قراءة نقدية في كتاب » الشَّرف المؤبَّد لآل محمَّد صلى الله عليه وسلم «
تأليف: يوسف بن إسماعيل النَّبهانيِّ (ت 1350هـ)
تأليف: يوسف بن إسماعيل النَّبهانيِّ (ت 1350هـ)
كتاب » الشَّرف المؤبد « مما أَلَّفه النَّبهانيُّ في أوائل القرن المنصرم، سنة (1309هـ)، وهو أول كتاب قام بطبعه، ويجدر التنبيه إلى أنَّ النَّبهانيَّ صاحب مؤلفاتٍ مليئة بالغرائب، والعجائب! ولأجل ذا حذَّر العلماء من كتبه قديماً وحديثاً.
قال العلاَّمة الشَّيخ محمد رشيد رضا(1) - رحمه الله تعالى - تحذيراً من كتبه:
» كتبه مملوءة بالرِّوايات الموضوعة والمنكرة، وكان يُروِّج كتبه لكي يُمهِّد بذلك السَّبيل إلى ادِّعاء المهديّة لنفسه! «(2).
وقد بالغ في كتابه - على عادته في سائر كتبه - في تعظيم أهل البيت، حتى خرج عن الحدِّ الشَّرعيّ في توقيرهم، معتمداً على أحاديث واهيات! معتمداً في غالب ما يذكره على:
محيى الدِّين ابن عربي الصُّوفي، الإمام الأكبر!
وعبد الوهاب الشَّعراني، زعيم الصُّوفية المتأخرين!
فمن ذلك:
1 - مطالبته بالتسليم الكامل لأهل البيت فيما أخذوا أو تركوا؛ فلو أخذوا مالك أو متاعك، أو آذوك في عرضك وذويك؛ فليس لك أن تُطالب أو تتكلَّم، أو حتى تمنعهم من ذلك مع قدرتك على دفعهم! بل ليكُن حالك كحال المجنون الذي تُناوشه الكلاب السُّود، وهو يتحبَّب إليها!
ويجعل مطالبة الشخص لحقِّه المسلوب - مثلاً - من نقص إيمانه، ومكر الله به، واستدراجه من حيث لا يعلم(3)!
وجميع ما سبق؛ نَقَلَهُ عن سلطان العارفين، وإمام الصُّوفية، الشَّيخ الأكبر سيدي محيى الدِّين ابن العربي! رضي الله تعالى عنه! على حدِّ زعمه(4).
2 - ومنه اعتقاد أنَّ ذنوب أهل البيت مغفورة(5)!
واستدلَّ على ذلك بنحو حديث: » يا عليُّ! إِنَّ أَهْلَ شِيَعتِنا يخرجون من قبورهم يومَ القيامةِ على ما بهم مِنَ الذُّنوبِ والعُيُوبِ، وجُوهُهُمْ كالقمرِ ليلةِ البدرِ ... «. وهو حديثٌ موضوعٌ، وقد أورده السَّخاويُّ في «استجلاب ارتقاء الغرف» برقم (131) وحَكَمَ عليه بالوضع.
وقد سئل العلاَّمة القاضي محمد بن علي الشَّوكانيُّ - رحمه الله تعالى - سؤالاً؛ حاصله :
هل صحيح ما قيل من أنَّ أهل بيت النُّبوة لا يُعاقبون على ما يرتكبون من الذنوب؟ بل هم من أهل الجنة على كلِّ حال، وأنَّ ذلك تكريم وتشريف لهم؟!
فأجاب جواباً مطوَّلاً جاء فيه:
» ... وأمَّا القول برفع العقوبات عن عُصَاتهم، وأنهم لا يُخاطبون بما اقترفوه من المآثم، ولا يُطالبون بما جَنوْه من العظائم؛ فهذه مقالة باطلة ليس عليها أثارة من علم، ولم يصحّ في ذلك عن الله، ولا عن رسوله حرفٌ واحدٌ، وجميع ما أورده علماء السُّوء المتقرِّبون بالرياسات من أهل هذا البيت الشريف، فهو إمَّا باطل موضوع، وإمَّا خارج عن محلِّ النزاع... « إلخ كلامه(6).
3 - ومن مبالغاته واعتماده على الأحاديث الواهية، قوله: إنهم أول من يدخل الجنة(7)!
وقد استدلَّ بنحو حديث علي ، وهو حديث واهٍ، ولفظه: » أَمَا ترضى أَنْ تكونَ رابعَ أَرْبَعَةٍ، أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ أَنَا، وأَنْتَ، والحَسَن، والحُسَيْن، رضي الله عنهما. وأَزْوَاجُنا عن أَيْمَانِنا وشمائِلنا، وذُرِّيَّتُنا خَلْفَ أَزْوَاجِنا «(8).
4 - ومنه ما نقله عن سيدي عبد الوهاب الشَّعرانيِّ! في كتابيه »المنن الكبرى« وَ »البحر المورود في المواثيق والعهود«، فلقد ذكر آداباً - على حدِّ قوله - من حقِّ أهل البيت علينا، بل هي مواثيق وعهود أُخذتْ علينا! وهي لو تأمَّلها القارئ الحصيف لرأى أنها بمثابة تشريعاتٍ ما أنزل الله بها من سلطان(9)! منها:
( أ ) أن لا نتزوَّج لهم مطلَّقةً، أو زوجةً ماتوا عنها.
