• ×

الرحالة أحمد القضاعي يرافق ابن جبير في رحلته إلى جدة ومكة في القرن السادس الهجري

زيادة حجم الخط مسح إنقاص حجم الخط
بسم الله الرحمن الرحيم


الرحالة احمد القضاعي يرافق ابن جبير في رحلته إلى جدة في القرن السادس الهجري
د. عدنان عبدالبديع اليافي

عندما قدم الرحالة العربي الشهير ابن جبير في القرن السادس الهجري إلى جدة في طريقه إلى مكة المكرمة لأداء مناسك الحج والعمرة ومن ثم إلى المدينة المنورة للتشرف بالسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رفيق رحلته هو احمد القضاعي .
وقد وَثّق ابن جبير تلك الرفقة في كتابه الشهير الموسوم ( رحلة ابن جبير ) والذي وصف فيه رحلته الشهيرة التي بدئت من غرناطة في يوم الخميس 8شوال 578هـ / 3فبراير 1182م ودامت حوالي ثلاث سنوات , إذ قال: \" وكان انفصال احمد بن حسان ومحمد بن جبير من غرناطة حرسها الله للنية المباركة , قرنها الله بالتيسير والتسهيل وتعريف الصنع الجميل , أول ساعة من يوم الخميس الثامن لشوال المذكور ويوافقه اليوم الثالث لشهر فبراير الأعجمي \" .
وقد دخل الرفيقين جدة ظهر يوم الثلاثاء الرابع من شهر ربيع الثاني سنة 579هـ الموافق السادس والعشرون من شهر يوليو سنة 1183م بعد ثمانية أيام قضوها في البحر وصفها ابن جبير بقوله أنها كانت \"أهوال شتى , عصمنا الله منها بفضله وكرمه , فمنها ما كان يطرأ من البحر واختلاف رياحه وكثرة شعابه المعترضة فيه . ومنها ما كان يطرأ من ضعف عده المركب واختلالها اقتصامها ( انكسارها) المرة بعد المرة عند رفع الشراع أو حطه أو جذب مرساه من مراسيه وربما سنحت ( لصقت بالأرض ) الجلبة بأسفلها على شعب من تلك الشعاب أثناء تخللها فنسمع لها هدا يؤذن باليأس , فكنا نموت مراراً ونحيا مراراً , والحمد لله على ما من من العصمة , وتكفل به من الوقاية والكفاية حمداً يبلغ رضاه ويستهدى المزيد من نعماه , بعزته وقدرته , لا إله سواه \" . وكان من شدة ما عانوا في البحر أن قال ابن جبير \" وعند احتلالنا (قدومنا) جُدة المذكورة عاهدنا الله عز وجل سروراً بما أنعم الله به من السلامة ألا يكون انصرافنا على هذا البحر الملعون إلا ان طرأت ضرورة تحول بيننا وبين سواه من الطرق , والله ولي الخيرة في جميع ما يقضيه ويسنيه (يسهله وييسره) بعزته\" .
وفي جدة سكن ابن جبير والقضاعي في دار صاحبها , القائد علي . وكانت جدة تتبع مكة إدارياً كما بين ابن جبير , ووصف ابن جبير المسكن الذي نزلا به وقال عنه أنه \" صرح من تلك الصروح الخوصيه التي يبنونها ( أهل جدة ) في أعالي ديارهم ويخرجون منها إلى سطوح يبيتون فيها \" يقول العلامة عبدالقدوس الانصاري رحمه الله أن هذا النص يدل على أن ابن جبير والقضاعي قدموا إلى جدة في فصل الصيف .
وتحدث ابن جبير عن مساجد جدة فقال: \"وفيها مسجد مبارك منسوب إلى عمر بن الخطاب , -رضي الله عنه ومسجد آخر له ساريتان من خشب الانبوس ينسب أيضاً إليه رضي الله عنه - .
وبعد أن مكث القضاعي وابن جبير ثمانية أيام في جدة غادروها إلى مكة المكرمة التي سجل ابن جبير في رحلته دخولهم لها يقوله: \"ودخلنا مكة , حرسها لله , في الساعة الأولى من يوم الخميس الثالث عشر لربيع المذكور , وهو الرابع من شهر أغشت (أغسطس ) , على باب العمرة وكان اسراؤنا تلك الليلة المذكورة , والبدر قد القى على البسيطة شعاعه , والليل قد كشف عنا قناعه , والأصوات تصك الآذان بالتلبية من كل مكان , والالسنة تضج بالدعاء وتبتهل إلى الله بالثناء فتارة تشتد بالتلبية , واونة تتضرع بنيات الدهر . إلى أن وصلنا في الساعة العقر ( التي لا مثيل لها ) . فهي عروس ليالي العمر وبكر بُنيات الدهر . إلى أن وصلنا في الساعة المذكورة من اليوم المذكور , حرم الله العظيم ومبوأ الخليل إبراهيم \" .
وفي مكة المكرمة إعاد ابن جبير ذكر رفيق دربه مره أخرى بقوله: \" وفي تلك الليلة المباركة شاهد أحمد بن حسان منا أمراً غريباً هو من غرائب الأحاديث المأثورة في رقة النفوس\" .
