عرف المجتمع المكي منذ الجاهلية استئناس الدواب واستخدامها في المواصلات ونقل الحمولات، وكانت الخيول في مقدمة الدواب التي تقتنى من قبل المكيين، وإن كان استخدامها يقتصر على طبقة الأثرياء وموظفي الدولة العثمانية خاصة الوالي والقادة العسكريين، أما بالنسبة للطبقة المتوسطة وعامة سكان مكة، فكانت وسيلة التنقل المفضلة لديهم هي الحمير خاصة داخل مكة لسهولة رعايتها، وقلة تكاليفها.
وكان البناؤون في مكة يعتمدون على استئجار الحمير اعتمادا تاما لنقل مواد البناء، خاصة إذا كان المبنى يقع في منطقة مرتفعة، حيث تحمل الحمير بالمواد، ثم توجه لمرة واحدة فقط، وبعد ذلك تترك وحدها فلا تخطئ طريقها، صعودا وهبوطا، ويكتفي أصحابها بالتحميل والتنزيل فقط.
ومثلهم في ذلك السقاة الذين كانوا يحملون الماء عليها، ويوجهونها إلى البيوت، لتعرف طريقها بعد ذلك بشكل يومي دون عناء أو توجيه من صاحبها.
وكانت للحمير أسواق رائجة، حيث تختلف قيمتها تبعا لنوع الفصيلة، وقوة التحمل، وسهولة القياد، حتى إن محمد عمر رفيع يقول في كتابه "مكة في القرن الرابع عشر الهجري": إذا كان الحمار لين المركب، سريع الجري، غلا ثمنه، وتنافس الناس في اقتنائه، فقد تصل قيمة الحمار ذي المزايا المنوه عنها إلى نحو مئة جنيه ذهبا.
ويقول محمد يوسف طرابلسي في كتابه "جدة حكاية مدينة": كانت السلالات الجيدة منها تستورد من اليمن والأحساء ومصر والعراق، ومن أنواعها العجمي وهو أمكرها، والحساوي ويكون لونه أبيض وهو أعلاها، أما الحمير المجلوبة من اليمن فهي أقصرها، وتعد المستوردة من إيران أكبرها حجما وأقواها، لذا يتم التركيز عليها في النقل والتحميل.
وقد استوقفت الحمر المكية الكثير ممن زار مكة لضخامتها وقوتها، حتى أن الرحالة الإنجليزي جون كين يقول عنها «الحمار في الحجاز حسب اعتقادي هو حيوان يختلف كل الاختلاف عن الحمار في مصر، حيث تبدو عليه في الحجاز مظاهر القوة مع اختلاف بسيط في كونه جيدا ومطيعا وهو كباقي الحمير يجر العربات، وتنطلق قوافل الحمير بين مكة وجدة بعد مغيب الشمس وتصل إلى وجهتها قبل طلوع النهار، وتكون الحمير إما تحمل الرجال أو مثقلة بالحمولة، ويستخدم الحمار لهذا الغرض لمدة ثلاث سنوات، وعندما يصبح غير قادر على هذه الأعمال يصبح حمارا خصوصيا».
والحمير التي عناها جون كين هنا هي التي كان أصحابها يعدونها لنقل الرسائل بين جدة ومكة، أو مكة والطائف وكان الأهالي يعتمدون عليهم في ذلك، ولهم موقف في المنطقة المعروفة بالخريق بالنسبة لحمارة الطائف، وآخر في حارة الشبيكة لحمارة جدة.
ولأصحاب الحمير قهوة يجتمعون فيها تعرف بقهوة الحمارة، ولهم شيخ يطلق عليه (شيخ الحمارة) كانت مقصدا لمن يريد أن يستلم أو يسلم رسالة، وقد استمرت مهمة نقل الرسائل منوطة بهم حتى منعهم الشريف حسين بن علي عن ذلك حتى يفعل دور إدارة البريد التي أنشأها في مكة إبان حكمه، وكانوا إضافة إلى ذلك مقصدا لمن يريد الوصول إلى جدة أو الطائف بسرعة، حيث لا يتقيد أصحابها بسير القوافل، بل يسيرون في جماعات صغيرة وحدهم.