الهجرات العربية إلى بلاد النوبة والسودان الشرقي وآثارها الثقافية والحضارية
للكاتب الدكتور : ربيع محمد الحاج
ليس من اليسير على الباحث أن يحدّد تاريخاً مُعيّناً لبداية العلاقة بين الجزيرة العربية وبلاد السودان بوجه عام ، وبلدان وادي النيل بشكل خاص ، بيد أن هناك شبه إجماع بين المؤرخين والباحثين على أن هذه العلاقة مُوغلة في القِدَم ، تعود إلى آماد بعيدة قبل بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم .
وهذه حتمية تؤيدها الحقائق الجغرافية والروايات التاريخية ؛ ذلك أن البحر الأحمر لم يكن في وقت من الأوقات حاجزاً يمنع الاتصال بين شواطئه الآسيوية العربية وشواطئه الأفريقية ؛ إذ لا يزيد اتساع البحر على المائة والعشرين ميلاً عند السودان ، ويبدو بهذا أنه ليس من الصعب اجتيازه بالسفن الصغيرة(1) ؛ وفي الجنوب يضيق البحر الأحمر لدرجة كبيرة عند (بوغاز) باب المندب ، حتى لا يزيد على عشرة أميال، وهو الطريق الذي سلكته السلالات والأجناس إلى القارة الأفريقية منذ آماد بعيدة(2) .
وتذهب بعض الروايات التاريخية إلى أن المصريين القدماء الذين عبدوا الإله حورس كانوا عرباً هاجروا من الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر عن طريق مصوع(3) ، وتابعوا سيرهم عن طريق وادي الحمامات شمالاً إلى مصر ، وأن معبد الشمس الذي بُني قرب ممفيس إنما بنته جاليات عربية ، وصلت إلى هناك في وقت غير معروف ، ووجدت آثار لجاليات عربية كبيرة تسكن المنطقة المحاذية للنيل من أسوان شمالاً إلى مروى جنوباً(4) ، وقد دلت الأبحاث الأثرية والتاريخية على أن هجرات عربية قدمت من جنوب الجزيرة واليمن عبر البحر الأحمر ، يعود بعضها إلى القرن الخامس قبل الميلا د، وثبّتت بعض هذه الجاليات العربية أقدامها في بعض جزر البحر الأحمر (مثل: دهلك) منذ عدة قرون قبل الإسلام(5) ، ولم يقتصر وجود الجاليات العربية على الساحل الأفريقي ، بل إن أفراد هذه الجاليات قد توغلوا في الداخل، ووصل بعضهم إلى ضفاف النيل ، وأقاموا شبكة من طرق القوافل التجارية بين ساحل البحر الأحمر والمناطق الداخلية ، وقد وصلت العرب أقطار وادي النيل عن الطريق الشمالي البري المار عبر سيناء إلى مصر ، ثم انحدرت جنوباً إلى بلاد البجة والنوبة(6) .
هذا وقد كانت التجارة تمثل أحد أهم وسيلة لهذه الاتصالات ؛ إذ نشطت حركة تجارة العاج، والصمغ، واللبان ، والذهب بين الجزيرة العربية من ناحية وبين موانئ مصر والسودان والحبشة من ناحية ثانية ؛ مما يؤكد أهميتها في حركة الاتصال ، والتواصل النشط بين سواحل البحر الأحمر الشرقية والغربية(7) .
وقد بلغـت هذه الهجرات أقصاها ما بين 1500 ق. م ـ 300 ق. م في عهد دولتي : (معين ، وسبأ) وحمل المعينيون والسبئيون لواء التجارة في البحر الأحمر ، ووصلوا في توغلهم غرباً إلى وادي النيل ؛ ونشطت حركة التجار العرب بخاصة زمن البطالمة والرومان ، ولا شك أن عدداً غير قليل من هؤلاء استقروا في أجزاء مختلفة من حوض النيل ؛ ولحق بهم عدد من أقاربهم وأهليهم (8) ، وفي القرنين السابقين للميلاد عبّر عدد كبير من الحميريين مضيق باب المندب ، فاستقر بعضهم في الحبشة ، وتحرك بعضهم الآخر متتبعاً النيل الأزرق ، ونهر عطبرة ليصلوا عن هذا الطريق إلى بلاد النوبة ، كما يرجح أنهم لم يتوقفوا عند هذا الحد ، بل قد انداحوا في هجرتهم حتى المناطق الغربية لسودان وادي النيل (9) .
وتشير بعض المصادر التاريخية إلى أن هناك حملات عسكرية قام بها الحميريون في وادي النيل الأوسط وشمال أفريقيا ، وتركت هذه الحملات وراءها جماعات استقرت في بلاد النوبة ، وأرض البجة ، وشمال أفريقيا(10) ، كما تشير بعض الروايات إلى حملة قادها (أبرهة ذي المنار بن ذي القرنين الحميري) على السودان وبلاد النوبة والمغرب في أوائل القرن الأول قبل الميلاد ، ثم إلى حملة أخرى قادها ابنه (إفريقيش) إلى شمال أفريقيا ، وقد داخلت تلك الجماعات المهاجرة الوطنيين من أصحاب تلك البلاد التي هاجروا إليها، وأصبح لهم وجود معتبر فيها ، ولعل وجود العمامة ذات القرنين التي كانت شارة من شارات السلطة الكوشية دليل على ذلك الوجود الحميري المبكر (11) ، إضافة إلى عدد من القرائن الأخرى الدالة على هذا الوجود .
