نقد العلامة الألباني لِما يُسَمِّيه النصارى بالآية الذهبية : ( من ضربك على خدِّك الأيمن فأَدِرْ له الأيسر )
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه .
أما بعد، قال الإمام الألباني في كتابه " كشف النقاب عمّا في كلمات أبي غدّة من الأباطيل والافتراءات " - الذي كتبه في دمشق 18 ربيع الثاني 1395 هـ - ( ص 4 ) : إنه ليس من صفات المؤمنين أن يسكتوا على البغي والظلم، والبُهت والكذب الذي يُلصَق بهم، وهم يجدون وسيلة مشروعة لدفعه وردّه على صاحبه، خلافاً لِما يُعْزى لسيدنا عيسى عليه السلام، ويُسَمِّيه النصارى بالآية الذهبية : " من ضربك على خدِّك الأيمن فأَدِرْ له الخد الأيسر، ومن طلب منك كساءك فأَعْطِه رداءك، ومن طلب منك أن تمشي معه ميلاً فامْشِ معه ميلين " ! فليس في الإسلام شيء من هذا ، بل هو على إطلاقه يُعارض القرآن الكريم في بيان بعض صفات عباد الرحمن المؤمنين التي منها ما أفادته الآية الكريمة : ( وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ . وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ) .
وقال في المقدمة الجديدة للسلسلة الضعيفة – عند تبريره لشدّته في ردوده على أهل البدع - : إن تحمُّلَ ظلم مثل هؤلاء المتصدرين لِإرشاد الناس وتعليمهم، قد يكون أحياناً فوق الطاقة البشرية، ولذلك جاءت الشريعة الِإسلامية مراعية لهذه الطاقة، فلم تقل- والحمد للّه - كما في الِإنجيل المزعوم اليوم: "مَن ضربك على خدك الأيمن. فأدِرْ له الخد الأيسر، ومن طلب منك رداءك؛ فأعطه كساءك "! بل قال تعالى: ( فمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فاعْتَدُوا عليهِ بِمِثْلِ ما اعْتَدَى علَيْكُمْ ) هو، وقال: ( وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها )، وأنا ذاكر بفضل اللّه تعالى أن تمام هذه الآية الثانية: ( فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُور ) ، ولكني أعتقد أن الصفح المشكور، والصبر المأجور، إنما هو فيمن غلب على الظن أن ذلك ينفع الظالم ولا يضره، ويعزُّ الصابر ولا يذله، كما يدل على ذلك سيرته - صلى الله عليه وسلم - العمليَّة مع أعدائه . اهـ .
قال أبو معاوية البيروتي : والذي في الأناجيل المطبوعة الآن قول لوقا : " من ضربك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك ... ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه به " ( لوقا 6/ 28 - 29 ) .
وقال أحد الباحثين : قولهم ( من ضربك على خدك الأيمن فأَدِرْ له الأيسر ) كلام لم يعرفه المسيحيون مع أنفسهم يوماً ولا مع أعدائهم ساعة، يذكر المؤرخون أن الذين قتلتهم المسيحية في انتشارها في أوروبا يتراوح عددهم بين سبعة ملايين كحد أدنى وخمسة عشر مليوناً كحد أعلى، وفظاعة هذا العدد تتضح عندما نتذكر أن عدد سكان أوروبا آنذاك كان جزءاً ضئيلاً من سكانها اليوم ! اهـ .