وقد مكث القضاعي وابن جبير في مكة المكرمة أكثر من ثمانية أشهر وغادرها يوم الخميس الثاني والعشرون من ذي الحجة 579هـ متوجهين إلى المدينة المنورة ومرا في طريقهم إلى مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم على وادي مَرِّ , فعسفان , فخليص , ثم بدر , فالصفراء , ثم بئر ذات العلم , ثم نزلا على شعب علي , ومنه إلى تربان , فالبيداء التي يبصر منها زوار المدينة , المدينة . وكان موضع مشاهده المدينة منها يسمى بالمفرحات , ثم نزلا أولا بالقسم الغربي من وادي العقيق . وفي عشى يوم الاثنين الثالث من محرم 580هـ دخل القضاعي وابن جبير المدينة ومن ثم دخلا المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلاة والتسليم . ووصف ابن جبير مشاعرهم عندئذ بقوله: \" ولم يبق لنا أمل من آمال وجهتنا المباركة , ولا وطر إلا وقد قضيناه , ولا غرض من أغراضنا المأمولة إلا وبلغناه \" . يقول العلامة الأنصاري رحمه الله أن معنى ذلك أنه \" بزيارته للمسجد النبوي وسلامه على المصطفى صلى الله عليه وسلم قد حقق كل أهدافه من رحلته , ولم يبقى له مطمع في حياته إلا أن يعود إلى وطنه في سلامة وأمن . وبعد أن مكث القضاعي وابن جبير خمسة أيام فقط بالمدينة المنورة غادراها ضحى يوم السبت الثامن من محرم 580هـ الموافق 21 ابرايل 1184م في بداية رحلة عودتهم إلى ديارهم في الأندلس.
ترجمة القضاعي
وردت في (التكملة لكتاب الصله ) لابن الأبار المتوفي سنة 658هـ - 1259م والذي حققه إبراهيم الابياري ترجمة للقضاعي ننقل منها هنا بتصرف :
أحمد بن الحسن بن احمد بن الحسن بن حسان القضاعي . أصله من أنده , عمل بلنسية ( Valencia ) , وولد بمرسيه . يكنى: أبا جعفر .
روى عن ابي الحسن بن النعمه ورحل إلى المشرق مرافقاً أبا الحسين بن جبير , فاديا فريضة الحج , وسمعا بدمشق من ابي الطهر الخشوعي , واجاز لهما ابو محمد بن ابي عصرون , وابو محمد القاسم بن عساكر , وغيرهما , ودخلا بغداد وتجولا مده , ثم قفلا جميعا إلى المغرب , فسمع منهما بعض ما كان عندهما .
وكان ابو جعفر هذا متحققاً بعلم الطب , وله فيه تقيد مفيد , مع المشاركة الكاملة في فنون العلم .
وجده لأمه القاضي ابو عبدالحق بن عطيه .
حدث عنه ثابت بن محمد بن خيار الكلاعي , وغيره وتوفي بمراكش سنة ثمان , أو تسع , وتسعين وخمسمائة 599هـ , ولم يبلغ الخمسين في سنه .
كما وردت للقضاعي ترجمة في (نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب وذكر وزيرها لسان الدني بن الخطيب ) من تأليف الشيخ احمد بن محمد المقري التلمساني (المقري) المتوفي سنة 1041هـ والذي حققه كل من الدكتورة مريم قاسم طويل والدكتور يوسف على طويل . الاساتذه بالجامعة اللبنانية ما ننقل منه هنا بتصرف :
\"ورافق ابن جبير في هذا الرحلة ابو جعفر احمد بن الحسن بن احمد بن الحسن القضاعي , وأصله من انده من بلنسية , رحل معه فأديا الفريضة , وسمعا بدمشق من ابي الطاهر الخشوعي , واجاز لهما ابو محمد بن ابي عصرون وابو محمد القاسم بن عساكر وغيرهما , ودخلا بغداد وتجولا مدة , ثم قفلا جميعاً إلى المغرب , فسُمع منهما به بعض ما كان عندهما \" .
وتحدث المقري أيضاً عن معرفة القضاعي بالطب , وذكر تاريخ وفاته رحمه الله- في سنة 599هـ .
وفي كتاب ( الإحاطة في أخبار غرناطة ) لـ لسان الدين بن الخطيب والذي حققه محمد عبدالله عنان ورد في المجلد الثاني , ذكر مرافقه القضاعي لابن جبير , حيث يقول الخطيب: في ايجاز وصف رحلة ابن جبير \" رحل ثلاثا من الاندلس إلى المشرق , وحج في كل واحده منها . فصل عن غرناطة أول ساعة من يوم الخميس لثمان خلون من شوال , ثمان وسبعين وخمسمائة , صحبه ابي جعفر بن حسان , ثم عاد إلى وطنه غرناطة لثمان بقين من محرم واحد وثمانين \" .
هذه ملامح من تاريخ زيارة القضاعي إلى جدة عندما قدم إليها في صحبة الرحالة ابن جبير رحمهما الله - في القرن السادس الهجري في طريقهم لأداء فريضة الحج .

كتبه
د. عدنان عبدالبديع اليافي
6/5/2009م


بواسطة : hashim
 0  0  9583
التعليقات ( 0 )

-->