كذلك وردت إشارات إلى وجود جماعات من الحضارمة عبروا البحر الأحمر إلى ساحله الأفريقي في القرن السادس الميلادي ، ثم اختلطوا بالبجة ، وكونوا طبقة حاكمة خضع لها البجة ، وقد عرفوا عند العرب ـ الحداربة ـ الذين استقروا في إقليم العتباي في الشمال ، ثم اضطروا إلى الانتقال جنوباً في القرن الخامس عشر الميلادي ؛ حيث أسسوا مملكة البلو (مملكة بني عامر) في إقليم طوكر (12) ؛ على أنه من المهم الإشارة إلى نزوح بعض الجماعات النوبية والسودانية عن مواطنها إلى الجزيرة العربية ؛ حيث تأثرت بعادات وتقاليد سكانها قبل الإسلام ، بل مشاركتها في الحياة الاجتماعية والثقافية هناك ؛ فقد أشار ابن هشام إلى استعانة المكيين بنجار قبطي أثناء إعادتهم بناء الكعبة قبل البعثة المحمدية (13) بيد أن بعض المصادر تشير إلى وجود قديم لجاليات حبشية ، ونوبية ، وسودانية في بعض مناطق الحجاز في تلك الفترة أيضاً (14) ، وتذكر أن عدد الأحباش والنوبيين كان كبيراً في عدد من مُدنه ، وأدى وجودهم إلى أن يتعلم بعض العرب لغتهم ؛ إذ ثبت أن عدداً من صحابة الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد تعلموا بعض من تلك اللغات ، وأن زيد بن ثابت ، وحنظلة بن الربيع بن صيفي التميمي الأسدي كانا يترجمان للنبي - صلى الله عليه وسلم - بالقبطية والحبشية ، وقد تعلماها من أهلها بالمدينة (15) ، وتمضي هذه المصادر فتذكر أنه كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - مولى نوبي اسمه يسار ، أصابه في غزوة بني عبد بن ثعلبة فأعتقه ، وهو الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قطعوا رجله ويده ، وغرزوا الشوك في لسانه وعينه حتى مات(16) .
وعلى الرغم من ثبوت الوجود العربي المبكر ، والاتصال ببلاد النوبة والسودان في فترة ما قبل الإسلام ، إلا أنه لم يكن ذا تأثير واضح في سكان البلاد، ويرجع ذلك إلى أن العرب وقتها لم يحملوا عقيدة واحدة واضحة ، ولم يكن لهم هدف محدد ، سوى العمل في التجارة ، والبحث عن مناخات وفرص أفضل ؛ لكسب العيش في تلك المناطق ، كما هو الحال عندما جاء العرب المسلمون الذين يحملون عقيدة واحدة ، ويتكلمون لغة واحدة ، ويمثلون دولة واحدة ، وينشدون أهدافاً موحدة ، ويكادون يتفقون في السلوك العام المنضبط بتعاليم الإسلام ؛ على أن أهم نقطة تحوّل في تاريخ العلاقة بين العرب المسلمين وبين منطقـة وادي النيل وبلاد النوبة والسودان حدثت بعد الفتح الإسلامي لمصر سنة 21هـ في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ، بقيادة الصحابي عمرو بن العاص (17) ، كانت هي توقيع المسلمين لمعاهدة البقط (18) مع ملوك النوبة والسودان من النصارى الذين كانوا يقيمون في شمالي السودان وحاضرتهم مدينة (دنقلة) ؛ ذلك أن هذه المعاهدة تضمنت بنوداً مهمة سهّلت وسمحت في مجملها للقبائل العربية بالهجرة ، والتدفق نحو بلاد النوبة والسودان بشكل كبير لم يحدث له مثيل (19) ؛ مما مكّنها مستقبلاً من الإحاطة بالكيانات النوبية المسيطرة ، وتحول النوبيين وأهل السودان من النصرانية إلى الإسلام .
منافذ الهجرات العربية :
على أن تلك الهجرات قد اتخذت عدداً من المنافذ ظلت ترد عن طريقها القبائل العربية باتجاه بلاد النوبة والسودان ، منها ثلاثة منافذ رئيسة هي :
1- المنفذ الشرقي عن طريق البحر الأحمر من الجزيرة العربية .
2- المنفذ الشمالي عن طريق نهر النيل من مصر .
3 - المنفذ الشمالي الغربي، أو الطريق الليبي عبر الصحراء الكبرى .
أولاً: المنفذ الشرقي من الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر :
يعتبر هذا المنفذ من أقدم وأقصر الطرق التي سلكتها الهجرات العربية إلى بلاد النوبة خاصة وإلى القارة الأفريقية عامة ، وقد عرفه العرب قبل الإسلام ، وامتدوا على ساحله الشرقي ، ومنه أنشؤوا طرق قوافل تسير عليها الإبل إلى المناطق الداخلية في القارة الأفريقية ، كما سلكته كثير من القبائل العربية في هجرتها ، وتجارتها مع القبائل التي تسكن في ساحله الغربي مثلما فعل (الحضارمة)، وقبائل (بلى) التي ساكنت البجة في الشرق ، واختلطوا بهم ؛ وحين جاءت الفتوحات الإسلامية توسعت حركة الهجرة من الجزيرة العربية إلى بلاد العالم كافة وإلى بلدان أفريقية على وجه الخصوص ، وانفتحت منافذ أخرى للهجرة للسودان غير هذا المنفذ (20) ، إلا أن ذلك لم يقلل من قيمته كمنفذ من المنافذ التي ساهمت بقسط كبير في الهجرة إلى بلاد أفريقية بعامة وإلى بلاد النوبة بوجه خاص .
ثانياً: المنفذ الشمالي عبر النيل، وبمحاذاته من مصر :
عرفت المنطقة هذا المنفذ منذ قديم الزمان ؛ إذ إنه كان يمثل الطريق التجاري الذي يربط مصر بوسط أفريقيا وبلاد النوبة والبجة ، وازدادت أهميته بعد توقيع المعاهدة ؛ حيث كفلت بعض بنودها للتجار والمهاجرين والقوافل حق التحرك الحُرّ فيه ، وأعطتهم أماناً للتوغل في أعماق البلاد ، وأصبح مدخلاً للقبائل العربية إلى بلاد النوبة (21)؛ ويعتبر أحد الباحثين أن هذا المنفذ كان سبباً مباشراً في تعريب بلاد النوبة (3) ، وأنه أعظم خطراً وأهم دوراً من المنفذ الشرقي في أمر هجرة القبائل إلى بلاد النوبة ، سواء أكان ذلك قبل الإسلام أم في زمن التوسع الإسلامي (22) ، وإن كثرة الحديث عن الهجرة العربية عبر البحر الأحمر كانت بسبب أن بعض القبائل العربية في السودان تدّعي أن أسلافها وصلوا من جزيرة العرب مباشرة إلى السودان عبر البحر الأحمر لتأييد دعواهم في الانتساب إلى أصل شريف أموي أو عباسي ، أو أنهم سلالة بعض صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (23) .
