لأول مرة على الشبكة : تلخيص كتاب " نبذة من الخبر في تعبير رؤيا أمير المؤمنين عمر " للشريف الحسن بن محمد بن أيوب الحسني
نقله أبو معاوية مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي
نقله أبو معاوية مازن بن عبد الرحمن البحصلي البيروتي
الحمد لله الذي علّم بالقلم، علّم الإنسان ما لم يعلم، وصلى الله وسلّم على النبي المكرم، وعلى آله وصحبه وسلّم .
أما بعد، فهذا تلخيص كتاب " نبذة من الخبر في تعبير رؤيا أمير المؤمنين عمر " للشريف العالم النسّابة الحسن بن محمد بن أيوب الحسني، وقد ترجم له البقاعي في " عنوان العنوان " ( ص 73 / ط . دار الكتاب العربي )، وذكر أن ولادته كانت سنة 767 هـ بالقاهرة، وأنه مات يوم الأربعاء مستهل صفر سنة 866 هـ بسكنه من الحسينية بالقاهرة .
وقال البقاعي في ترجمته في " عنوان الزمان بتراجم الشيوخ والأقران " ( 2 / 163 / ط . مطبعة دار الكتب والوثائق القومية بالقاهرة ) : صنّف تصانيف على أسلوب بحثه؛ منها " شرح تنقيح اللباب " للشيخ ولي الدين، و " نزهة القصاد في شرح كفاية العقاد " لابن العماد، و " شرح الإبريز فيما تقدّم على مسودّة التجهيز " له أيضاً، وكتاباً سمّاه :
" نبذة من الخبر في تعبير رؤيا أمير المؤمنين عمر "
وقد لخّص غالب مقاصده، قال ما نصّه :
روى مسلم وغيره أنه رضي الله عنه خطب الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : " إني رأيت رؤيا لا أراها إلا عند حضور أجلي : إن ديكاً نقرني ثلاث نقرات " – وفي لفظ – " رأيت كأن ديكاً أحمر نقرني نقرة أو نقرتين "، فحدَّثْتُ أسماء بنت عميس فحدّثتني أسماء أنه يقتلني رجل من الأعاجم " انتهى .
فكان هذا القول منه يوم الجمعة، فطُعِنَ يوم الأربعاء .
وروى سالم ابن أبي الجعد عن معدان ابن أبي طلحة عن عمر أنه قال على المنبر : " رأيت في المنام كأن ديكاً نقرني ثلاث نقرات فقلت : أعجمي يقتلني " انتهى .
وقال رجل لابن سيرين : رأيت كأن ديكاً يصيحُ بباب إنسان وينشد :
قد كان من رب هذا البيت ما كانا ..... فهيّؤا لصاحبه يا قوم أكفانا
فقال : يموت صاحب هذه الدار بعد أربعة وثلاثين يوماً . انتهى .
وهو عدد حروف الديك بالجمل، لأن الدال بأربعة والياء بعشرة والكاف بعشرين .
وجاءه آخر فقال : إني رأيت كأن ديكاً يقول " الله " " الله " " الله "، فقال : بقي من أَجَلِكَ ثلاثة أيام . وكان كذلك .
وكان لرقيّة رضي الله عنها بنت النبي صلى الله عليه وسلّم من عثمان بن عفان رضي الله عنه ولد اسمه عبد الله، وبه كان يكنى، وبلغ ست سنين . نقره ديك في وجهه، مات بعد أمه في جمادى سنة أربع، ولم يلد غيره .
وروى الحاكم في " المستدرك " في أوائل كتاب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : إن الله أَذِنَ لي إذ حدَّث ( قال أبو معاوية البيروتي : هكذا الأصل، والصواب : أن أُحَدِّث ) عن ديك رجلاه في الأرض وعنقه مثبتة تحت العرش، وهو يقول : " سبحانك ما أعظم شانك "، قال : فيرد عليه : " ما يعلم ذلك مَن حلف بي كاذباً " . ( قال أبو معاوية البيروتي : رواه الحاكم 4 / 297 ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة 150 )
( قال البقاعي : واستمر يسوق شيئاً كثيراً من مثال هذا الذي لو كان قصده به أن يذكر فضائل الديك لعيب جمعه كله فكيف، وإنما قصد تعبير الرؤيا إلى أن ذكر صياح الديك، ثم قال : )
ففي التفسير عن سفيان الثوري في قوله تعالى : ( إن أنكر الأصوات لصوت الحمير ) ( لقمان، 19 )، قال : صياح كل شيءٍ يسبِّح لله عزّ وجلّ إلا الحمار، فإنه ينهق بلا فائدة .
