• ×

ما الكتب التي تنصحنا بقرأتها في علم النسب ومعرفة أصوله وقواعده؟*

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
ما الكتب التي تنصحنا بقراءتها في علم النَّسَب ومعرفة أصوله وقواعده؟
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد:
فهذا السؤال كثيرًا ما يردني منذ فترة طويلة، وقد نشرت الجواب عنه عبر وسائل التواصل الاجتماعية، وسوف أعيد نشره اليوم مع زيادات مهمة؛ ليكون هذا الجواب حاضرًا لكل مستفيد بإذن الله.

فأقول وبالله التوفيق: من أراد النظر والتبحر في علم الأنساب؛ فلابد له من العناية ببعض ما صُنِّف في هذا الفنِّ؛ ليكون محيطًا بأهميَّته، وبما ورد عن العرب من العناية بأنسابهم في الجاهلية والإسلام، وكيف كان حرصهم على حفظها وضبطها وصونها؛ وقد ألفتُّ في بيان ذلك كتابًا سميته: «عناية العرب بأنسابهم، وسبقهم في حفظها وضبطها سائر الأمم»، أكثرت فيه من التدليل بما يكفي ويشفي، ليجد فيه القارئ بغيته بإذن الله.

ثم ينتقل بعد ذلك لمعرفة الأصول والقواعد التي تُحفظ بها الأنساب، وتصونها عن كل دخيل، وتغربل الصحيح منها والدَّعِيّ؛ مع العلم بأن علم النَّسَب لم تُفرد أصوله وقواعده في مؤلفات منفردة كأصول وقواعد علم الحديث وأصول الفقه والتفسير. ومع ذلك؛ فهنا ثلاث قواعد يجدر لكل مشتغل بهذا الفنِّ أن يحققها غاية التحقيق:

الأولى: قاعدة «الشهرة والاستفاضة» التي عليها مدار ثبوت النَّسَب ونفيه بإجماع علماء الإسلام، وهي أهم قاعدة في هذا العلم الجليل، وقد ألفتُّ فيها كتابي: «الإفاضة في أدلة ثبوت النَّسَب ونفيه بالشهرة والاستفاضة» الذي ذكرت فيه عشرات الأدلة من السُّنة النبوية وأقوال العلماء على ثبوت النسب ونفيه بالشهرة والاستفاضة، وقيود وشروط هذه القاعدة، والجرح القادح فيها والمردود، مع تطبيقات على أغلب مسائلها.

والثانية: قاعدة «عمود النَّسَب شرط كمال لا شرط صحة»، وهي من القواعد المهمة، فاشتراط عمود النسب لثبوته رأي محدث باطل لم يشترطه النبي ^ ولا علماء الإسلام عبر التاريخ، وإنما اشترطوا تحقق الشهرة والاستفاضة الصحيحة -فقط- في أن فلانًا من قريش أو خُزَاعَة أو تميم مثلًا، وحتى لو وقع خلل أو اضطراب في عمود نسب شخص ما، أو حكم العلماء بعدم صحة عموده، وكان ذلك الشخص من أصحاب الأنساب الصحيحة؛ فإن ذلك الطعن في عموده لا يُبطل نسبه؛ لأن مدار ثبوت الأنساب ونفيها على الشهرة والاستفاضة بإجماع علماء الإسلام. وليست هذه القاعدة مطردة، فقد يكون الخلل في عمود النسب دليلاً على بطلان النسب، فهناك أعمدة نسب ردَّها النسَّابون، وسلَّطوا عليها سهام نقدهم؛ لأنَّ أصحابها فاقدون للشهرة والاستفاضة الصحيحة على ادعاء النسب الحادث.

والثالثة: معرفة قاعدة «إلحاق الأصل بالفرع في الأنساب»، وهي قاعدة مشهورة، ذكرها فقهاء الإسلام في باب الشهادات، وهي ليست مطلقة كما يُعتقد، بل مقيَّدة بقيود وشروط، وقد بيَّنتُها في رسالة مستقلة منشورة.

ثم ينظر بعد ذلك في كتب ردود النَّسَّابة والمؤرخين الثقات، وخاصة من كان منهم على خُطى أهل الحديث، فالردود تشحذ الهمم، وتجعلك تُعمل عقلك وتحرره من الجمود؛ باستحضار الأدلة ومناقشتها، ثم الاستدلال بها على بطلان شبه المخالفين والخصوم، وهذا يستدعي مطالعة العشرات بل المئات من كتب المتقدمين والمتأخرين، وخاصة كتب النَّسَّابة والمؤرخين النقاد، وكذلك مطالعة كتب علماء الجرح والتعديل، فهم أئمة في التاريخ والنَّسَب، وإن لم يكن النَّسَب غالبًا عليهم.