إلا أن على الباحث أن لا يغفل عن أهمية المنفذ الشرقي في دفع وتوسع حركة الهجرة إلى بلاد النوبة (24) ، خصوصاً في العهد المملوكي الذي نشطت فيه حركة الملاحة البحرية بين الموانئ الغربية للبحر الأحمر وبين موانئه الشرقية ؛ بسبب الاعتداءات الصليبية المتكررة على طريق (برزخ السويس) ، وهو الأمر الذي أدى لإنعاش مينائي : (عيذاب، وسواكن)، اللذين وضع المماليك أيديهم عليهما تماماً ، بعد تكرار الاعتداء على ممتلكات التجار المصريين المتوفين هناك(25)، هذا ولم يقتصر تأثير المنفذ الشرقي على الجهات التي تقابل الجزيرة العربية فقط ، بل تجاوزتها إلى السودان الأوسط وبلاد السودان الغربي أيضا (26)؛
ومهما يكن من أمر فإن هذين المنفذين الشرقي والشمالي يعتبران أهم المنافذ التي سلكتها القبائل العربية المهاجرة إلى بلاد النوبة في تلك الفترة .
ثالثاً: المنفذ الشمالي الغربي، أو الطريق الليبي :
سلكته القبائل العربية في هجرتها نحو بلاد النوبة والسودان ، بعد أن تمكن الإسلام في معظم المناطق الشمالية من القارة الأفريقية ، ويسير باتجاه السهول والبراري الواقعة بين النوبة وكردفان ودارفور ، وقد ازدادت شهرته بعد أن قامت في مصر وشمال أفريقية دول إسلامية مستقلة عن الخلافة العباسية (27) ، ولم يكن له دور فاعل ومؤثر في حركة الهجرة نحو بلاد النوبة لجفافه وصعوبته ؛ بسبب الصحراء ، وقلة الماء؛ على أنه كان هناك عدد من الطرق والمنافذ سلكتها القبائل العربية من هذا الاتجاه ، ومنها الطريق الذي يبدأ من شنقيط وينتهي إلى تمبكتو، فجاو ، وزند ر، وكوكوا ، وبيدا ، ومسنيا ، وأبشي ، والفاشر ، ثم يخترق سهول الجزيرة ، حتى ينتهي إلى سواكن ، وقد اشتهر هذا الطريق لكونه قد رفد بلاد السودان والنوبة بأعداد كبيرة من العلماء والدعاة الذين ساهموا مساهمات كبيرة في نشر الدعوة الإسلامية ، وتوطينها في تلك المناطق .
دوافع الهجرات العربية :
ولا شك أن هذه الهجرات إلى بلاد النوبة لم تتم في فترة واحدة محددة ، ولم تحركها ظروف واحدة ، كذلك بل تمت على فترات متقطعة تنشط حيناً ، وتخمد حيناً آخر ، وتتحكم فيها عدد من الدوافع أو العوامل الدينية ، والسياسية ، والتجارية ، والاقتصادية يمكن تناولها على النحو التالي :
أولاً: الدوافع الدينية :
كان معظم جنود الحملات العسكرية التي سيرها ولاة المسلمين في مصر نحو بلاد النوبة من رجال القبائل العربية ، وممن شاركوا في الفتح الإسلامي لمصر أو من المدد الذي ظل يصل تباعاً إلى مصر من الجزيرة العربية لتقوية السلطة ، وحماية الدولة والتوسع في الفتوح (28) ، ومن الواضح أن الولاة في مصر لم يكونوا يترددون في تسيير الحملات العسكرية تجاه النوبة ، كلما أغاروا على الحدود والمدن الجنوبية للدولة ، أو كلما تمردوا عن دفع ما عليهم من: (بقط والتزام) ؛ فكان من الأهداف الرئيسة التي حركت أولئك المقاتلين هو الجهـاد في سبيل الله ـ تعالى ـ لرد كيد الأعداء والدفاع عن الدولة المسلمة ، وحمل لواء الدعوة الإسلامية ، وتبليغها للعباد تدفعهم لذلك نصوص صريحة من القرآن الكريم، وترغبهم في ذلك، كقوله ـ تعالى ـ:
{الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللَّهِ} [التوبة: 20]، وقوله : {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]، وقوله تعالى : {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْـمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْـمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ} [النساء: 95] .
ومن أقواله -صلى الله عليه وسلم - : «من مات ولم يغز ولم يحدث نفســه بالغـزو مات على شـعبة مــن نفــاق»(29). وقوله -صلى الله عليه وسلم - : «المجاهد في سبيل الله مضمون على الله إما إلى مغفرته ورحمته، وإما أن يرجعه بأجر وغنيمة، ومثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم الذي لا يفتر حتى يرجع»(30) ؛ فهذه النصوص الواضحة الصريحة من الكتاب والسنة كانت هي الدافع الحقيقي لمشاركة هؤلاء الرجال في هذه الحملات الجهادية ، إضافة إلى حماسهم لأجل تبليغ الدعوة الإسلامية ، إلا أن كثيراً من المؤرخين المحدثين ، الذين كتبوا عن تاريخ الهجرات العربية إلى بلاد النوبة ، قد أغفلوا هذا الدافع ضمن ما ذكروا من دوافع للهجرة ، على الرغم من أنه هو الدافع الرئيس لها .
ثانياً: الدوافع السياسية :
وهذه تختلف وتتباين بحسب الأوضاع في البلدين مصر والنوبة ؛ فمنها دوافع خاصة بتأمين النظام السياسي في مصر وتقوية شوكته؛ حيث عمد عدد من الولاة في مصر إلى جلب قبائل عربية بأسرها إلى مصر لتكون قوة لهم وسنداً يحميهم ، ويغطي ظهرهم عند الخطر؛ وقـد أشار عدد من المؤرخين إلى أن عبيد الله بن الحبحاب حين تولى مصر من قِبَل هشام بن عبد الملك سنة 109 هـ أرسل يستأذنه في قدوم قبيلة قيس فأذن له ، فقدم عليه نحو مائة من أهل بيت هوازن ، ومائة من أهل بيت بني عامر ، ومائة من أهل بيت بني سليم ، فتوالدوا ، وعندما تولى مصر الحوارثة بن سهيل الباهلي في خلافة مروان بن محمد أقبلت إليه قيس ، وهي يومئذ ثلاثة آلاف بيت (31) ، وقد شاركت أعداد كبيرة من هذه القبائل في الحملات التي أرسلت لبلاد النوبة ؛ فاستقرت أعداد كبيرة منهم هناك .
