المدينة:«البقيع» أكبر مقبرة في العالم تضم رفات 10 آلاف صحابي
السبت، ٣ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥
المدينة المنورة – مصلح مطر
لا غرابة في أن يكون سعر المتر الواحد بالقرب من «مقبرة البقيع» يصل إلى نحو نصف مليون ريال، وذلك لأهمية المكان الدينية والتاريخية، فأموات تلك المقبرة هم الجيل الأول من صدر الإسلام، صحابة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، فالقرب منها يعتبر أمنية للدفن فيها لكثير من المسلمين ومجاورة الصحابة، والخروج يوم البعث من القبور مع أكثر من عشرة آلاف صحابي إلى أرض المحشر.
«مقبرة البقيع» أو كما يطلق عليها البعض «جنة البقيع»، هي الأرض التي أمر الله رسوله محمداً عليه السلام أن يجعلها مقبرة للمسلمين في المدينة عند هجرته إليها، لتكون مطلباً ووصايا للأحياء عند موتهم، ومن أقرب الأماكن التاريخية إلى مبنى المسجد النبوي حالياً.
تقع المقبرة في مواجهة القسم الجنوبي الشرقي من سور المسجد النبوي، وقد ضمت إليها أراض مجاورة وبني حولها سور جديد مرتفع مكسو بالرخام، تبلغ مساحة المقبرة أكثر من 180 ألف متر مربع، وتحظى باهتمام بالغ وكبير من لدن الحكومة السعودية، وذلك لما لها من قيمة كبيرة لدى المسلمين، وتاريخ عريق مرتبط بالنبي الكريم.
يقول المؤرخ الدكتور تنيضب الفايدي إن أصل البقيع في اللغة هو كل مكان فيه (أُرُومُ الشجر) من ضروب شتى، وبه سمي بقيع الغرقد، والغرقد: كبار العوسج، مبيناً أن بقيع الغرقد من أهم المعالم المهمة والمأثورة منذ عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى الآن، إذ يحتضن الصحابة والتابعين، وأول من قبر هناك من المهاجرين عثمان بن مظعون رضي الله عنه.
ويوضح الفايدي لـ «الحياة» أن بقيع الغرقد لم تكن المقبرة الوحيدة في المدينة المنورة قبل الإسلام، بل كانت هناك عدة مقابر متفرقة في المدينة وما حولها، ولم يكن البقيع ذا شأن عن غيره، حتى اتخذه الرسول صلى الله عليه وسلم مقبرة للمسلمين، مفيداً بأن الأحاديث النبوية بينت أن اختيار موقعه جاء من عند الله لرسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
ويضيف: «اختيار موقع مقبرة البقيع كان من قبل الرسول صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث النبوي عن طريق أبي رافع رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرتاد لأصحابه مقبرة يدفنون فيها الأموات، وطلب نواحي المدينة وأطرافها، وقال: (أمرت بهذا الموضع) يعني البقيع، فكان أمر الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم باتخاذ البقيع مقبرة للمسلمين أكبر فضل له وقد تعهدها الرسول الكريم بالزيارة».
ويبين أن زيارة مقبرة البقيع يتعاهد عليها المسلمون في كل عام وموسم لزيارة المدينة المنورة، يأتون إليها ويدعون لأهلها، فمن الصحابة والصحابيات الذين عرف مواقع دفنهم فيها مثل: قبور بنات النبي صلى الله عليه وسلم، وأهل بيته، وزوجاته، وعماته رضي الله عنهن جميعاً، مضيفاً: «وردت أحاديث كثيرة صحيحة في فضل من دفن في بقيع الغرقد، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها) أي البقيع».
«أمانة المدينة» تشرف على توفير الخدمات في المقبرة
< تعمل أمانة المدينة المنورة بالإشراف على مقبرة البقيع، وتوفير كافة الخدمات لها، وذلك من خلال وجود أكبر مغسلة للأموات في العالم، وتضم المقبرة أكبر وشتى الجنسيات من دول العالم، واحتضنت الكثير من الشهداء والصحابة والعلماء المسلمين.
وأخيراً، أنشأت الأمانة موقعاً إلكترونياً خاصاً للاستعلام عن المتوفين في المدينة المنورة، وعلى مدار 24 ساعة، يتضمن اسم المتوفى والعمر والجنسية، ومكان دفنهم في مقابر المدينة، وطرحت عبر موقعها الإلكتروني الرسمي مناقصة من أجل تشغيل ونظافة مبنى إدارة «التجهيز» لمقبرة البقيع في المدينة المنورة وقراها، لنقل ودفن الموتى.
