وسائل التواصل الاجتماعي متهم رئيس بقتل الكتاب والبحث والقراءة..!!
عبد الرحمن القرني ـ عسير
الأربعاء 26/08/2015
تتفق تقارير التنمية الثقافية على اختلاف مصادرها على حقيقة أن المواطن العربي من أقل الشعوب إقبالًا على القراءة، واهتمامًا بالكتاب. وبالنظر إلى واقع هذه الأزمة في المملكة العربية السعودية، فإن المسؤولين عن المكتبات العامة ما فتئوا يجأرون بالشكوى من انصراف الناس عنهم، وعدم اهتمام قطاعات المجتمع بالاطلاع، وبخاصة وسط جيل الشباب، محذرين من أن هذا الوضع سيقود إلى ظهور جيل فقير الثقافة، ضحل المعرفة.. بما أعاد السؤال إلى الواجهة حول أسباب هذا العزوف الكبير بما أصبح يمثل ظاهرة بائنة للعيان، وكيفية السبيل إلى تنشئة الأطفال ومن ثم الشباب على القراءة والاطلاع والتزود بالمعرفة من مظانها الأساسية متمثلة في المكتبات.. بعض المشاركين في هذا التحقيق ألقوا باللوم على «ملهيات» العصر الحديث متمثلة في وسائل التواصل الاجتماعي، وفشوالتعامل مع التقنية، وانصراف الأسر عن مراقبة أبنائها، وفقر المكتبات لوسائل الجذب المشجع للشباب، وغير ذلك من أسباب أخرى، مقترحين جملة من الحلول في سياق هذا التحقيق.
ماذا يقرأون؟
استهلالًا يقف رئيس نادي أبها الأدبي سابقًا محمد بن عبدالله الحميّد حائرًا أمام توصيف الأزمة في ظل غياب الدراسات الميدانية، حيث يقول: لا أدري إلى أي حد يمكن القول بوجود مشكلة قراءة على النحوالمطروح للمناقشة، وكم كنت أتمنى لو توفر دراسات ميدانية توضح نوع المشكلة وحجمها إن كانت هناك مشكلة.. ففي غياب مثل هذه المعرفة العلمية سيظل حديثنا ضربًا من الظن الذي أخشى ألا يجدي كثيرًا.
ويستدرك الحميّد بقوله: ولكنني من أجل الحوار سأناقش مرتكز القضية؛ وهوانصراف الناس عن المكتبات.. ولست أدري إلى أي حد يمكن القبول بهذا؛ فالمكتبات - وأقصد بها أماكن بيع الكتب وليس المكتبات العامة أوالجامعية - مليئة بالزوار، ومن معرفتي المحدودة بسوق الكتاب يمكنني القول بازدهار تلك السوق؛ لكن السؤال قد يأتي من مكمن آخر هو: أي نوع من الكتب يقرأ الناس إذا كانوا بالفعل يذهبون إليها؟ هنا ليس لديّ معلومات كافية لكن ما أسمعه هوأن هناك أنواعًا معينة من الكتب تتمتع برواج لا ينافس؛ منها كتب الشعر الشعبي الحديث. وقد سمعت من أحد العاملين في ميدان توزيع الكتب يقول إن شركته تسعى إلى بعض كُتّاب الشعر الشعبي لكي توزع أعمالهم، بينما لا تجد فائدة تذكر في توزيع ما يعتبره أمثالي كتبًا جادة. وهنا نحن بالتأكيد إزاء مشكلة حقيقية إن كان ذلك يحدث فعلًا. ولكننا قد نجد بعض العزاء في أننا لسنا وحيدين في ذلك، فأكثر الكتب رواجًا في الغرب ليست الكتب الجادة؛ وإنما الروايات البوليسية، وروايات الرعب، وكتب المذكرات السياسية المثيرة؛ أي بتعبير آخر كتب الثقافة الجماهيرية، والكتب ليست وحيدة في ذلك فالصحف الجادة تجد إقبالًا أقل مما تجده صحف «التابلويد» المثيرة، وقس على ذلك في السينما والتلفزيون وغيرهما.