ومن الدوافع السياسية كذلك أن النوبة ظلت ملجأً لكثير من الهاربين من مصر ، أو من الجزيرة العربية بسبب الثورات ، وتغير نظام الحكم ، ويقدم هؤلاء القادة الهاربين عادة في أعداد ضخمة وكبيرة من أتباعهم وأهلهم وعبيدهم ، وحوادث التاريخ تبين أنه حين اجتاحت قوات العباسيين الولايات الإسلامية هرب آخر الخلفاء الأمويين إلى مصر ؛ حيث قُتل هناك ، ثم هرب أبناء عبيد الله جنوباً إلى النوبة مصحوبين بعدد من الأقارب ، والأتباع البالغ عددهم نحو 400 شخص ، واستجار الأمويون بملك النوبة آملين أن يبقيهم في بلاده ؛ لكن الملك النوبي رفض ذلك ، وطلب منهم الرحيل ، فتوجهوا شرقاً مارّين بأرض البجة إلى ميناء باضع.
وتعرضوا للجوع والعطش والتعب؛ فهلك عدد منهم من بينهم عبيد الله بن مروان ، ومضى أخوه إلى ميناء باضع على ساحل البحر الأحمر ؛ حيث عبر إلى جدة ومنها سار إلى مكة المكرمة فقبض عليه، وأرسل إلى بغداد ؛ حيث بقى سجيناً حتى أيام الخليفة هارون الرشيد الذي أمر بإخراجه بعد أن أصبح كهلاً ضريراً(32) ؛ هذا ولا يستبعد أن يكون رجال البجة باتفاق مع النوبيين قد غدروا بهؤلاء الأمويين تقرباً للعباسيين ؛ حيث كشفت الحفريات الأثرية الحديثة عن قبور هؤلاء الأمويين الفارّين على طول الطريق الذي سلكوه من النوبة إلى ميناء باضع البجاوي(33)؛ ويبدو أن بعض من نجا من هؤلاء الأمويين قد استقر على الساحل السوداني للبحر الأحمر قرب باضع ؛ حيث اختلطوا بالسكان المحليين ، وتزوجوا منهم، وأصبح لهم شأن كبير تبعاً لأصلهم القرشي ، وقد كان لبقاء هؤلاء الأمويين في تلك المنطقة أثر في ادعاء بعض الأسر السودانية بأنها تنحدر من أصل أموي، ومن الأمثلة على ذلك أسرة الفونج (34) المشهورة ، إضافة لدور من استقر من تلك القبائل في نشر دعوة الإسلام بين سكان البلاد ، وظلت بلاد النوبة تمثّل دائماً ملجأً للسياسيين والأمراء الفارّين من مصر ، يلجؤون إليها لترتيب أمورهم وصفوفهم من جديد ، ريثما يبدؤون محاولة الثورة والمقاومة مرة أخرى ، مثل : هروب عبد الله ، وعبيد الله ابني مروان بن الحكم إلى بلاد النوبة ، ومثلما فعل الثائر الأموي أبو ركوة في عهد الفاطميين (35) .
ومن الدوافع السياسية التي ساهمت في دعم وتوسيع الهجرة العربية إلى النوبة تلك الحملات الحربية التي سيرها ولاة المسلمين من مصر ـ بعد إعدادها ودعمها ـ إما بسبب انقطاع النوبة عن دفع (البقط) المقرر عليهم ، أو بسبب هجومهم على منطقة الحدود جنوبي مصر ، وقد كانت هذه الحملات تصل إلى أعماق بلاد النوبة ، ثم تستقر أعداد من المشاركين فيها في البلاد ، فيساهمون في نشر الدعوة ، والثقافة الإسلامية في المنطقة، ونقل الدماء العربية للنوبيين بالتزوج منهم ، ومصاهرتهم .
ومن الدوافع السياسية أيضاً تحول سياسة العباسيين تجاه العرب؛ إذ المعروف أنه مع الفتح الإسلامي لمصر ظلت القبائل العربية تفد إليها بأعداد كبيرة جداً، سواء دعاهم الولاة كما سبق، أو بتحرك تلقائي من قبلهم نحو مصر، فأصبحت أعدادهم كبيرة جداً، وصار لهم نفوذ هام في الدولة، وتسيير أمورها، واستقرت جماعات منهم في الريف، ومارست الزراعة(36)، إلا أنه بسقوط الدولة الأموية، وقيام الدولة العباسية بدأ العباسيون في استرضاء الموالي، والاعتماد على الجنود الأتراك، وعلى وجه الخصوص في عهد الخليفة المعتصم (218- 227هـ) فأثبتهم في الديوان، وأمر واليه في مصر (كيدر بن نصر الصفدي) بإسقاط من في ديوان مصر من العرب، وقطع العطاء عنهم(37)، وأدى هذا القرار الخطير إلى ثورة عربية ضد الوالي، انتهت بأسر زعمائها من القبائل العربية(38)، وبهذا «انقرضت دولة العرب في مصر، وصار جندها العجم المَوالي من عهد المعتصم إلى أن ولي الأمير أبو العباس أحمد بن طولون فاستكثر من العبيد»(39)؛ ففقد العرب بهذا نفوذهم القديم، وأبدوا استياءهم الشديد لهذا التحول في سياسة الدولة، وكثرت ثوراتهم في أول قرن للدولة العباسية، وقامت ثورات يقودها أمراء أمويون في صعيد مصر، أيدتها كثير من القبائل العربية، ولم تفلح الحكومة المركزية في إخمادها إلا بعد جهود كبيرة(40)، وأعلنت كذلك قبائل قيس العصيان، ورفضت دفع الخراج المقرر عليها(41) .
