تعليقنا على كلام اللغوي ومحقق التراث الدكتور عبدالرحمن العثيمين - رحمه الله - في أن الأنساب مختلف فيها منذ الجاهلية، وأنه لا يوجد على وجه الأرض من يعرف أصول القبائل:
أرسل بعض المحبين والمعظمين للدكتور اللغوي ومحقق التراث عبد الرحمن العثيمين - رحمه الله - بعدما نشرت هذا التعليق: بأن الدكتور أخطأ، وبأني قسوت عليه بعبارتين.
فقلت لهم: الله يعلم بأنني ما أردت الانتقاص منه، ولا التقليل من شأنه، وكيف لي أن أفعل ذلك وأنا من المعظمين له ولآثاره العلمية في التحقيق ودوره في حفظ التراث الإسلامي؟!
لذلك؛ فإني قد حذفت العبارتين، وزدت على المقالة بعض العبارات لمزيد من الإيضاح.
فأقول وبالله التوفيق: أخطأ الدكتور - رحمه الله – في قوله: (إن الأنساب مختلف فيها منذ الجاهلية، وأنه لا يوجد على وجه الأرض من يعرف أصول القبائل)، ودونك البيان:
أولاً: إن قوله: ( إن القبائل العربية منذ الجاهلية مختلف في أنسابها ) زلة منه - رحمه الله - وإطلاق غير صحيح؛ إذ إن من اختُلف في أصله الأعلى قلة قليلة، والدليل على ذلك أن قبيلة قريش والأنصار وهذيل وزهران وغامد وتميم وغيرها من قبائل العرب لم يُختلف في أنسابها أبدًا، وإنما اخُتلف في بعض أصول القبائل كاختلافهم في عدنانية قضاعة من قحطانيتها. وبرغم هذا؛ فإن هذا الاختلاف لا يعتبر قادحًا في أنساب هذه القبائل ولا مشككًا فيها.
ثانيًا: قال الدكتور عبدالرحمن العثيمين: إنه لا يوجد على وجه الأرض من يعرف أصول القبائل، ثم وجه سؤالًا لمقدم البرنامج القرشي: هل تستطيع أن تنسب نفسك من الآباء والأجداد إلى قريش؟
فقال له: لا.
فقال العثيمين -رحمه الله-: لاحظ فيه سقوط كبيرة جدًا ما تأتي باتصال سند إلى قريش القبيلة.
قلت: إن قصَد عدم معرفة الناس بأصول القبائل القديمة؛ فكلامه مردود؛ إذ هي محفوظة ومحررة ومصنّف فيها مئات المؤلفات.
وإن قصد: أنه لا يستطيع أحد ربط القبائل المعاصرة بأصولها القديمة - والظاهر أن هذا مراده بدليل سؤاله لمقدم البرنامج القرشي: (هل تعرف آباءك وأجدادك باتصال سند إلى قريش، فقال:لا.
فقال الدكتور العثيمين رحمه الله: لاحظ فيه سقوط كبيرة جدًا ما تأتي باتصال سند إلى قريش القبيلة) -.
فالجواب: لقد جانب الدكتور الصواب - مع جلالة قدره في اللغة والتحقيق - وخالف الإجماع، وهذا دليل على أن من دخل في غير فنه أتى بالعجائب.
لَيْسَ هَذَا عُشَّكِ يَا حَمَامَةُ فَادْرُجِي
وإليك البيان:
هناك قاعدة جليلة في ثبوت النسب ونفيه أجمع عليها علماء الإسلام قاطبة ومنهم الأئمة الأربعة، ألا وهي: الشهرة والاستفاضة، إذ بها تعرف الأنساب الصحيحة من الدخيلة - وقد ألفنا في ذلك رسالة مطبوعة باسم: (الإفاضة بأدلة ثبوت النسب ونفيه بالشهرة والاستفاضة)، وسقنا فيها عشرات الأدلة على ذلك-.
فلا يلزم -يادكتور- أن يكون هناك اتصال مسند إلى قريش وهذيل والأنصار وتميم وزهران؛ ليُحكم أنها من قريش أو تميم، بل تكفي في ذلك صحة نسب القبائل المعاصرة ورفعها لأصولها بلا إسناد متصل، فالشهرة والاستفاضة الصحيحة تشهد بأن هذه القبيلة من قريش أو تميم أو هذيل.
ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم زاره وفدٌ من العرب، وسألهم:
«مَنِ الْقَوْمُ»؟
قَالُوا: رَبِيعَةُ.
قَالَ: «مَرْحَبًا بِالْقَوْمِ». والحديث في صحيح البخاري.
فتأمل، رحب بهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأقرهم أنهم من ربيعة، ولم يطالبهم بذكر عمود نسبهم إلى ربيعة، وبين هذا الوفد وبين ربيعة خمسمئة سنة تقريبًا.
ولمّا أجمع علماء الإسلام على قاعدة ثبوت الأنساب قالوا: تثبت بالشهرة والاستفاضة، ولم يذكروا عمود النسب (أي الاتصال المسند بالآباء والأجداد إلى قريش أو تميم).
قال العلامة الماوردي (ت450هـ): (وأما النسب فيثبت بسماع الخبر الشائع الخارج إلى حد الاستفاضة في أوقات مختلفة وأحوال متباينة يُسمع الناس فيها على اختلافهم يقولون: هذا فلان ابن فلان، فيخصونه بالنسب إلى أب، أو يعمونه بنسب أعلى، فيقولون: هذا من بني هاشم أو من بني أمية، فيثبت نسبه في الخصوص، والعموم، بالخبر الشائع).
وقال الحافظ النووي الشافعي (ت676هـ): (إن استفاض في الناس أن فلانًا ابن فلان، أو أن فلانًا هاشمي أو أموي جاز أن يشهد به؛ لأن سبب النسب لا يدرك بالمشاهدة).
وخذ شاهدًا على فهم هذه القاعدة، والشواهد على ذلك كثيرة: قال الحافظ الذهبي (ت٧٤٨هـ): (أبو إسحاق السبيعي لم أظفر له بنسب متصل إلى السبيع، وهو من ذرية سبيع بن صعب).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبها:
إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
١٦ رجب ١٤٣٨هـ
رابط حديث الدكتور عبدالرحمن العثيمين عن الأنساب:
https://youtu.be/NwHygRpDKt8