مسجد عتبان بن مالك الأنصاري
ضياء محمد عطار
مسجد عتبان بن مالك الأنصارى -رضي الله عنه- بوادى رانوناء. وكان منزلًا عامرًا لسيدنا عتبان بن مالك -رضي الله عنه-؛ فصلى بداخله رسول الله بطلب من صاحب الدار، وهو الصحابى الجليل سيدنا عتبان -رضى الله عنه-، فأصبح مسجدًا ثابتًا شرعًا بتأسيس رسول الله – صلى الله عليه وسلم- له وبصلاته فيه. والدليل على ذلك ما رواه الإمام مالك فى الموطأ : أن عتبان بن مالك كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله : إنها تكون الظلمة والمطر والسيل، وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكانا أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله فقال : أين تحب أن أصلي ؟ فأشار له إلى مكان من البيت، فصلى فيه رسول الله . وكذلك مارواه الإمام البخاري فى صحيحه : أن عتبان بن مالك -رضى الله عنه-، وكان من أصحاب النبي ممن شهد بدرًا من الأنصار: أتى رسول الله فقال يا رسول الله : إني أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي، فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي لهم، فوددت يا رسول الله أنك تأتي فتصلي في بيتي فأتخذه مصلى، فقال : سأفعل إن شاء الله . قال عتبان : فغدا رسول الله وأبو بكر حين ارتفع النهار فاستأذن النبي فأذنت له فلم يجلس حتى دخل البيت ثم قال لي : أين تحب أن أصلي من بيتك ؟ فأشرت إلى ناحية من البيت، فقام النبي فكبر فصففنا، فصلى ركعتين ثم سلم. وحبسناه على خزير صنعناه؛ فثاب في البيت رجال من أهل الدار ذوو عدد، فاجتمعوا فقال قائل منهم : أين مالك بن الدخشن فقال بعضهم : ذلك منافق لا يحب الله ورسوله، قال النبي : لا تقل ألا تراه قال : لا إله إلا الله يريد بذلك وجه الله، قال الله ورسوله أعلم قال : قلنا فإنا نرى وجهه ونصيحته إلى المنافقين، فقال : فإن الله حرم على النار من قال : لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله . وروى الإمام مسلم فى صحيحه : عن محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك -رضى الله عنه- قال : قدمت المدينة فلقيت عتبان، فقلت: حديث بلغنى عنك قال : أصابني فى بصري بعض الشىء؛ فبعثت إلى رسول الله : أنى أحب أن تأتيني، فتصلى فى منزلي فأتخذه مصلى، قال: فأتى النبي ومن شاء الله من أصحابه، فدخل وهو يصلى فى منزلي وأصحابه يتحدثون بينهم، ثم أسندوا عظم ذلك وكبره إلى مالك بن دخشم ، قالوا : ودوا أنه دعا عليه فهلك، وودوا أنه أصابه شرًا. فقضى رسول الله الصلاة، وقال: أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله . قالوا : إنه يقول ذلك وما هو فى قلبه. قال : لا يشهد أحد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله فيدخل النار أو تطعمه. قال أنس: فأعجبني هذا الحديث فقلت لابني اكتبه فكتبه . وهذا المسجد أسسه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حياته، ويعنى أنه من المساجد التى عنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسجد على ثراها، وقام في محرابها، واتخذه صاحب الدار مسجدا بموافقة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. ثم لم يزل مصانًا معمورًا إلى يومنا هذا. فتم إزالته وهدم دون مراعاة لفضله وشرفه وتاريخه وسيرته، ولا أرى أي عذر شرعى يبيح أو يبرر إزالته، ولا أدرى لماذا أزيل . وموضعه اليوم محدود ومعروف. ومن المؤسف : أن الذى أزاله بنى على جزء من أرضه اليوم عمارة شاهقة لم يراعَ صاحبها قدسية بيوت الله عز وجل، ولا حرمة التعدى عليها، ولاحرمة أحد المساجد التي تشرفت بسجود رسول الله على أرضها، وقام بالصلاة في محرابها. وموضعه يقع أمام ومحاذاة مسجد الجمعة بقباء شمالا ، بوادي رانوناء . . وهو من المساجد التى أرجو من سمو رئيس هيئة الآثار أن يوليه اهتمامه وإعادة بنائه على نمط المساجد النبوية التى أرجو أن تكون صورتها موحدة كما فعل أمير المؤمنين الوليد بن عبد الملك -رحمه الله- حين بنى مساجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بناها بالحجارة المطابقة على نمط واحد، فعلم بذلك أنه من المساجد التى صلى فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والله الموفق .
————–
كاتب وباحث في تاريخ المساجد النبوية
عضو رابطة الأدب الإسلامى العالمية