من المؤرخين.
أما الكتب المخصصة لتاريخ المدينة، فهي وإن تصدى لتدوينها علماء متقدمون من أهل القرن الثاني ممن لم تصل إلينا شيء من مؤلفاتهم ومن أقدمهم: عبدالعزيز بن عمران الزهري المدني، ومحمد بن الحسن بن زبالة المخزومي المدني صاحبأخبار المدينة الذي نقل عنه السمهودي في 350 موضعا، وكان موجودا عنده، ولعله احترق مع كتبه في الحريق الذي وقع في المسجد النبوي في رمضان 886، فقد قال السمهودي: وكنت تركت كتبي بالخلوة التي كنت أقيم بها في مؤخرة المسجد، فكتب إلي باحتراقها.
ومن أشهر مؤرخيها: عمر بن شبة النميري البصري 173/262ه وقد وصل إلى القراء قطعة من تاريخه هذا، نشرها وجيه أهل المدينة السيد حبيب محمود أحمد نشرة يعوزها التحقيق 4 ، ثم توالت المؤلفات بعد ذلك مما رجع السمهودي إليها، وقد نُشِر كثير منها واشمل من ألف في تاريخ المدينة بحق هو نور الدين علي بن عبدالله السمهودي 844/911ه فتصدى لجمع تاريخ هذه البلدة الطيبة وأفرغ جهده واتجه لذلك اتجاها برز أثره فيما بقي من مؤلفاته واحفلها وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى واختصره من كتاب مطول له في الموضوع، وله خلاصة الوفا بأخبار دار المصطفى اختصر فيه وفاء الوفا وله مؤلفات غيرها؛ أما قول السخاوي عنه: إن تاريخه في المدينة مفتقر إلى تحرير ونظر, فمثل كثير من أقواله عن مشاهير العلماء, واستمر التأليف بعد السمهودي عن طيبة الطيبة.
وفي عصرنا ألف عدد من أدباء المدينة في هذا الموضوع ومنهم على سبيل المثال: الأستاذ عبدالقدوس الأنصاري.
والأستاذ علي حافظ له كتاب فصول من تاريخ المدينة المنورة .
والأستاذ ابراهيم بن علي العياشي له مؤلف في تاريخها بعنوان المدينة بين الحاضر والماضي .
وللأستاذ عبيد مدني موسوعة في تاريخ المدينة لا تزال مخطوطة.
وبين يدي الآن كتاب قيم ذو منهج خاص، يتعلق بهذه المدينة الطاهرة هو كتاب معالم المدينة بين العمارة والتاريخ والمؤلف الكريم من أبناء طيبة، إلا أن تمكنه من الهندسة المعمارية أقوى من توسعه في علم التاريخ، هو المهندس المعماري عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن إبراهيم كعكي، رأى أن يبذل ما يستطيع بذله في سبيل جوانب مهمة مما يتعلق بهذه المدينة الكريمة من خلال ما تخصص فيه، مضيفا إلى ذلك ما يتصل به من الناحية التاريخية، فألف هذا الكتاب الحافل بالطريف المفيد من ذلك، وهو على ما جاء في مقدمة مراجعه صاحب الفضيلة الشيخ عبيد الله محمد أمين كردي الذي قال : قرأت صفحات الكتاب بأجزائه التسعة كلها كلمة كلمة,, وهذه الأجزاء يمكن أن تصوِّر في وصفها العام النسيج العمراني للمدينة المنورة، من حيث تكوينه، ومراحل تطوره، وتقدمه الحضاري، إلى جانب الهيكل العام للمظهور الطبيعي جغرافيا وطبوغرافيا .
