مسجد عبد الله بن العباس (2-4)
2016/02/05
بقلم | ضياء محمد عطار
ذهب بعضهم إلى أن مسجد عبد الله بن العباس -رضى الله عنهما- كان مبدؤه من بناء أمير المؤمنين الناصر لدين الله العباسى -رحمه الله- فى القرن السادس الهجرى. وعلق بعضهم شهرة هذا المسجد ومكانته، لانتسابه إلى ابن عباس رضى الله عنه، وإلى وجود قبره الى جواره، وغير ذلك من الأقوال التى لا تمت إلى حقيقة هذا المسجد المبارك ولا إلى تاريخه بصلة، ولا تنم عن حقيقة واقعه. ويظهر لى من خلال هذه الأقوال: إن أصحابها لم يبحثوا فى الواقع عن تاريخ هذا المسجد، فخفى عليهم شرفه وفضله وتاريخه. ولذلك قمت بالبحث عن تاريخه ضمن كتابى مساجد صلى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وأرى أنه أول بحث فى تاريخ هذا المسجد وفضله والتعريف به فيما أعلم. ولذلك أقول: إن مسجد الطائف الذى اشتهر منسوبًا إلى الإمام عبد الله بن عباس -رضى الله عنهما- بالطائف، ليس هو من بنى هذا المسجد. بل هو مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذى صلى فيه لمدة عشرين يومًا أثناء حصاره للطائف. فكان يصلى بين خيمتين أو قبتين كانتا قد نصبتا لزوجتيه أمهات المؤمنين: السيدة أم سلمة -رضى الله عنها- وأخرى كانت معها. فقيل هى السيدة عائشة -رضى الله عنها-، وقيل هى: أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش -رضى الله عنها-. وورد أيضًا أن أم المؤمنين السيدة ميمونة بنت الحارث الهلالية -رضى الله عنها- كانت مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فى غزوة الطائف كما سيأتى. فقام ببناء هذا المسجد على مصلى رسول الله : عمرو بن أمية الثقفى -رضى الله عنه- كما سيأتى توضيحه . وذلك أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قد حاصر الطائف سنة ثمان من الهجرة الشريفة، فى شهر شوال، عقيب غزوة حنين وفتح مكة شرفها الله. فصعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الطائف عن طريق النخلة اليمانية، والسيل، فبحر الرغا، فوادى لية، وفى وادى لية بنى رسول الله -صلى الله وسلم- مسجدًا، وحمل أحجاره إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أصحابه رضى الله عنهم، فصلى فيه صلاة الظهر، ثم نفذ بوادى لية حد القصاص، فى رجل قتل رجلا من هذيل. ثم تقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نحو الطائف، وتقدم جيش الصحابة -رضى الله عنهم- إلى سورها، ولكنهم عجزوا عن اقتحامها أو الدخول إليها لشدة المقاومة التى أبدتها ثقيف ضدهم، فكانت ثقيف ترميهم بالنبال، فكانت تصيب المسلمين إصابة مباشرة، وكأنهم كانوا قومًا يتقنون الرمى والإصابة. فلما قتل عدد من أصحاب النبى -صلى الله عليه وسلم-، تأخر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى موضع هذا المسجد، أي مسجد ابن عباس رضى الله عنه. فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلى صلواته الخمس ركعيتن قصرًا فى موضع هذا المسجد، وذلك طيلة حصار الطائف. فكان محاصرته لها: بضعة عشر يومًا، وقيل بضعة وعشرين يومًا، وقيل شهرًا كاملًا، وقيل أربعون يوًما. فلما عصت ثقيف أن تستسلم لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وقتلت من قتلت من أصحاب النبى -صلى الله عليه وسلم- بالنبال، علم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه لم يؤذن له فى الاستمرار على الحصار. فقرر فك الحصار عنها والانصراف إلى المدينة المنورة. فأمر عمر بن الخطاب -رضى الله عنه- أن ينادى فى الناس بالرحيل. ثم غادر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الطائف، فعاد إلى الجعرانة واعتمر منها، ثم قسم بها غنائم حنين. ثم عاد إلى المدينة المنورة. وقبل خروجه من الطائف، قيل للنبى -صلى الله عليه وسلم-، يا رسول الله: أدع على ثقيف، فإنهم عصوا وقتلوا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهم اهد ثقيفًا وأت بهم مسلمين)؛ فلم يمضِ على ذلك إلا عشرة أشهر إلا أتت ثقيف وهى مسلمة. فوفدت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة المنورة الشريفة فى شهر رمضان من العام القادم، وهى سنة تسع من الهجرة النبوية الشريفة، وأعلنت إسلامها، وصامت بقية شهر رمضان المبارك بعد إسلامها بالمدينة المنورة.
المصدر: صحيفة مكة