( ثم قال : )
التعبير قول عمر في الرؤيا " نقرني ديك ثلاثاً " فيه إشارة إلى قوله تعالى : ( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ) ( طه، 55 )، وبالنقر إلى قوله تعالى : ( فإذا نُقِرَ في الناقور ) ( المدثر، 88 ) أي : نُفِخ في الصور، قال المفسِّرون : الصور نُقِرَ فيه مع النفخ، والنفخ في الصور ثلاث، قال أبو بكر بن العربي المالكي – تلميذ الغزالي - : وهي نفخة الفزع ونفخة البعث وبالسلامة لي بقية عمر الراوي، ولهذا قيل : إنه لم يمضِ عليه أربع ليالٍ من الرؤية حتى طُعِن كما ورد في الحديث، ولأنه ورد أن الرؤيا كانت ليلة الجمعة فطُعِنَ يوم الأربعاء .
وفي لفظ " نقرتين " إشارة إلى قوله تعالى : ( إنا لله وإنا إليه راجعون ) ( البقرة، 156 )،
وقوله ( ثلاث ) استناد إلى تأويل نبي الله يوسف عليه السلام حين قصَّ عليه ساقي الملك، فقال : إني رأيتُ كأني دخلتُ كوماً فحملت ثلاثة عناقيد فعصرتهن في الكأس، ثم أتيت به الملك فشربه، فقال له : ما أحسن ما رأيت، أما الأغصان الثلاثة فثلاثة أيام يبعث إليك الملك عند انقضائها فيردّك إلى عملك فيعود كأحسن ما كنت ...
( قال البقاعي : فذكره إلى آخره، ثم قال : )
والحكمة في الثغر دون الخميش إكراماً لعمر، فإن الفم أشرف الأعضاء في الحيوان، ولم يوقظه برجله تشريفاً له، ثم إن الرجل يلامس القاذورات والنجاسات فناب إيقاظه بالعضو الشريف دون غيره، لأن النقر له زكايه ( قال أبو معاوية البيروتي : هكذا الأصل، ولعلّها ( نكاية ) ) في العضو كالطعن، ولأن سلاح الطير منقاره، فإنْ قيل قد فسّر الرؤية لنفسه بقوله له : يقتلني رجل من الأعاجم .
ثم قصّها على أسماء بنت عميس ففسَّرَتْها بمثل ما فسَّرَها لنفسه، ولم ترد على ذلك، وقد قيل إن الرؤيا على جناح طاير أو رجل طاير ( قال أبو معاوية البيروتي : رواه أبو داود 5020، وصححه الألباني ) فيقع ما نزل تعبيره، فالجمع بينهما أنه لم يقنع بتفسيره لنفسه لأن التأويل محتمل وليس مقطوعاً به، لقول نبي الله يوسف لساقي الملك وصاحب طعامه ( قُضِيَ الأمر الذي فيه تستفتيان ) ( يوسف، 41 )، فهو وحي من الله على أحد التأويلين .
( قال البقاعي : إلى أن قال : )
بخلاف تعبير الآية فإنه محتمل التأويل، فلم يقنع عمر بتأويل نفسه فوكل الأمر إلى غيره ليستثبت ذلك ويسمعه من غيره .
( قال البقاعي : ثم ساق أحاديث تتعلّق بكون عمر كان ملمًّا محدِّثاً وبالفتن وغيرها إلى أن قال : )
ولعل النقرات فيها إشارة إلى قتل الخلفاء الثلاث على التوالي؛ عمر وعثمان وعلي، والحكمة في قصة الرؤيا على أسماء بنت عميس زوج أبي بكر لعلّه من علمه تكرار دخول النبي صلى الله عليه وسلّم بيت أبي بكر كل يوم طرفَي النهار، فلعلّها سمعت من النبي صلى الله عليه وسلّم شيئاً يدلّ على قتله، ولم يذكره النبي صلى الله عليه وسلّم لعمر ولم يذكره لغيرها، كما ورد في قصة للمسقف حين استأذنه البواب – وهو أبو موسى الأشعري – على دخول عمر، فقال : " ائذن له وبشّره بالجنة "، ولم يذكر له الشهادة، وقال للبواب حين استأذن على عثمان : " ائذن له وبشّره بالجنة على بلوى تصيبه "، فقال عثمان : " الله المستعان "، ، فلم يذكر مثل ذلك لعمر بل كتمه عنه، ولعل الحكمة اقتضت ذلك، وهو أن عثمان حوصر وقُتِل صبراً .
وأيضاً فإن أسماء كان عندها من تفسير المنام وكان أبو بكر من علماء التعبير، وكون الديك أحمر إشارة إلى الدم الذي يخرج منه بالطعن؛ فإن الحمرة من ألوان الدم، ويُقال في المبالغة " موت أحمر "، وفسر بمخالفة الهوى .
وكون النقرات ثلاثة إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلّم كان إذا سلّم سلّم ثلاثاً وإذا تكلّم بأمر أعاده ثلاثاً ليُحفظ عنه ( رواه البخاري 94 )، ولعل الديك فعل ذلك بعمد، فالأولى لينبّه، والثانية ليستيقظ، والثالثة ليستعد لأمر الله، واقتصر على الثلاث لأنها أقل مدّة معتبرة في الشرع فلم يزد عليها .