وما اطلعت عليه منها هو الجزء الاول في مجلدين، والجزء الثاني في مجلد، من القطع الكبير، وسأتحدث عنهما بإيجاز، أما الأستاذ المؤلف فهو مهندس ذو تفنن في مهنته، مما أضفى على الكتاب حلة جميلة في مظهره بالطباعة الأنيقة، وبالصور المتقنة، وبالرسم الدقيق لكل ما يتعرض لذكره، بحيث ذكرني بعمله ما فعله الأستاذ محمد طاهر الكردي المتوفي 1400ه رحمه الله في كتابه التاريخ القويم، لبيت الله الكريم فالكتابان تبرز فيهما آثار المؤلفين الكريمين، من حيث الإجادة، وهما من ذوي العناية بفنهما. وكتاب المهندس عبدالعزيز الذي بين يدي القارئ وصفه مراجعه الأستاذ عبيد الله فقال: قسم المؤلف كتابه إلى اجزاء تسعة :
الأول: خاص بالمعالم الطبيعية جبال وحرَّات واودية.
والثاني: دراسة مراحل التطور العمراني والتقدم الحضاري للمدينة.
والثالث: عن الآطام والحصون والقلاع والأبراج وأسوار المدينة وباباتها.
فيما اقتصر الرابع على الحديث على المساجد في جزء كامل.
والخامس عن الآبار والعيون.
والسادس عن المرافق والخدمات العامة والتعليم، فقد جعلها في الجزء السادس تحت عناوين: المكتبات والمدارس والأربطة والأسبلة والحمَّامات والسكة الحديد.
والجزء السابع: وصفه الشيخ عبيد الله بأنه طريف، خصصه للبيوت التقليدية القديمة وتقنية البناء.
والجزء الثامن: ملامح النسيج العمراني مسلِّطا الضوء فيه على احواش المدينة وحاراتها وأزقتها.
والجزء التاسع: في المواضع والبقاع.
ويحسن قبل البدء في وصف الكتاب إيراد لمحة موجزة عن مؤلفه المهندس المعماري عبدالعزيز بن عبدالرحمن بن إبراهيم كعكي، فقد ولد في المدينة المنورة عام 1376 ودرس في مراحلها التعليمية المختلفة، وواصل تعليمه في جامعة الملك سعود حتى نال شهادة البكالوريوس في هندسة العمارة والتخطيط عام 1403، وعيّن معيدا في الجامعة لمدة سنتين، ثم انتقل بعدها للعمل في أمانة المدينة المنورة وتقلب في مناصب مختلفة، آخرها رئيسا لبرنامج تطوير المناطق المطلة على الطرق الرئيسة، ومشرفاً على تخطيط المناطق العشوائية.
وقد نال درجة الماجستير في هندسة العمارة والتخطيط من كلية الهندسة في جامعة الأزهر عام 1417هـ عن جدارة واستحقاق، وهو من المهتمين بتاريخ المدينة وتراثها المعماري وله عدة كتب وأبحاث عنها .
الجزء الأول من هذا الكتاب
في : المعالم الطبيعية الجبال : وقد طبع مصدراً بصورة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وبكلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود حفظه الله التي ورد منها:إن من نعم الله على هذه البلاد وشعبها وحكومتها، أن شرفنا جميعاً بوجود أقدس البقاع وأطهرها في هذا المكان الطاهر من العالم، لنكون أمناء عليه، مخلصين للعمل من اجله، ويكفينا شرفاً وفخراً واعتزازاً ان تكون الكعبة المشرفة ومسجد الرسول الأعظم أمانة في أعناقنا، ونحن سعداء بما نبذله من الجهود والاهتمام بهاتين المدينتين المقدستين، ولمشاريعهما الضخمة، من أجل أن يجد المسلمون الوافدون إليهما الأمن والطمأنينة والراحة فيهما، ويؤدون شعائرهم فيها بسهولة ويسر ؛ ثم كلمة لسمو أمير المدينة الأمير عبدالمجيد بن عبدالعزيز آل سعود في الموضوع ؛ فقصيدة من نظم السيد على حافظ في التشوق لمعالم المدينة .
ثم إهداء الكتاب من المؤلف لمن سماهم في هذا الإهداء ومنهم والداه ومدينته المحبوبةطيبة وإخوانه واولاده وام أولاده وأهل طيبة وسكانها ومحبوها؛ ثم محتويات الكتاب: المجلد الأول: الجبال ثم الحرات ثم مجاري الأودية والسيول في المدينة، واستغرق الحديث عن ذاك من ص 26 إلى ص 747 .