وفي تصريح سابق إلى «الحياة» أكد أمين منطقة المدينة المنورة خالد طاهر أن الأمانة تعمل على تنفيذ وإنشاء مظلات داخل مقبرة البقيع، وذلك لحماية مرتادي المقبرة من حرارة الشمس، إضافة إلى توفير الخدمات اللازمة كافة في المقبرة خلال العام الهجري الحالي.
«الأهالي» يطالبون «إمارة المدينة» بتكثيف اهتمامها بـ «البقيع»
< طالب عدد من أهالي المدينة المنورة بزيادة الاهتمام بمقبرة البقيع والمغسلة التابعة لها، يقول المواطن سالم سليم: «لا يمكن أن نغفل هذه القطعة التي تضم في ثراها أجساد زوجات وصحابة رسول الله، ونأمل في أن يكون لهذه المقبرة اهتمام من النواحي التنظيمية، تشمل إنارة كافية وتسهيلاً في عمليات الدفن، ونقل جثث المتوفين».
أما قاسم عبدالله يبين أن موقع المقبرة القريب من المسجد النبوي الشريف جعلها المقبرة الأولى في عدد مقابر الأموات، إضافة إلى ورود الأحاديث النبوية التي تؤكد فضل الدفن فيها، وبرغم الاهتمام بالمقبرة إلا أنه يظل هناك قصور في عدد من الخدمات.
وأشار إلى أن الخدمات التي تنقص المقبرة قلة الإنارة، وعدد الأبواب للمقبرة، والاهتمام بدورات المياه وصيانتها، وزيادة عددها، مطالباً بزيادة عدد مغسلي مغسلة الموتى، والإداريين التابعين لها.
ويضيف بدر المحمدي بعض المطالب: «تعتبر البقيع المقبرة الكبرى، والوحيدة والرئيسة لأهالي المدينة المنورة، وتستقبل أعداداً كبيرة من الأموات في كل فرض من فروض الصلوات، والكل يطمع ويتمنى أن يدفن بها ليس على مستوى أهالي المدينة بل على مستوى المسلمين في أنحاء العالم كافة، لذلك لا بد من تأهيلها وتنظيمها في شكل أكبر وأفضل، إذ تفتقد عدداً من الخدمات الأساسية كالإنارة، وسيارات النقل الصغيرة داخل المقبرة غير كافية، إضافة إلى قلة العمالة في المقبرة أثناء الدفن».
«الأمر بالمعروف» ترشد زائري المقبرة عبر «شاشات عرض»
< يقدم فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالمدينة المنورة جهوداً في الإشراف على مقبرة البقيع بالوجود المستمر من أعضائها داخل المقبرة، وتقديم الإرشادات والنصح للزائرين، إضافة إلى وضع العديد من اللوحات الإرشادية داخل المقبرة ومتابعة الجنائز.
وتعمل الهيئة على مدار الساعة ويشمل أعضاء ومترجمين يعملون بها من بعد صلاة الفجر مباشرة وحتى الليل، وذلك من أجل متابعة الجنائز وتوجيه الزوار إلى الزيارة الشرعية والنهي عن المخالفات الشرعية والعقدية، التي تقع من بعض الزوار والإجابة عن بعض الأسئلة والاستفسارات الموجهة من الزوار.
ولجأت هيئة الأمر بالمعرف والنهي عن المنكر إلى وضع عدد من المواد التوعوية بلغات عدة مرئية ومسموعة من خلال شاشتي عرض، توضح من خلالها الزيارة الشرعية وتنبه على المخالفات التي تقع في البقيع، إضافة إلى أن القسم التوعوي ينشر بعض النصائح عبر شاشة نقطية صامتة ولوحات إرشادية توضح شجرة نسب المصطفى صلى الله عليه وسلم، والزيارة الشرعية في اتباع الجنائز.
عقاري: متر الأرض القريبة من «البقيع» و«الحرم النبوي» الأغلى عالمياً
< اعتبر المثمن العقاري أحد أعضاء اللجان التثمينية بغرفة تجارة منطقة المدينة المنورة جمال فرغل أن ارتفاع أسعار العقار ومتر الأرض بالقرب من مقبرة البقيع أمر طبيعي، مبيناً أن أسعار المتر تتراوح ما بين 400 و500 ألف ريال، والتي تعد الأغلى في العالم.
وأوضح لـ «الحياة» أن ارتفاع أسعار العقار ومتر الأراضي لا غرابة فيه، وذلك بسبب الإرث التاريخي والديني للمسلمين في العالم، واحتواء المقبرة على قبور الصحابة والتابعين، إضافة إلى ورود الأحاديث النبوية التي تؤكد فضل الدفن في مقبرة البقيع، وهذا يدل على مكانة المقبرة واهتمام المسلمين بها.
المصدر: جريدة الحياة