المحقق المبدع النحَّال يحُلُّ ضيفًا على أخيه ومحبِّه، ويتحدث عن «التاريخ الكبير» للإمام البخاري وهل سلخه الحافظ ابن أبي حاتم؟ وكذا تحدث عن إمامة الحافظ مغلطاي في معرفة الرجال والتواريخ وبيان أنه كان فردًا في زمانه باقتناء مؤلفات الحفاظ والعلماء التي بخطوطهم:
زارنا يوم الأحد الموافق 6 رجب 1441هـ المحقق المبدع: محمود بن عبد الفتاح النحَّال برفقة الأستاذ: منصور آل مخلوف، ووافق حضوره حضور أصحابنا: الدكتور إبراهيم بن يحيى القديمي، وناصر بن أحمد العماري، وعبد الله بن طارق المرزوقي، وسرور بن عبدالله الشنبري، وأيوب بن أحمد الشعملي.
ودار حوار شيِّق من النحَّال عن كتاب: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ) وكتاب: «التاريخ الكبير» للإمام البخاري (ت256هـ) بحُكْم عنايته به، وإشرافه على طبعته الأخيرة، مفيدًا بأن ما يُشاع أن ابن أبي حاتمٍ سَلَخ كتاب: «التاريخ الكبير» للبخاري، ليس بصحيحٍ؛ فـ «التاريخ الكبير» للبخاري فيه 14ألف ترجمة؛ بتعدد روايات الآخِذين عنه، وكتاب: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي فيه 18 ألف ترجمة. والذي قام به ابن أبي حاتم أنه نقل كل ترجمة من «التاريخ الكبير» للبخاري، وزاد عليها التالي:
أولاً: ذكر الحافظ ابن أبي حاتم موافقة والده الحافظ محمد بن إدريس الرازي (ت280هـ) على ما قاله البخاري في كل راو؛ بأنه قد سمع ذلك.
ثانيًا: بيان أن الحافظ ابن أبي حاتم الرازي زاد على ما قاله الإمام البخاري في كل راوٍ زيادات؛ استفادها من شيوخه الذين راسلهم لمعرفة آرائهم وأراء شيوخهم فِي الرجال جرحًا وتعديلًا.
ومن أبرز الأئمة الذين اعتنى بنقل كلامهم: سفيان بنُ عُيَيْنة، والثوريُّ، والأعمش، والشعبي، ومالك، ويحيى القَطَّانُ، وشُعْبَةُ، والأوزاعي، والشافعي، وعلي بن المديني، ويحيى بن مَعين، وأحمد بن حنبل، وأبو حاتم أبوه، وأبو زُرْعة، وكان اعتماده على آخر أربعة كبيرًا.
ثالثًا: أن الحافظ ابن أبي حاتم الرازي كثير الوهم فيما زاده عن غير أبيه وأبي زرعة، داعيًا المجامع البحثية لتنهضَ لعمل أبحاث محكمة تساهم في تحرير هذه الأوهام.
ثم نبه المحقق النحَّال إلى خطأ من قال: بأن أبا حاتم وأبا زُرعة الرازيين اعتمدا على نُسخة متقدمة من «التاريخ الكبير» للبخاري؛ والصحيح أنهما اعتمدا -لا سيما أبو حاتم الرازي- على عدة نُسخ من «التاريخ»، منها نُسخة تُعد من أصحِّ نُسَخِ كتاب «التاريخ الكبير»؛ فإنها النسخة المُنقَّحة التي استقر عليها البخاري، بيد أنهما تعقبا البخاري في نُسخ «التاريخ» القديمة، وليتهما لم يفعلا ذلك؛فإن أصح نُسخة من «التاريخ» كانت بين يديهما، ولم يلتزما إلا بإظهار ما أخطأ البخاري فيه بتعدد روايات الآخِذين عنه.