والمؤلف وفقه الله في كلامه على كل موضع يحدد موقعه ويصوره تصويراً ملوناً واضحاً، ويورد ما يتعلق به من الاخبار، ويصف المسافة بينه وبين مركز المدينة، ويرجع في كل ذلك إلى المؤلفات التاريخية كتاريخ المدينة لابن شبة، والطبقات الكبرى لابن سعد ومعجم البلدان لياقوت ووفاء الوفا للسمهودي، كما رجع عند إيراده الأحاديث والآثار إلى الصحيحان ومسند الإمام أحمد وغيرها من كتب الحديث.
ومن الكتب الحديثة: آثار المدينة المنورة للأستاذ عبدالقدوس الأنصاري ومعجم المعالم الجغرافية لعاتق البلادي والمدينة بين الماضي والحاضر للعياشي والمدينة المنورة: اقتصاديات المكان للدكتور عمر الفاروق وغيرها من المؤلفات عن المدينة قديماً وحديثاً، التي يظهر من كثرتها سعة اطلاع المؤلف, ويبدو أنه زار كل موضع من المواضع التي تحدث عنها، فتمكن من رسمه ودراسة نماذج من مظاهره الطبيعية .
ووقع هذا المجلد بصوره وخرائطه في اثنتين وثلاثين واربعمائة 432 صفحة وهو خاص بالجبال .
أما المجلد الثاني من الجزء الأول فتحدث فيه عن الحرات والأودية، سار فيه على نحو الطريقة التي سار عليها في المجلد الأول، ويحوي الحديث عن الحرات ومن أشهرهاحرة واقم الحرة الشرقية، وحرة الوبرة الحرة الغربية، وحرة شوران الحرة الجنوبية، وألحق بها حرات صغيرة أخرى كحرة الناعمة وحرة القفيف وحرة الحزم وأخرى غيرها مما هي في الواقع أجزاء من تلك الحرات الثلاث، أوضحها بالرسم الملون البالغ الدقة، وقال: تتميز معظم الحرار في المدينة بوجود الشقوق، والانكسارات التي تجري خلالها الأودية ومجاري السيول، والتي منها انحدار وادي مهزور الذي عرف في الماضي بوادي الغازي حيث يتشعب في الحرة إلى شعب تتصل عند صفصف شمال الماجشونية ويتصل به وادي مذينب ويصبان عند زغابة .
وأورد ماجاء في كتب التاريخ عن حرات المدينة من الأحاديث والآثار، واصفا حادثة نار الحرة الواردة في الحديث المروي في الصحيحين : لاتقوم الساعة حتى تظهر نار بالحجاز , فذكر تاريخ ظهور هذه النار في جمادى الآخرة سنة 654 ه وتوسع في أخبارها .
وأطال الكلام في الحرات، وخلص من ذلك للحديث عن تفصيل الأودية مبتدئاً ب وادي العقيق الذي وصفه بأنه أحد مظاهر الجمال وروعة الطبيعية في المدينة، وأبرز صوراً له متحدثاً عن عمارة صدره قديما بالقصور والبساتين، كما فصل فروعه وشعابه، وروافد تلك الفروع والشعاب، واصفاً أشهر معالمه ك النقيع وغيره، ذاكراً العقيق الأدنى وهو جزء من وادي العقيق من ذي الحليفة حتى ينتهي بزغابة والعرصات، وما تفضي إليه أودية المدينة الثلاثة العقيق وبطحان وقناة ، حيث تفضي إلى إضم المعروف الآن بوادي الحمض ، ولم تفته الإشارة إلى ماجاء في العقيق من الشعر، فأورد منه مقطوعات، ثم انتقل بعد ذلك إلى الكلام على وادي بطحان سيل أبي جيدة وهو من أكثر أودية المدينة ارتباطا بذكر أهلها، إذ هو الوادي الوحيد الذي يمر بمنازلهم، ويفرح به أهل المزارع والبساتين، وأوفاه تفصيلاً وإيضاحاً، كما فعل في الكلام على وادي العقيق .