وللردود فوائد أخرى، ومنها: أنها تُقوي ملكتك العلمية، وحاسة النقد العلمي، وتجعلك مثل الأسد يقظًا متأهبًا، وتجعلك تحسب لردك على المخالفين ألف حساب؛ لئلا يُجهز عليك المخالف؛ وأنَّ من ولج هذا الباب وافقني ولم يخالفني، فالردود تمكّن الباحث وترتقي به لمصافِّ العلماء، كما قال الإمام الذهبي (ت: ٧٤٨هـ): «ومن الردود يتفقه العلماء، وتتبرهن له المشكلات».
أما التأليف فلا يحتاج منك هذا العناء في التفكير، فجُلّ التآليف اليوم - وللأسف - ينطبق عليها القول: "خذ من هنا، وضع هاهنا، وقل هذا أنا".

واعلم أن الكثير من العلماء والباحثين يكرهون الردود، ويرونها مضيعة للوقت، موغرة للصدور، وهذا – لعمر الله - فيه بعد عن الصواب؛ فإنه لايزال العلماء - المتقدمون منهم والمتأخرون - يردون على كثير من المخالفين لفظًا وتأليفًا، فهذا الإمام الشافعي رد على الإمام أبي حنيفة النعمان وعلى شيخه الإمام مالك الأصبحي، والأمثلة على ذلك كثيرة جدًا، منها: كتاب «الرد على الزنادقة والجهمية» للإمام أحمد بن حنبل، و«رد الدارمي على بشر المريسي»، و«الصارم المنكي في الرد على السبكي» لابن عبد الهادي، و«غاية الأماني في الرد على النبهاني» للألوسي، وغيرها؛ ولو جُمعت أسماء هذه الردود؛ لوقعت في مجلد.
قال الإمام الذهبي (ت: 748هـ): «وما زال العلماء قديمًا وحديثًا يرد بعضهم على بعض في البحث وفي التواليف، ولكن في زماننا قد يُعاقب الفقيه إذا اعتنى بذلك لسوء نيته، ولطلبه للظهور والتكثر، فيقوم عليه قضاة وأضداد، نسأل الله حسن الخاتمة وإخلاص العمل».
وسوف يظفر طالب العلم في تلك الردود بقواعد، تشرح له هدي السلف في تحقيق الأنساب وضبطها، وتصحيحها، أو نفيها، أو التوقف فيها.

واعلم أن بيان الأخطاء والرد على الأقوال المخالفة والباطلة لا يستلزم منه عداوة صاحب تلك الأخطاء أو الأقوال، ولا التقليل من شأنه وتحقيره، فالرد إنما هو لبيان الحق والصواب في هذه المسألة أو تلك، وهو من باب النصيحة، وذلك متى ما أراد صاحب الرد بذلك وجه الله، فهو إذًا أمر عائد لصدق النية، والله العاصم من الزلل.

ولذلك أنصح طلاب علم النَّسَب أن يدمنوا النظر في كتب أهل الحديث ومصطلحه، وتأمل تطبيقاتهم في نقد الرواة والحكايات والأحداث؛ ليحاكوا قواعدهم، ويمضوا على سننهم؛ فقواعد أهل الحديث تُعتبر من أدق وأتقن القواعد لضبط العلوم على الإطلاق، وبين علم الحديث وعلم النَّسَب قواسم مشتركة، فتنمو للمشتغل بها المَلَكَة في استنباط القواعد من تطبيقات المحدثين النقدية؛ لأن علم النَّسَب كما أسلفنا لم تُفرد أصوله وقواعده في مؤلفات منفردة، كأصول وقواعد علم الحديث وأصول الفقه والتفسير.
ولهذا أقول: إن الاستعانة ببعض قواعد أهل الحديث وتطبيقاتهم النقدية على تحرير أصول وقواعد علم النَّسَب تقي النَّسَّابة من الزلل بإذن الله.
وللفائدة؛ فإنك ستجد نماذج تطبيقية في تحقيق الأنساب وتصحيحها ونقدها في كتب الكثير من الحفاظ النقاد، منهم: الإمام الحافظ شمس الدين الذهبي (ت: ٧٤٨هـ)، والحافظ مغلطاي (ت: ٧٦٢هـ)، والحافظ ابن حجر العسقلاني (ت: ٨٥٢هـ)، وغيرهم.

