خطبة بعنوان:
الملك المبجل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
الملك المبجل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي وسع كل شيءٍ رحمةً وعلماً، ورفع بعض خلقه على بعض، منةً منه وفضلاً، وإكراماً وإعزازاً، وله الحجة البالغة، والحِكَم الباهرة فيما اختار، ومن اصطفى، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
وأشهد أن لا إله إلا هو، الملك الكريم، الحكيم الخبير، السميع العليم، الرقيب الحفيظ.
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، الذي خُتمت به الأنبياء والمرسلون، وفَتح به ربه قلوباً غلفاً، وعيوناً عمياً، وآذاناً صماً، فصلى الله عليه وسلم وبارك، وعلى أزواجه وذريته وباقي آل بيته، وعلى أصحابه السادة الغُرر، الأئمة الكٌبَر، البررة الأنجاب، السابقين إلى تصديقه ونصرته، والناقلين لسننه وأحكامه، وأقواله وأفعاله وأحواله، والباذلين أنفسهم وأموالهم وأوقاتهم لنشر دينه، وهداية الناس إليه، حتى كان جميعه راجعاً إلى نقلهم وتعليمهم، ومتلقى من جهتهم، فلهم مثل أجور كل من اهتدى بشيء منه على مر الأزمان، واختلاف البلدان، وتنوع الأجناس، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.
أما بعد أيها الناس:
فإن من أعظم خصال التقوى، وأجل صفات أهل الإيمان، وأحسن خلال المسلم، ودلائل جميل الديانة، وشواهد صلاح الباطن، وعلامات وفور العقل وصحته، هو حب جميع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسلامة القلوب والألسن جهتهم، وذكرهم بين الناس بالجميل، وإعزازهم وإجلالهم وتوقيرهم.
وعلى هذه العقيدة الطيبة الزكية سار أهل السنة والحديث على مر الأزمان، وتباين الأقطار، واختلاف الأجناس والألوان واللغات، وسيستمرون عليها إلى قيام الساعة.
ومن قرأ القرآن المجيد فلن يجد إلا هذه العقيدة، ومن نظر أقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه زادته إيماناً وتمسكاً بهذه العقيدة، ومن وقف على أقوال أجلة أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة إليهم وجد أنهم لا يخرجون عن هذه العقيدة الطيبة المباركة، ومن قلب دواوين السنة المطولة والمختصرة زادته ثباتاً إلى ثبات.
أيها الناس:
قال الله جل وعلا في شأن الصحابة رضي الله عنهم:
{ والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم }.
وقد دلت هذه الآية الكريمة على جملة من الفوائد:
ومن هذه الفوائد:
ثناء الله تعالى على الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم الذين سبقونا إلى الإيمان والهجرة والجهاد وإقامة الدين.
ومن هذه الفوائد:
إخبار الله تعالى جميع خلقه بأنه قد رضي عن هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
ومن هذه الفوائد:
تبشير هؤلاء الصحابة الأجلاء رضي الله عنهم بأنهم من أهل الجنة الخالدين فيها أبداً.
ومن هذه الفوائد:
بيان الله لمن جاء بعد هؤلاء الصحابة رضي الله عنهم بأنه لن يرضى عنهم إلا إذا كانوا ممن اتبع هؤلاء الصحابة بإحسان.
ومن هذه الفوائد:
الحكم بصحة إيمان هؤلاء الصحابة الأخيار رضي الله عنهم، وسلامة ما كانوا عليه من القول والعمل.
حيث جمع الله تعالى لهم بين رضاه عنهم، ووعدهم بدخول الجنة، وشَرَطَ الرضا عن من بعدهم باتباعهم.
وقال الله عز وجل في شأن الصحابة رضي الله عنهم:
{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعاً سجداً يبتغون فضلاً من ربهم ورضواناً سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة وممثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرةً وأجراً عظيماً }.
