جياد التاريخ أول مجلس شورى.. ودار الحكومة السعودية
حينما تفتش أوراق نشأة وتاريخ «أجياد» أحد أقدم أحياء مكة المكرمة والمجاور للمسجد الحرام، ستجد كما هائلا من التاريخ والأحداث التي شهدها هذا الحي الذي احتضن أول مجلس للشورى في عهد الملك عبد العزيز يرحمه الله، وضمت منطقة أجياد «الحميدية» دار الحكومة السعودية، ومرافق الإمارة والأمن وبقيت «التكية» تعمل حتى وقت قريب في دعم مؤونة الفقراء والمحتاجين وتأمين كل ما يحتاجونه من طعام وملبس.
«عكاظ» تجولت في حارات وأزقة «أجياد» القديمة، التي تحولت أجزاء كبيرة منها إلى مصاف المناطق المطورة عالميا والحاضنة لمشاريع حققت لها السبق على كافة المدن العالمية، حيث استقر فيها مشروع وقف الملك عبد العزيز الذي يحوي أطول برج للساعة في العالم.
وخلال جولتنا في إحدى المناطق التاريخية القديمة وجدنا أن هناك ترابطا ثقافيا واجتماعيا بين أصالة الماضي وحضارة المستقبل حيث ظهر جليا الحفاظ على تاريخ وتراث الماضي رغم ما تشهده المنطقة من تطوير، واستطعنا تلمس ذلك من خلال أبرز المواقع والأعمال التي اشتهرت بها منطقة أجياد وبين ما هي عليه اليوم.
وحينما نتحدث عن «الحميدية» التي كان يطلق عليها دار الحكومة السعودية نجد أن أثرها باق حتى يومنا الحاضر لأن دورها كان يتمحور حول حفظ الأمن ومصدر اتخاذ القرار وملجأ الحل بين المتنازعين، وتهتم بشؤون المدينة عمرانيا، في ذلك الوقت حيث كانت بيوتات مكة وأحياؤها تلتف حول المسجد الحرام، ونجد أن هذا المسمى لم يعد موجودا لكن الدور لايزال قائما في مبنى الرئاسة العامة لشؤون المسجد الحرام التي تقع في «أجياد» في وقتنا الحالي وتتولى إدارة شؤون المسجد الحرام والساحات المحيطة به في منع السلوكيات الخاطئة والمحافظة على النظافة والتنظيم وتأمين احتياجات قاصدي البيت الحرام الذي أتت توسعاته خلال السنوات الماضية على كافة البيوت القديمة المجاورة له.
وحينما نتحدث عن «التكية» فهي عمل خيري ووقف في ذلك الوقت لفقراء المسجد الحرام وكان للملك عبد العزيز دور في استمرار هذا العمل الخيري بعد توقفه لأسباب ضعف الدعم، وتم تطوير ذلك العمل إلى عمل وقفي يحمل اسم المؤسس متمثلا وقف الملك عبد العزيز الذي يعود ريعه للمسجد الحرام.. وإذا ما تحدثنا عن «ساعة مكة» فإننا نجد أن هذه الساعة ارتبطت بجياد في قرون مضت حيث كان هناك ساعة معلقة في دار الحميدية تستخدم لدخول وقت الأذان وكان صوتها يسمع من معظم البيوت المجاورة للمسجد الحرام.
في حديث المركاز في بيوتات أجياد كبار السن يستحضرون للأبناء ذكريات جميلة شهدتها المنطقة التي يسكنونها والتي تعد منطقة الحكم والإدارة في قرون مضت ولازالت تحافظ على تلك الأصالة وذلك الإرث التاريخي المتجذر المليء بالكثير من القصص والعبر كونها المنطقة التي احتضنت كل شؤون الحكم والإدارة والحياة العامة، ففيها أضخم الأسواق وبين جنباتها دار الحكومة ومطبعة. يقول المؤرخ إبراهيم رفعت: «شعب أجياد أجمل مواقع مكة لعلوه وسعة طرقه وكثرة بيوته التي يسكنها غالب الموظفين، وفي أجياد ميدان لاستعراض العساكر وفيه المطبعة ودار للبريد ومركز الصحة».