(ب) أن لا نتزوَّج شريفةً إلا إذا كان أحدنا يعرف من نفسه القيام بواجب حقِّها.
( ج ) إذا تزوَّجنا بشريفة - فرضاً - فإنه لا يجوز للزَّوج أن يتزوَّج عليها، ولا أن يتسرَّى.
( د ) أنه يجب على الزوج أن يَعُدَّ نَفْسَهُ خادماً لتلك الزوجة الشَّريفة، رقيقاً عندها، ويعتقد أنه إذا خرج عن طاعتها أبق وأساء!
( هـ ) وعليه كذلك، إذا قامت من مجلسه وأرادت الخروجَ أن يُقدِّم لها نعْلها، وأن يقوم لها إذا وردتْ عليه.
وتلحظ من جميع ما سبق أنَّ القوامة صارت هاهنا للمرأة، وليس للزوج عليها أي سلطان؛ فيا لله العجب!
5 - ومن ذلك: أنه أتى بصلوات مبتدعة يعتقدها الصُّوفية! منها (صلاة سيدي محمد بن أبي الحسن البكري!)، زاعماً أنها أبلغ الكيفيات وأجمع الصلوات! وقد أقحمها في الكتاب إقحاماً(10)! مع التنبيه إلى أنَّ للنَّبهانيِّ كتاباً سمَّاه : » أفضل الصلوات على سيِّد السَّادات « شَحَنَهُ بالصَّلوات البدعية، والأذكار الصُّوفية! والله تعالى أعلم.
وكتب
د / خالد بن أحمد بابطين
11/8/1430هـ
البريد الالكتروني: dr.kaled.b@hotmail.com
العنوان البريدي: 4791 مكـة 21955
* * *
د / خالد بن أحمد بابطين
11/8/1430هـ
البريد الالكتروني: dr.kaled.b@hotmail.com
العنوان البريدي: 4791 مكـة 21955
* * *
__________________
(1) هو العلاَّمة الشَّيخ محمد رشيد رضا صاحب «مجلة وتفسير المنار». ولد في القلمون من أعمال طرابلس الشام، سنة (1282هـ). هاجر إلى مصر عام (1315هـ)، ولحق بالشيخ محمد عبده، وأنشأ مجلة المنار، لكنه نزع إلى مذهب السَّلف، وتأثر بآراء ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وكان أكثر خصومه مشايخ الأزهر. كان محدِّثاً ومفسِّراً ومؤرِّخاً وأديباً وسياسياً. من مؤلفاته: «الوهابيون والحجاز»، و«الوحي المحمدي». توفي فجأة بالقاهرة سنة (1354هـ). انظر: «الأعلام» (6/126)، «معجم المؤلفين» (3/293).
(2) انظر: »كتب حذَّر منها العلماء« للشيخ مشهور بن حسن آل سلمان (1/269).
(3) »الشرف المؤبد« (ص178 - 183).
(4) ابن عربي الصُّوفي (المولود سنة 560هـ - المتوفى سنة 638هـ) يُلقّب بـ: محيى الدين بن عربي (منكَّراً)، وابن العربي (معرَّفاً) كما قال البعض. ويذهب آخرون إلى أنه (ابن عربي) قولاً واحداً؛ ومن سمَّاه (ابن العربي) أراد إيهام القارئ العادي بأنه (ابن العربي المالكي الشهير، المتوفى سنة 543هـ).
- وانظر ترجمته في: »سير أعلام النبلاء« (23/48)، »مرآة الجنان« (4/79)، »العقد الثمين« (2/277 - 300)، »المستفاد من تاريخ بغداد« (21/21)، »شذرات الذهب« (5/191)، »طبقات الشعراني« (1/163). وللحافظ السخاوي مؤلَّف مستقل في ترجمة ابن عربي سمَّاه: » القول المُنْبِي في ترجمة ابن عربي « ؛ حققه الشيخ مشهور بن حسن، وقد سجَّله طالبان من إخواننا من طلبة العلم في أُطروحتيّ ماجستير بجامعة أُمِّ القرى بقسم العقيدة، وقد فرغا منه منذ مدَّة.
وفي التحذير من كتبه طالع: »مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية« (2/364 وما بعدها)، و(4/68)، و(11/239). وراجع: »الإعلام بذكر المصنَّفات التي حذَّر منها شيخ الإسلام« (ص68 و69 و70). و»كتب حذَّر منها العلماء« (1/36 وما بعدها).
(5) »الشرف المؤبد« (ص105).
(6) انظر: »إرشاد السائل إلى دليل المسائل« (ص38 - 40).
(7) »الشرف المؤبد« (ص112).
(8) حديث موضوع، انظر في الكلام عليه كتاب «استجلاب ارتقاء الغرف» بتحقيقي برقم (169).
(9) »الشرف المؤبد« (ص211 - 214).
(10) »المرجع السابق« وهي من (ص117 - 121).