الجاحظ ....... في ميزان أهل العلم
قال الشيخ مشهور سلمان حفظه الله في تعليقه على كتاب الشيخ محمد راغب الطبّاخ رحمه الله "ذو القرنين وسد الصين" (ص 121/ حاشية 5/ ط . غراس) :
علّق المصنف (أي الطبّاخ) رحمه الله عند قوله على الجاحظ (وأوثق منه) في هامش النص ما نصّه : ( بل هو ليس بثقة ولا مأمون، كما صرّح به الذهبي في ميزان الاعتدال (2/282)، وقد كان وضّاعاً للحديث، ففي "المدخل" للحاكم النيسابوري (ص 19) بسنده إلى المحاملي قال : سمعت أبا العيناء يقول : أنا والجاحظ وضعنا حديث فدك .......... إلخ
وفي "أمالي السيد المرتضى" (139) : جرى ذكر الجاحظ في مجلس أبي العباس أحمد بن يحيى، قال : أمسكوا عن ذكر الجاحظ، فإنه غير ثقة .
قال الأزهري : وكان الجاحظ روى عن الثقات ما ليس من كلامهم، وكان قد أُتِيَ بسطةً في لسانه، وبياناً في خطابه، ومجالاً واسعاً في فنونه، غير أن أهل العلم والمعرفة ذمّوه، وعن الصدق دفعوه ) .
انتهى .
قال أبو عبيدة (مشهور سلمان) : الكلام في الجاحظ كثير، أورد طرفاً منه لأهمّيته، ولشيوع ذكره عند الأدباء والقرّاء، ولشهرة كتبه، وتسابق الناشرين لطبعها، فأقول - والله المستعان - :
كُتُب الجاحظ مليئة بالأخبار وطافحة بالآثار، وهو أشبه ما يكون ب"الصُّحُفي" فيها، يُنوّع مادته ويعرضها بأسلوب أخّاذ شيّق، ولكن ينبغي الحذرُ من الأخبار التي يوردها، وقد حذّر من كتبه بعامّة تلميذه ابن قتيبة واعتذر عن تلمذته له، فقال عنه في كتابه "تأويل مختلف الحديث" (1/198) :
( ثم نصير إلى الجاحظ، وهو آخر المتكلّمين والمعايَر على المتقدّمين، وأحسنهم للحجّة استثارة، وأشدّهم تلطّفاً لتعظيم الصغير حتى يعظم، وتصغير العظيم حتى يصغر، ويبلغ به الاقتدار إلى أن يعمل الشيء ونقيضه، ويحتج لفضل السودان على البيضان ) .
وقال يصف تلاعبه ونفاقه : ( فتجده يحتجّ مرّة للعثمانية على الرافضة، ومرّة للزيديّة على العثمانية وأهل السنّة، ومرّة يفضّل عليًّا ومرّة يؤخّره، ويقول : قال رسول الله ، ويتبعه : قال الجماز وقال إسماعيل بن غزوان، كذا وكذا من الفواحش، ويُجَلُّ رسول الله عن أن يُذكر في كتابٍ ذُكِر فيه هؤلاء، فكيف في ورقة أو بعد سطر وسطرين .
ويعمل كتاباً يَذكر فيه حجج النصارى على المسلمين، فإذا صار إلى الرّد عليهم؛ تجوّز في الحجّة كأنّه إنّما أراد تنبيههم على ما لا يعرفون، وتشكيك الضعفة من المسلمين .
وتجده يقصد في كتبه المضاحيك والعبث، يريد بذلك استمالة الأحداث وشُرّاب النبيذ .
ويستهزئ من الحديث استهزاءً لا يخفى على أهل العلم، يذكر كبد الحوت وقرن الشيطان، ويذكر الحجر الأسود وأنه كان أبيض، فسوّده المشركون، وقد كان يجب أن يبيّضه المسلمون حين أسلموا .
ويذكر الصحيفة التي كان فيها المنزَل من الرضاع تحت سرير عائشة، فأكلتها الشاة، وأشياء من أحاديث أهل الكتاب في تنادم الديك والغراب، ودفن الهدهد أمه في رأسه، وتسبيح الضفدع وطوق الحمامة وأشباه هذا ) .
وقال أيضاً : ( وهو مع هذا من أكذب الأمّة، وأوضعهم لحديث، وأنصرهم لباطل، ومن علم - رحمك الله - أن كلامه من عمله قلّ إلاّ فيما ينفعه، ومن أيقن أنه مسؤول عمّا أَلَّف وعمّا كَتَب، لم يعمل الشيء ونقيضه، ولم يستفرغ مجهوده في تثبيت الباطل عندهم، وأنشدني الرياشي :
فلا تكتب بخطّكَ غير شيءٍ .................... يُسرُّكَ في العواقب أن تراه ) .
قال أبو عبيدة : وفي نسخة خطية زيادة بعد قوله السابق (وأنصره لباطل) ما نصّه :
( وأكذبه على الله ورسوله، قال أبو محمد (أي ابن قتيبة) : وكان يفطر في رمضان، وكان يقول : إنّما هي دنيا ليس بعدها شيء، إنما وضع الكتب مطربةً وسخريةً، لأنه ما كان له دين، ولا كان يصلّي إلاّ رياءً، وذكر الشافعي بأقبح قول، قال : وما يصنع الناس بما صنع ووضع، هلا اشتغل بشعرٍ جميل وكثير كان أصلح له من هذا ! وكان يشتمه بأقبح الشتم، قال أبو محمد : فرحم الله الشافعي، فإنه ما كان من أهل الفقه من يتكلّم مثل كلامه ....................... ) .
وقال الذهبي في السير (11/527) عن الجاحظ : "كان ماجناً قليل الدين، له نوادر"، وقال (11/528) : "يظهر من شمائل الجاحظ أنه يختلق"، وقال في الميزان (3/247) : "وكان من أئمّة البدع" .
وقال الخطّابي : "وهو مغموص في دينه" .
وذكر أبو الفرج الأصبهاني أنه كان يُرمَى بالزندقة .
وقال ابن حزم في "الفصل" (4/195) : "كان أحد المجّان، ومن غلب عليه الهزل، وأحد الضلاّل المضلّين، فإنّا ما رأينا في كتبه تعمّد كذبة يوردها مثبتاً لها، وإن كان كثير الإيراد لكذب غيره" . كذا في لسان الميزان لابن حجر (4/355) .
وقد أورد البغدادي في "الفَرق بين الفِرَق" (175-178) والسكسكي في "البرهان في عقائد أهل الأديان" (30-31) كثيراً من البدع العقديّة التي كان يعتقدها الجاحظ وأودعها في كتبه .
انتهى .
والجاحظ هو عمرو بن بحر البصري، وقد توفي سنة 250 هـ أو بعدها بقليل، ويُعَدُّ من المعتزلة، وله جماعة حامت حوله سُمِّيَت ب"الجاحظيّة" .
رد مع اقتباس