فكان طبعياً أن يتبع هذه الاضطرابات نزاعات كثيرة بين هؤلاء الذين امتنعوا عن دفع الخراج المقرر عليهم ـ مع التمتع بملكية وخيرات الأراضي التي يفلحونها ـ وبين ولاة الأمر في مصر، وأدى ذلك في النهاية إلى توسيع الشقة بين العرب والولاة من حكام مصر، فكان لهذا التوتر في العلاقة، ولهذا الضغط السياسي والاقتصادي أسوأ الأثر في نفوس العرب، الذين فقدوا مصدر رزق هام بالنسبة لهم، ولم يبقَ أمامهم إلا أحد أمرين: إما أن يذعنوا للأمر ويسلموا بهذا الواقع، وإما أن ينزحوا نحو صعيد مصر بعيداً عن سلطة الوالي؛ فآثروا الأمر الثاني، وأخذوا منذ أوائل القرن الثالث الهجري ينزحون للصعيد المصري، ومنه لبلاد النوبة في مجموعات صغيرة، دون أن تسترعي انتباه أحد، أو يسجل التاريخ تفاصيلها، والأغرب من ذلك أنهم قد اجتازوا الحدود بين مصر والنوبة في هدوء شديد، لم يلفت إليهم صاحب الجبل والي الإقليم الشمالي من قبل النوبة الموكل بحفظ الحدود الشمالية لبلاده، والذي يحول دون دخول أي شخص للبلاد دون تصريح رسمي يسمح له بذلك(42) .
ثالثاً: الدوافع التجارية والاقتصادية :
ظلت العلاقات التجارية بين مصر والنوبة مزدهرة منذ قديم الزمان، وذلك لحاجة البلدين؛ إذ كانت مصر تحتاج لكثير من المنتجات التي لا تتوفر فيها، مثل: الأخشاب، والعاج، والأبنوس، وبعض التوابل.. وغيرها، فخرجت قوافل تجارتها منذ قديم الزمان إلى الجنوب منها، حتى وصلت إلى أجزاء نائية من القارة الأفريقية(43)، وارتبطت مع بلاد النوبة بصلات تجارية قوية؛ فكانت مدينة أسوان مجمعاً للتجار من أهل السودان ومن النوبة، وكان التجار النوبيون يقدمون إلى أسوان عن طريق النيل حتى الجنادل، ثم يتحولون إلى ظهور الإبل حتى يصلوا إلى أسوان(44)، وقد سكنها كثير من العرب لمناخها الذي يقارب مناخ الجزيرة العربية ولمركزها التجاري(45)، إضافة إلى أن النوبة كانت تصدر عن طريق أسواقها أهم منتجاتها من: (الذهب والزمرد) الذي ينتج في وادي العلاقي(46)، إضافة إلى الرقيق، والعاج، والأخشاب الصلبة، والأبنوس، وسن الفيل لصناعة العاج، الذي يستخدم في الزينة، وريش النعام، والحديد الذي يستخرج ويصهر بالقرب من نباتا ومروى(47)، وكانت ترد إلى النوبة المنسوجات، والقمح، والنحاس من مصر(48).
وحين وقّع عبد الله بن سعد عهد الصلح مع ولاة النوبة نص صراحة على حق الترحال لرعايا البلدين في البلد الآخر دون الإقامة الدائمة؛ فساق هذا الحق التجار المسلمون إلى أعماق النوبة مع بضاعتهم، وتجارتهم، وعقيدتهم الإسلامية، واستطاعوا بما اكتسبوا من معرفة بأحوال البلاد تمهيد الطريق لهجرة القبائل العربية في أعداد كبيرة، بل نجد أن أعداداً منهم قد استقرت في فترة مبكرة في (سوبا) عاصمة مملكة علوة النصرانية جنوب المقرة، حتى أصبح لهم حي كامل يُعرف بهم(49)؛ ومن الدوافع الاقتصادية كذلك التي ساهمت في دفع القبائل العربية للهجرة نحو جنوب مصر في النصف الأول من القرن الثالث الهجري سماع القبائل بمعدني: (الذهب، والزمرد) عبر الصحراء الشرقية لبلاد النوبة، واشتهار أمرهما لا سيما في وادي العلاقي من أرض البجة؛ فأدى ذلك إلى اجتذاب كثير من القبائل العربية المختلفة إلى هذه الأوطان للعمل فيها، واستغلال مناجمها(50)، وأدى استقرارهم هناك إلى اختلاطهم بقبائل البجة عن طريق المصاهرة، فنقلوا إليهم العقيدة الإسلامية، وتغيرت كثير من عاداتهم وتقاليدهم بهذا النسب الجديد(51).
إضافة لذلك فإن المعلوم عن مراعي النوبة وأراضيها أنها أكثر خصوبة من أراضي ومراعي شبه الجزيرة العربية، وعلى وجه الخصوص النوبة الجنوبية (علوة) التي كانت أكثر اتساعاً وأخصب أرضاً وأوفر ثروة من المقرة(52)، إضافة إلى أن مناخ النوبة الشمالية (المقرة) يشابه مناخ وبيئة شبه الجزيرة العربية(53)، وهو ما يوائم حياتهم التي جبلوا عليها في حب الترحال والتنقل، وقد كان لهذا التشابه في المناخ وطبيعة البلاد والأرض المسطحة أثره في دفع هذه القبائل للتقدم نحو الجنوب، وهي قبائل بدوية رعوية، أو شبه رعوية لا تستطيع التقدم إلا في السهول المكشوفة؛ فكان تدفقهم في كل أرض وصلوها يقف عند اصطدامهم بعقبات طبيعية: كالبحار، والجبال، والغابات، وهذا ما حدث بالضبط؛ إذ إن تلك القبائل لم تتوقف في زحفها إلا عند المناطق التي تسوء فيها الطرق، وتتفشى فيها الأمراض الفتاكة، بيد أن هذه الجماعات العربية المهاجرة اختلطت بالعناصر النوبية والبجاوية في تلك المناطق، وأدى هذا الاختلاط إلى تأثر هؤلاء بالدماء العربية التي كانت تتجدد باستمرار مع توالي وصول عناصر عربية جديدة إلى هذه الجهات(54)، إضافة إلى اعتناق عدد منهم للإسلام في هذه الفترة بالرغم من جهلهم باللغة العربية(55)، والراجح أن العرب تعلموا لغة النوبيين بعد أن اختلطوا بهم، واستطاعوا بذلك نشر ثقافتهم الإسلامية في بلاد النوبة(56).