صوارف كثيرة
ويرى الدكتور عبدالله حامد عسيري الأستاذ بجامعة الملك خالد بأبها أن هناك أسبابًا كثيرة لأزمة عدم القراءة، معددًا إياها بقوله: إن من أهمها كثرة الصوارف والملهيات والمسليات فقديمًا كنا لا نجد سلوى أوهواية نمتع بها أنفسنا سوى القراءة في المكتبات الصغيرة، فقد كانت عاجة بالقراءة، ونتردد عليها صباح مساء، وبعد أن انتشرت وسائل التسلية من تلفاز، وفضائيات، ووسائل التواصل الاجتماعي، والوسائل السمعية والبصرية، أصبح ذلك على حساب القراءة مع الأسف الشديد. وبالرغم من كثرة المكتبات وتكاثرها وتجهيزها بأحدث أشكال وصنوف التقنية، وبأحدث الكتب، وبأحدث القاعات، ووجود ما يساعد ويهيئ للقراءة والاستمتاع بها؛ إلا أن بمقدار ما يزيد ذلك ينقص القراء، وهذه مأساة ومشكلة؛ ولكنها ليست مشكلة خاصة وإنما مشكلة عامة.
ويتابع عسيري حديثه مضيفًا: وسبب آخر أيضًا غير ما ذكرت هوأن عادة القراءة لم تغرس في أنفسنا كشعوب كما غرست في الشعوب الأخرى، لا في التربية الأسرية ولا في مناهج الدراسة. يضاف إلى ذلك غلاء الكتب والمطبوعات، وعدم توفر الكتاب بالشكل الجميل والسعر المناسب وفي أماكن ومواقع يسهل الوصول إليها بدلًا عن الأماكن والقاعات الرسمية لعرض وبيع الكتاب على طريقة البلاد التي تنتشر فيها المكتبات المتنقلة، وكما هي الحال في بعض البلدان الشرقية فتنتقل عبر القرى والأرياف وتيسر القراءة لجميع الطبقات.
عادة وألفة
ويشارك الدكتور غيثان بن علي الجريس، الأستاذ المشارك بجامعة الملك خالد بأبها بقوله: إن ملكة القراءة موجودة عند كل إنسان؛ ولكن ذلك يتوقف على المران والدربة، وعلى العادة والألفة من القارئ، فنجد مثلا المجتعات الغربية مجتمعات قراءة، في أي مكان تجد الكتاب رفيقًا؛ في القطار، وفي الطائرة، وفي معظم الأماكن. أما مجتمعاتنا العربية فتجد أن القراءة متدنية فهل هم من فصيلة غير فصيلتهم؟ بالعكس فالملكة موجودة عند الكل.. ولكن الموضوع يعود الى التدريب والعادة والألفة؟ فأنا أرى أن كل شخص لديه الاستعداد التام للقراءة، ويبقى موضوع التدريب والتعويد عليها هوالمطلوب؛ لأن القراءة مهمة لكل فرد، فهي تؤثر في الثقافة والقدرة على الحوار والقدرة على مناقشة الآخرين، فكل هذه الأمور لا تتكون من فراغ؛ بل تأتي من اتساع أفق الإنسان بالقراءة وتعمقه فيها. ثم إني أعتبر القراءة سياحة فكرية في عقول الآخرين، وجولة مع ذوي العقول سواء كانوا من القمم الشوامخ من علمائنا الماضيين أم من العقول والأقلام الحديثة.
الإغراء والمسؤولية
ويقول عضونادي أبها الأدبي أحمد مطاعن: للكتاب بريق وإغراء يستوليان على لب الطفل منذ سنوات عمره الأولى، ومن يدري فقد تكون منذ ساعات عمره الأولى. والقراءة هي خطوته الأولى للولوج إلى عالم الكتاب وعليها -أعني القراءة- تتوقف علاقته بالكتاب فيما بعد، فإذا تعلم القراءة في جوالرعب والبطش فسوف يرجم أول كتاب يلقاه في طريقه، هذا إن سلك طريقًا فيه الكتاب. ولربما نحسن تعليمه القراءة لكننا نخفق فيما يختاره من الكتب فنطفئ أمام عينيه بريق الكتاب ونحول إغراءه إلى صدمة، فأغراض القراءة تنمو جنبًا إلى جنب مع نموالطفل وتطور أحلامه وتوجهاته. فمثلًا لتكن الكتب المصورة حتى الخامسة من عمره، وحكايات الحيوان والأساطير المبسطة حتى السابعة، ومغامرات الفتيان والكشافة حتى التاسعة، ثم تأخذ الأغراض بعد ذلك تتجه نحوالنضج والتفرغ، وتدخل ميدان الاهتمام، حتى إذا بلغ الطفل السادسة عشرة أصبحت اهتماماته مقاربة لمستويات الكبار، أوتكاد.