ويشير إلى ماورد فيه من الاحاديث والآثار والأشعار مفصلاً الكلام على فروعه وشعابه حتى التقائه مع الأودية الأخرى، وذكر أن الدولة السعودية أيدها الله أقامت فيه أكبر السدود الذي يتكون في الحقيقة من ثلاثة سدود، يتصل بعضها ببعض في موضع السد القديم، لتخزين كمية من المياه.
ثم انتقل للحديث عن وادي قناة المعروف باسم سيل سيدنا حمزة ، ويعدّ هذا الوادي من اقدم الاودية، وقد ظل محافظاً على مساره ومجراه منذ القدم، وحظي بالاهتمام والرعاية، فأقيمت عليه السدود والجسور قديماً وحديثاً، وماورد فيه من الأحاديث والآثار، موضحاً فروعه ومصادر سيله من شعاب وأودية، بتتبع دقيق وهو في كل مناسبة يشير إلى ما نالت تلك الأودية في زماننا الحاضر من عناية واهتمام بإنشاء السدود فوقها ؛ كما تحدث في هذا المجلد عن وادي رانونا كحديثه عن الأودية السابقة، وكذا وادي مذينب ووادي مهزور .
والواقع أن المؤلف وفقه الله فصل حديثه عن هذه الأودية تفصيلاً يعد فريداً من نوعه بإثبات صورها التي شاهدها، وذكر المسافات بينها وبين المدينة، وما للعمران الحديث من أثر فيها، بحيث يعد هذا القسم من الكتاب وهو المجلد الثاني متمماً ومكملاً ماورد في كتب المتقدمين من الأمكنة والمواقع ؛ ثم أتبع ذلك بفهارس مفصلة للموضوعات وللصور، ذاكراً المراجع التي بلغت ثمانية وتسعين مرجعاً من مؤلفات قديمة وحديثة، ومجلات، وغيرها بحيث بلغت صفحات هذا المجلد ثلاثمائة وعشر صفحات.
الجزء الثاني من الكتاب: معالم التطور العمراني والتقدم الحضري للمدينة المنورة
بعد مقدمات الإهداء والشكر، وما قدم به الجزء الأول، كلمة تقديم الجزء للدكتور صالح بن علي بن هذلول وكيل وزارة الشؤون البلدية والقروية لتخطيط المدن ، جاء فيها: لقد كانت المدينة المنورة بحاجة لمن يعنى بتاريخها، ويوثق أحداثها ونموها، خاصة للفترة اللاحقة لوفاة مؤرخها السمهودي، مع بداية القرن العاشر الهجري ونحن اليوم بأمس الحاجة لهذا العمل الموسوعي التوثيقي ، خاصة أن عجلة التغيير أسرع منها في أي وقت مضى، كما أن التقدم العلمي والتقنية قد وفرا لنا قدرات هائلة، مكنتنا من تغيير المعالم الطبيعية والتشكيلات العمرانية، وهنا يتضح حجم الإسهام الذي قام ويقوم به الأخ المهندس عبدالعزيز بن عبدالرحمن كعكي في مجال توثيق معالم المدنية النبوية .
ثم كلمة المدخل إلى الجزء الثاني للأستاذ الدكتور أحمد فريد مصطفى منها:وأمامنا الكثير من الدروس المادية والروحية التي نفيدها من العمل الضخم الذي قام به الأخ المهندس عبدالعزيز كعكي فلعل الجيل القادم يفيد من هذا الجهد القيم في مجالات شتى، مقدماً جهداً أكبر من الذي قدمناه، سعيا إلى الرقي الدائم، وإلى الكمال، متمثلين قوله تعالى:فاستبقوا الخيرات ثم هنأ الأخ المهندس الصادق المثابر الأمين، داعيا للمسلمين بمزيد من النماء والتقدم والحضارة الربانية والإنسانية التي ارادها الله لنا كنتم خير أمة أخرجت للناس .