ومن كانت همته عالية؛ فلينظر في كتب أهل الحديث في النَّسَب، ابتداءً بكتاب: «النَّسَب» لأبي عبيد القاسم بن سلام، وهو مختصرٌ ومهذَّبٌ من كتاب: «جمهرة النَّسَب» لابن الكلبيِّ هشام؛ وكذا كتاب: «نسب قريش» لمصعب الزبيري القرشي، فهو كتاب نفيس، وأصل في أنساب القرشيين، وعمدة في بابه، وكتاب: «المحبر»، و«مختلف القبائل ومؤتلفها» لمحمد بن حبيب، وكتاب: «نسب قريش» للزبير بن بكار القرشي، وهو من أمتع الكتب، وكتاب: «الإنباه على قبائل الرواة» لابن عبد البر الأندلسي، وهو كتاب نفيس، فيه تحرير وترجيح، وكتاب: «جمهرة النَّسَب» لابن حزم، وهو كتاب ماتع، حرَّر فيه اختلاف النَّسَّابين في أنساب بعض القبائل، وكتاب: «الإكمال في الأسماء والأنساب» لابن ماكولا، وكتاب: «الأنساب» للسمعاني، وهو كتاب ماتع، جمع فيه الأنساب إلى القبائل والبطون، كالقرشيِّ الهاشميِّ، وإلى الآباء والأجداد، كالسليمانيِّ، والعاصميِّ، وكتاب: «عجالة المبتدي وفضالة المنتهي في النَّسَب»، و«الفيصل في مشتبه النَّسَبة» وكلاهما لمحمد الحازمي، وغيرهم ممن كان على هذا النحو من علماء الحديث المحررين، فيتدرج المطلع بهذا الأمر، ويديم النظر في كتبهم، ويستخرج غرر الدرر، مما سطره العلماء من قواعد هذا الفنِّ.

كما لا يفوته النظر في كتب علماء النَّسَب المتقدمين والمتأخرين التي من أهمها: كتاب «جمهرة النَّسَب» لابن الكلبي هشام، وهو كتاب نفيس، وأصل في أنساب العرب كافة، وقد عَدَّه العلماء من محاسن الكتب في هذا الفنِّ وأنفعها، بل لم يُصنَّف في بابه مثله، وكتاب: «أنساب الأشراف» للبلاذري، وهو في أنساب كافة أشراف العرب، وكثير الفائدة؛ وكتاب: «نسب عدنان وقحطان» للمبرد، وكتاب: «اشتقاق أسماء القبائل» لابن دريد الأزدي، وهو كتاب ماتع وعجيب، وكتاب: «الإكليل من أخبار اليمن وأنساب حمير» لحسن الهمداني، وقد عدّه العلماء من أجمل الكتب في أنساب قبائل اليمن، وكتاب: «الإيناس بعلم الأنساب» للحسين المغربي، وكتاب: ‏»‬الفخري‏ ‬في‏ ‬أنساب الطالبيين»‏ للمروزيِّ الأزورقانيِّ، وفيه فوائد جمَّة، وتطبيقات نقدية رائعة؛ وكتاب: «الأصيلي في أنساب الطالبيين» لابن الطقطقي، وكتاب: «عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب» لابن عنبة، وهو بالفعل عمدة في نسب الأشراف، وغيرها من الكتب.

وأما ما كُتب من ذلك في القرن العاشر وما بعده؛ فقد غلب على أكثر مصنِّفيها التساهل؛ إذ تجد أن غالب تلك المصنَّفات تُعنى بالجمع فقط، دون الدقة والتحقيق؛ فكَثُر فيها التساهل والأوهام، وقلة النقد من مؤلفيها؛ فليُتعامل معها بحذر وحيطة.
ولعل في هذه العجالة الكفاية، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل، سبحانك اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم.

كتبها:
الشريف إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
الجمعة ٢6 شوال ١٤٤٣هـ /27 مايو 2022م
برايتون - بريطانيا

بواسطة : إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
 1  0  5051
التعليقات ( 1 )

الترتيب بـ
الأحدث
الأقدم
الملائم
  • #1
    08-12-38 05:26 صباحًا علي حمد محمد خواجي :
    حمد بن محمد بن جبريل خواجي
    من مواليد صبيا
-->