لتعلم فساد هذه الدعوى: تأمل لماذا تركت الناس أنسابها الحقيقية من أجل التلقب بالسيد الشريف من طريق الأم؟
هذه ظاهرة أخرى من ظواهر التنصل من نسب الأب والقبيلة، لتحقيق مصالح دنيوية والعلو في النسب، أو لدفع منقصة فيه، وقد أشار العلامة خير الدين أحمد الرملي الفلسطيني الحنفي (ت١٠٨١هـ) إلى هذه الظاهرة الفاحشة في زمانه، فقال: (وقد كثر في زماننا و فحش في كل البلاد ولزم اختلاط الأطراف بالأشراف ، حتى رأينا في بلدتنا كثير ، فمن يضع العلامة بسبب تزوج أبيه قرشية لكثرة ماله أو جاهه عند الحكام ، فلا يفرق بينه و بين من كان متأصلاً عريقاً في النسب ، فترفع عنه بسبب ذلك التكاليف العرفية والغرامات السلطانية و تطرح على غيره زيادة على ما عليه، لئلا تنقص عما هو المطلوب ، فاشتد اجتهاد الناس في تحصيل ذلك بصرف الأموال فيه والاجتهاد في تحصيله من كل أحد لما ينتج من المعافات والراحات ، و طرح غراماته على أهل بلده و جيرانه و مساويه من إخوانه، فغرم ضعف الغارمين وسلامته من كان في جملة المكلفين ، و وقع الضرر والضرار ، و تأذى بذلك الأخ المسلم والغريب والجار) . (غاية المهتم في مسألة الشرف من الأم) (ص ٢٣٦).
وتنبه لهذه الظاهرة وفسادها العلامة محمد بن حميد الحنبلي المكي (ت١٢٩٥هـ)، فقال لأعيان من الجعافرة النابلسيين: (ما كان ينبغي لكم أن تهجروا هذا النسب الطاهر الجعفري المتحقق بالإجماع، وتتمسكوا بما فيه خلاف، والحال أن نسبكم فائق في الشرف). (السحب الوابلة) (٣: ٩٤٩).
قلت: وقد حمى الله أشراف الحجاز من هذه الظاهرة السيئة إذ ليس في تاريخه ولا محاكمه الشرعية على مر العصور حادثة شرف من طريق الأم، فالكل في الحجاز شرفه من طريق الأب، والحمدلله.
كتبها:
إبراهيم بن منصور الهاشمي الأمير
١٠ جمادى الأولى ١٤٣٧هـ