ثم كلمة صاحب الفضيلة الشيخ عبيد الله محمد أمين كردي رحمه الله بين يدي الكتاب تحدث فيها عن ظهور الجزء الأول في مجلدين، فوجه المؤلف ليخرج كل جزء في مجلد، مما اضطره أن يخرج الجزء الثاني زائد الحجم في الصفحات ، ثم أجمل محتويات هذا الجزء، مشيرا إلى الخلاصة التي ختمه بها، توجز ما في سائر الكتاب لتكون عونا للقارئ المتعجل، وتثبيتاً لمعلومات القارئ المتروي لما قرأ سائلا الله سبحانه وتعالى أن يجعل فيما كتب قبولا، وأن يمده بمدد الهمة في إظهار ما به بدأ .
ثم مقدمة المؤلف التي أجمل فيها موضوع هذا الجزء من خلال ما وصف به المدينة المنورة من خصائص، وملامح عمرانية ، أثرت على نسيجها العمراني بشكل مباشر، ثم توسع في ذكر هذه الخصائص والملامح المؤثرة، في تطورها العمراني التي خصص بعد التعرف عليها من خلال مجمل الدراسات الجغرافية والطبيعية سبعة فصول يتناول كل فصل مرحلة من مراحل التطور العمراني السبع، هي مرحلة ما قبل الإسلام، ثم عصر النبوة، فالخلفاء الراشدين فالعصر الأموي، فالعباسي والمملوكي، والعثماني والهاشمي ثم ختم بالعهد السعودي الذي يعد من أكثر العهود التي أثرت في التركيبة العمرانية والحضارية للمدينة المنورة ثم ختم الموضوع بالخلاصة العامة التي تجمل ما سبق، وتجمع ما افترق ، وتشبع حاجة المتعجل، الذي يهمه موجز الأنباء ويتجاوز التفصيل.
ثم تحدث المؤلف الكريم عن منهجية البحث والدراسة فالدراسة تركزت على كل عهد بشكل منفصل، باستقصاء ما امكن استقصاؤه عن كل مرحلة في كتب التاريخ، او ما استنبط من حوادث تاريخية، او ما وجد من تسجيل ووصف ومشاهدات لبعض الرحالة الذين قدموا المدينة في فترات زمنية مختلفة.
ثم أنهى كل مرحلة بملخص لأهم عناصر التطور العمراني، والتقدم الحضاري في تلك المرحلة مضيفا: وقد شغل العهد الحالي عهد الدولة السعودية ايدها الله ما يقارب نصف هذا الجزء لما تميز به من تطور عمراني شامل، لمختلف القطاعات، فكان له التأثير الكبير في البنية العمرانية والحضرية.
ثم ذكر انه حرص قدر الامكان على التوثيق العلمي والتاريخي لكل ما ورد في هذا الجزء ووقع ما تقدم في أربع وعشرين صفحة ؛ واتبع تلك المقدمة بتمهيد في الدراسات الجغرافية والطبيعية لخصائص المدينة المنورة، موضحاً ان التعرف على تلك الخصائص من خلالها يمكن تحديد الخصائص العمرانية والطبيعية والجغرافية، وما تعكسه على سلوكيات المجتمعات والافراد، القاطنين بتلك المدينة، ممن تنوعت عاداتهم وتقاليدهم تبعاً لذالك.
ثم استمر في ايضاح وبيان ما للمدينة من خصائص لانها في موقع يتميز بارتفاع درجات الحرارة صيفاً وشتاء، مشيرا الى تأثير ذلك على نسيجها العمراني، حيث درسها من الناحية الجغرافية والطبيعية، كما تحدث عن موقع المملكة من الجزيرة العربية والعالم، وحدودها الطبيعية والسياسية واقاليمها، وتضاريس اقليم الحجاز، وتكونه من جبال وسهول ساحلية يطلق عليها اسم تهامة .
