تنبه - يا محقق التراث - من تعدي المتأخرين على كتب المؤلفين أو على نُسخ كتبهم الخطية* بالحذف والزيادة. ( مزيدة ).
الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فإن من أعظم صور التعدي على حقوق المؤلفين حذف شيء من كلامهم أو حروف منه، وكذا الزيادة.
وحديثنا في هذه المقالة عن زيادة أحرف على ألفاظ المؤلف في صلب كتابه سواءً قصدًا أو اجتهادًا، والذي هو بلا خلاف نوع من أنواع التعدي المخالف للأصول والقواعد التي اتفق عليها العلماء من أنه لا يحق لأحد تغيير كلام المؤلف، ومن شاء بيان ما يراه صوابًا فليضع حاشية بعد الكلمة، ويقول: كذا وردت الكلمة في الأصل وصوابها كذا أو لعلها كذا، قال الحافظ السخاوي (ت٩٠٢هـ): (من التجاسر، إذا مر به شيء لم يتجه له وجهه، أصلحه بما يظن، اعتمادًا على وثوقه بعلمه في العربية واللغة وغيرهما، ثم يظهر أن الصواب ما كان في الكتاب، ويتبين أن ما غيره إليه خطأ فاسد).
وزيادة الأحرف في صلب الكتاب لا تُعرف إلا بإمعان النظر في ألفاظ الكتاب المخطوط؛ إذ قد يُقحم مالك الكتاب المخطوط، أو مُستعيره حروفًا في الأصل المخطوط ليستقيم المعنى في نظره، أو لأنه قد رأى هذه الأحرف المزادة في نسخة أخرى خطية، فاعتقد أن الكتاب ليس على الصواب، وفاته أن هذا الكتاب المخطوط سيعيش بعده مئات السنين ويعتمده الناس في تحقيق الكتاب.
وهذا الفعل من مالك المخطوط أو مُستعيره بلا شك خطأ وتعدي على حق المؤلف، بل تؤدي بعض الإقحامات إلى إشكالات في الفهم والاستشهاد والفتوى، وقد شاهدنا نماذج من ذلك أثناء تحقيقنا كتاب: (أخبار مكة) للعلامة الأزرقي (كان حيًا ٢٤٧هـ) ، ولم نستطع اكتشافها إلا بجهد من خلال الصورة الملونة.
ثم لا يتحقق معرفة هذه الإقحامات الدقيقة إلا بمطالعة أصل الكتاب المخطوط أو صورته بالألوان، وبعد كتابة هذه المقالة ونشرها، وقفت على كلام للمحقق مطاع الطرابيشي يُسلم إلى ما ذهبنا إليه، وهذا نصه: ( لا يجوز الاعتماد في القراءة على المصورات، لعدة أسباب، منها:
أولاً إن تفاوت لون الحبر لا يظهر في الصورة؛ لأن ما يُكتب في حواشي الصفحات بعد الفراغ من كتابة الأصل بمدة لا بد من أن يظهر في الأصل بلون مختلف بعض الاختلاف؛ بسبب تفاوت ألوان المداد وتباين تاريخ الكتابة، لكنه يظهر في الصورة بلون واحد، وبذلك تغدو المصورة مُضللة للمحقق أحيانًا، فلا يستطيع أن يُميز ما هو أصيل في النُسخة مما هو دخيل. وضرب مثالاً على ذلك.
ثانيًا: أن الخطوط الباهتة في الأصل لا تظهر في الصورة؛ وبذلك يضيع قسم من النص الأصلي.
ثالثًا: إن الحواشي الدقيقة قد تبدو غامضة أو مطموسة في الصورة بسبب صغر حجمها ولزها بعض إلى بعض، وبذلك تصعب قراءتها وقد تتعذر.
لذا فإن الاعتماد في القراءة على المصورات قد يُوقع في مآزق وأوهام، ولا غنى للمحقق عن الرجوع إلى الأصول المخطوطة يستشيرها في حل المشكلات. (في منهج تحقيق المخطوطات) (ص٦٢).
ومن الأمثلة على زيادة أحرف على ألفاظ المؤلف في صلب كتابه سواءً قصدًا أو اجتهادًا:
كلمة ( يديها ) في كتاب (أخبار مكة) للأزرقي المخطوط؛ إذ أبدلت الياء الأولى باء، والياء الثانية نونًا، فأصبحت ( بدنها ).
ولفظة ( ذراعا )؛ إذ زيد بعدها حرف النون فأصبحت ( ذراعان ).
ولفظة ( لك )؛ إذ زيد حرف العين والياء فأصبحت ( عليك ).
ولفظة ( قبلك )؛ إذ زيد حرف الياء فأصبحت ( يقبلك ).
وكذا لفظة ( عاد )؛ إذ زيد حرف الألف فأصبحت ( أعاد ).
لذا أنصح محققي التراث أن يعتمدوا في تحقيق كتب التراث الصورة الملونة؛ لأنها تُظهر اختلاف حبر المؤلف وحبر حروف المتعدي على ألفاظه، وألا يعتمدوا على الصور البيضاء والسوداء؛ فإنه لا يمكن من خلالها معرفة الأحرف المقحمة بغير خط المؤلف، فالصور غير الملونة تكون مُضَلّلة للمحقق أحيانًا.
كتبها:
إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
٢١ صفر ١٤٤٠هـ
*الكتاب الخطي: هو الذي كُتب بيد المؤلف أو يد ناسخه.