خلافًا لصنيع الخطيب البغدادي في «مُوضِح أوهام الجمع والتفريق» فإنه اعتبر بأصح الروايات عن البخاري، وإذا وقع بها خطأ استظهر بالروايات الأخرى، فإن وجده على الصواب اعتذر عن البخاريِّ، وألحق الوهم بالمُستملي أو النَّاسخ.
والجدير بالذكر أن المحقق محمود النحال؛ شاب همام أشرف على تحقيق كتاب: «الخلافيات بين الإمامين الشافعي وأبي حنيفة وأصحابه» للإمام البيهقي (ت 458هـ) وطبع في 8 مجلدات، وحقق كتاب: «الألقاب» لأبي الوليد بن الفرضي (ت403هـ) وطبع في مجلد؛ وأشرف على تحقيق كتاب: «التاريخ الكبير» للإمام البخاري (ت256هـ) وطبع في 12 مجلدًا، وصنّف كتاب: «إتحاف المرتقي بتراجم شيوخ البيهقي» مطبوع، وشرع بتحقيق كتاب: «إكمال تهذيب الكمال» للحافظ مُغلطاي (ت762هـ) بالاشتراك مع فضلاء المحققين الكبار.
ثم تحدث النحَّال عن إمامة الحافظ علاء الدين مُغلطاي بن قليج (ت762هـ) في معرفة الرجال والتواريخ، وأنه كان فردًا في زمانه باقتناء مؤلفات الحفاظ والعلماء التي بخطوطهم، واجتمع لديه من أصول العلماء ما لم يجتمع لغيره من العلماء، بل له من الكتاب الواحد عدة نُسخ خطية، ولذلك تمتاز كتبه بكثرة المقارنة بين النُسخ لكل كتاب عند الألفاظ المشْكِلة، وعبارات الجرح والتَّعديل التي تفردت بها بعض النسخ دون غيرها، لا سيما نسخ كتاب: «الجرح والتعديل» لابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ).
ومما يتميز به الحافظ مُغلطاي كثرة استدراكاته على كبار الأئمة، عند الحديث عن شيوخ المُترجمين في كتبهم، ومن الأمثلة على ذلك:
أن شيخه الحافظ أبا الحجاج يوسف المِزِّي (ت742هـ) ترجم لشيوخ الإمام أبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني(ت275هـ) صاحب «السنن»، ولم يستقصهم(1)، فاستدرك عليه الحافظ مُغلطاي ذلك، وذكر أكثر من 270 شيخًا لأبي داود، وقال: إن هؤلاء فقط في كتاب: «السنن» لأبي داود(2).
وأنه في ترجمة شعبة بن الحجاج ساق كتاب «شيوخ شعبة» لمسلم بن الحجاج، من نسخةٍ بخط الحافظ عبد العزيز بن محمد بن عبدويه الشيرازي، وفي أثناء سياق هذا الكتاب قال: «.. ذكر مسلم آخرين؛ لكن النُسخة قديمة جِدًا تآكلت؛ فلم تتبين أسماؤهم، وعجزنا عن نُسخة أخرى نستضيء بها والله الموفق»(3).
وأن الحافظ مُغلطاي اعتنى بذكر جُلِّ شيوخ سليمان(4) بن داود بن الجارود أبي داود الطيالسي (ت204هـ) الذين روى عنهم في «المسند» المنسوب له.
ومما لفت ضيفُنا الانتباهَ إليه: أن الحافظ مُغلطاي، كان إمامًا في علم النسب، وهذا ظاهر جليٌّ في كتبه، وأن الحافظ العراقي (ت806هـ) شهد بأنه من علماء النسب.
كتبه:
إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
الحواشي:
(1) «تهذيب الكمال في أسماء الرجال» (11/356).
(2) «إكمال تهذيب الكمال» (6/39).
(3) السابق (6/ 256- 261).
(4) السابق (6/ 51).
ونفع الله بكم وبفوائد مجلسكم المبارك