وتحدث عن موقع المدينة من حيث خطوط العرض والطول وعن ارتفاعها عن سطح البحر، واحاطتها بالحرات البركانية من الجنوب والشرق والغرب، واكتنافها بجبل احد شمالاً وجبل عير جنوبا، وذكر اوديتها وتميز تربتها بالخصوبة لما جرفته اليها السيول، مما سبق ان اوضحه في الكلام على المعالم الطبيعية، وخلص من ذلك للكلام عن مناخ المدينة المنورة، والمظاهر الرئيسة لطبوغرافيتها، واصفاً ما يحيط بها من جبال وحرات واودية، وغير ذلك من خصائصها الجغرافية، مع لمحة تاريخية عن عدد سكان المدينة قديما، منتهيا بذلك الى قوله: وقد رجح بعض الكتاب والمؤرخين بأن عدد سكان المدينة عندما قبض النبي صلى الله عليه وسلم بنحو ستين الف نسمة، ومصدره في ذلك كتاب سكان المدينة المنورة لمحمد شوقي، وانه يميل الى هذا الرأي واستمر في ذكر عدد السكان في كل مرحلة من المراحل التي اشار اليها معولاً على كتاب الاستاذ محمد شوقي، مورداً جدولاً عاماً لاحصاءات السكان حسب تلك المراحل ذاكرا مصادره.
وبذلك انتهى تمهيد المؤلف في الدراسات الجغرافية والطبيعية، بحيث انتهى في الصفحة الخامسة والاربعين من هذا الجزء، ثم شرع في تفصيل محتويات الكتاب، وفق ما ذكر من مراحل،واكتفي باجمالها، وكنت اود ان اورد لمحات مما ورد فيما اطلعت عليه من هذا المؤلف، تبرز حرص مؤلفه الكريم على ان يقدم لقارئه اصح الدراسات وأوفاها في موضوعه، الا انني رأيت له ان يطالعه كاملاً، لتتضح تلك العناية الفائقة: ومن ورد البحر استقل السواقي وهاهو اجمال تلك الفصول كما وردت في مقدمة الكتاب :
الفصل الاول: التطور العمراني والتقدم الحضري للمدينة قبل الاسلام من ص 50 الى 63 .
الفصل الثاني: التطور العمراني في عصر النبوة من ص 64 الى ص 97 .
الفصل الثالث: في عصر الخلفاء الراشدين من ص 98 الى ص 118 .
الفصل الرابع: في العصر الاموي من ص 119 الى ص 135 .
الفصل الخامس: في العصر العباسي من ص 136 الى ص 141 .
الفصل السادس: في العصر المملوكي من ص 152 الى ص 163 .
الفصل السابع: في العصر العثماني والهاشمي من ص 164 الى ص 211 .
الفصل الثامن: العصر السعودي من ص 212 الى ص 487 .
الفصل التاسع: ملخص لاهم مراحل التطور العمراني والتقدم الحضري للمدينة المنورة، في المراحل المتقدم ذكرها من ص 488 الى ص 513 .
وتحدث في هذا الفصل عن الاسس والركائز التخطيطية في اعمال التخطيط والتطوير، وعن تخطيط المناطق الحضرية التاريخية في المدينة، وسلامة البنية العمرانية والطبيعية، وأتبع ما تقدم بموجز لأهم توصيات الندوة العالمية للعمارة والتخطيط في العالم الاسلامي وعن السياسات العامة لتخطيط المدن الاسلامية،ووسائل تنفيذها والتوصيات الخاصة بتعلم العمارة والتخطيط في الجامعات الاسلامية، ومراكز الدراسات، وممارسة المهنة, ثم الفهارس من ص 514 الى ص 541 للموضوعات العامة وللصور والمخططات والجداول والمراجع؛ والواقع ان هذا الجزء وان لم تزد صفحاته على 544 الا ان من المناسب ان يكون في مجلدين، اذ طباعته على هذا الورق الثقيل الناعم كوشيه وزن 120 جم مما يرهق القارىء ولاسيما الشيوخ ممن يعجزهم حمله.
اما الحديث عن اتقان الاخراج والطباعة صوراً ورسوماً ووضوح حروف، فقل ان يماثله في ذلك غيره من المطبوعات العربية، مما يدل على ان المؤلف وفقه الله تكلف في هذا الكتاب جهدين احدهما: بجودة الاخراج مما يسبب كثرة نفقات الطبع والتجليد والصور وغيرها.