ويتابع مطاعن حديثه قائلًا: إن الكتاب هو سيد قنوات المعرفة، والوسيلة الأكثر شعبية لكسب المعلومات نظرًا ليسر استخدامه وحضوره الدائم وطواعيته لوقت القارئ وجهده ومزاجه أيضًا، لهذا فإن مسؤولية المحافظة على بريق الكتاب وإغرائه مهمة نبيلة تشترك في حملها أطراف عديدة؛ مثل معلم الصفوف الأولى، الذي يبذل جهدًا مشكورًا في بناء علاقة حميمة بين الطفل وبين القراءة، فيستأنس ويألف الكلمة. يليه معلم الصفوف العليا الذي يتحسس -مستفيدًا من تجارب أهل البحث- قدرات طلابه وميولهم فيساعدهم على الاختيار. ثم تأتي الأسرة أيضًا، حيث تبدي اهتماماتها بالكتاب وتفرد له مكانًا في المنزل وتغض الطرف عما تدفع فيه من مال. وليت البائع يرضي بربح معتدل يساعده على الاستمرار ويساعد الناشئة على اقتناء الكتاب في آن معًا.. وليتنا نعمل جميعا بيد واحدة للحفاظ على بريق الكتاب وإغرائه الذي يجذب الإنسان إليه منذ سنوات عمره الأولى.
مقترحات بنّاءة
الإعلامي مرعي ناصر عسيري، عضو نادي أبها الأدبي وعضوجمعية الثقافة والفنون بمنطقة عسير قدم مقترحات للمكتبة المدرسية في سبيل تنشيط القراءة بين الطلاب في النقاط التالية:
* تهيئة وتنظيم مواد القراءة المطلوبة لجعلها في متناول الطلاب.
* التعاون التام مع المدرسين لخدمة المناهج الدراسية.
* التعاون مع المكتبة العامة لتشجيع استعمال طلبة المدارس وترددهم عليها.
مختتمًا بقوله: إن استعمال المكتبة العامة عادة قد تلازم الفرد سواء أكان طالبًا أومواطنًا عاديًا، ولهذا يجب على المدرسين اصطحاب الطلاب لزيارة المكتبات العامة والتعرف على تقنياتها، أوتوجيه الطلاب لزيارتها، كما يمكن دعوة أمين المكتبة العامة العامة بزيارة المدرسة ليحاضرالطلبة عن مكتبته وما تعده لهم من سبل الوصول إلى ما يريدون من تسلية أومعرفة أوتعليم.
أزمة مزدوجة
ويرى مدير عام التربية والتعليم بمنطقة عسير، جلوي بن محمد آل كركمان: أن مشاغل الشباب وملاهيهم قد حالت دون ارتيادهم المكتبات، وفي الفترة الحالية تفاقمت المشكلة بازدياد هذه الملاهي؛ إذ تعدت الوسائل المناهضة للكتاب وللمكتبات مثل الأطباق الفضائية، والحاسبات الآلية، وقابل ذلك موقف سلبي لبعض المكتبات لافتقادها إلى عوامل الجذب بالرغم من حاجة هؤلاء الشباب إلى هذه المكتبات أكثر من أي وقت مضى.
ويتبع آل كركمان مضيفًا: ففي عصرنا عصر التقنية والمعلومات باتت الحاجة شديدة إلى خدمات المكتبات، لكونها مركزًا للمعلومات التي يتهافت عليها الكثيرون. ووجود مكتبة عامة فرصة طيبة وثمينة يجب اقتناصها للاستفادة منها ومن ذخائرها التي لا تنضب، وهي دعوة أوجهها لشباب بلادي الغالي من هذا المنبر لضرورة الاستفادة من أقرب مكتبة عامة أووطنية أومتخصصة لديه، ويحاول الاستفادة منها ما استطاع إلى ذلك سبيلا، ولكي يكون لدى شبابنا حافز قوي لارتياد المكتبة فيجب بذر ذلك الوعي لديه منذ الصغر، نتعهده في ذلك، ولابد من الاهتمام بمكتبات الأطفال ومكتبة المنزل، وثمة دور تعليمي يتمثل في ضرورة إحداث تغييرات جذرية في مناهج التدريس بمدارسنا بما يجعل للطالب دوره الأساسي في العملية التعليمية بحيث يصبح مشاركًا مبدعًا لا مجرد متلقٍ يعتمد على كتب مقررة تنهج أسلوب الحفظ والتلقين وتخلق علاقة شبه مقطوعة وغير طبيعية بين الطالب وكتابه؛ بل يجب أن ننمي في التلميذ والطالب ملكة التفكير والإبداع، وعلى مسؤولي المكتبات وأمنائها أيضا دور كبير لجذب انتباه الشباب واستقطابهم إلى المكتبة بتكوين جهاز فني وإداري قادر على معاملة المرتاد وتذليل مصاعبه والأخذ بيده والصبر عليه بتوجيهه على كيفية استخدام الفهارس والحاسبات الآلية إن وجدت، ولا نضيق ذرعًا بأسئلته العفوية الكثيرة.