هذا وقد تعاظمت أعداد القبائل العربية المهاجرة ، وانتشرت أحياء العرب من جهينة في بلادهم ـ أي النوبة ـ واستوطنوها وملكوها(57) ؛ وذلك في المراحل الأخيرة للمملكة النوبية النصرانية التي أصابها الضعف والوهن ؛ بسبب خلافاتها الداخلية ، وبسبب الضغط القوي للقبائل العربية التي سارت في زحفها ، حتى بلغت أرض البطانة (58) والجزيرة (59) ، ثم عبر بعضها نهر النيل إلى كردفان ، ودارفور ، وهناك التقت هذه الموجة المهاجرة بموجة أخرى ، كانت قد تابعت شاطئ النيل الغربي حتى دنقلة ، فوادي المقدم (60) ، ووادي الملك ، حتى بلغت في مسارها مملكة : كانم ، برنو ؛ حيث كان الإسلام قد بلغ تلك الجهات من بلاد المغرب وشمال أفريقيا (61) ؛ واستقر بعض هؤلاء المهاجرين في سهول أواسط البلاد ، وانفتحوا على السكان الوطنيين من النوبة وغيرهم من البجة والزنج، فصاهروهم ، وعندما بلغوا كردفان ودارفور اضطر جزء منهم أن يتخلوا عن إبلهم ، ويعتمدوا على الأبقار في ترحالهم ، ومِنْ ثَمّ عرفوا بعرب البقارة (62) .
اشهر القبائل العربية المهاجرة :
ورغم الخلاف الواسع بين الباحثين في إعداد القبائل العربية التي هاجرت إلى بلاد النوبة ، وفي أنسابهم ، إلا أنه يمكن القول بما اتفق عليه معظم الباحثين : إن الجماعات العربية التي هاجرت إلى بلاد النوبة قد اشتملت على المجموعتين العربيتين ، وهما: مجموعتا (العدنانيين ؛ والقحطانيين(63)) ؛ حيث يمثل العدنانيون الكواهلة والمجموعة الجعلية ، وبعض القبائل الأخرى ، في حين يمثل القحطانيون المجموعة الجهنية (64).
ويُقال: إن الكواهلة ينتسبون إلى كاهل بن أسد بن خزيمة ، وإنهم قدموا إلى بلاد النوبة من جزيرة العرب مباشرة عبر البحر الأحمر ، واستقروا في الإقليم الساحلي بين سواكن وعيذاب (65) ، وينسب إليهم كذلك البشاريون والأمرار وبنو عام (66)، ومن المؤكد أن أولاد كاهل قد عاشوا زمناً في الأقاليم الساحلية الشرقية ، والمناطق التي تليها ، ثم انتشروا انتشاراً تدريجياً نحو الغرب (67) .
أما المجموعة الجعلية، فيقال : إنهم ينتسبون إلى إبراهيم الملقب « بجعل » من نسل العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وترجع أسباب هذه التسمية إلى أن إبراهيم هذا كان جواداً مضيافاً ، وإنه كان يقول للوطنيين وغيرهم من العرب : ( إنا جعلناكم منّا ، أي أصبحتم منا )(68) ، وتدل هذه العبارة ، وكثرة ترديدها على أن التوغل العربي الإسلامي في المنطقة كان توغلاً سلمياً مبنياً على التودد ، والصلات الحسنة مع السكان الوطنيين من النوبيين وغيرهم ، إلا أن هناك مصدراً آخر يشير إلى أن سبب هذه التسمية ، أو هذا اللقب سمة إبراهيم الشديدة، ومنظره (69) ، والواقع أنه لم يرد لفظ جعل ومشتقاته في أسماء قبائل العرب القديمة إلا في قبيلتين : إحداهما جعال بن ربيعة ، أقطعهم الرسول -صلى الله عليه وسلم - أرض أرم من ديار جذام ، والأخرى بنو حرام بن جعل بطن من بلى من قضاعة ، وهم بنو حرام بن عمرو بن حبشم (70) ؛ فاللفظ إذن معروف في الجزء الشمالي الغربي من شبه جزيرة العرب ؛ أي في الموطن الأول الذي أمد مصر بموجاته العربية المتلاحقة .
وتؤكد رواية أخرى أن من بين الصحابة الذين نزلوا مصر حزام بن عوف البلوي ، وكان من بني جعل من بلى ، وهو ممن بايع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة في رهط من قومه بني جعل ؛ فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم - : « لا صخر ولا جعل أنتم بنو عبد الله »(71) ، على أنه من الصعب القول بإيجاد صلة بين الجعليين الذين هاجروا إلى بلاد النوبة وبين القبيلة المذكورة هنا ؛ والراجح أن الجعليين لم يكونوا قبيلة واحدة، بل هم مجموعة من القبائل ذات نسب متقارب، هاجرت على دفعات وعلى مدى عدة قرون، وأهم هذه القبائل : الميرفاب ، والرباطاب ، والمناصير ، والشايقية ، والجوايرة ؛ والركابية ، والجموعية، والجمع، والجوامعة، والبديرية والغديان، والبطاحين (72) ؛ ومن القبائل العدنانية كذلك: قيس عيلان، وكنانة، وبنو حنيفة، وربيعة، وبنو فزارة، وبنو سليم، وبنو يونس(73) .
أما أشهر القبائل القحطانية التي هاجرت إلى بلاد النوبة : فهي قبائل بلى ، وجهينة ، وقد ذكر المؤرخون أن الصعيد الأعلى في هذه المرحلة ـ خلافة المعتصم ـ سكنته جموع هائلة من عرب سبأ ، ونزل منهم أرض المعدن خلق كثير ، كانت بلى ، وجهينة من جملتهم (74) .