والثاني : وهو الاهم ان المؤلف قل ان يدع موضعا تحدث عنه دون ان يصوره او يرسمه رسماً متقناً، وان يحدد بعده عن مركز المدينة بالاكيال وان يوضح ذلك الموقع في مصور جغرافي؛ والمؤلف في كل ذلك تتبع ما تحت يد القارىء من المؤلفات عن طيبة الطيبة فرجع اليه واستفاد منه، ولهذا فليس من المبالغة القول بأن من طالع كتاب وفاء الوفا للسمهودي وهو أوفى كتاب الف في موضوعه واشمله من حيث تتبعه لمصادر التاريخ القديم, أما ما بعده من مؤلفات، فهي على كثرتها وجلالة قدرها، تعده المرجع فيما تضيفه من استنتاجات او دراسات .
لهذا يصح القول بأن ما ورد في كتاب السمهودي الآنف الذكر عن المظهر الطبيعي للمدينة المنورة من حيث الحرار والجبال والاودية المسماة في ذلك الكتاب قد درسها الاستاذ المهندس عبدالعزيز دراسة علم ومشاهدة، ووصفها وصفاً دقيقاً، وابرزها ممثلة في الصور والرسوم فيما صور في مؤلفه الضخم، الذي يعد اتمامه من اوفى المراجع عن تاريخ طيبة الطيبة وجغرافيتها .
ومن المعروف ان كل عمل يقوم به الانسان لا يبرز كاملا فالكمال لله سبحانه وتعالى، الذي قال في وصف كتابه الكريم: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا ؛ فقل ان يوجد مؤلف لا يخلو من المآخذ، غير ان القارىء يهتم بالجوهر، ولا يعنيه ما قد يعترضه من هفوات هينات، قد يكون في الاشارة الى بعضها ما يدفع المؤلف الى تداركها فمن ذلك:
1 الاعتماد على مصادر غير موثقة، كما ورد في قوله : وتقع بين هذه المرتفعات بعض الهضاب والحرات البركانية مثل حرة الحجاز ، ومن الحرات حرة خيبر وتعرف ب حرة النار وتقع شمال شرق المدينة و حرة الكرماء التي تقع شرقي المدينة وتصل بين حرة خيبر و حرة بني سليم التي تمتد من المدينة المنورة الى قرب مدينة الطائف انتهى.
هذا الكلام رجع فيه المؤلف الى كتاب شبه جزيرة العرب لمحمود شاكر وهو غير الاستاذ الثبت المحقق محمود محمد شاكر رحمه الله فالاول اسمه الكامل محمود شاكر سعيد، من الاخوة المنتدبين للتدريس في المدارس من اهل الشام.
والقول بان حرة الكرماء التي تقع شرقي المدينة، تصل بين حرة خيبر و حرة بني سليم , فلا يعرف في كتب المتقدمين حرة بهذا الاسم، انما يوجد حزم مسطيل عريض، يعرف قديما ب حزم بني عوال تغلب على مظهره صفات الحرة، وقد اطلق عليه حديثا اسم حرة الكرماء خطأ، والكرماء هنا اسم محرف عن اسم عربي قديم، لايزال مستعملا وهو هرمة اسم منهل واقع في هذا الحزم، رسم في احدى المصورات الجغرافية من قبل اناس اعاجم، لا يحسنون اللغة العربية كرماء وهي في الاصل هرمة ، قال عنها عرام بن الاصبغ السلمي في رسالته في كلامه على الطرف المعروف الان باسم الصويدرة : يكتنفه ثلاثة جبال: احدهم ظلم وهو جبل اسود شامخ، لا ينبت شيئاً، و حزم بني عوال وهما جميعا لغطفان، وفي عوال آبار منها بئر ألية ، اسم إلية الشاة و بئر هرمة وبئر عمير و بئر السدر وليس بهؤلاء ماء ينتفع به انتهى، و بئر هرمة معروفة في هذا الحزم الذي اطلق عليه فيما بعد هرمة من ذلك العهد الى عهدنا الحاضر، ويقع بين خطي الطول: 00/40 و 31/40 وخطي العرض: 20َ/24 و 40َ/24 .