ويعرض آل كركمان تجربة مكتبتهم بقوله: في مكتبتنا العامة لم ندخر جهدًا في تقويم الخدمات المتخصصة رفيعة المستوى إلى المرتادين داخليًا وخارجيًا، ومنذ فترة ليست قصيرة تطرقنا إلى مفاهيم جديدة في عالم التواصل الثقافي بين المكتبة ومتلقيها ومرتاديها فكسرنا طوق التقليدية في عمل المكتبة من كونها قاعات للمطالعة وخدمة إرشادية إلى أجواء أكثر رحابة وسعة، بالإضافة إلى عملها التقليدي الرسمي المتطور بمواكبة الحاسوب وخدماته الجمة، إلى تنظيمها للندوات والفعاليات الثقافية المختلفة، وأقمنا المعارض الثقافية، وأصدرنا كتبًا عديدة في برنامج البحوث والنشر.
مسؤولية متضافرة
رؤية الدكتور أحمد مريع عسيري، رئيس نادي أبها الأدبي تجلت في قوله: أرى أن على البيت مسؤولية في هذا الصدد، وأملي ورجائي في المعلمين الذين ينتظر منهم تنمية هذه المهارات؛ حيث إن مسؤولية هذا الأمر لا تقع على عاتق أمين المكتبة فقط، ولا مدرس اللغة العربية فقط؛ بل كل المدرسين حتى مدرس التربية البدنية فأي مدرس يفترض فيه أن ينمي هذه الملكة ويقويها. ومن برامج الوزارة التي تؤكد عليها باستمرار زيارة مكتبة المدرسة من قبل الطلاب ولا بد أن يقضي الطالب وقتًا في هذه المكتبة وقد جعلت الوزارة مادة اسمها المكتبة والبحث إلزامية في التعليم الثانوي فلا يستطيع الطالب أن ينتقل من مرحلة إلى أخرى حتى يجتاز هذه المادة، وهدف هذه المادة الأساسي تربية الطلاب على القراءة وتعويدهم عليها وتحبيبهم إلى الكتاب بحيث يكون الكتاب صديقًا وحبيبًا لهم، كما أن من أهدافها أن يألف الطالب جوالمكتبة ويعرف المراجع والكتب واستخراجها من الفهارس، وفي هذه المادة أيضًا بحث يقوم الطالب بكتابته وتقديمه لأستاذه كأحد شروط انتقاله من مرحلة إلى مرحلة.
خير جليس
مشرف العلاقات العامة بالإدراة العامة للتعليم بمنطقة عسير، محمد مانع القحطاني، طالب بضرورة وضع الحوافز التي تساعد الشباب على القراءة من تيسير سبل الوصول إلى الكتاب، وتيسير ثمنه بعكس غلاء الكتب والمجلات الذي نراه الآن بحيث يصعب على البعض شراؤها واقتناؤها، فالاهتمام بالثقافة والقراءة إنما هوالطريق السليم لإنشاء جيل مثقف، والأجيال المثقفة هي التي يعتز بها.
تأليف جديد
ويتفق الدكتور منصور بن عوض القحطاني، عميد شؤون المكتبات بجامعة الملك خالد، مع سابقيه في ضرورة تعويد الإنسان وخاصة الأطفال على حب القراءة والاطلاع وجلب القصص لهم، خاصة وأن المكتبات مليئة بما يناسب جميع الأعمار.
مضيفًا: إن الطفل حينما ينشأ في رحاب الكتب ويترعرع بين أحضانها خاصة في المرحلة التي يحب فيها تقليد والده والذي ينبغي عليه أن يصطحبه إلى المكتبات العامة وأن يشجعه على القراءة ويحمسه مثلما يفعلون مع أفلام الكرتون، سينشأ على حب الكتاب والقراءة. وفي ظني أن إصلاح وضع الثقافة سواء جاءت عن طريق الكتاب أوغيره يأتي من المنتجين أنفسهم أي من المؤلفين فلابد من الإنتاج الجيد ليفرض نفسه على القراءة. وإذا كنا مشغولين هنا بالنشء الجديد فإن المطلوب هوالتأليف لهم تاليفًا يجمع الجدية إلى الإمتاع لاجتذابهم إلى القراءة. فاذا وجد المؤلف الجيد جاء دور التعريف به والتشجيع على تناوله في الأماكن الأساسية، لذلك وهي البيت والمدرسة ووسائل الإعلام.
المصدر: صحيفة المدينة