وقد دلت هذه الآية الكريمة على جملة من الفوائد:
ومن هذه الفوائد:
ثناء الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وذكر شيء من صفاتهم الطيبة الجليلة.
ومن هذه الفوائد:
إخبار الله تعالى بأن هذا الثناء على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهذه الصفات التي وصفهم بها في القرآن، مذكورة فيما أنزل على موسى عليه السلام في التوراة.
ومن هذه الفوائد:
إخبار الله تعالى بأنه قد أثنى على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وذكر شيئاً من صفاتهم فيما أنزل على عيسى عليه السلام في الإنجيل.
ومن هذه الفوائد:
شهادة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بأنهم لا يريدون بعبادته إلا وجه، حيث قال سبحانه: { يبتغون فضلاً من ربهم ورضوناً } وهذه تزكية منه تعالى لبواطنهم.
ومن هذه الفوائد:
شهادة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بحسن صلاتهم وكثرتها، حيث قال سبحانه: { سيماهم في وجوههم من أثر السجود } وهذه تزكية منه تعالى لظواهرهم.
ومن هذه الفوائد:
شهادة الله تعالى للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بالشجاعة والبسالة مع أعدائه الكفار.
ومن هذه الفوائد:
بيان أن الله تعالى قد جعل نبيه صلى الله عليه وسلم وأصحابه محل غيظ لأعدائه الكفار.
ومن هذه الفوائد:
الإشارة إلى ذم الروافض والخوارج لأنهم قد شابهوا الكفار في غيظهم وغضبهم من الصحابة رضي الله عنهم.
وقال الله تعالى بعد أن مدح الصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم في سورة الحشر:
{ والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم }.
وقد دلت هذه الآية العظيمة على جملة من الفوائد:
ومن هذه الفوائد:
شهادة الله تعالى للصحابة من المهاجرين والأنصار رضي الله عنهم بالإيمان والسابقة إليه.
ومن هذه الفوائد:
بيان عقيدة أهل الإيمان الحق في الصحابة رضي الله عنهم، وأنها: سلامة القلوب والألسن جهتهم.
حيث أخبر سبحانه أن من جاء بعد هؤلاء الصحابة من المؤمنين: يدعون للصحابة بالمغفرة، ويشهدون لهم بالإيمان، وبسابقتهم إليه، وأنهم إخوان لهم فيه، ويسألونه أن يسلم قلوبهم من الغل عليهم أو أحد منهم.
ومن هذه الفوائد:
بيان قبح ما عليه الروافض والخوارج جهة الصحابة رضي الله عنهم، حيث دُعوا إلى سلامة الألسن مع الصحابة بالدعاء والاستغفار لهم، وإلى سلامة القلوب بعدم الغل والبغض والحقد عليهم، فأبغضوهم وسبوهم وشوهوا صورهم وتأريخهم بين الناس.
أيها الناس:
قال رسول صلى الله عليه وسلم في حق جميع أصحابه رضي الله عنهم:
(( خير أمتي القرن الذي بعثت فيهم )) رواه مسلم.
وفي هذا الحديث الشريف:
دلالة ظاهرة جلية على أن الصحابة رضي الله عنهم أفضل هذه الأمة بلا منازع.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً في حق أصحابه من الأنصار رضي الله عنهم:
(( لا يحبهم إلا مؤمن، ولا يبغضهم إلا منافق )) رواه البخاري ومسلم.
وفي هذا الحديث الشريف:
دلالة واضحة على ذم كل من لا يحب الأنصار، وأن مبغضهم من المنافقين.
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(( لا تزالون بخير ما دام فيكم من رآني وصاحبني، والله لا تزالون بخير ما دام فيكم من رأى من رآني وصاحب من صاحبني )) رواه ابن أبي شيبة.
وهذه شهادة بأن أمته لا تزال بخير ما دام الصحابة أو من رآهم وصاحبهم فيهم وبينهم.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضاً لأمته جميعاً:
(( لا تسبوا أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه )) رواه البخاري ومسلم.
وقد دل هذا الحديث الشريف على جملة من الفوائد:
ومن هذه الفوائد:
حرمة سب أو عيب أو ذم الصحابة أو أحد منهم.
ومن هذه الفوائد:
بيان قبح ما عليه الروافض والخوارج حيث يسبون ويذمون من نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التعرض لجانبهم أو أحدهم.
ومن هذه الفوائد:
أن العمل الكثير من غير الصحابة لا يساوي العمل القليل من الصحابة رضي الله عنهم.
حيث دل الحديث على أن الصحابي رضي الله عنه لو تصدق في سبيل الله بملء كفيه، وتصدق غير الصحابي بمثل جبل أحد ذهباً فصدقة الصحابي رضي الله عنه أعظم وأفضل عند الله تعالى.
وقد ثبت عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنه قال:
(( لا تسبوا أصحاب محمد فلمقام أحدهم ساعة خير من عبادتكم أربعين سنة )) رواه الإمام أحمد في فضائل الصحابة.
ومن هذه الفوائد:
بيان عظم منزلة الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكبير شرفها، وسعادة من نالها.
أيها الناس:
إن من المسائل التي ذكرها أئمة أهل السنة والحديث في كتب الاعتقاد على اختلاف عصورهم وبلدانهم ولغاتهم ثلاث مسائل:
المسألة الأولى:
الذم والقدح والتحذير والبغض والكراهية لكل من يذكر الصحابة أو يذكر أحداً منهم بسوء، وأنه مبتدع.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:
من انتقص واحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أبغضه لحدث كان منه، أو ذكر مساويه كان مبتدعاً، حتى يترحم عليهم جميعاً، ويكون قلبه لهم سليماً.اهـ
وقال رحمه الله أيضاً:
إذا رأيت رجلاً يذكر أحداً من الصحابة بسوء فاتهمه على الإسلام.اهـ
وقال رحمه الله أيضاً:
من تنقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا ينطوي إلا على بلية، وله خبيئة سوء، إذ قصد إلى خير الناس وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.اهـ
وقال الإمام أبو زرعة الرازي رحمه الله:
إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم عندنا حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما يريدون أن يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة والجرح بهم أولى وهم زنادقة.اهـ
المسألة الثانية:
السكوت عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم من الخلاف بعد مقتل عثمان رضي الله عنه، حتى لا تنجر الألسن أو القلوب إلى ذم أو بغض أحد منهم فتهلك.
ولأن أكثر ما يروى من الأقاويل والقصص في ذلك أكثره كذب، ومنه ما زيد فيه أو نُقص حتى تغير عن معناه الصحيح، والصحيح منه قليل، وهم فيه إما مجتهدون مصيبون أو مجتهدون مخطئون، ولهم من السوابق والفضائل ما يوجب مغفرة ما يصدر منهم إن صدر، حتى إنه يغفر لهم من السيئات ما لا يغفر لمن بعدهم، لأن لهم من الحسنات التي تمحو السيئات ما ليس لمن بعدهم.
المسألة الثالثة:
وجوب لزوم ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم في سائر أبواب الدين في باب العقيدة، وفي باب العبادات، وفي باب المعاملات، وفي الفعل والترك، وفي العمل بالسنن واجتناب البدع، وفي فهم نصوص القرآن والسنة.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله:
أصول السنة عندنا ـ يعني عند أهل السنة والحديث ـ التمسك بما كان عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بهم، وترك البدع، وكل بدع فهي ضلالة.اهـ
بارك الله لي ولكم فيما سمعتم، وجعلني وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأحسنه الموافق للقرآن والسنة وما كان عليه السلف الصالح، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله معز أوليائه، ومحب أهل طاعته، ومخزي شانئيهم ومن قلاهم، والصلاة والسلام على نبيه المؤيد بالبراهين والمعجزات، وعلى آل بيته، وعلى الصحابة الكرام المكرمين المرضيين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الجزاء والمصير.