2 والحزم الذي تنطبق عليه صفات الحرار لا يصل بين حرة خيبر و حرة بني سليم بل بينهما اودية وارض واسعة.
3 القول بأن حرة بني سليم تمتد من المدينة المنورة الى قرب الطائف, غير صحيح ف حرة بن سليم ، وتعرف الآن باسم حرة رهاط ، ورهاط احد الاودية الممتدة منها نحو البحر قال ابو علي الهجري في تحديدها : حرة بني سليم تبتدىء من ذات عرق، ورهاط، ثم تنقطع بحبس عوال، الى قرب الطرف المنزل الذي قبل المدينة انتهى والهجري من اهل القرن الرابع الهجري ومن العلماء المشهورين، وحبس عوال هو حزم بني عوال الذي تقع فيه بئر الهرمة ، وذات عرق تعرف الآن باسم وادي الضريبة يقع بقرب خط العرض: 50َ/21 بينما بلدة الطائف تقع بقرب خط العرض:15َ/21َ فالمسافة بين منتهى حرة بني سليم وبين مدينة الطائف طويلة عريضة.
4 منها عدم التثبت من صحة النص كما في ص 40 حيث ورد:تشير الروايات التاريخية الى ان سكان المدينة قبل البعثة كانوا من عقيل وفالج ومنهم العماليق .
لعل المؤلف الكريم رجع في هذا الى كتاب وفاء الوفاء 5 :فنزلت عبيل يثرب، ويثرب اسم ابن عبيل .
اما عُقَيل فمن القبائل الحديثة من بني عامر من هوازن ومساكنها جنوب الجزيرة.
5 ومن ذلك ما ورد في الصفحة نفسها من تقدير عدد سكان المدينة، فقد نقل المؤلف عن كتاب سكان المدينة للاستاذ محمد شوقي بن ابراهيم مكي، الا مما يؤخذ على ورود النص عدم ذكر المصادر التي تشير الى تحديد العدد، والقول بانه توجد بعض المصادر مع عدم ذكرها لا يحمل القارىء على الثقة بما بين يديه.
6 ومن ذلك ايضا وقوع كثير من اللحن مثل كلمة: ص 40 نحو مئتا الف نسمة و حوالي مئتان وتسعة الاف نسمة , اذ ينبغي ان يكون ما بعد كلمتي نحو و حوالي مجروراً: نحو مئتي الف و حوالي مئتين وتسعة آلاف .
اما وقوع التطبيع الاخطاء المطبعية فقل ان يسلم اي كتاب مطبوع منها، ومع تحري الدقة التامة في اصدار الكتاب خالياً منها، فقد وقع فيه كثير من ذلك، ومنها اثبات همزة الوصل، ومن الامثلة ص 40 ويسكنون فيه أنتظارا و فيما أقتصرت وص 41: ثم إرتفع ، اي إرتباط وامثال هذا مما لا تخلو منه صفحة من صفحات الكتاب
ان تقديري للاستاذ المهندس عبدالعزيز وحرصي على ان يبرز هذا المؤلف على خير صورة ممكنة، هو الذي حملني على ان اشير الى تلك الملاحظات العابرة دون التوسع فيها.
ولا شك انه وفقه الله من اليسير السهل عليه ان يخلو مؤلفه من تلك الهفوات، وقد بذل ما استطاع من الجهد، في الرجوع الى المصادر واستخلاص أوثق ما صح له منها، فلا يلام بعد ذلك لان الله سبحانه وتعالى لا يكلف نفساً الا وسعها.
وقد برز الكتاب في مظهره وكثير من مخبره، بصورة ممتازة من الطباعة، وصدرت طبعته الاولى عام 1419هـ عن مطابع دار احياء التراث العربي في بيروت .
_______________
المصدر: موقع ملتقى أهل الحديث.