وينتسب هؤلاء الجهنيون إلى عبد الله الجهني الصحابي، وهو وإن لم يكن من جهينة مباشرة فإنه من قضاعة التي تنتسب إليها جهينة (75) ، وتضم قبائلها : قبائل رفاعة ، واللحويين ، والعوامرة ، والشكرية ، وقد سكن هؤلاء في النصف الشرقي من سودان وادي النيل ، وعلى شاطئ النيل الأزرق والبطانة ، وفي كردفان ، مثل قبائل دار حامد ، وبني جرار ، والزيادية ، والبزعة ، والشنابلة ، والمعاليا ، وفي غرب كردفان ودافور تشمل قبائل الدويحية ، والمسلمية ، والحمر ، والكبابيش ، والمحاميد ، والماهرية، والمغاربة، والبقارة (76) .
ومن القبائل القحطانية كذلك: قبيلة بهراء، وهي بطن من قضاعة التي انتشرت بين صعيد مصر وبلاد الحبشة، وكان لهم فضل كبير في تقويض دعائم المملكة النوبية (77)؛ ومـا يخرج به الباحث من خلال تتبّع هجرة القبائل العربية في بلاد النوبة، هي سرعة اختلاطهم بالسكان النوبيين وغيرهم من الوطنيين في فترة وجيزة، كذلك لا تكاد تجد أسماء من القبائل العربية في مصر إلا وتجد له نظيراً في بلاد النوبة؛ مما يؤكد أهمية المنفذ الشمالي القادم من مصر عن طريق النيل في أمر الهجرة وتوسعها، إضافة إلى ذلك فإن هذه الهجرات لم تتم في وقت معلوم محدد بفترة زمنية معينة، يمكن إحصاؤها وتقديرها.
=============================
الـهوامـش :
1. ابن سيد الناس: السيرة النبوية، ج 1، بيروت، مؤسسة عزالدين للطباعة والنشر،، 1406هـ / 1986م، ص 152ـ مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية 1966م ص 106، 107.
2. محمد عوض: السودان الشمالي سكانه وقبائله، القاهرة، 1951م ص 28.
3. مصوع: ميناء تجاري هام يقع على الساحل الشرقي للبحر الأحمر، وشهد صراعات عديدة في التاريخ، ضمه العثمانيون لهم، وأقاموا فيه قواعد حربية تأميناً للتجارة ومنافذها في سنة1520م، مصطفى مسعد، الإسلام والنوبة، ص 126، 209.
4. أحمد فخري: دراسات في تاريخ الشرق القديم، ط 2، القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1963م. ص 134، 136.
5. دهلك: اسم أعجمي معرب لجزيرة في بحر اليمن، ومرسى بين بلاد اليمن والحبشة، كان بنو أمية إذا سخطوا على أحد نفوه إليها، قال الشاعر:
وأقبح بدهلك مـن بلدة فكل امرئ حلها هالك
انظر ياقوت الحموي: ج 2، معجم البلدان، ج2. (طهران: مكتبة الأسدي 1965م، ص 634.
6. خليفات عوض محمد: مملكة ربيعة العربية، عمان، 1983م، ص 47.
7. مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة، ص 107ـ 108.
8. الشاطر بصيلى: معالم تاريخ سودان وادي النيل، الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1969م، ص 8.
9. المرجع السابق: ص 8 ـ 9.
10. المرجع السابق: ص 8.
11. عوض محمد خليفات: مملكة ربيعة العربية، ص 51.
12. المقريزي: المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار، ج 1 القاهرة المطبعة الأميرية 1970م، ص 195 . قال مصعب الجهني: البلو وبني عامر من قبيلة بلي المعروفة؛ واسمهم في السودان (بلو) ولهم رابطة تعتني في الموروث والنسب؛ وحدثني بهذا أحد أبناء هذه القبيلة وهو استاذ جامعي وأراني بطاقة عضوية القبيلة وهي من السودان ! .
13. ابن هشام: السيرة النبوية، ج 1 ص 205، تحقيق مصطفى عبد الستار، (وآخرين)، مطبعة الحلبي، مصر 1355هـ ـ 1936م.
14. عوض محمد خليفات: مملكة ربيعة العربية، ص 25.
15. على بن الحسين المسعودي: التنبيه والإشراف، ليــدن 1976م.
16. عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري: المعارف، ص 147 تحقيق د. ثروت عكاشة، دار المعارف، القاهرة 1388هـ. دار العلم للطباعة والنشر جـدة 1403هـ، ص 83.
17. الصادق المهدي: مستقبل الإسلام في السودان، ص 17، مصطفى مسـعد مكتبة الأنجلو القاهرة 1960م: الإسلام والنوبة ص 106-109، يوسـف فضل حسن: الهجرات البشرية وأثرها في نشر الإسلام،بحث منشور ضمن إصدار بعنوان: الإسلام في السودان عن جماعة الفكر والثقافة الإسلامية، دار الأصالة، الخرطوم، ص 3.
18. مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة، ص 108.
19. ربيع محمد القمر: قراءة جديدة في نصوص معاهدة البقط، الدارة العــدد (الثاني) الرياض، السنة الحادية والعشرون ـ محرم/ صفر/ ربيع الآخر 1416هـ، ص 162.
20. عبد المجيد عابدين: القبائل العربية في وادي النيل، بحث في ذيل كتاب البيان والإعراب للمقريزي القاهرة 1961م، ص 142.
21. جعفر أحمد صديق: انتشار الإسلام في القرون الثلاثة الأولى من الهجـرة، ص 108، قسم الدراسات العليا الحضارية، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، جامعة أم القرى 1408هـ، ص 108.
22. عباس عمار: وحدة وادي النيل، أسسها الجغرافية ومظاهرها في التاريخ ، ص 80.
23. المرجع السابق: ص 80.
(5) Macmicheal , H.A." The Coming Of Arabs in Sudan ". AESW , London 1935 pp. 46 - 47
24. مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة ص 189.
25. المقريزي: السلوك ج 1، تحقيق محمد مصطفى، مطبعة لجنـة التأليف والنشر - القاهرة 1941م ص 506.
26. محمد عوض محمد: السودان الشمالي، ص 59- 160.
27. محمد بن عمر التونسي: تشحيذ الأذهان بسيرة بلاد العرب والسودان، تحقيق خليل عساكر ومصطفى مسعد، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1965م، ص 6.
28. مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة، ص 190 وما بعدها .
29. أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي: سنن النسائي ج 6، مكتبة مصطفى الحلبي، 1984، ص 8.