فمنها مدة خيار الشرط؛ وهي ثلاثة أيام فما دونها، ومنها أن المسافر إذا اجتاز ببلد ولم ينوِ الإقامة فيها قصر ثلاثة أيام غير يومَي الدخول والخروج، ومنها إمْهال الزوج المعسر في تحصيل النفقة ثلاثاً .
( قال البقاعي : ثم عدَّ في هذا الباب أشياء كثيرة، إلى أن قال : )
وقوله ثلاثاً إشارة إلى عدد الطعنات، فإنه ورد أنه طعنه بالخنجر ثلاثاً كما سنذكره في صفة قتله .
وقول أسماء في التعبير " يقتلك رجل أعجمي " لأن الديكة فيها ما أصله متوحّش كاليمني والحبشي وغيره، ويلزم المحرم الجزاء بقتله، ومنها ما هو متوحِّش .
( قال البقاعي : قال شيخ الإسلام ابن حجر، وكتب بخطِّه على هامش أصلها لمّا وقف عليها ما نصّه : أولاً أن منقار الديك مجاور لعُرفه وهو أحمر، والأعجمي أحمر، كما جاء " رجل أحمر كأنه من الموالي " وحديث " بُعِثْتُ إلى الأحمر والأسود "، وفُسِّر بالعرب والعجم . انتهى . )
ولم يذكر في الرؤيا محل النقر، وقد ورد أنها كانت في الجوف، وقد وافق تعبير أسماء تعبيره لنفسه، وهو إلهام، وهو من موافقات عمر، والسر في وقوع الرؤيا ليلة الجمعة لأنه آخر الأسبوع، وفيه إشارة إلى آخر العمر، وقد قال صلى الله عليه وسلّم : " إذا تقارب الزمان لا يكاد رؤيا المؤمن تكذب " ( قال أبو معاوية البيروتي : رواه البخاري 7017 ومسلم 2263 بلفظ : إذا اقترب الزمان ... )،وفُسِّرَ والتقارب بمعنَيَين؛ أحدهما قرب الساعة، والثاني آخر الليل، وفُسِّرَ التقارب أيضاً باستواء الليل والنهار من الرؤيا، والثلاثة قد يُراد بها التقليل، وقد يقع للتعجّب، وقد يقع للعجلة؛ وهي سرعة الشيء المطلوب، ولأن أقل الجمع في اللغة ثلاثة، وأيضاً فتخصيص الديك بالرؤية تفاؤلاً بكنيته، فإن من جملتها " أبو نبهان " إشارة إلى إيقاظه، و " أبو المنذر " إشارة إلى يقظته وامتداده، فإنْ قيل : فما الحكمة في تخصيص الديك بذلك دون غيره ؟ قيل : لصدقه وكثرة ذكره ويقظته، ولأنه أصدق جنسه من الطير بهجة ( قال أبو معاوية البيروتي : لعلّها : لهجة )، ولهذا أعظم ما فيه من العجائب معرفة الأوقات الليلية .
( قال البقاعي : ثم عاد إلى ذِكر فضائل الديك، فذكر منها أكثر من ورقة، ثم قال : )
وتفسير ابن سيرين للذي رأى الديك يقول : " الله، الله، الله " أنه بقي من عمره ثلاث استناداً إلى قوله صلى الله عليه وسلّم : " من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة " ( قال أبو معاوية البيروتي : رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني ) . ولعلّ الديك قال ذلك تعجّباً من الرأي حيث بقي من أجله ثلاثة أيام وهو غافل عمّا يُراد به .
( قال البقاعي : ثم ذكر قصة قتل عمر رضي الله عنه، وأطال فيها بنحو هذا الكلام، ثم عقّبها بقصة قتل علي رضي الله عنه، ثم قال : )
إنما جَمَعْتُ شرَّ قَتلتَي الإمامين عُمَ وعليّ لِمَا فيه من المناسبة .
( قال البقاعي : وذكر مناسبات أذكرها ملخّصة )
الأولى : كونهما خليفتين قُتِلا في محل ولايتهما،
والثانية : قتلهما في صلاة الصبح،
والثالثة : أن القاتل لكلٍّ من رعيته،
والرابعة : أنهما شهيدان في الآخرة،
والخامسة : قول كُلٍّ في حال طعنه : ( وكان أمر الله قدراً مقدوراً ) ( الأحزاب، 38 )،
والسادسة : أن كُلاًّ عاتب قاتِلَه،
والسابعة : أن كُلاًّ أحسَّ بقتل نفسه : عمر بالرؤيا وعلي بتفاؤله بصياح الأوز في وجهه حين خرج إلى الصلاة،
والثامنة : دُفِن كُلٍّ في بلدٍ قتله،
والتاسعة : أنّ كُلاًّ وصَّى قبل موته .
=============
قال أبو معاوية مازن البحصلي البيروتي : كان الفراغ من نسخه ليلة الاثنين 6 صفر 1432 هـ ،
والحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات .