في محاضرة عن«تزوير الوثائق والمخطوطات» بمكتبة الملك فهد الوطنية:
السامرائي: هناك وثيقة مزوّرة بيعت بـ30 مليون دولار
اهتديت إلى أن الرسالة النبوية للمنذر بن ساوا هي وثيقة أصيلة
السامرائي: هناك وثيقة مزوّرة بيعت بـ30 مليون دولار
اهتديت إلى أن الرسالة النبوية للمنذر بن ساوا هي وثيقة أصيلة
* الثقافية - علي سعد القحطاني:
ضمن اللقاءات العلمية التي تقيمها جمعية المكتبات العربية السعودية، أقيمت مساء يوم الثلاثاء 25-1-1425هـ الموافق 16-3-2004م في مكتبة الملك فهد الوطنية، محاضرة بعنوانالتوثيق والتزوير في المخطوطات والوثائق) للدكتور قاسم السامرائي.
وكان قد أدار المحاضرة الدكتور عبدالوهاب الباتلي، الذي أوضح في البدء أن أهمية المحاضرة تأتي من رجل أفنى عمره في خدمة التراث، وتمييز صحيح المخطوطات من زيفها، خصوصاً وأن تلك الوثائق والمخطوطات تحمل تراث الأمة وأثرها، فكان لزاماً على هذه الأمة أن يقيض لها رجال يخدمون ذلك التراث من دنس العابثين والمزورين.. وضرب الدكتور الباتلي مثلاً كقصة اليهودي الذي أتى بمخطوطة إلى أحد خلفاء المسلمين مدّعيّاً أنها وثيقة كتبت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك لإسقاط أمر كان قد نهاهم عنه الرسول من التمتع به.. فدفعها الخليفة إلى جمهرة من أهل العلم فاكتشف أحدهم وهو الخطيب البغدادي عن أن تلك الوثيقة مزوّرة بناء على أدلة واستقراء من التاريخ.
وسلّط الباتلي الضوء على سيرة المحاضر، وقال إن الدكتور قاسم السامرائي يعد من العلماء الذين يتمتعون بصفات جمّة، وله مؤلفان وتحقيقات في كثير من أمهات الكتب، كما دعي للمشاركة في فهرسة المخطوطات لمركز الملك فيصل للأبحاث والدراسات الإسلامية ومكتبة الملك فهد الوطنية وغيرها من مثيلاتها من المراكز في الوطن العربي.
علم الاكتناه
استهل الدكتور قاسم السامرائي محاضرته بقوله: إن هذه فرصة بالنسبة لي رائعة، حيث أعود مرة أخرى إلى مكتبة الملك فهد الوطنية التي سبق أن حضرت ودربت فيها طلبة أعدهم إخوة لي، وهذا بالضبط ما ذكرته في مقدمة كتابي عن(علم الاكتناه).
التزوير
وأرجع الدكتور السامرائي دلالة التزوير إلى معناها اللغوي التي تعني التزويق، ويقال زوّق الكلام أي نمقه وحسنه، وانتحل الكلام حاول أن ينظمه.. والتزوير يأتي بمعنى إبطال حق وإحقاق باطل، ولم يقتصر التزوير على مادة أو على عملة معينة، أو على مخطوطة معينة، وإنما شمل أيضا كل مناحي الحياة، حتى طال التزوير جوازات السفر وبطاقات الائتمان.. والتزوير عهد منذ الأزل، فالتاريخ يرصد بأن أول تزوير حصل في الخليقة كان عندما قتل قابيل أخاه هابيل.. وزوّر الحقيقة فأنكر جرمه ولم يعلم كيف يدفن أخاه، فبعث الله إليه غراباً ليواري سوءة أخيه.
والتزوير عرفته جميع الأمم من الساسانية والبيزنطية والرومانية والكلدانية والآشورية والعباسية وغيرها من الحضارات، واقتصر الدكتور قاسم السامرائي في محاضراته على تبين تزوير الوثائق والمخطوطات في الحضارة العربية الإسلامية، خصوصاً في هذا العصر الذي كثرت فيها التزويرات، والسبب يرجع إلى كثرة الطلب على المخطوطات القديمة والمسكوكات، والخبير هو الوحيد الذي يبين النقود الزيوف من النقود الأصيلة، وكثير من المؤسسات وقعت في هذا الخطأ فاشترت وثائق ومخطوطات مزوّرة.
كيف يتم التزوير؟
وأكد المحاضر أن تزوير المخطوطات يتم من فنانين بارعين بيد أنه من يقف أمام هذا(البارع المزور) بارع آخر، وهو خبير التراث والمخطوطات ولقد سمّاه من قبل(العامل) في كتابه عن(علم الاكتناه)، ولم يعن به المختص فقط بدراسات المخطوطات وإنما أراد أن يكون ملماً بجميع المادة التي تحمل صفات التزوير.
فإن المهتم باكتشاف المخطوطات المزورة يجب أن يكون ملماً كذلك باكتشاف النقود المزوّرة والوثائق المزورة الأخرى مثل جوازات السفر وبطاقات التأمين وبطاثات الإقامة وشهادات المدارس والجامعات.. ولقد مرّ على المحاضر كثير من تلك الوثائق الملفقة.
المكائد:
وبيّن الدكتور السامرائي أنه يجب على العامل في علم الاكتناه والمختص بالمخطوطات أن يكون خبيراً ملماً بصناعة الورق والرق، وأن يكون له دراية في معرفة ألوان الأحبار حتى يكون باستطاعته أن يضع يده على الورقة المزورة، فإن للمزورين مكائد في تزوير المخطوطات.. ولقد وقف المحاضر على تلك المخطوطة المزورة التي بيعت بـ30 مليون دولار، كما يجب على المختص أن تكون له الأدوات الكاملة لممارسة هذا الفن وأن يقف على جميع الرقوق التي تصنع من جلود الغزال والمعز والخروف والبقر والجاموس، وهذا الأخير لا يستعمل إلا في التجليد لأنه جلد غليظ.
كيف يصنع الرق؟
وتساءل المحاضر في عجب أن كيف يصنع الرق إذا لم يكن للخبير دراية في هذا الجانب وحتى لا يقع في المزالق؟.. وبالتالي فإنه على ضوء عمله يستطيع أن يحدد عمر هذا الرق، وبفضل ما وفرته التقنية الحديثة من مجاهر بصرية.
تجربته في اكتشاف الرسالة النبوية
وتحدث الدكتور قاسم السامرائي عن تلك الرسالة النبوية لهرقل حيث تُبين أنها مزورة فيما بعد لوجود التاريخ فيها.. ومن المعلوم أن التأريخ لم يكن قد بدأ بالفعل إلا في عهد عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- عندما قام بوضع التقويم الهجري.. كما تحدث المحاضر عن تجربته مع الرسالة النبوية التي بعثها النبي إلى المنذر بن ساوا، واكتشف بعد دراسات وأبحاث أنها وثيقة أصلية ولم يكتفِ بقوله وإنما جرى إخضاع تلك الوثيقة في معامل ومختبرات بإيطاليا وهولندا والسويد.
المصدر: صحيفة الجزيرة الالكترونية