30. ابن ماجة: سنن ابن ماجة، تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي، مطبعة مصطفى الحلبي، مصر (بدون تاريخ)، ج 2، ص921.
31. الكندي: الولاة والقضاة، دار صادر، بيروت 1379هـ / 1959م ص 76- 77.
32. المسعودي 1976م: التنبيه والإشراف، ص 329 ـ ابن إياس: بدائع الزهور، ص 29- 31 (محمد بن أحمد) ت 1930هـ القاهرة 1896م.
33. عوض خليفات: العرب والنوبة في صدر الإسلام، بحث بمجلة دراسات تاريخية، جامعة دمشق، رجب 1402هـ / 1982م، ص 63.
34. اختلف المؤرخون في أصلهم، فقيل: إنهم من القبائل النيلية السودانية (الشلك)، وقيل: إنهم من البرنو من غرب إفريقيا، إضافة للرأي القوي الذي يقول: إن أصولهم ذات صلة مباشرة بالأمويين، انظر (مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة ص 206).
35. القمر، ربيع، (معاهدة البقط) رسالة ماجستير غير منشورة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ـ كلية العلوم الاجتماعية قسم التاريخ ـ الرياض، 1412هـ.
36. المقريزي: البيان والأعراب عمن بأرض مصر من الأعراب، تحقيق عبدالمجيد عابدين، القاهرة، 1961م ص 66- 86، 98- 99.
37. المقريزي: المواعظ والاعتبار، ج 2، ص 94.
38. ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في تاريخ ملوك مصر والقاهرة، د 2، القاهرة، دار الكتب المصرية 1963م، ص 223.
39. المقريزي: المواعظ والاعتبار، ج 1، ص 94.
40. ابن تغري بردي: النجوم الزاهرة في تاريخ ملوك مصر والقاهرة، ج 2، ص 49، 55،60، 61.
41. الكندي: الولاة والقضاة. مطبعة الآباء اليوسوعيين بيروت 1908م ص 145- 146.
42. أبو صالح الأرمني: تاريخ الشيخ أبو صالح الأرمني، أكسفورد 1894م ص 12.
43. رولاند أوليفر: (موجز تاريخ أفريقيا)، ترجمة دولت أحمد صادق، القاهرة، الدار المصرية للتأليف والترجمة، ص 39.
44. الإدريسي: نزهة المشتاق في افتراق الآفاق، ج 1، (أبو عبد الله محمد بن محمد بن إدريس) ت 560هـ روما 1970م، ص 39.
45. عبد الله خورشيد: القبائل العربية في مصر، القاهرة، دار الكتاب العربي 1967م، ص52.
46. اليعقوبي: كتاب البلدان، المطبعة الحيدرية، النجـف، 1377هـ - 1957م، ص 120.
47. محمد إبراهيم الصحبي: التجارة والاقتصاد عند العرب، القاهرة، مكتبة الوعي العربي، 1969م، ص 1 ـ 4.
48. أحمد نجم الدين فليحة: إفريقية. بغداد، جامعة بغداد، 1978م، ص 16.
49. ابن سليم الأسواني: أخبار النوبة، (المواعظ والاعتبار للمقريزي)، ج 1المطبعة الأميرية القاهرة 1270هـ، ص 193.
50. اليعقوبي: كتاب البلدان، ص 123- 124.
51. مصطفى مسعد: البجة والعرب في العصور الوسطى، مجلة كلية الآداب جامعة القاهرة، مجلد 21، عدد 2 القاهرة، ص 29.
52. اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، ج 1، دار صادر، بيــروت، 1960م، ص 191.
53. شوقي الجمل: تاريخ وحضارات السودان ج1 القاهرة مكتبة الأنجلو المصرية، 1969م، ص 254- الصادق المهدي: مستقبل الإسلام في السودان، ص 17.
54. مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة، ص 138.
55. المقريزي: المواعظ والاعتبار، ج 1 ص 190.
56. مصطفى مسعد: الإسلام والنوبة، ص 133.
57. ابن خلدون،العبر وديوان المبتدأ والخبر، دار الكتاب اللبناني، بيروت 1968م، ج 5، ص 923.
58. بين نهري عطبرة والنيل الأزرق.
59. بين النيل الأزرق والنيل الأبيض.
60. حسن محمد جوهر وحسين مخلوف: السودان (أرضه، تاريخه، حياة شعبه)، دار الكتب، مصر، 1970م، ص 53.
61. يوسف فضل حسن: الهجرات البشرية، ص 22.
62. المرجع السابق، ص 23.
63. مصطفى مسعد: امتداد الإسلام والعروبة إلى وادي النيل الأوسط، المجلة التاريخية المصرية 1959م (العدد الخامس)، القاهرة، ص 82.
64. المرجع السابق، ص 82.
65. محمد عوض محمد: السودان الشمالي، ص 143.
66. المرجع السابق، ص 144.
67. مصطفى مسعد: امتداد الإسلام والعروبة، ص 83.
68. (2) Michael , H.A : A History of the arabs in the Sudan ,Cambridge 1922 1,p. 197.
69. أحمد بن الحاج: مخطوطة كاتب الشونة، تحقيق الشاطر بصيلى، دار أحياء الكتب العربية مصر، القاهرة، ص 45 (بدون تاريخ).
70. محمد المرتضى الزبيدي: تاج العروس من جواهر القامــوس، ج 8، بيروت، مكتبة دار الحياة ص 243.
71. ابن حجر: الإصابة في تمييز الصحابة، ج1، مطبعة السعادة، مصر 1328هـ، ص 323.
72. نعوم شقير: جغرافية وتاريخ السودان، دار الثقافة، بيـروت 1967م، ص62- 65.
73. اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 89، ابن حوقل صورة الأرض، رسالة ماجستير جامعة أم القرى 1410هـ ص 54، جعفر أحمد صديـق: انتشار الإسلام في السودان، ص 112.
74. اليعقوبي: تاريخ اليعقوبي: ج 2، ص 89، المقريزي: البيان والأعــراب، ص 105، 106.
75. محمد عوض محمد: السودان الشمالي، ص 210.
76. جعفر أحمد صديق: انتشار الإسلام في السودان، ص 122.
77. ابن خلدون: العبر، ج 2، 1968م، ص 516.