العم سعيد أحمد بشيري قال: «مبنى الحميدية، أو ما يسمى بدار الحكومة السعودية يتكون من دورين، وبني بشكل هندسي جميل، يقع في المبنى مكاتب الأمن العام، والمحكمة المستعجلة، وكتابة العدل، وقسم التحقيقات الجنائية، ومديرية الأوقاف، ومجلس الشورى، وإدارة إحصاء النفوس، وقسم رخص قيادات السيارات حيث كانت تكتب استمارة الرخصة بالخط اليدوي في عام 1340هـ، ومصلى في الطابق الثاني من المبنى يصلي فيه الملك فيصل رحمه الله إذا جاء إلى مكة، وقد هدمت وأدخلت مساحتها في توسعة المسجد الحرام الأولى عام 1375هـ» .
وأضاف سعيد أحمد أن من بين العمد خلال السنوات الماضية جميل أحمد بغدادي، وطاهر جميل بغدادي، وعلي كتبي، عبدالرحمن تمبكاني، ومن أبرز بيوت مكة الذين سكنوها آل البغدادي، وآل مالكي، آل بخش، آل الفاسي، آل ابن دهيش، آل البليلة، آل القزاز، آل الكعكي، آل الحلواني، آل المكي، آل بافقيه، آل الفضل، آل نصيف، آل الغزاوي.
في حين ذكر العم (الدوسي علي بخيت) متحدثا من منزله الواقع في أجياد فقال: «قضيت عمري كله في أجياد سكنتها وهي خالية من السكان عدا بعض البيوتات القديمة الملاصقة للحرم والتي ذهبت جميعها ضمن مراحل التوسعات التي شهدها المسجد الحرام على مدى السنوات الماضية، وأضاف الدوسي: عملت «رجل عسة» مهمتي حماية الحارات في أجياد من السرقة في ساعات الليل المتأخرة كون الجميع كانوا يخلدون إلى النوم عقب صلاة العشاء مباشرة حيث تغلق محلات البيع ولا تفتح إلا بعد صلاة الفجر، كانت حياة جميلة، ولازلنا نتحدث عن حياتنا في الماضي عبر ذكريات نسطرها للأجيال جيلا بعد جيل، وتطورت أجياد مع مرور الزمن لكنني أحن كثيرا إلى الماضي البعيد حيث كانت أجياد تحتضن «الحميدية» مبنى الحكومة الذي يضم جميع الإدارات ويقع في أجياد مقابل الحرم».
وأضاف الدوسي علي بخيت «أصابتني فرحة غامرة حينما أنشئت ساعة مكة في منطقة أجياد كوني على علم بأن ساعة مكة تم اختيار موقعها بالقرب من موقع ساعــة مبنى الحميدية والتي كانت تحمل اسم ساعة الحرم وكانت تستخـــدم فـي تحديد الوقت ومعرفــــة مواعـيـــد الأذان في المسجد الحرام وكان صوتها له صدى يصل إلى أحياء مكة القــريـبــة مــن الحـــرم في ذلك الوقت»، وأوضح قائلا: إن سبب فرحتي هو ارتباط الساعـــة بأجيـــاد منــذ القـــدم.
ويستذكر العم الدوسي قبل 60 عاما تفاصيل بنائه لمنزله في «أجياد» حيث قام بشراء جبل كامل بقيمة 1700 ريال وباع جزءا من الأرض وأنشأ في الجزء المتبقي منزلا مكونا من طابقين يسكن وأســـرتـــه في طابق ويؤجر الطابق الآخر في مواسم رمضان والحج كون راتبه كان ضعيفا حينما كان يعمل «عسة» لحفظ أمن الحارات..
ويتذكر الدوسي قصة «التكية المصرية» فيقول: كانت تستخدم في تقديم السبيل للفقراء والمحتاجين وبعد ذلك توقف عملها فجأة لأسباب توقف الدعم المادي عنها فتكفل الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود يرحمه الله بدعمها لاستمرار عملها في مساعدة الفقراء.
المصدر : عكاظ 1433/3/19هـ