أما بعد أيها الناس:
إن جرأة الرافضة والخوارج على الصحابة بالقدح والطعن والتشويه ليست بغريبة منهم، ولا جديدة علينا، وكتب أهل السنة والحديث من مختلف الأقطار ومع تعاقب الأزمان في الرد عليهم متكاثرة، ولا تزال في ازدياد، ومشهورة متداولة قريبة المنال، وذلك نصرة لله ولدينه ولرسوله وللمؤمنين.
وكذلك كراهية أهل السنة لهم، بسب ما هم عليه من الباطل في جانب الصحابة وغيره، معروفة مستقرة، ولا تزال الأجيال تتوارثها، وتتقرب إلا الله بها، إلا من جهل عقيدتهم، أو لبس عليه دعاة البدع دينه، أو كان في قلبه شيء من دغش وهوى لا ترويه نصوص الوحي المنزل.
وإنما العجب والغريب أمران:
أولهما: أن يتجرأ بعض الكتاب والمؤلفين ممن يعدون أنفسهم دعاة وموجهين للأمة إلى الطعن والقدح في بعض الصحابة الأخيار، لا سيما أمير المؤمنين المبجل الموقر معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، وعن أبيه.
ثانيهما: أن يخرج أقوام فيبجلون هذا الطاعن ويلقبونه بألقاب شريفةٍ أو يلتمسون له المعاذير، ويزداد عندهم توقيراً وإجلالاً ومكانةً.
أيها الناس:
إن القدح والعيب في الصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه جريمة منكرة، وسيئة شنيعة، وقبيحة شديدة.
ومن قدح فيه أو عابه أو أطلق قلمه أو لسانه بذلك فقد خالف القرآن العظيم، وعارض السنة النبوية، واهتدى بغير هداهما، وكان منحرفاً إلى هواه.
وذلك لأن كل نص فيهما قد جاء فيه فضل الصحابة رضي الله عنهم، ووجوب محبتهم وتوقيرهم واحترامهم وتبجيلهم، وحرمة سبهم وعيبهم، فمعاوية رضي الله عنه داخل فيه، وهو من أهله، لأنه من الصحابة، بل هو صحابي ابن صحابي.
وقد قيل للإمام عبد الله بن المبارك رحمه الله:
أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: لتراب في منخري معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز.اهـ
وقيل للإمام أحمد رحمه الله:
أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز؟ فقال: معاوية أفضل، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس القرن الذي بعثت فيهم )).اهـ
وقيل للمعافى بن عمران رحمه الله:
أيهما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز فغضب على السائل وقال له: أتجعل رجلاً من الصحابة مثل رجل من التابعين، معاوية صاحبه ـ يعني: صاحب النبي صلى الله عليه وسلم ـ وصهره كاتبه وأمينه على وحي الله.اهـ
أيها الناس:
إن مناقب هذا الأمير المبجل، والصحابي الموقر، ملك أهل الإسلام، كثيرة مشهور، ظاهرة غير خفية، وحسنٌ إمتاع القلوب، وتشنيف الأسماع، وتنوير العقول بشيء منها.
فمن هذه المناقب:
أنه كان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به وصدقوه ونصروه وجاهدوا بين يديه وتلقوا العلم عنه.
ومن هذه المناقب:
أنه كان كاتباً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يكتب عنه الوحي الذي أنزل عليه هداية للخلق أجمعين.
ومن المؤكدة عند جميعنا أن النبي صلى الله عليه وسلم لن يختار لكتابة الوحي ولا غيره عنه إلا من كان عنده أميناً مرضياً.
ومن هذه المناقب:
أنه ممن أعز الله تعالى بهم الإسلام وأهله.
حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفةً كلهم من قريش )) رواه البخاري.
وقال العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله:
وأول ملوك الإسلام معاوية، وهو خير ملوك المسلمين.اهـ
ومن هذه المناقب:
دخوله في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
(( أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا )) رواه البخاري
وقد كان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه أول من ركب البحر من الغزاة في سبيل الله تعالى، بل وكان أمير هذا الجيش، وذلك في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فهنيئاً له هذا الموعود من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه البشارة العظيمة الجليلة.
ومن هذه المناقب:
تولية ثلاثة من الخلفاء الراشدين المهديين له، وهم أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم.
حيث ولاه أبو بكر على بعض المدد الذي أرسله إلى بلاد الشام مجاهداً في سبيل الله تعالى، ثم ولا عمر على بعض أقاليم الشام بعد وفاة أخيه يزيد بن أبي سفيان، ثم ولاه عثمان أميراً على بلاد الشام كلها.
ومن هذه المناقب:
اتساع رقعة الإسلام في عهده حتى وصلت إلى حدود القسطنطينية، وإلى شمال أفريقية، وإلى حدود روسياً.
ويا لله كم ترتب على كثرة الفتوح لأمصار الناس في عهده من إسلام الألوف، ومئات الألوف، بل والملايين.
فهنيئاً له ما سيناله من الأجور بسب إسلام هؤلاء.
أيها المسلمون:
إن سبب الكلام عن هذا الصحابي الجليل، والمجاهد النبيل، والأمير الكبير، أمران:
أولهما: أنا على مقربة من يوم عاشوراء، وهو يوم جليل، يوم نجا الله فيه موسى عليه السلام ومن معه، يوم سن النبي صلى الله عليه وسلم صيامه لأمته، يوم صيامه يكفر ذنوب السنة التي قبله، وقد استبدل الرافضة ـ ردهم الله إلى الهدى ـ هذا الصيام بالإكثار من لعن وسب هذا الصحابي، وتشويه صورته وتأريخه عبر وسائل إعلامهم المقروءة والمسموعة والمرئية، فمناسب أن يدافع عنه، وتُحيى فضائله ومناقبه.
وثانيهما: أن هذا الصحابي رضي الله عنه بوابة الصحابة الباقين، فمن تجرأ عليه بعيب أو قدح تجرأ على غيره، وإن سُكتَ عنه سُكت على من تجرأ على غيره.
وقد قال أبو توبة الربيع بن نافع الحلبي رحمه الله:
معاوية سترٌ لأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم فإذا كشف الرجل الستر اجترأ على ما وراءه.اهـ
وقال الفضل بن زياد: سمعت أبا عبد الله ـ يعني الإمام أحمد رحمه الله ـ وقد سئل عن رجل تنقص معاوية وعمرو بن العاص أيقال له: رافضي؟ فقال: إنه لم يجترئ عليهما إلا وله خبيئة سوء، ما انتقص أحد أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وله داخلة سوء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( خير الناس قرني )).اهـ
أيها الناس:
إنه والله يزعجنا ويؤذينا ويحزن قلوبنا أن تبيع بعض المكتبات ودور النشر في أنحاء شتى من بلادنا الإسلامية بعض الكتب التي فيها الطعن في هذا الصحابي الجليل، ومن أخصها كتب سيد قطب، حيث قال في كتاب له بعنوان: \" كتب وشخصيات\" كما في الصفحة الثانية والأربعين بعد المائة الثانية:
وحين يركن معاوية وزميله ـ يعني به: عمرو بن العاص ـ إلى الكذب والغش والخديعة والنفاق والرشوة وشراء الذمم لا يملك علي أن يتدلى إلى هذا الدرك الأسفل.اهـ
أيها الناس:
إن هذا الرمي من سيد قطب لهذين الصحابيين الجليلين:
بالكذب والغش والخداع والنفاق والرشوة وشراء الذمم، لمن أقبح وأشنع وأغلظ السب والطعن والقدح والعيب، ولو قيلت هذه الكبائر أو بعضها في أحدنا أو في أبويه أو في أولاده أو في قبيلته أو في أهل بلده لغضب شديداً، ولما أطاقته نفسه، ولتوخم قلبه، ولقاطع قائلها وذمه وحذر منه، ونفر عنه، ونفر الناس منه، بل قد يقاضيه في المحاكم، ويطالب بعقوبته، وسحب هذه الكتب، وتغريم مؤلفها وناشرها ومن يبيعها.
بل إن سيد قطب لم يتوقف عند هذا بل جاوز إلى الطعن في أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الثالث عثمان بن عفان رضي الله عنه، صهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمبشر بالجنة، والمشهود له بالموت شهيداً، الذي جهز جيش العسرة، والذي يستحي منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وملائكة الرحمن، الأواه المنيب، الخاشع العابد، العادل الحليم، الراكع الساجد الصائم.
حيث زعم في كتابه \" العدالة الاجتماعية \":
إن أسس الدين قد تحطمت في عهده، وأنه انحرف عن روح الإسلام، وأن خلافته كانت فجوة بين خلافة الشيخين وعلي، وأن الفئة الضالة المنحرفة التي خرجت عليه وأراقت دمه الزكي كانت أقرب إلى روح الإسلام منه.
أيها الناس:
إن مما يزعجنا ويؤذينا ويحزن قلوبنا أيضاً ما تفوه به طارق السويدان في إحدى الحسينيات، وانتشر بين الناس في شريط، حيث قال ـ أصلحه الله ـ لم يستمع إليه من أهلها:
أنا أتشبث بكل حريتك، بس لا تسب أبو هريرة عندي، سبه في بيتك كيفك لا تسبه عندي.اهـ
فعجباً لهذا الرجل.
رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأمته جميعاً ناهياً ومحذراً:
(( لا تسبوا أصحابي )).
وهو يقول: سبه في بيتك كيفك.
وكذلك يؤذينا ويخالف عقيدتنا أيضاً تكلم طارق السويدان في بعض أشرطته عما وقع بين الصحابة من خلاف، وإيراده فيها قصصاً ضعيفةً، وأقاويل مكذوبة عليهم.
حتى أفتى جمع من أهل العلم بحرمة بيع هذه الأشرطة، والاستماع إليها، ومنهم العلامة العثيمين رحمه الله، والعلامة صالح الفوزان.
وتصدى غير واحد من المختصين لنقضها، والرد عليها، وبيان ما فيها من ضلال وانحراف.
أيها الناس:
قال أنس بن مالك رضي الله عنه:
(( بينما أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجين من المسجد، فلقينا رجلاً عند سُدة المسجد فقال: يا رسول الله متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أعدت لها؟ قال: فكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كثير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله، قال: \" فأنت مع من أحببت \"
قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: \" فإنك مع من أحببت\" ثم قال: فأنا أحب الله ورسوله، وأبا بكر وعمر، فأرجوا أن أكون معهم، وإن لم أعمل بأعمالهم )) رواه البخاري ومسلم واللفظ له.
فاللهم اجعلنا ممن يحب صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم حباً كثيراً، وممن يتولاهم، ويجلهم ويوقرهم، ويترضى عنهم، ويعرف لهم سابقتهم وفضلهم، ويستغفر لهم، ويسير على طريقهم، ويقتدي بهم، إنك سميع الدعاء.
{ ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربنا إنك رءوف رحيم }.
{ رنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب }.
اللهم صل على عبدك ورسولك الكريم الموقر المبجل محمد بن عبد الله الهاشمي القرشي العدناني، وعلى أزواجه وذريته، وجميع قرابته، ذكوراً وإناثاً، صغاراً وكباراً، وسلم تسليماً كثيراً.
وكتبها:
الشريف عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد
البريد الالكتروني: walaljabri@hotmail.com
الشريف عبد القادر بن محمد بن عبد الرحمن الجنيد
البريد الالكتروني: walaljabri@hotmail.com